رهان ماكرون بعيداً عن الإرث الاستعماري

القمة الأفريقية الفرنسية

الرئيس الفرنسي في القمة

رهان ماكرون بعيداً عن الإرث الاستعماري

مونبلييه: على عكس أسلافه، ساركوزي وهولاند، وقبلهما ميتران، يسير الرئيس إيمانويل ماكرون على خطى جاك شيراك، ويهدف إلى تجسيد القطيعة مع الإرث الاستعماري، لإظهار فجر حقبة جديدة، ويبدو أنه وجد الطريق، التحدث مباشرة إلى المجتمعات المدنية ورموز الشتات الأفريقي رغم مجازفته بذلك في ظل أجواء ملغمة وسياق دبلوماسي متوتر للغاية: الانقلابات والتوترات الدبلوماسية في المغرب العربي خصوصا مع الجزائر والمغرب وتونس، والأزمة السياسية مع مالي، والتساؤلات حول الموقف الفرنسي تجاه تشاد والسنغال وساحل العاج أو غينيا، وبوادر اندلاع ثورات الربيع الديمقراطي في أفريقيا إضافة إلى قضايا الهجرة وكل ذلك على خلفية الإرث والتاريخ الاستعماري. لهذا لم يكن انعقاد القمة الأفريقية الفرنسية يروق لجميع الأطراف الفرنسية والأفريقية على السواء. حيث تصاعدت منذ أشهر أصواتٌ تندد بهذه القمة غير المتكافئة، وقالت إن فرنسا تستعرض عضلاتها في أفريقيا كما خشي البعض من أن تتحول مدينة مونبلييه إلى مسرحٍ لقمة مضادة تنظمها بشكل خاص المنظمتان المتشددتان أتاك وسورفي، اللتان تريان أن الرغبة الاستعمارية في القارة الأفريقية لا تزال موجودة لكن بطريقة جديدة ومخالفة، وأن فرنسا لا تزال تمارس الهيمنة الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية، وتواصل التدخل العسكري، وتدعم الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان وتمنع تحرر الشعوب داخل القارة السمراء.


ورغم تلك المخاطر، لكن الرئيس مضى في مبادرته حتى النهاية. ووفقاً لما قاله مستشارو الرئيس ماكرون لـ«المجلة»، فإن الرئيس حرص على اللقاء بشباب ومثقفي أفريقيا والجهات المدنية الفاعلة لكونه ضروريا، ويرى أن العلاقة بين فرنسا والقارة السمراء لا يمكن اختزالها في العلاقات بين الدول، فهي بحاجة إلى هذا الحوار بين المجتمع المدني والفاعلين كعوامل للتغيير. وأكد مستشارو الإليزيه، أنه حرص على أن لا تكون قمة المعارضات السياسية، وإنما هدف منها إلى إجراء تغيير في المنهجية وفي تصور العلاقة بين الطرفين، لهذا لم تتم دعوة قادة الدول ولا الأحزاب السياسية، بل الأفراد والشخصيات المنخرطة في تحركات السياسة المحلية.


وحسب مستشاري قصر الإليزيه، فضل الرئيس ماكرون إعطاء الفرصة للشباب من المجتمع المدني الأفريقي والفرنسي لتبادل الآراء والمواقف حول قضايا عديدة، من أجل التغيير الذي يطمحون إليه، فاستضاف وفودا من 53 دولة أفريقية ضمت مثقفين ورواد أعمال وفنانين ورياضيين شبابا، إضافة إلى جمعيات من المجتمع المدني الأفريقي والفرنسي، ولم يشارك فيها أي رئيس دولة أو رجل سياسي، عدا ماكرون نفسه.

 

فرنسا ستحث خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي على إلغاء عقوبة الإعدام عالميا

ماكرون الأفريقي

في الواقع، يراهن الرئيس الفرنسي على قارة أفريقيا التي يراها مصدر إلهام ورخاء واستقرار لبلاده، فهي مرجع قوتها التاريخية، وما زال متمسكا بأنها تشكل مستقبلاً مزدهراً لبلاده، ولهذا وضع القارة السمراء ضمن أولويات سياسته الخارجية ويعمل على دعمها للارتقاء بالمستوى المعيشي والاقتصادي والثقافي لبلدانها، ويحاول نزع الزي العسكري الذي كان يرتديه بلده في القارة لعقود يرى أنها بالية ليستبدله بثوب المحامي. ففي أعقاب انتخابه، أنشأ المجلس الرئاسي لأفريقيا (CPA) لتنفيذ رؤيته. ويعتبر أول من أعلن عن أن الاستعمار في أفريقيا جريمة في حق الإنسانية، كما أعرب في واغادوغو يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 عن سعيه الطامح إلى تجديد العلاقة بين فرنسا والقارة الأفريقية من خلال مختلف الالتزامات واضعاً الأسس لسياسته الأفريقية. حيث قال: «لن أكون إلى جانب أولئك الذين يرون أن أفريقيا قارة الأزمات والبؤس، ولا إلى جانب أولئك الذين يرون أفريقيا مزينة بكل الفضائل. أنا لست من أولئك الذين يخفون وجوههم ويتجاهلون صعوبة حياتكم اليومية: صعوبة الحصول على منحة دراسية، وكتاب مدرسي، وأحيانًا التمتع بحياة بسيطة».
وأضاف: «أنا أعتبر أفريقيا هي القارة المركزية والعالمية التي لا مفر منها. وهنا تتركز كل التحديات فهي قادرة على تغيير العالم».

قمة مونبلييه والنهج الجديد


كانت قمة مونبلييه، التي انطلقت الأسبوع الماضي في 8 أكتوبر (تشرين الأول) بالمدينة الساحلية الرائعة ناجحة بكل المقاييس وفريدة في كل شيء.. لأول مرة منذ إنشاء القمة الأولى عام 1973 التي ضمت القادة الأفارقة والقوة الاستعمارية السابقة، لم تتم دعوة رؤساء الدول والحكومات ولا حتى الوزراء لم يكن هناك شخصيات مسؤولة سوى الرئيس ماكرون ووزراء خارجية والتجارة الدولية والمرأة الفرنسيين، كما حضر بصفة مراقب سفراء دول أفريقيا وعلى رأسهم سفيرا مصر علاء يوسف، وتونس محمد كريم الجموسي..
وكانت قمة البهجة والانفتاح والصراحة، جمعت الجدية والفكاهة، الفلسفة والرقص والفن والرياضة، حضرها أكثر من ثلاثة آلاف شاب، ونجوم رياضيون ومدربون عالميون فرنسيون وأفارقة، إضافة إلى العديد من رواد المجتمع المدني الفرنسي والأفريقي.. وبهذه المناسبة، تم اختيار لجنة مؤلفة من اثني عشر شابًا للحوار مع الرئيس ماكرون بعد أن سمح للضيوف باستجوابه. «بدون محرمات» وهذا أيضا نادر في المحافل الدولية.
وقد احتضنت القمة ورش عمل بحثت أبرز القضايا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية تم خلالها تبادل الأفكار حول 5 مجالات، وهي الاقتصاد والرياضة والتعليم العالي والبحث العلمي والديمقراطية إضافة إلى الميادين الثقافية. كان واضحا الهدف منها رسم علاقة جديدة بين قارة أفريقيا وفرنسا حيث عقدت الفعالية في صيغة جديدة وبحضور جهات فاعلة جديدة وتناولت موضوعات وقضايا جديدة بغية إلقاء نظرة على العلاقة الثنائية سعيًا إلى توفير إطار تفكّر وعمل مستحدث للأجيال الجديدة. ويبدو أن هذه القمة الاستثنائية ستضاف إلى رصيد ماكرون خلال تقييم سياسته الخارجية إبان حملته الانتخابية الرئاسية لولاية ثانية التي ستجري في غضون 7 أشهر. فمن المتوقع أن تجلب له سياسته الأفريقية النزيهة وكلماته الصادقة والمباشرة العديد من أصوات الفرنسيين والفرنسيات ذوي الأصول الأفريقية. فهذه هي المرة الأولى التي ناشد فيها رئيس جمهورية فرنسي المثقفين الأفريقيين والشتات وصوت من لا صوت لهم للمشاركة والتحضير لقمة أفريقية- فرنسية بدلاً من قادة الدول والحكومات الأفريقية وأعطى الكلمة للمفكرين المعاصرين ناهيك بأنه قام بتغيير اسم قمم (فرنسا- أفريقيا) إلى (أفريقيا- فرنسا) احتراما وإجلالا للقارة، وهو نهجٌ جديدٌ وحميدٌ يُحسب له لا عليه.
تمثلت فكرة قمة مونبلييه التي صممتها فرنسا في إبراز الرابط الفريد الذي يميز العلاقة بين أفريقيا وفرنسا. فقد تساءل كثيرون: لماذا لا تزال القمة الأفريقية الفرنسية، فيها دولة واحدة ضد 54 دولة؟ كسر ماكرون تلك القيود المؤسسية لقمة رؤساء الدول، لتواصل بلاده صيغة حميدة لأنها تنبع من النسيج الشعبي لإنشاء هذه الرابطة الإنسانية الاجتماعية الفريدة بين شباب فرنسا وأفريقيا لتوحد بينهما فلا تقتصر على علاقة من دولة إلى أخرى. وهذا ما يقوله الرئيس في كثير من الأحيان عن الجزء الأفريقي الموجود في فرنسا، ولكن دون أن ينسى أيضًا الجزء الفرنسي الموجود في أفريقيا.
لقد أتاحت القمة إجراء تقييم مرحلي بشأن الأولويات الأساسية مثل تيسير الانتفاع بالتعليم والتعليم العالي، ولا سيّما من خلال مضاعفة التنقل، وتقديم الدعم لإقامة المشاريع والابتكار، وإتاحة استحداث تصور مشترك جديد، ولا سيّما من أجل تعزيز روابطنا المتعلقة بالذاكرة، ومواكبة القارة التي تتصدر عملية الانتقال إلى الممارسات التي تراعي المناخ، والعمل على إعادة صياغة مساعدتنا الإنمائية من أجل إقامة علاقة شراكة. وتوفير منبر للجهات الفاعلة في العلاقة بين أفريقيا وفرنسا.
لقد وفرت القمة الأفريقية الفرنسية الجديدة منبرًا للذين يحيون العلاقات الثنائية على صعيد يومي ولتكريمهم والذين يساهمون في بناء مستقبل مشترك بين أفريقيا وفرنسا مثل الجهات الفاعلة من مختلف الجاليات وريادة الأعمال والمجالات الثقافية والفنية والرياضية. واضطلع الشباب بدور مركزي، اندرج في صميم الالتزامات الفرنسية التي قطعت في واجادوجو فيما يتعلق بالتعليم وفرص التنقل والحوكمة والتنمية الاقتصادية، ويمثل منبعًا للحلول الكفيلة في مواجهة التحديات الرئيسية في الحاضر وفي المستقبل.

الفيلسوف الكاميروني أشيل مبيمبي


المفارقة أن الرئيس ماكرون وضع هذه القمة تحت رعاية المفكر الكاميروني الفيلسوف أشيل مبيمبي أحد كبار المفكرين في مرحلة ما بعد الاستعمار، المعروف بمواقفه الراديكالية ضد فرنسا فجعله يشرف منذ شهور على تنظيم هذا الحدث بعد أن قال له: «أريدك أن تغير بعض ملامح العلاقات الفرنسية الأفريقية في المستقبل». فقد أعجب بإطلاق المفكر الكاميروني، أكثر من 60 حوارًا بين مارس (آذار)، ويوليو (تموز). في اثني عشر بلدًا أفريقيًا، حول مواضيع مثل الصحة والمناخ والاستعمار والمساواة والديمقراطية. نتج عن هذه المناقشات تقرير من 150 صفحة يلخص المخاوف التي أثيرت، بما في ذلك دراسة كيفية «حل النزاعات». و«الاعتراف بانحراف الاستعمار، بطبيعته، حرفياً، كجريمة ضد الإنسانية». كما يرى أن «فرنسا معزولة إلى حد كبير عن الحركات الجديدة والتجارب السياسية والثقافية» التي يقودها الشباب الأفريقي و«نسيت التواصل مع تيارات المستقبل هذه». وهو ما أخذه رئيس فرنسا بعين الاعتبار. بيد أن أشيل مبيمبي تعرض لانتقادات لقبوله هذه المهمة، واتهم بأنه خائن للقضية غير أنه حظي بدعم فرنسا.

اللقاءات الحوارية بين أفريقيا وفرنسا
كانت اللقاءات الحوارية فرصة ذهبية لإسهام جميع الأطراف في الجهود الرامية إلى مواجهة التحديات المشتركة، انبثقت عنها مقترحات قدمت خلال جلسة بحضور رئيس الجمهورية الفرنسية وممثلين عن الشباب الأفريقي. قاد هذه اللقاءات كل من الفيلسوف والعالم السياسي والمؤرخ أشيل مبيمبي ولجنة من الشخصيات الأفريقية المعروفة والمستقلة، وتجمع اللقاءات جهات فاعلة ميدانيًا تُعنى بمستقبل العلاقة بين أفريقيا وفرنسا. واستهل اثنا عشر بلدًا عملية حوار منذ بداية عام 2021، وهي أنجولا، وجنوب أفريقيا، وبوركينا فاسو، والكاميرون، وكوت ديفوار، وكينيا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتونس. وانضمت عدة بلدان إلى هذا النهج منذ ذلك الحين.
من بين أبرز المواضيع التي تناولها المشاركون في اللقاءات والفعاليات: المساواة بين الجنسين، والمساعدة الإنمائية الرسمية وتأثيرها، والديمقراطية والحوكمة، وصون التنوّع البيولوجي، والتكنولوجيات الجديدة، والتوظيف، وتنقل الشباب، وغير ذلك.
فيما تمحور برنامج مؤتمر القمة حول خمسة موضوعات رئيسية، وهي: التزام المواطنين، وريادة الأعمال والابتكار، والتعليم العالي والبحوث، والثقافة، والرياضة.

لماذا ينزعج الدبلوماسيون الفرنسيون من نهج السياسة الخارجية لماكرون؟

لقاء الشباب الأفريقي


أوفى الرئيس ماكرون بوعده بإجراء نقاش مع ممثلي الشباب الأفريقي، بلا محظورات فيه. وتوضع فيه جميع الموضوعات على الطاولة. ويبدو أنه كان مستعداً لتلقي الهجمات من شباب افتقد بعضهم للأدب مع رئيس دولة منحهم الحق في مقابلته بدلا من قادة دولهم والتحدث معه لإيجاد أبرز الحلول للمعضلات الكبرى التي تواجه الدول الأفريقية، وقد انهالت على الرئيس الانتقادات المتعلقة بالاستعمار و«الغطرسة»، و«العنصرية»، أو حتى «الأبوة». لم يراعوا البروتوكولات ولم يجامله أي من الشباب الـ11؛ من بينهم ماليون وبوركينابيون وكينيون وسنغاليون، باستثناء الفيلسوف الكاميروني الذي فضل مسك العصا من المنتصف فلا يغضب ماكرون ولا بلاده.. لكن طغى على اللقاء بعض الفكاهة.
كانت الناشطة المالية ديكو تتحدث مع رئيس فرنسا بكل جرأة واستهزاء وتقول لماكرون بأن الأفارقة، وليس فرنسا، هم من قرروا مقاطعة قمة مونبلييه الحالية، وهو غير صحيح. كما قالت إن «أفريقيا ليست قارة بؤس أو بطالة، بل شابة ومتفائلة ومتحمسة»، وتأمره بأن يوقف مساعداته لبلادها، قائلة: «يكفي أن تقول لنا إنك تساعدنا نحن لا نحتاج إلى مساعدة منك». كما قالت إن تدخل فرنسا العسكري في ليبيا تسبب في توغل الإرهاب في بلدها مالي. وطالبت بجلاء القوات الفرنسية من أفريقيا.
وأجابها ماكرون بكل لباقة واحترام ولم يحرجها بالقول إنه لولا مساعدات فرنسا لن يجد موظفو بلادها رواتبهم، ولكنه أوضح لها أنه يدافع عن أفريقيا وأنها أخطأت في اتهاماتها وأنه لم يكن رئيسا لفرنسا وقت تدخلها في ليبيا وقام بإصلاح هذه الأخطاء الاستراتيجية. كما قال لها إنه «لولا وجود القوات الفرنسية في مالي لكان الإرهابيون يحكمون حاليا بلادكم».
كما حثه شاب غيني بجرأة على «دعم المرحلة الانتقالية في غينيا»، بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس ألفا كوندي، فيما وافقه ماكرون الرأي بأن «الولاية الثالثة لم تكن مناسبة». وقال له الشاب المالي آدم ديكو: «توقف عن الحديث كوصي! لسنا بحاجة إلى مساعدة، نحن بحاجة إلى التعاون»، وهو ما أكده ماكرون في كل خطابه وبدا أن بعض الشباب تلقى كلمات من أنظمتهم المعادية لفرنسا لإحراج الرئيس لكنه حاول الخروج من أراضي ألغامهم حتى إنه رد على شاب بروح الدعابة حينما طالبه بوقف دعمه للديكتاتور، فسأله ماكرون عن أي ديكتاتور في أفريقيا تتحدث؟ وضجت القاعة وتعالت الضحكات.
أما المدون السنغالي الشيخ فال، فقد حث فرنسا على «الاعتذار للقارة عن جرائم الاستعمار»، مطالبا إياها بالتوقف عن التعاون مع الرؤساء الدكتاتوريين بأفريقيا، وبالانسحاب التدريجي والنهائي من قواعدها العسكرية بأفريقيا. ورفض ماكرون مجددا تقديم اعتذار بشأن التاريخ الاستعماري الفرنسي في القارة الأفريقية، لكنه أقر «بالمسؤولية الجسيمة لفرنسا لأنها نظمت التجارة الثلاثية والاستعمار»، وشدد الرئيس الفرنسي على أنه «لا يمكن لفرنسا أن تبني روايتها الوطنية الخاصة إذا لم تأخذ دورها في أفريقيا، وإذا لم تنظر في هذه الصفحات المظلمة أو السعيدة». وتابع قائلا: «كلنا في هذه القاعة لم نختر تاريخنا وجغرافيتنا.. نحن ورثة كل هذا»، داعيا إلى اختيار «كيفية بناء المستقبل».
فيما طالبت الكينية أديل أونيانجو ماكرون بصراحة إلى الالتزام بـ«وضع حد لسياسة فرنسا الأفريقية» وممارساتها الغامضة، في إشارة إلى خلية أفريقيا بالخارجية الفرنسية، لافتة إلى تناقضات باريس «المتعجرفة، المتخبطة في وحل العنصرية» والتي تخول لنفسها «إعطاء دروس في الديمقراطية للأفارقة». وتساءلت أونيانجو: «ما الذي يتوقع من علاقة تقوم على الألم والشك وانعدام الثقة؟»، قبل أن تختم بقولها لماكرون: «نحن نبحث عن حل، على عكس رؤساء الدول الذين تلتقيهم عادة».
أما رائدة الأعمال البوركينابية فقد تميزت مداخلتها بالبلاغة والصراحة والفكاهة. ولا يبدو، أن الرئيس كان مستعدا لكلامها الذي قالته دون رتوش، فقد تساءلت بداية عن فكرة المساعدات الإنمائية، قائلة: «هذا النوع من المساعدة يحولك إلى عبد، فمساعدات التنمية تقدم لأفريقيا منذ ما يقرب من قرن، لكنها لم تُجد شيئا، ضعوا حدا لعبارة: أنقذوا أفريقيا. هذا النوع من الأمور قد انتهى سيدي الرئيس، أقترح عليك إجراءات ملموسة، فعمر الوكالة الفرنسية للتنمية الآن 80 عاما تقريبًا، غير الاسم والنموذج». وقوبل هذا الكلام أيضا ببهجة كبيرة وسط الجمهور، لكن الشابة واصلت كلامها مازجة بين التشبيه والفكاهة قائلة: «لو كانت العلاقات بين أفريقيا وفرنسا قِدرا للطهي، لكان ذلك القدر قذرا، ولطلبت منك أن تغسله، ولو حضَّرت وجبة من خلاله لما استسغتها ولرفضت أكلها.. لن تأكل أفريقيا بعد الآن من هذا القدر، ولو أصبحت الوجبة جاهزة، فستكون أنت الوحيد على الطاولة».
فيما أكد لهم ماكرون أن «قرابة سبعة ملايين فرنسي مرتبطون بأفريقيا وجدانيا وعائليا.. نحن مدينون لأفريقيا، فهي القارة التي تبهر العالم بأسره، والتي تخيف الآخرين أحيانا».
كانت القمة مكرسة حصريًا للشباب والمجتمع المدني، مكنت فرنسا من الاستماع إلى مخاوفهم وأجابت على تساؤلاتهم ومنحتهم الكلمة وجميع الفاعلين في التغيير في القارة الأفريقية وفي فرنسا داخل المجتمع المدني، سواء كانوا رواد أعمال، أو أشخاصًا منخرطين في البيئة النقابية، والفنانين والرياضيين، سواء كانوا لاعبين في عالم الرياضة أو الابتكار، كانت القمة توضيحًا لسياسة فرنسا بالشراكة مع أفريقيا منهية سياسة الإملاءات والوصايا.

مقررات قمة أفريقيا الفرنسية الجديدة صندوق ابتكار الديمقراطية

أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن دعم عوامل التغيير، لا سيما فيما يتعلق بقضايا الحكم والديمقراطية، وهي نقطة رئيسية في تقرير الفيلسوف مبيمبي. حيث قرر إنشاء صندوق جديد مع مظروف مخصص بقيمة 30 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات، وسيكون الهدف منه دعم الجهات الفاعلة في التغيير في القارة الأفريقية. وسيتم تحديد توجهات هذا الصندوق من قبل لجنة من شخصيات المجتمع المدني الفرنسية الأفريقية، مما يضمن استقلالية وحيادية هذه الأداة. وستكون اللجنة مسؤولة أيضًا عن تقييم نتائج المشاريع التي يمولها الصندوق.

بيت عالم أفريقيا والشتات

يعد إنشاء مؤسسة مخصصة لأفريقيا أحد المقترحات الرئيسية لتقرير مبيمبي، وهو أيضًا جزء من الدروس المستفادة من موسم أفريقيا 2020. ستجعل المهمة التنبؤية من الممكن تصميم مسابقات هذه المؤسسة ذات الغالبية الثقافية، ولكن سيتطرق أيضًا إلى موضوعات مناقشة الأفكار والبحث وريادة الأعمال. وسيُعهد بالرئاسة الفخرية لبعثة الإعداد المسبق إلى أشيل مبيمبي. وستكون الشخصيات الفرنسية من القطاع الفكري والثقافي والترابطي والخاص مسؤولة عن تجسيد هذا المشروع وتنفيذه في الفضاء العام الفرنسي. على المستوى التشغيلي، وسيكون هناك فريق مشروع يتألف من شخصيات المجتمع المدني وكبار المسؤولين الذين يتم توفيرهم أيضًا من قبل ميزانية الوزارات الأكثر اهتمامًا.

المغرب ينفي التجسس على الرئيس الفرنسي ببرنامج «بيجاسوس»

ريادة الأعمال/ الابتكار

كانت قمة مونبلييه فرصة للاحتفال بإطلاق المرحلة الثانية من أفريقيا الرقمية، في شكل صندوق أولي بمنحة قدرها 10 ملايين يورو سنويًا لمدة 3 سنوات، في تمويل مشترك من وزارة أوروبا والشؤون الخارجية ووزارة الاقتصاد والمالية. وسيصاحب هذا الصندوق تصنيف المشاريع التي تنفذها أنظمة تدعى ( Proparco المختلفة Venture Capital Fiséa +.. إلخ) والتي تمثل ما يقرب من 130 مليون يورو مخصصة لتطوير النظام البيئي الرقمي في القارة الأفريقية.
هذا النموذج من «الشركات التابعة» لـ Digital Africa يمكن أن يكون بمثابة محرك لمبادرات مماثلة لصالح الشركات في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية، أو حتى في قطاع الرياضة لاحقًا. وسيتم إعطاء دفعة سياسية جديدة لمواصلة تنفيذ الالتزام على التعويضات بعد الاسترداد في الأسابيع المقبلة لأعمال أبومي الستة والعشرين. وهكذا، ستقوم وزارة الثقافة والمعهد الفرنسي ووكالة التنمية الفرنسية ووزارة أوروبا والشؤون الخارجية بتنفيذ عدة مبادرات لتعزيز التعاون التراثي والمتاحف وعملنا لصالح الصناعات الثقافية والإبداعية.
- سيسمح البرنامج المشترك لاستقبال وانغماس المتخصصين في التراث الفرنسي والأفريقي للمهنيين في مجال التراث الأفريقي بقضاء ما بين شهر و3 أشهر في مؤسسة متحف فرنسية للعمل على مشروع مشترك، والعكس صحيح، وفقًا للطرق التي يتعين تحديدها.
- سيتم أيضًا إطلاق برنامج للمنح الدراسية في مجال التراث من أجل المساهمة في تدريب الأجيال الشابة من المتخصصين في مجال التراث في أفريقيا. يمكن أن يكون هذا المشروع موضوع شراكة فرنسية ألمانية.

تعزيز برامج دعم الصناعات الثقافية والإبداعية


إنشاء برنامج «الوصول إلى الثقافة»، الذي يهدف إلى تمويل المشاريع الثقافية الصغيرة بين أفريقيا وفرنسا ذات التأثير الاجتماعي القوي، بدعم من الوكالة الفرنسية للتنمية والمعهد الفرنسي، سيتم توسيعه جغرافيًا وزيادة مستوى أعلى. 2.5 مليون يورو إضافية.
إنشاء برنامج «إبداع أفريقيا»، وهو برنامج احتضان وتسريع لرواد الأعمال في الصناعات الثقافية والإبداعية، بدعم من وكالة التنمية الفرنسية، سيتم توسيعه جغرافيًا ومكافأته بمبلغ 2.5 مليون يورو.
إنشاء صندوق التنقل «الثقافة في الساحل»، الذي أطلقه المعهد الفرنسي في عام 2021 لدعم تنقل الفنانين والمهنيين الثقافيين من منطقة الساحل G5، سيُقابل مبلغ 150 ألف يورو على وجه الخصوص لتوسيع النطاق الجغرافي ليشمل البلدان المغاربية للتنقل في جميع أنحاء المنطقة.

التعليم العالي والتنقل

سيتم وضع نظام جديد يهدف إلى زيادة تنقل الطلاب بين فرنسا وأفريقيا من خلال الاعتماد على الشراكات التي تم وضعها بين المؤسسات الفرنسية والأفريقية في إطار الدرجات المزدوجة. سيسمح بتنقل 250 طالبًا أفريقيًا إلى فرنسا وتنقل 250 طالبًا فرنسيًا إلى أفريقيا. الميزانية المحددة المشتركة بين وزارة أوروبا والشؤون الخارجية ووزارة التعليم العالي والبحث والابتكار، هي 1.8 مليون يورو.

رياضة


إنشاء برنامج تعليمي رياضي لدعم الأكاديميات الرياضية الأفريقية بمساهمة إضافية 4 ملايين يورو، نفذتها وكالة التنمية الفرنسية.

 

font change

مقالات ذات صلة