الاتحاد الأوروبي... موقف مبهم تجاه حزب الله

فرنسا رأس الحربة في معارضة تصنيفه منظّمة إرهابيّة

جنود حزب الله من مسيرة في الضاحية الجنوبية معقل الحزب الرئيسي

الاتحاد الأوروبي... موقف مبهم تجاه حزب الله

بون: أعاد قرار الاتحاد الأوروبي محنة لبنان إلى دائرة الضوء الأوروبية، بعد تخلّفه عن سداد ديونه عام 2020، بسبب معاناته من واحدة من أسوأ الأزمات المالية التي شهدها العالم منذ القرن التاسع عشر. إذ لم تعد الحكومة قادرة على تحمل تكاليف استيراد الضروريات الأساسية، بينما أدى نقص الوقود إلى إغراق البلاد في ظلام شبه دائم.

فقد أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي في 30 يوليو (تموز) 2021 أنه تبنى إطاراً «ينص على إمكانية فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات المسؤولين عن تقويض الديمقراطية وسيادة القانون في لبنان»، علماً أن معايير الاتحاد لفرض العقوبات ذاتية للغاية، مما قد يحرك الانقسامات المتبقية في الاتحاد الأوروبي.

ما هو مؤكد أكثر هو أنّ الاتحاد الأوروبي لن يستهدف حزب الله. وفقاً لتقرير باللغة الإنجليزية بعنوان: إطار عمل للاتحاد الأوروبي لفرض العقوبات على لبنان، صادر في 10 أغسطس (آب) 2021 على موقع الدفاع عن الديمقراطيات.

وقد حدد إطار عمل الاتحاد الأوروبي ثلاثة معايير للعقوبات المحتملة وهي إعاقة تشكيل الحكومة أو الانتخابات المقبلة، إعاقة تنفيذ الإصلاحات الحاسمة؛ وسوء السلوك المالي والتصدير غير المصرح به لرأس المال.

وكان قرار الاتحاد الأوروبي الأخير قد أدان رسميًا دور حزب الله الأساسي في الأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة في لبنان، فضلاً عن قمعه العنيف للاحتجاجات في عام 2019  والفوضى التي يجلبها حزب الله إلى الشرق الأوسط.

وتم إدراج حزب الله على القائمة السوداء كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الدول بما في ذلك النمسا وجمهورية التشيك وإستونيا وألمانيا وهولندا وليتوانيا، لكن ما زالت هنالك أصوات تطالب من داخل الاتحاد الأوروبي مع ضغوطات أميركية بضرورة حظر الحزب بجناحيه السياسي والعسكري، من أجل تسهيل عملية التعامل معه كمنظمة إرهابية.

ووافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة بالإجماع على تعيين الجناح العسكري لحزب الله بموجب نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، والموقف المشترك  تحت رقم ـ 2001/931.

 

أعلام حزب الله في تظاهرة بمناسبة يوم القدس في لندن (أرشيف)

 

أنشطة مشبوهة

ووفقًا لتقرير يوروبول (وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي) لعام 2020، فإن حزب الله «متهم بتهريب الماس والمخدرات وغسيل الأموال عبر تجارة السيارات المستعملة. ويتم إرسال رأس المال إلى لبنان من خلال النظام المصرفي ولكن أيضًا من خلال النقل المادي للأموال عبر الطيران التجاري». ووصفت يوروبول حزب الله بأنه منظمة إجرامية منظمة، وفي عام 2014 انضمت إلى الولايات المتحدة في إنشاء مجموعة تنسيق إنفاذ القانون، المخصصة لمكافحة الأنشطة الإجرامية لحزب الله.

 

تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية

صنفت الولايات المتحدة حزب الله بأكمله كمنظمة إرهابية منذ عام 1997، تلتها كندا في عام 2002 وهولندا في عام 2004، بينما صنفت المملكة المتحدة فقط الجناح العسكري لحزب الله في عام 2008. وصنفت أستراليا منظمة الأمن الخارجي (ESO) لحزب الله عام 2003، بينما صنفت نيوزيلندا الجناح العسكري لحزب الله عام 2010.

وفي يوليو 2013، اتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءً مماثلاً، حيث حدد فقط الجناح العسكري لحزب الله بموجب الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي بشأن تصنيف الجماعات الإرهابية.

وتم اتخاذ القرار في أعقاب الهجوم الإرهابي في بورغاس، الذي ألقت بلغاريا، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، باللوم فيه علناً على حزب الله، وتأثرت بشدة بتورط التنظيم في الحرب الأهلية السورية. وقد تم اعتماد هذا التصنيف الجزئي للاتحاد الأوروبي من قبل عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

كما تم تصنيف حزب الله بجناحيه في أوروبا من قبل المملكة المتحدة وألمانيا وليتوانيا وصربيا وكوسوفو وإستونيا؛ والنمسا..

وفي حين أنّ حزب الله هو الحزب السياسي الأكثر هيمنة في لبنان وفي الحكومة اللبنانية، حيث يمتلك حق النقض (الفيتو) على القرارات الوطنية، تخشى الحكومات الأوروبية (خاصة فرنسا) من أن تصنيف حزب الله بكامله قد يحرمها من قنوات اتصال هامة ووسائل نفوذ في لبنان ومع الحكومة اللبنانية والنظام السياسي.

 

لماذا لم تضع أوروبا الحزب بجناحيه على قائمة الإرهاب؟

تعتقد بعض دول أوروبا أيضًا أنه من المهم مخاطبة حزب الله باعتباره فاعلًا سياسيًا على الساحة اللبنانية، وليس فقط كمنظمة إرهابية.

وتعتقد أنه كلما تم دمجه في النظام السياسي اللبناني، زادت فرص «الاعتدال».

وفي المقابل، يعتقد الأوروبيون أن نزع الشرعية عن حزب الله والضغط الشديد عليه قد يدفعه إلى مزيد من التطرف، لدرجة زعزعة استقرار لبنان  وتهديد الأمن الإقليمي والدولي.

تعتقد هذه الحكومات أيضًا أن الامتناع عن تصنيف الجناح السياسي لحزب الله يمكن أن يمنحها حصانة من الأنشطة التخريبية  الإرهابية والانتقامية العنيفة على أراضيها وضد مصالحها، بما في ذلك استهداف الجنود المنتشرين مع اليونيفيل في لبنان بحسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.

وتربط بعض الحكومات الأوروبية القضية بعلاقاتها مع إيران، وتفضل عدم ممارسة الكثير من الضغط على العلاقات الحساسة القائمة.

 

النتائج

ـ إن التصنيف الجزئي أو الفصل بين جناحي حزب الله، يسهل عمليات نقل الأموال والتحرك دولياً بشكل أفضل، الجناح السياسي يعطيه الغطاء السياسي والحجة بالتحرك دوليا وإقليمياً.

ـ إن كلا الجناحين: السياسي والعسكري، يقعان تحت ذات القيادة، والفصل بين الجناحين من قبل دول أوروبا والاتحاد الأوروبي من شأنه أن يبعث رسالة ضعف إلى حزب الله بإدراجه على قائمة الحظر واعتباره منظمة إرهابية. وبات من المستبعد جداً أن يعدل حزب الله من سياساته وفك ارتباطه بإيران. يذكر أن نائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم رفض أيضا هذا التفريق وقال إن «نفس القيادة» التي توجه العمل البرلماني والحكومي تقود أيضًا أعمال «الجهاد».

ـ إن وضع حزب الله بالكامل على قائمة الحظر، يسهل عمليات المراقبة والتحري وتنفيذ القرارات، خاصة عندما يتعلق الأمر بحركة الأموال وغسلها.

ـ إن وضع حزب الله بجناحيه على قائمة الحظر يمكن أن يحرم الحزب من فرص التجنيد وكسب الأنصار، وتجنيد النشطاء وتنفيذ أنشطة مشبوهة أبرزها جمع الأموال وتحويلها، غسل الأموال، نشر الكراهية، تحشيد التظاهرات، معاداة السامية، وخدمة المصالح الإيرانية الأخرى في أوروبا.

ـ إن تصنيف حزب الله لا يحرم  دول أوروبا من الاتصال بالحكومة اللبنانية، على سبيل المثال نجحت أميركا بفتح المفاوضات بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود.

ـ إن حزب الله تحول إلى مشكلة وعقدة في طريق لبنان، بسبب ارتباطه بإيران، ومن المستبعد أن يكون جزءاً من الحل.

ـ مع ترك ميليشيا حزب الله بالاستمرار في تعزيز سلطته، فقد يصبح لبنان في نهاية المطاف قاعدة إيرانية أمامية على البحر الأبيض المتوسط ​​يمكن من خلالها تهديد أوروبا وحلفائها بشكل مباشر.

ـ تعتبر فرنسا الطرف المعارض الرئيسي للاتحاد الأوروبي بتصنيف حزب الله على أنه منظمة إرهابية. وربما يعود ذلك بسبب مخاوفها على الجنود الفرنسيين في مهمة حفظ السلام التابعة لليونيفل في جنوب لبنان، ما عدا مصالح فرنسا الاقتصادية والسياسية في لبنان.

- مازالت بعض دول الاتحاد الاوروبي تواصل التمييز بين «حزب الله» والدولة اللبنانية، بالإضافة إلى تمييزهم الخاطئ بين الجناح السياسي والجناح العسكري للحزب، وبالتالي تتلخص سياسة الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على النظام الذي يديره حزب الله في لبنان، وهذا يعني استمرار الكارثة.

ما تحتاجه دول أوروبا هو تشخيص واقع حزب الله على الأرض الذي يتعارض مع مواثيق ونصوص الاتحاد الأوروبي، في مجالات الجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب.

ويبقى أنّه بات من الضّروري إيجاد خطة عمل أوروبية أميركية مشتركة حول حزب الله في لبنان، تكون خارطة  للتعامل مع الحزب باعتباره أساس المشكلة في لبنان وليس جزءاً من الحل.

 

font change