في ظل سطوة السلاح... ليبيا أمام «اختبار مصيري»

ألغام تعرقل خوض العملية الانتخابية بسلام

تحذيرات حول مستقبل الاستقرار في ليبيا وليس فقط إجراء الانتخابات والصراع عليها. (غيتي)

في ظل سطوة السلاح... ليبيا أمام «اختبار مصيري»

القاهرة: مع اقتراب موعد إجراء انتخابات الرئاسة الليبية المزمع إجراؤها في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وتنامي دراماتيكية المشهد الليبي الذي أطل على العالم بأحكام قضائية على البعض منهم واستبعاد المفوضية العليا للانتخابات لأبرز المرشحين الذين أثير حولهم الجدل، خلال الفترة الأخيرة، وأبرزهم المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، وسيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ورئيس الحكومة الحالية عبد الحميد الدبيبة، وتقديمهم لطعون قضائية على قرارات المفوضية من أجل إعادتهم للسباق الانتخابي مرة أخرى، مع ما حدث من عرقلة نظر القضاة في محكمة سبها، للطعن المقدم من سيف الإسلام القذافي بعد محاصرة مسلحين لمحيط المحكمة لمنع اكتمال النصاب القانوني لهيئة المحكمة وتفويت الفرصة على نجل القذافي لخوض الانتخابات. الأمر الذي أثار التكهنات، حول مدى إمكانية إجراء الانتخابات الليبية في ظل هذه المعطيات، والتي يأتي على رأسها قوة السلاح، وتواجد المرتزقة الأجانب، والميليشيات المسلحة، وعدم وحدة الجيش الليبي، والمؤسسة الأمنية التي يمكنهما إعادة فرض حالة من التوازن، وإجبار الأطراف على القبول بنتائج الصندوق الانتخابي، واحترام ما آلت إليه العملية الانتخابية. إضافة إلى التدخلات الخارجية وحالة الاستقطاب، برغم الدفعة القوية من القوى الدولية والإقليمية التي تدفع بضرورة إجراء الانتخابات، لإعادة الاستقرار إلى البلد الأفريقي الذي يمثل البوابة الرئيسية لقلب أفريقيا.

هذا المشهد يطرح تساؤلات عن دور السلاح في الانتخابات القادمة والتي يتنافس فيها نحو 98 مرشحا طبقا للكشوف النهائية للمفوضية، وهل سيصمت السلاح، حتى إجراء الانتخابات وإعلان النتائج، ليكشف عن هويته، مع رفض أحد الأطراف للنتائج والتي قد لا تكون في صالحة؟ أم إن صوت الطلقات سوف يظل مدفوعا بالمصالح الصغيرة لأطراف اللعبة السياسية؟ وأن الطلقات الأولى لإجهاض العملية الانتخابية قد ينطلق قبل انطلاق الناخبين لإعلان آرائهم في الصندوق؟ وهو ما عبر عنه المشهد أمام محكمة سبها لتعطيل المحكمة عن نظر الطعون؟ كما تثور التساؤلات حول ماهية الضمانات الدولية التي يمكنها إجبار الأطراف على احترام نتائج العملية الانتخابية؟ وما هي الضمانات التي تحقق سلامة الإجراءات الضامنة لوصول الناخب إلى الصندوق والتعبير عن اختياراته دون ضغوط من أي طرف داخلي، عن طريق القوة وسطوة السلاح؟ إضافة إلى الضمانات التي تحقق إمكانية عرض المرشحين بالتساوي لبرامجهم الانتخابية، وعمل مؤتمرات جماهيرية لمؤيديهم في كافة مناطق البلاد؟ وما هي الضمانات الدولية التي تحقق عدم وجود خروقات، وتجاوزات في عمليات التصويت وتسويد أوراق الاقترع؟ وهو ما يعيد التساؤلات من جديد حول دور السلاح في حسم القضية، وهل عودة القذافي والدبيبة للسباق الانتخابي سيأتي زيادة في زخم عملية الانتقال السلمي إلى مرحلة جديدة في ليبيا، وإشعال المنافسة السياسية والانتخابية؟ أم تكون الانتخابات بداية لإشعال فتيل الأزمة، وعودة الصدام المسلح من جديد؟

 

سيف الإسلام القذافي خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية. (أ.ف.ب)

 

 

حالة من الاستقطاب والاحتقان

من المعروف أن المنافسة هي شكل طبيعي خلال خوض أي عملية انتخابية يتم إجراؤها بشكل طبيعي، وإيجابي، لكن التنافس في الانتخابات الرئاسية الليبية في ظل حالة الاستقطاب والاحتقان الحالي وعدم وجود مؤسسات دولة راسخة تستطيع فرض احترام نتيجة الانتخابات، يحول هذه الانتخابات من حالة المنافسة الطبيعية المعروفة إلى خطر حقيقي على الاستقرار في ليبيا، ويعيد شبح المواجهات العنيفة والاقتتال الأهلي مرة أخرى، وذلك حسب الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي في تصريحات خاصة لـ«المجلة» قال فيها: المشهد الحالي به مؤشرات تستدعي حالة الخطورة، ومن المعروف أنه يوجد حالة من التنافس، والتنافس الشرس في أي انتخابات ولكنها تتطلب شرطين: الأول هو ضمان احترام نتائج الانتخابات، وأن تكون هناك آلية، أو مؤسسات دولة محايدة ورادعة تستطيع أن تفرض احترام نتيجة الانتخابات على جميع أطراف العملية الانتخابية، وهذا غير حاصل في الحالة الليبية، والشرط الثاني، أن يكون التنافس بعيدا عن العنف ووجود الميليشيات المسلحة، بمعنى أن يكون تنافسا سياسيا، وليس تنافسا بين تنظيمات، أو ميليشيات مسلحة، فكل مشاهد العسكرة والاستقطاب لا بد أن تختفي، وللأسف هذه الشروط غير موجودة في ليبيا. فلا توجد مؤسسات قادرة على الردع، وليس هناك جيش موحد، ولا سلطة قضائية تتمتع بالاستقلال وبالتالي فإن فكرة تقديم طعون وقبولها، ثم رفضها. هذا مسار ليس محل قبول لدى كثير من الليبيين، حيث يعتبرون أن السلطة القضائية ليست سلطة محايدة بالكامل وأنها تخضع للضغوط والابتزازات التي تمارس عليها. كما أن الشرطين الأساسيين، وهما أن تكون هناك دولة قادرة على فرض احترام نتائج الانتخابات، وهذا الشرط غير موجود، وأن يكون التنافس في إطار الكلمة، وطرح البرامج السياسية بعيدا عن العنف، وبعيدا عن العسكرة والميليشيات وهذا أيضا غير متوفر. وللأسف فإن التنافس السياسي والانتخابي في هذه العملية مصحوب بمظاهر الاستقطاب، والاحتقان المسلح، وهذا يجعل مخاطرها أكبر من فرص نجاحها.

وأضاف الشوبكي: أتشكك في إمكانية إتاحة الفرص للمرشحين في عرض برامجهم الانتخابية في جميع ربوع ليبيا، فمثلا لا يستطيع المشير خليفة حفتر دخول طرابلس وعمل مؤتمر لعرض برنامجه الانتخابي، وكذلك لا أعتقد أن رئيس الحكومة الحالية عبد الحميد الدبيبية سيكون قادرا على التحرك بحرية في مناطق الشرق، كما أن سيف الإسلام القذافي لا يستطيع دخول طرابلس، ومناطق الغرب وهكذا، وهذا الوضع خارج أي منطق له علاقة بالانتخابات، ومن هنا نجد أن هناك أوجه قصور كثيرة ستجعل مخاطر هذه الانتخابات أكبر من فرص نجاحها.

 

مسلحون يهاجمون محكمة سبها لمنع النظر بطعن سيف الإسلام القذافي

 

وليست الفكرة أن السلاح قد يحسم نتيجة الانتخابات الليبية، لأنها لن تكون انتخابات أصلا، وهذا معناه أنه إذا تدخل السلاح فهذا معناه أنه يمكن أن نسمي هذه العملية بأي مسمى غير أنها انتخابات. وهناك بعض الاقتراحات الخاصة بتأجيل الانتخابات، والمتغير الوحيد الذي قد يحسم هذه الانتخابات، هو حالة واحدة، وهي أن تكون هناك إرادة دولية بفرض احترام نتيجة الانتخابات، وفرض عقوبات على معرقليها، ولكن عملية التصويت والاقتراع في الوقت الحالي ستكون محفوفة بالمخاطر، والمخاطر الجمة، فالأمم المتحدة والمبعوث الأممي في ليبيا قال في تصريحات سابقة إنهم سيضمنون إجراء انتخابات نزيهة في ليبيا، وليس هناك ضمانات لاحترام نتيجة الانتخابات، ولكن سنضمن ما قاله الليبييون في ملتقى الحوار، واليوم هناك شك أيضا في سلامة إجراءات العملية الانتخابية، في ظل سطوة الميليشيات، والمظاهر المسلحة في سبها، وضغوط على القضاة، فهناك شك أن يتم احترام العملية الانتخابية، فلجان الاقتراع الموجودة في الشرق مثلا كيف نضمن حياديتها؟ وكذلك مراكز الاقتراع في الغرب، وفي بقية المناطق الأخرى التي يسطير فيها السلاح والقبلية، خطر على إجراء العملية الانتخابية بشكل نزيه، كما أنه إذا تمت الانتخابات بشكل نزيه، فلا توجد ضمانة لاحترام النتائج.

وقال الشوبكي: الآن وطبقا للمعطيات الحالية لدي شكوك في إمكانية إجراء الانتخابات، فالزخم الذي كان موجودا في الفترة الماضية، كان يعطي بعضا من التفاؤل والأمل في إمكانية الوصول إلى توافق، ولكن الآن هناك شكوك في أن تتم العملية الانتخابية، وهناك جزء كبير في المسألة يتعلق بالإرادة الدولية، فهناك ضغط دولي كبير من أجل إجراء الانتخابات، وأن يتم قبول النتائج، لكن من خلال المشاهد الأخيرة هناك شكوك في إتمام إجراء الانتخابات في موعدها. والقوى الكبرى مؤثرة في المشهد الليبي وبصرف النظر عن تأثيرات القوى الإقليمية، والقوى الدولية فهناك أطراف أقرب لتركيا، وأطراف أخرى أقرب إلى بلدان عربية، وأطراف ثالثة أقرب إلى دول غربية وهكذا فالوضع الإقليمي والدولي يؤثر على الانتخابات الليبية تأثيرا كبيرا، والسؤال المهم هو: في حال نجاح شخص غير مقبول من الأطراف الأخرى هل سنضمن احترام النتائج؟ فإذا ما نجح مرشح من الشرق الليبي هل تقبل مدن الغرب وطرابلس هذه النتيجة، والعكس صحيح، وسيظل هذا التساؤل تحديا كبيرا.

 

ضوابط انتخابية بعيدا عن الصراع

الكاتب السياسي الليبي عثمان بن بركة قال في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: دخول العملية الانتخابية بالنسبة لنا كتيار المرشح سيف الإسلام القذافي هو من أجل مستقبل ليبيا، ولسنا في حالة إشعال صراع، أو إشعال مواجهة، ولا إشعال تنافس، حتى، ولا علاقة لنا بأي مرشح، فالانتخابات الرئاسية بها نحو 98 مرشحا، وبالنسبة لنا كتيار المرشح سيف الإسلام القذافي، كل المرشحين لهم الحق في الترشح للرئاسة ولسيف الإسلام أيضا الحق في أن يترشح على مقعد الرئاسة مثله مثل بقية الليبيين وفق الضوابط الخاصة بالعملية الانتخابية، والقواعد المنظمة للعملية الانتخابية، ولكن سيف الإسلام هو المرشح الوحيد الذي اختبرت شعبيته مرتين، الأولى عندما أبعد من قوائم المرشحين، والثانية عندما استأنف قضائيا على قرار إبعاده، وقضيتنا قضية وطن وليست قضية صراع مع أحد المرشحين، سواء رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، أو مع خليفة حفتر، أو غيره، ومن خلال صناديق الانتخابات نسعى لاسترجاع وطن في أمنه وأمانه وسيادته، وسعادة المواطن، وكفانا دماء وحروبا، فعندما كان هناك صراع دموى بين الكرامة، والوفاق أحجمنا، عن الدخول في هذا الصراع لأنه دم ليبي ليبي، وعليه فدخولنا الآن في الانتخابات ليس صراعا، ولا معركة انتخابية، ولا منافسات، وكل المصطلحات التي تشعرنا بأن هناك خصومات وعداوات نحن بعيدون عنها، نحن مع الوطن والمواطن من أجل عودة ليبيا لمكانتها الطبيعية والتي يجب أن تكون فيها سيدة نفسها، وأمنها وأمانها، وثرواتها وخيراتها يستفيد بها الشعب الليبي، وليس في خارطتنا غير هذا المنهج وليس في تفكيرنا أن ندخل في أي صراع سواء كان صراعا دمويا، أو غير دموي.

 

 احتمالية عودة الصراع المسلح

من المحتمل عودة الصراع المسلح مرة أخرى في ليبيا حسب أستاذ إدارة الأزمات بأكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء أركان حرب جمال الدين أحمد خواش في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: وذلك في حال عدم قبول أحد أطراف الصراع لنتائج العملية الانتخابية إذ لم تكن هذه النتائج في صالح هذا الطرف، وهذا أمر محتمل، ولكننا لا نستطيع في نفس الوقت أن نبني استنتاجاتنا بناء على احتمالات قد يتم حدوثها وقد لا يتم، وطالما لم تتوافر الدوافع لإشعال صراع مسلح من قبل أحد أطراف اللعبة فلا يستطيع أحد أن يتخذ أي قرار إلا بناء على دراسة الدافع لدى هذا الطرف.

وطبقا لرؤية مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي في تصريحات خاصة لـ«المجلة»، فمن الأفضل أن نشجع الليبيين على أن يحترموا وبروح رياضية قرار الصندوق الانتخابي، وعلى من يتحيز للقبلية، أو الجيش، وللحكم المدني، أن يتفقوا جميعا على احترام نتائج الانتخابات، لأن الانقسام هو ما يضيع البلدان، فالتمسك بالقبلية يزيد الانقسام، وهذه المشكلة موجودة في سوريا، وفي السودان، وعودة سيف القذافي للسباق الانتخابي أمثلها بالضبط كعودة نظام مبارك للتنافس على الانتخابات في مصر، فكيف لي أن أعيد نظاما حدثت عليه ثورة، ذبح فيها الآلاف من المواطنين وهذا لا يمكن أن يكون صحيحا، ولكن علينا في نفس الوقت تشجيع الناس على القبول بحكم المحكمة وتعليم الناس احترام أحكام القضاء.

وما نحاول تلافيه هو عدم سيطرة القبلية على الوضع حال إعلان نتائج الانتخابات وهناك سيناريو إيجابي يبنى على أن الليبيين تعبوا من سفك الدماء، وعليهم العودة للعملية السياسية بعيدا عن الاحتراب والاقتتال، ويأتي ذلك بتشجيع دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات لليبيين على احترام نتائج الانتخابات والانخراط في عملية سياسية تنقذ البلاد وتعيد الأمن مرة أخرى إلى ربوع ليبيا. والسيناريو الآخر هو الاستقطاب، وأخطر شيء في هذا السيناريو أن يستند كل طرف إلى قوى عظمى تسانده، وفي هذه الحالة سوف نعود مرة أخرى إلى حرب أهلية داخلية لا مكاسب فيها لأحد. ونحن أمام أزمة الانتخابات الليبية نقف في حالة تفاؤل، ولكنه تفاؤل حذر لأننا لا نستطيع الجزم الكامل بأن العملية الانتخابية سوف تمر دون معوقات، ونحن قد مشينا فترة طويلة وشاقة إلى أن استطعنا أن نرجح صوت العقل في ليبيا ولو استمر التمسك بصوت العقل من قبل أطراف الصراع الليبي فنحن أقرب إلى التفاؤل من التشاؤم وارجو أن يكون التمسك بصوت العقل واحترام نتائج الانتخابات هو الأقرب إلى الذهن.

 

 

 

 

font change

مقالات ذات صلة