الأبناء على خطى الآباء... تحذيرات من بقاء «الداعشيات» في مخيم الهول مع أطفالهن

مسؤول يطالب عبر «المجلة» بدعمٍ دولي عاجل بعد ارتفاع نسبة حالات القتل

شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين لدى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا

الأبناء على خطى الآباء... تحذيرات من بقاء «الداعشيات» في مخيم الهول مع أطفالهن

القامشلي: تتواصل مشاكل مخيم الهول الواقع في ريف محافظة الحسكة السورية أقصى شمال شرقي البلاد، لجهة استمرار جرائم القتل فيه بين عناصر داعش، علاوة على رفض الدول التي تحمل الجهاديات المقيمات في المخيم جنسيتها إعادتهن إلى بلادهن، رغم محاولات بعض «الداعشيات» العودة لبلادهن، لكن حكوماتها ترفض إعادتهن بشكلٍ قاطع.

وهو ما أدى فعلياً لتفاقم المشكلة فيه، سيما وأن الداعشيات الأكثر تشدداً يقتلن ويواصلن قتل السيدات اللواتي تخلّين عن أفكار تنظيم داعش المتطرّف.

أغلب «الداعشيات» اللواتي يقمن في هذا المخيم، هنّ إما زوجات أو أرامل مقاتلي التنظيم المتطرّف الذين قتلوا في مواجهاتٍ عسكرية مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم المتطرّف في سوريا والعراق المجاور، على ما أفاد لـ«المجلة» مصدر في المخيم الذي يضمّ أيضاً نازحين سوريين وعراقيين.

يبلغ عدد الجهاديات نحو 8 آلاف امرأة ينحدرن من عشرات الدول الأوروبية والآسيوية والعربية، ويقمن في مخيم الهول رفقة أطفالهنّ أيضاً في قسمٍ خُصِص لهن. ومع ذلك يتسللن إلى أقسامٍ أخرى ويقتلن النساء اللواتي تقررنّ التخلي عن أفكار التنظيم الذي انتسبوا إليه قبل سنوات حينما كان يسيطر على أجزاءٍ واسعة من أراضي سوريا والعراق، حيث كان قد اتخذ من مدينة الرقة السورية عاصمةً له قبل أن تعلن قوات سوريا الديمقراطية القضاء النهائي على التنظيم داخل الأراضي السورية في أواخر مارس (آذار) من العام 2019.
ومع أن قوات سوريا الديمقراطية تعتقل نحو 12 ألفاً من أزواج الجهاديات في سجونها، لكن
«الإدارة الذاتية» التي تسيّر الأمور المدنية والخدمية والقضائية في مناطق سيطرة هذه القوات المكونة من جماعاتٍ مسلّحة عربية وكردية وسريانية ـ آشورية وأرمنية، لا تحاكم الجهاديين الأجانب، وتكتفي بمقاضاة السوريين الذين كانوا قد انضموا لصفوف تنظيم داعش.

وتحاول «الإدارة الذاتية» باستمرار معالجة مشاكل الجهاديين المحليين بالتعاون مع عشائر المنطقة، فهي تقوم بإطلاق سراح أولئك الذين أكّدت التحقيقات عدم تورّطهم في جرائم القتل، شريطة أن لا يعودوا لأنشطتهم السابقة بكفالة من وجهاء العشائر التي ينحدرون منها.

وتضمّ مناطق «الإدارة الذاتية» أجزاء من محافظتي حلب ودير الزور، وكامل محافظتي الرقة والحسكة باستثناء مدينتين سيطرت عليهما تركيا بعد عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قوات سوريا الديمقراطية شنّتها في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2019. وهما رأس العين وتل أبيض.

92 عائلة سورية خرجت من المخيم خلال سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

العودة إلى بلادهم مطلب ضروري

يحذّر قادة «الإدارة الذاتية» باستمرار من بقاء الوضع في مخيم الهول كما هو عليه، على خلفية عدم استجابة الدول التي يحمل الجهاديات جنسيتها لمطالبهن بإعادتهن إلى بلادهن.

وفي هذا السياق كشف شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين لدى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لـ«المجلة» عن «وقوع 5 حالات قتل داخل مخيم الهول خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي فقط».

وأضاف أن «ضحايا حالات القتل هذه هم من حملة الجنسية العراقية»، لافتاً إلى أن «الهول شهد أعلى نسبة حالات قتل خلال العام الحالي، فقد بلغت حتى نهاية شهر نوفمبر المنصرم 89 حالة قتل».

وتابع أن «مخيم الهول سجّل في عام 2021 الجاري، أعلى نسبة لحالات القتل منذ وصول الجهاديات إليه قبل سنوات».

كذلك اتهم الخلايا النائمة لتنظيم داعش بالوقوف خلف هذه الجرائم، مؤكداً أن «الجهات التي تقف خلف هذه العمليات هي بكل تأكيد خلايا داعش في مخيم الهول والتي تحظى بدعمٍ من الاستخبارات وخلايا التنظيم المنتشرة في العراق وفي المدن السورية التي تحتلها أنقرة».

وأضاف: «بالطبع نتيجة ذلك هناك مخاوف كبيرة لدى النازحين السوريين والعراقيين في مخيم الهول من تنظيم داعش، فهم يخشون من أن خلاياه قد نظّمت نفسها أكثر خلال العام الجاري، لارتكاب المزيد من الجرائم وعمليات الاغتيال في المخيم وخارجه، خاصة وأن التنظيم على ما يبدو قد استأنف عملياته في سوريا والعراق».

وتابع أن «هذه المخاوف تزداد باستمرار، خاصة وأن التنظيم يرى في مخيم الهول صورة مصغرة لدولته المزعومة، لذلك نناشد المجتمع الدولي كما فعلنا سابقاً إلى التدخل السريع والعاجل لمساعدة الإدارة الذاتية وأيضاً مساعدة نازحي المخيم، وذلك بالضغط على الدول التي ينتمي الجهاديات إليها لإعادتهن إلى بلادهن».
وكرر المسؤول المدني، دعوته للمجتمع الدولي بضرورة معالجة مشاكل مخيم الهول، قائلاً إن
«العديد من المنظمات الدولية انسحبت من الهول، كما أن المنطقة التي يقع فيها المخيم محاصرة من قبل الحكومة السورية وتركيا، إلى جانب إغلاق معبرٍ حدودي مع كردستان العراق، وهذه كلها أسباب تمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطقنا، ولهذا على المجتمع الدولي تأمين المستلزمات الأساسية ودعم الإدارة الذاتية إنسانياً وسياسياً وأمنياً بالتخلص من مشكلة الجهاديات سيما مع تفشي فيروس كورونا واستمرار الخلايا النائمة في تنظيم نفسها».

 

تلقين آلاف الأطفال أفكار داعش

تبدو الكثافة السكانية كبيرة في مخيم الهول، حيث يبلغ تعداد المقيمين فيه مع الجهاديات نحو 60 ألفاً جلّهم عراقيون وسوريون فروا من المناطق التي سيطر عليها داعش قبل سنوات. في حين أن الجهاديات المقيمات فيه ينحدرن من 60 دولة.

ولا تقتصر حالات القتل بين الجهاديات أنفسهن أو أولئك الذين ينتمون للتنظيم، فقد قُتِل عناصر من قوى الأمن الداخلي التي تحرس المخيم، والمعروفة كردياً بـ«الآسايش» طعناً بالسكاكين على يد جهادياتٍ يقطنّ في الهول.

إضافة لإقامة الجهاديات في هذا المخيم، حذّر مسؤولون في «الإدارة الذاتية» من تداعيات استمرار إقامة أطفال الجهاديات في هذا المخيم أيضاً، لجهة تلقينهم أفكار التنظيم المتطرف من قبل أمهاتهم الجهاديات.

وتقدر أعداد هؤلاء الأطفال بعشرات الآلاف، وترفض الدول التي ينتمون إليها إعادتهم. وقد أعادت بعض الدول ومنها السودان ولبنان وكازاخستان وفرنسا وغيرها من الدول العربية والأوروبية والآسيوية مئات الأطفال.

يعيش أطفال ذوي مقاتلي تنظيم داعش حياة بائسة داخل المخيم نتيجة سوء التغذية وانعدام وسائل الأمان من العواصف والحرائق ووباء كورونا، إضافة إلى سيطرة التفكير المتطرف على أفعالهم وأفكارهم وهو ما يجعلهم خلايا نائمة وقنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت.

وقد أكدت متطوعة تعمل داخل المخيم مع منظمةٍ محلّية، على الخطر الكبير الذي يعيشه هؤلاء الأطفال وحاجتهم للدعم النفسي وللمساعدات الغذائية والعينية، مشددة على خطورة الأفكار المتطرفة التي تبث في عقولهم ونفوسهم وتدفعهم للتفكير بطريقة أسرهم، وهو ما يشكل الخطر الأكبر داخل مخيم الهول وخارجه.

تقدر الأمم المتحدة عدد الجهاديات مع أطفالهن بنحو 11136 شخصاً، لكن مسؤولي «الإدارة الذاتية» يقولون إن «الأرقام في الواقع أكبر من ذلك بكثير».

 

قنبلة موقوتة

عادةً ما تلقب «الإدارة الذاتية» مخيم الهول بـ«القنبلة الموقوتة»، بسبب ما يحدث فيه من جرائم قتل، وخوفاً من إعادة داعش تنظيم صفوف مقاتليه داخل المخيم القريب من الحدود مع العراق.

يذكر أنّ العملية العسكرية التركية التي أطلقت عليها تركيا اسم «نبع السلام» في أكتوبر من العام 2019، أدّت إلى فرار جهادياتٍ من مخيماتهن والوصول لمناطقٍ سورية أخرى تخضع لسيطرة أنقرة، وفق ما أعلنت «الإدارة الذاتية» حينها.

كما أن تلك العملية أرغمت عشرات المنظمات الدولية على الخروج من المخيمات التي كانت تنشط بها في مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» بعد دخول جيش النظام السوري إليها.

وفي هذا السياق كشف مصدر في منظمة دولية عملت سابقاً في الهول لـ«المجلة» أن «هذا المخيم لم يعد آمناً بالنسبة إلى موظفينا، ولذلك قررنا تعليق أنشطتنا فيه والاكتفاء بإرسال بعض المساعدات عبر الحكومة المركزية في دمشق».

وكانت عشرات المنظمات تعمل بالفعل داخل مخيم الهول سيما مع أطفال الجهاديات، لكنها توقفت جميعها عن العمل بعد تكرار محاولات الجهاديات في التعرض لموظفين أمميين عن طريق التخلص منهم طعناً بالسكاكين أو تهديدهم بالقتل في وقتٍ آخر.

والأسبوع الماضي، جددت منظمات دولية، على رأسها الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية، تحذيراتها من خطر إبقاء نساء داعش في المخيمات لفترة أطول، بينما حذرت تقارير أميركية مؤخراً من احتمال تحولهن إلى نسخة أكثر دموية من التنظيم المتشدد، لاحقاً.

ويعد مصدر هذا الخطر، الجهاديات أنفسهن واللواتي يحاولن فرض سيطرتهن على نساءٍ أخريات داخل مخيم الهول، وتعرف تلك المجموعات بجهاز «الحسبة»، وهي شرطة دينية أسسها التنظيم المتطرف عند سيطرته على مناطق سورية وأخرى عراقية قبل سنوات. ويبقى جهاز «الحسبة» المتهم الرئيسي بارتكاب جرائم القتل داخل المخيم، بموجب تقارير أميركية وأوروبية وسورية.

تتعرض النساء والأطفال لخطر العنف في مخيم الهول (بيل ترو)

والأسبوع الماضي أيضاً، لقيت ثلاث لاجئات عراقيات مصرعهن وأصيب شخص رابع في مخيم الهول، في حادثة دهس بعد خروج صهريج مياه عن السيطرة.

وبحسب شهود عيان، فقد وقعت الحادثة ليل الاثنين الماضي داخل مخيم الهول في القسم المخصص للاجئين العراقيين، وذلك على خلفية عطل طارئ في محرك الصهريج الذي يجلب المياه لسكان المخيم، وأدى ذلك لاصطدام المركبة بخيمة، وعلى أثرها قُتِلت 3 عراقيات وأصيب رجلٌ آخر بإصابةٍ بليغة وعلى أثرها بُتِرت ساقه.
وسبق لصحيفة بريطانية أن وصفت مخيم الهول قبل نحو أسبوعين بأنه
«من أكثر المناطق الدموية في العالم»، حيث ترتكب فيه عمليات القتل علناً.

كذلك تنشب حرائق في مخيم الهول بين الحين والآخر لأسباب مجهولة. وقد نشب حريق الأسبوع الماضي بعدد من خيام المخيم، ونجمت عنه إصابة عشرات الأشخاص بحروق. وقال مصدر محلي لـ«المجلة» إن «الحرائق تبدو متعمدة من قبل الجهاديات لإحداث مزيدٍ من الفوضى داخل المخيم».

وكان مخيم الهول قد شهد أيضاً حريقاً في أغسطس (آب) الماضي، وعلى أثره احترقت عشرات الخيام آنذاك.

 

 

 

font change

مقالات ذات صلة