الظلم التاريخي للنساء!

الظلم التاريخي للنساء!

من التعليقاتِ التي تتكرر القول بأن النساءَ مسؤولات عن وضعيتهن غير الإنسانية في مجتمعات منطقتنا الناطقة بالعربية. وهذا كلام «غير علمي». فالدراسات التاريخية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية تؤكد أن «الثقافة الذكورية»هي ابنة أبوين هما: (1) الرجال، و(2) المؤسسات الدينية، أي الرجال مرة أخرى. وهذه الدراسات تؤكد أيضا أن الرجل استعمل تاريخيا أداتين لترسيخ الثقافة الذكورية التي تجعله صاحب اليد العليا والأمر والنهي ووضع المرأة في الإطار التاريخي للنساء. أما الأداة الأولى، فهى قوته الجسدية في مواجهة المرأة. وأما الأداة الثانية فهي كونه الذي يجلب الدخل المادي وكونه الطرف الذي يُنفق على الطرف الآخر. وإذا كانت أهمية وفعالية الأداة الأولى قد تناقصت في العصر الحديث، فإن الأداة الثانية قد نقصت فعاليتها بدرجة أقل. وتاريخيا، ولكون رجال الدين هم قبل كل شيء ذكور، فقد وظِفت الأديان لشرعنة روح الثقافة الذكورية وشرعنة كل تفاصيل علاقة الرجال بالنساء المؤسسة على أساس أن الرجل هو صاحب اليد العليا وصاحب الحق في الأمر والنهي والمستحق لأن يسود ويهيمن ويُطاع. وعندما أُخضحت النساء لهذا النوع من العلاقة لقرونٍ وواكب ذلك توظيف دؤوب للدين رسَخ سيادة الرجل لحد كون السماء تغضب من المرأة التي تُغضب زوجها وتدخل الملائكة على الخط، فتسهر وهي لا تفعل شيئا عدا لعنها للمرأة التي نام زوجها وهو غاضب منها، منذئذٍ تحولت المرأة (أو كثير من النساء) لمؤمنات بعلو مقام الرجل وبكونه السيد ولكونها الملزمة بخدمته وطاعته وإراحته. ويجيء علم النفس المعاصر فيقدم لنا نظرية أو فكرة «متلازمة استكهولم»والتي تلخصها هذه الكلمات وهي: افتتان المسجون بسجّانه. وهو ما ينطبق على ما وصلت له حالات نساء كثر، أصبحن متفانيات في الدفاع عن كل فسيفساء الثقافة الذكورية: فوقية الرجل وسيادته وأنه صاحب الأمر والنهي وأنها (المرأة) ملزمة بطاعته مع قبول كامل بتجليات كونه الطرف الأسمى، مع كسوة كل ذلك بالدين حتى نصل لنصوص تقول إنه لو كان هناك مستحق لأن يُسجد له بعد الله فسيكون هو الرجل الذي يجب على امرأته أن تسجد له. ولكن المرأة أُعفيت من هذا السجود لأنه يناقض وحدانية الإله المستحق وحده دون سواه لأن يُسجد له.

والخلاصة، أن الدراسات العلمية التاريخية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية وضحت لنا كيف نشأت وتجذرت وترسخت الثقافة الذكورية، ودور رجال الدين في تدعيمها. كما أنها وضحت لنا بدء عملية التآكل النسبي للثقافة الذكورية في بعض المجتمعات الأكثر تقدماً.

وأخيرا، فإن علم النفس هو الذي يكشف طبيعة وحقيقة أثر متلازمة استكهولم على النساء اللائي يتحولن لمحاميات مدافعات عن فوقية الرجل وعن كل مزاياه وحقوقه ككائن أعلى وأسمي من المرأة، بل وككائن يغضب الإله (والملائكة) لغضبه. ولكن هذا العشق من بعض النساء بفوقية الرجل ليس هو سبب الثقافة الذكورية وإنما هو عرض من أعراضها.

وكاتب هذه السطور يؤمن بأن تاريخ البشرية قد واكبه على الدوام «ظلمٌ ذكوري» للنساء يجب أن يخجل منه كل الرجال. فمن الذي أعطى الرجال الحق في وضع القواعد التي على النساء التزامهن بها؟ حتى ملابس النساء، وضع الرجالُ قواعدها!

وكاتب هذه السطور يعتقد أنه لو وقف الرجال (كل الرجال) لمدة خمسين ألف سنة يعتذرون للنساء عما اقترفوه بحقهن، لما كان ذلك كافياً!

 

font change