قاطرة النمو السياحي في السعودية تبشر بمستقبل زاهر

تظاهرات ثقافية وفعاليات ترفيهية ورياضية

خلال حفل انطلاق موسم الرياض 2021 (واس)

قاطرة النمو السياحي في السعودية تبشر بمستقبل زاهر

جدة: من الفعاليات الاحتفالية لموسم الرياض ومهرجان ميدل بيست الموسيقي ومهرجان الملك عبد العزيز للإبل في العاصمة السعودية، وصولاً إلى مهرجان البحر الأحمر السينمائي وسباق الفورمولا في جدة (غربي السعودية) إلى المهرجان الفني والموسيقي (شتاء طنطورة) في العلا (شمال غربي المملكة)، تشهد السعودية موجات متلاحقة من الفعاليات على مدار العام.

 

ورغم تعدد الجهات المنظمة لتلك الفعاليات بين الهيئة العامة للترفيه ووزارة الثقافة والهيئة الملكية لمحافظة العلا ووزارتي السياحة والرياضة، إلا أن جميعها تصب في اتجاه واحد: تحقيق النمو السياحي في السعودية، وبخاصة مع تدفق السياح من دول الخليج وباقي أنحاء العالم. 

 

ولكن لماذا تلجأ المملكة إلى الفعاليات كأسلوب جذب سياحي؟ وكيف يساهم ذلك في جعلها بقعة جذب سياحي؟ وكيف يساهم السياح الداخليون والخليجيون والأجانب في الدفع بالنمو السياحي؟ 

 

انطلاق «موسم الرياض» بحفل استثنائي حضرة 750 ألف شخص (واس)

 

باكورة السياحة

لا تزال السعودية بلداً بكراً من الناحية السياحية، فالبلد لا يزال غير معروف للكثيرين حول العالم، حيث إن التأشيرات السياحية والترحيب بالسياح من الخارج لم يبدأ سوى في الربع الأخير من عام 2019 عبر نظام سهل للتأشيرة الإلكترونية أو التوجه مباشرة إلى المطار وإصدار التأشيرات مباشرة، لكن ما إن بدأ السياح في التدفق على البلاد حتى داهمت جائحة كورونا العالم بأكمله بعد أقل من 7 أشهر من إقرار التأشيرة السياحية، ثم فرضت إجراءات الإغلاق في مارس (آذار) 2020. وبلغ عدد السياح في تلك الفترة 400 ألف سائح، أتى أغلبهم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وكوريا الجنوبية. ولم تستأنف المملكة إصدار التأشيرات السياحية إلا مطلع أغسطس (آب) 2021.

في الواقع، لم يسعف الزمن وظروف الجائحة السياح العالميين للتعرف جيداً على المملكة والتعرف على مقوماتها السياحية، والرجوع إلى بلدانهم لإخبار القصص عن المملكة والأماكن السياحية والنشاطات المتاحة والمطبخ السعودي والتنوع الطبيعي للجغرافيا السعودية، فالعدد كان قليلاً ولم يحصل «التراكم السياحي» المطلوب. ولذا، كان من الضروري ابتكار منتجات سياحية، تعيد المملكة إلى دائرة ضوء الاهتمام السياحي العالمي.

إن تلك المهرجانات والفعاليات والتظاهرات الثقافية والسياحية والرياضية هي الأسلوب الأفضل لاستقطاب السياح. ولا يدور الحديث فقط عن استقطاب السياح العالميين، بل إن الأمر يتعلق بالسياحة الداخلية، وبخاصة مع تفضيل الكثير من المواطنين والمقيمين البقاء في البلاد.

يقول خالد العمري، وهو مواطن سعودي في العقد الرابع: «أفضل حضور الفعاليات المحلية، سيما أنها تتميز بالتنوع. ليس من الضروري أن أذهب إلى مصر لحضور حفلات غنائية لمطربين مصريين، فهم يأتون إلى هنا الآن. ليس فقط المطربون العرب من يأتون إلى هنا، فالمطربون الغربيون أيضاً لهم نصيب، كان آخرهم جستين بيبر في مسابقة الفورمولا التي أقيميت مؤخراً في جدة».

لن يقضي السياح العالميون والخليجيون فترة تواجدهم في المملكة في حضور الفعاليات فقط، فالهدف الأوسع هو تعرفهم على البلاد وزيارة مختلف المناطق. إن تلك الفعاليات هي أداة جذب لاكتشاف البلاد والتعرف عليها وزيارتها والتفاعل مع أهل البلاد والمقيمين فيها في إطار أوسع. 

هيئة الترفيه أكثر من 732 ألف شخص حضروا مهرجان «ميدل بيست» الموسيقي

 

الشمول السياحي

بدأت في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الجاري فعاليات شتاء طنطورة بمنطقة العلا (شمال غربي المملكة)، وهي تجمع بين سياحة الآثار والفروسية والعروض السينمائية المميزة وفعاليات الموسيقى للفنانين العرب المخضرمين مثل ماجدة الرومي وعمر خيرت وكذلك الفنانون العالميون مثل المايسترو الإيطالي أندريا بوتشيلي وغيره. تستهدف هذه الفعاليات فئة محددة من السياح المحليين والعالميين المهتمين بالفنون الكلاسيكية والسياحة ذات الطابع الثقافي والتاريخي.

وهناك مثلا مهرجان ميدل بيست الموسيقي (عقد بين 16-19 ديسمبر الجاري) الذي يستهدف عشاق الموسيقى الإلكترونية والشبابية. ولم يتجاهل منظمو موسم الرياض، مثلا، وجود جاليات ضخمة من المقيمين غير العرب من الهنود والباكستانيين والفلبينيين، فقد جرى إطلاق العديد من الحفلات الغنائية لأشهر المطربين الآسيويين والهنود في بادرة إلى توسيع نطاق الاهتمام بالجاليات المقيمة على الأرض السعودية، وتوفير خيارات ترفيهية تلائمهم، سيما أنهم يعيشون وسط السعوديين منذ عقود.

ويضم موسم الرياض مناطق لممارسة الألعاب والهوايات وكذلك معارض فنية وثقافية وحفلات موسيقية، إلى جانب مزادات للمجوهرات والسيارات ومناطق تضم أشهر المقاهي والمطاعم المحلية والعالمية وعروض السيرك والفنون الاستعراضية وغيرها.

أما مهرجان البحر السينمائي (6-15 ديسمبر/ كانون الأول 2021)، فهو يتوجه بشكل خاص إلى عشاق الفن السابع ممن يهتمون بأحدث الإصدارات السينمائية المحلية والعربية والعالمية، وقد عرض قيه 138 فيلماً من 67 دولة حول العالم، فيما يأتي مهرجان الملك عبد العزيز للإبل (بدأ في ديسمبر وينتهي في يناير 2021) ليستقطب عشاق الإبل وسباقات الهجن بفروعها المختلفة. وكانت النسخة الماضية من المهرجان استقطبت عدداً من مربي الجمال الأوروبيين والأميركيين والآسيويين، وهو ما حصل العام الجاري الذي استقطب مربي وعشاق الجمال من مختلف قارات العالم في أكبر مهرجان للإبل يقام على مستوى العالم.

إن هذا التنوع الهائل في الفعاليات يأتي في سياق الابتكار السياحي من أجل استقطاب جميع الأذواق والاتجاهات من مختلف الفئات العمرية والحالات الاجتماعية، الأمر الذي يقوي حضور المملكة على خارطة السياحة العالمية. وكل ذلك مرهون باستمرار زخم الأحداث السياحية وتنويعها بشكل أكبر مع تواصل دعم صناع السياحة من أجل جعل الأسعار أكثر تنافسية.

 

الاستدامة السياحية

بلغ عدد زوار موسم الرياض نحو 6 ملايين شخص حتى الآن، غالبيتهم من الداخل السعودي، فيما جاء 163 ألف شخص من دول الخليج و145 ألفاً من دول العالم، وفقاً للإحصاءات المتوفرة حالياً، فيما وصل عدد زوار مهرجان ميدل بيست الموسيقي نحو ثلاثة أرباع المليون مع حضور كثيف من دول الخليج. أما مهرجان الإبل، فإنه يستقطب عشرات الآلاف يومياً، من مختلف مناطق المملكة والعالم.

تعتبر أعداد الحضور في غاية الأهمية، وهي إحدى دلالات النجاح، لكن الأهم هو اكتساب السمعة المحلية القوية محلياً وعالمياً وتطويرها وتثبيت القوة السياحية السعودية من أجل مضاعفة الأعداد مستقبلاً واستدامتها. تراهن المملكة على السياحة كثيراً في التحول الاقتصادي الجاري حالياً من أجل خلق أكثر من مليون وظيفة سياحية بحلول عام 2030 وزيادة مساهمة السياحة في الناتج الإجمالي المحلي إلى 10 في المائة.

صحيح أن جائحة كورونا أخرت الكثير من الخطط وضيعت قرابة عامين من النمو السياحي المتوقع، لكن الانتعاش قادم والمستقبل يبدو واعداً للصناعة السياحية السعودية مع توافر المقومات والإرادة السياسية وتواصل الفعاليات الترفيهية والثقافية والرياضة وغيرها.

 

 

 

 

font change

مقالات ذات صلة