نشيد الأمل

نشيد الأمل

بانتهاء العام الحادي والعشرين من القرن الحادي والعشرين تكون البشرية قد دخلت عامها الثالث في محنة كورونا، ذلك الفيروس اللعين الذي تعدى تأثيره الطبي إلى الحياة الاقتصادية فأفلست بنوك وشركات كثيرة وبعضها تم إنقاذه بعمليات دمج بعد بتر أجزاء منها وتسريح آلاف من موظفيها وهو ما أثر على الحياة الاجتماعية لملايين البشر فانفضت زيجات كثيرة ودمرت أسر عريقة وندر التزاور بين الناس بل تخلى الإنسان عن أهم صفاته كونه حيوانا اجتماعيا إلى الحياة الفردية المعزولة عن بني البشر مما نجم عنه من أمراض نفسية جمة أقلها الاكتئاب وأسوأها الجنون وزادت معدلات حالات الانتحار في أوروبا والدول التي يتناسب تقدمها المادي عكسيا مع روحانياتها.

 

ولا غرو أن يكون الإيمان هو العاصم من فتنة كورونا وكل الفتن فالتسليم بقضاء الله وقدره خيره أو ما نتوهم أنه شره، فالإنسان مهما بلغت ثروته من علم فإنه إلى ربه فقير ولولا رحمة الله لانهار معظم الناس انهيار قطع الدومينو.

أما تأثير الكوفيد سياسيا فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن العالم أصبح قرية صغيرة يستطيع الفيروس أن يلعب بها ويخترق كل حواريها وأزقتها في ساعات معدودات محطما كبرياء الحدود السياسية التي لم يعد لها أهمية عملية سوى رسمها في الخرائط. عدا ذلك فكل شيء يقفز فوق الحدود ولم تعد الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة بأنوارها الكاشفة تحمي أي دولة من الفيروسات المرضية وعلى رأسها الكوفيد ولا الفيروسات الاجتماعية التي باتت تنحر في قيم المجتمعات ولا فيروسات الإرهاب التي بدأت ببذور فكر عقيمة معظمها اجتزاء من عفن بطون التاريخ خاصة فقه الشعوبية الذي أاستورد من الفلسفة الفارسية وأتباع ماني وذرادشت إبان الفتوحات الإسلامية العظيمة وحتى الآن لم يغفر كسرى ولم ينس تحطم إيوانه فنفث الحقد والزندقة في صدر الإسلام الحنيف منذ دولة الحشاشين حتى الانقلاب الصفوي رغم إعلانهم أنهم أتباع أهل البيت كإسفين يدق قلب العالم السني ويصبح دستورهم قول أبي نواس: «ليس الأعاريب عند الله من أحد». وهل انتشر القرآن إلا باللغة العربية؟ ولكنها الأفكار والتقاليع الخبيثة التي عبرت الحدود تماما مثل الكوفيد فأصبح حقيقا بالشعوب أن تتنبه لأننا جميعا في زورق واحد ولم تعد التقاسيم الجيوساسية تفيد في مقاومة ما ينتشر عبر الأثير من أفكار أقرب للجراثيم والفيروسات.

لذا ونحن نودع عاما مضى ونستقبل بالتفاؤل والبشر عاما جديدا كان لزاما على البشرية أن تتفكر وتتحد أمام التحديات التي تواجه العالم بمعناه الإنساني بعيدا عن الجغرافيا والسياسة والتاريخ فنحن نتعرض جميعا لهجومات شرسة لو تركت فلن تبقي ولن تذر أحدا دون أن يتأثر اقتصاديا أو سياسيا وبالتأكيد اجتماعيا والحل يكمن في تبني مبادرة أممية للأخوة الإنسانية على مستوى المفكرين أشبه بمجلس عالمي لإدارة الكوارث والتحديات يعمل بعيدا عن الأهواء السياسية لكن باستخدام السياسة فمهما بلغت بلاغة الحكماء من دون القوة السياسية تظل حكمتهم حبيسة الصدور والعقول وتُعتقل بين دفوف الكتب ولا تخرج لحيز النور على أن تكون القوة المحركة لهذه المبادرة هي القوة الناعمة من مسرح وسينما وأدب ورياضة فهم الأكثر تأثيرا في المجتمع مقارنة بالسياسيين بعدما جفت ضروع الأفكار السياسية التي كانت تعتمد على الصراع بطريقة أو بأخرى سواء صراع طبقي أو بين الدول وقد بطل هذا السحر وتقاعس الساحر بعدما ذهب أساطين الفكر واستبدل الزعماء الكبار بنجوم التلفزيون وضاعت ملامح البشرية وتاهت بين براثن إعلام الرعاع والدهماء ووسائل التواصل الاجتماعي المغرضة التي امتطتها شركات التسويق وذهبت المبادئ السامية واستبدلت بحافز الربح ولم تعد الغاية تبرر الوسيلة فقط بل تاجروا بالغاية فأصبحت بلا سقف وتدنت الوسيلة لأحط الغرائز ويصبح كل ذلك بالإضافة للفيروسات المختلفة بداية النهاية للعالم. وما دام الإنسان يملك العقل والابتكار والقدرة على التكيف فهناك دائما الأمل بوحدة العالم للتغلب على أصعب التحديات من بيئية إلى صحية مرورا بتداعيات الفيروس الاقتصادية.

وقد مر العالم بمحن من حروب وأوبئة، وقد خرح العالم باختراعات وأدوية لم تكن تتاح لولا المحن. فمن رحم الكوارث تتحول الأفكار إلى تطبيقات عملية ولا أظن أن كورونا ستعتقل البشرية إلى الأبد فالعلاج على وشك أن يطرح في الأسواق ويبقى الدرس المستفاد هو وحدة العالم الحقيقية بعيدا عن الاستغلال والجشع والإيمان التام بوحدة مصير البشرية والاستبشار بعام جديد يغني فيه العالم نشيد الأمل.

font change
مقالات ذات صلة