السعودية تعزز وجودها على صناعة الفعاليات والمهرجانات عالميًا

التكامل بين صناعتي الترفيه والسياحة يعزز خطط المملكة لـ«تنويع الاقتصاد»

خلال افتتاح منتجع ترفيهي كبير في القدية في الرياض بحضور الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان

السعودية تعزز وجودها على صناعة الفعاليات والمهرجانات عالميًا

القاهرة: أعادت السعودية استكشاف قدراتها على تنظيم الفعاليات العالمية في المجالات كافة، بعد تنظيم عدة مهرجانات فنية ورياضية في التوقيت ذاته، واستقطبت مئات الآلاف من الحضور مع مراعاة جميع الاشتراطات الصحية المتعلقة لجائحة كورونا.

استطاعت المملكة جذب أنظار العالم، في ظل التناغم منقطع النظير بين صناعتي الترفيه والسياحة، وأثبتت البلاد قدرتها على تنظيم تلك الفعاليات، وباتت حاليا مقصدا سياحيا شتويا، يتسم بطقس دافئ في ظل موجات من الفيضانات والصقيع ضربت العديد من بقاع العالم.

تمكنت السعودية في غضون شهور قليلة من رسم صورة ذهنية عالمية لها كمجتمع محب للفنون والرياضة، وشديد الترحيب بضيوفه، ما عزز من توقعات وسائل الإعلام الغربية بأن تصبح المملكة إحدى البلاد المنافسة بقوة في مختلف صنوف السياحة، خاصة المعارض وتنظيم الفعاليات والمؤتمرات.

قبل أيام قليلة، كانت المملكة على موعد مع حدث رياضي لن يتكرر سوى مرة واحدة، ودفع الجميع لخلع قبعات الاحترام لها، لاستضافة كأس مارادونا النجم الكروي الذي لا يزال حاضرا في أذهان الملايين رغم رحيله، بين فريقي برشلونة الإسباني وبوكا جونيورز الأرجنتيني.

جنت المملكة مكاسب كثيرة من وراء تنظيم تلك الفعالية في لفت أنظار العالم للقدرات التنظيمية لها ما يعطيها قوة حال رغبتها في تنظيم بطولة كأس العالم، علاوة على مشاعر التقدير التي صادفتها من الاحتفاء بأفضل لاعب على مدار تاريخ كرة القدم.

 

من فعاليات هيئة الترفيه

 

في التوقيت ذاته، استضافت المنطقة الشرقية منافسات البطولة الدولية الودية لكرة اليد للرجال، بمشاركة أربعة منتخبات: (السعودية، والبحرين، ومصر، والمغرب) تحت إشراف وتنظيم الاتحاد السعودي لكرة اليد.

جاءت البطولة في إطار استعدادات المنتخبات الأربعة للتصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2023 (بولندا- السويد) للمنتخبين السعودي والبحريني، وكذلك التصفيات الأفريقية التي يشارك فيها منتخبا مصر والمغرب، وكانت المدرجات متاحة للجماهير مع الالتزام بجميع البروتوكولات المنصوص عليها في وزارة الرياضة المتعلقة بضوابط الحضور الجماهيري في الصالات المغلقة.

لاقت الفعالية تقديرًا كبيرًا من منتخبي المغرب ومصر للحفاظ على الاحتكاك وتعزيز القدرات بعد قرار الاتحاد الأفريقي لكرة اليد بتأجيل بطولة كأس الأمم الأفريقية لأجل غير مسمى، بعدما كان مقررا إقامتها خلال يناير (كانون الثاني) 2022.

حقق سباق جائزة السعودية الكبرى لـ«فورمولا-1»، رقمًا قياسيًا في عدد المشاهدات على القنوات العالمية، حتى إن قناة «سكاي سبورتس» البريطانية، قالت إنه كان الأعلى مقارنةً بجميع سباقات «فورمولا-1» التي بثّتها القناة، بعدما شاهده 2.66 مليون شخص.

الأمر ذاته، تكرر مع شبكة «إي إس بي إن-2» التي قالت إن السباق شاهده على شاشتها 1.2 مليون شخص، في حين بلغ متوسط مشاهدي السباقات هذا الموسم 933 ألفاً، مما يزيد بنسبة 53 في المائة عن النسخة السابقة.

لم تتوقف نجاحات المملكة على المستوى الرياضي لكنها سجلت حضوًرا فنيًا أكبر، عبر مهرجان «ميدل بيست» السنوي للموسيقى في السعودية، الذي شهد حضورا يقدر بأكثر من 732 ألف شخص خلال أربعة أيام فقط، مع تطبيق الاشتراطات اللازمة لجائحة كورونا.

شارك في الفعالية موسيقيون ومغنون عالميون، وأعادت وسائل الإعلام الغربية نشر تصريحات الشيخ تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه في السعودية، الذي قال إن المهرجان «واحد من أكبر المهرجانات الموسيقية في العالم».

 

تعطش شعبي

كما أظهرت الفعاليات تعطش السعوديين للموسيقى والأفلام والترفيه والضحك وبرامج خارج المنزل، وشعورهم بالفخر بالتغيرات التي تشهدها دولتهم، وهو أمر يعتبر من أهم المكاسب المعنوية لتنظيم الفعاليات بداية من تعزيز مشاعر الانتماء للدولة والوعي بتحدياتها.

تظهر الفعاليات التي استضافتها المملكة الإلمام الكامل من قبل القائمين عليها، بعناصر صناعة الفعاليات الضخمة التي تتسم بقصر المدى الزمني والتأثير القوي على الصورة الذهنية للدولة عالميًا عبر التغطية المكثفة من وسائل الإعلام الدولي والمحلي، الأمر الذي ينعكس على حركة السياحة، واجتذاب الاستثمار الأجنبي، بتسليط الضوء على البنية التحتية والأمان.

تستهدف السعودية زيادة صافي الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى البلاد بنسبة 1816 في المائة خلال 10 أعوام من 2021 حتى 2030، أي مضاعفته بأكثر من 19 مرة ليبلغ 388 مليار ريال سنويا بحلول 2030، بعدما قفز صافي الاستثمار في المملكة إلى 51.86 مليار ريال في الربع الثاني من 2021، مقارنة بنحو 3.098 مليار ريال في الربع ذاته من 2020، بزيادة نحو 1574 في المائة، وفق تقديرات رسمية.

تعتبر سياحة الفعاليات أحد المحاور التي يمكن التعويل عليها في تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة، فمعرض إكسبو العالمي الذي استضافته الصين في 2010 حقق عوائد تتجاوز 12 مليار دولار باستقبال 70 مليون زائر، بينما جنت البرازيل من استضافة كأس العالم 2014 أرباحا تقدر بنحو 13 مليار دولار بجانب توفير مليون فرصة عمل.

 

تشهد المملكة تنوعًا كبيًرا في الفعاليات، حتى إن نجوم الفن المصري الذين حضروا الدورة الافتتاحية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، التي احتضنها مدينة جدة الساحلية، وشملت 138 فيلما طويلا وقصيرا من 67 بلدا بـ34 لغة، أبدوا دهشتهم من الحضور العالمي في المهرجان على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت الفنانة إلهام شاهين، على صفحتها في موقع «فيسبوك»: «لا أصدق أننا في جدة.. تعودت السفر بين السعودية ومصر.. لكن أن أحضر حفلة كبيرة ومهرجان سينما بها فهذا تطور وطفرة، والمهرجان يضم أفلاما كثيرة من كل العالم.. أمر كبير وجميل»، بينما قالت الفنانة نادية الجندي إن إقامة الفعالية أثبتت حدوث نهضة سينمائية وفنية كبيرة في السعودية.

 

تنويع اقتصادي

يتماشى الاهتمام بسياحة الفعاليات مع مساعي المملكة لتنويع الاقتصاد، وإطلاق الرؤية في تنفيذ العديد من المبادرات الداعمة والإصلاحات الهيكلية لتمكين التحول الاقتصادي، وتعزيز الصناعة الوطنية وإطلاق القطاعات الاقتصادية الواعدة وتنميتها وفي مقدمتها السياحة، وتعظيم دور القطاع الخاص والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز استدامة المالية العامة.

تساهم تلك الفعاليات في نقل صورة مبهرة وجذابة عن الأماكن السياحية مع انتشار الهواتف الذكية في يد الجميع وحرصهم على التقاط الصور ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، وتناقلها بين الملايين على مستوى العالم، وبالفعل انبهر الزوار بوجود معالم أثرية ومناطق طبيعية وتراثية ثرية بالمملكة مما يخلق نوعا من الدعاية المجانية للسياحة.

ويستهدف القطاع السياحي في السعودية، رفع عدد الزيارات السنوية السياحية للمملكة إلى 100 مليون سائح بحلول عام 2030، موزعين بين 55 مليون زيارة من الخارج و45 مليون زيارة من الداخل، مع توفير مليون فرصة وظيفية؛ وزيادة 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

تعمل استضافة المهرجانات الفنية على إنعاش الصناعة أيضا بكافة أصنافها خاصة الغذائية، فألمانيا خلال استضافتها كأس العالم عام 2006 حققت قفزة في مبيعات الأغذية والمشروبات إلى 2.6 مليار دولار، بجانب انتعاش الطلب على قطاع المطاعم والمواد التذكارية التي تأتي غالبيتها من المشروعات الصغيرة.

وتشير التقديرات إلى أن العوائد المباشرة وغير المباشرة لصناعة الفعاليات السياحية بالمملكة، تتجاوز 11 مليار ريال لإنعاش الرحلات والسفاري والفنادق والمطاعم، وبيع السلع التراثية والحرفية.

تواجه القفزات السعودية في مجال تنظيم الفعاليات تحديات أهمها ضرورة زيادة عدد شركات تنظيم الفعاليات ورفع كفاءة العاملين بها، خاصة أنها أصبحت صناعة لها قواعدها وأصولها لتحقيق العائد الاقتصادي الكبير من ورائها.

يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن تنظيم الفعاليات تشهد اهتمامًا كبيرًا من الدول العربية حاليًا، خاصة السعودية التي تعتبر السياحة حاليا أحد أسس تنويع الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات، وزيادة مصادر الدخل، وتوفير فرصة عمل للمواطنين.

يضيف جاب الله لـ«المجلة»، أن المملكة نجحت في إظهار السياسات الانفتاحية التي انتهجتها على مدار السنوات الأخيرة، وعبر مبادرات مثل إطلاق التأشيرة السياحية من قبل الهيئة السعودية للسياحة قبل عامين والتي سهلت الحصول على التأشيرات السياحية إلكترونيا، مضيفًا أن المملكة تعتبر المستثمر الأكبر عالميا في قطاع السياحة بأكثر من تريليون دولار في الأعوام العشرة المقبلة.

أوضح أن حجم صناعة المعارض عالميًا يحقق تريليوني دولار موزعة على 9 آلاف معرض بين معارض كبيرة عالمية ومتوسطة وصغيرة، مؤكدة أن سياحة المعارض والمؤتمرات صناعة تتنافس عليها المقاصد السياحية الدولية والإقليمية، وحال إضافة المهرجانات والفعاليات الرياضية إليها تتزايد تلك الأرقام بشكل كبير.

وفي الولايات المتحدة يعد ما يقدمه قطاع الفعاليات من دخل أكبر من ناتج صناعة السيارات بـ30 في المائة، ويعمل فيه أكثر من مليون ونصف المليون شخص بعائد يناهز ربع تريليون دولار سنويا، بحسب تقارير منظمة السفر الأميركية.

لدى هيئة الترفيه أيضًا طموحات كبيرة باحتلال المملكة مرتبة بين أول أربع وجهات ترفيهية بمنطقة آسيا ومركزا ضمن أول عشرة على مستوى العالم، عبر تعزيز إقامة المهرجانات والفعاليات، وتفعيل دور الصناديق الحكومية في المساهمة في تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، وعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، ودعم إيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوّعة تتناسب مع الأذواق والفئات كافّة.

يقول عاطف عبد اللطيف، عضو جمعيتي مستثمري مرسى علم ومستثمري جنوب سيناء ورئيس جمعية مسافرون بمصر، إن ما تشهده المملكة من نقلات في صناعتي الترفيه والسياحة يمثل نقلة غير مسبوقة وأفضل مثال على ما تشهده من إصلاحات وتحركات حثيثة في تنويع الاقتصاد.

وأضاف لـ«المجلة» أن السعودية أشعلت المنافسة الشريفة في المنطقة العربية على صناعة تنظيم المعارض والمهرجانات، في ظل العدد الضخم والمتنوع من الفعاليات في التوقيت ذاته، لكن نشاطها يخدم تحسين الصورة الذهنية للمنطقة العربية بوجه عام.

وبحسب جمعية «مسافرون بمصر»، فإن الإمارات الشقيقة تستحوذ على نحو 45 في المائة من المعارض التي يتم تنظيمها بالمنطقة لكن وضع مصر والسعودية أفكارا وخططا غير تقليدية لجذب هذا النوع من السياحة الذي يحقق دخلا كبيرا من العملات الصعبة ويجمع فرصة قوية للمشاركة تجمع بين العمل والترفيه بوقت واحد سيزيد من حصيلة المنطقة في ذلك النمط من السياحة.

وأوضح أن الفعاليات تعمل أيضًا على دمج الشباب العربي وتنمية مهاراته، والقضاء على الحساسيات السياسية، وتوفير العملة الصعبة أيضًا التي كانت تخرج مع السياحة العربية الخارجية بعدما باتت الدول العربية تشهد نشاطًا سياحيًا كبيرًا.

 

font change

مقالات ذات صلة