فؤاد الأطرش يقرأ أفكار شقيقه الراحل الموسيقار فريد الأطرش

فؤاد الأطرش

فؤاد الأطرش يقرأ أفكار شقيقه الراحل الموسيقار فريد الأطرش

القاهرة:  في ذكراه العاشرة قصدت «المجلة» عمارة فريد الأطرش بكورنيش النيل ودخلت المنزل الذي عاش فيه فريد ثلاثين عاما، وخرجت منه أعذب وأحلى الألحان التي أسعدت ملايين العرب في كل مكان، وفي السراي التي تحولت الآن إلى متحف كبير أعده فريد في تسعة أشهر ويتكون من اثنين وعشرين غرفة، ما زالت الأمور على حالها، أي لا تخلو من زائر لها، ومعظم الزوار من الأشقاء العرب. وكان فريد ما زال حيا.. يجلس في القاعة الشرقية وبيده عوده الشهير ويغني: «الحياة حلوة بس نفهمها.. الحياة غنوة محلا أنغامها» في هذا المكان كان لنا لقاء مع الأخ الأكبر لأسمهان وفريد الذي يعيش في هذه الأيام برفقة أحزانه وذكرياته.

 

فؤاد الأطرش يتحدث لـ«المجلة» مشيرا بيده إلى لوحة زيتية لفريد الأطرش

أول سؤال طرحناه على فؤاد الأطرش كان التالي:

 

* ما هو التقدير الذي أعطاه العالم العربي للموسيقار فريد الأطرش، هذا الفنان الذي أفنى حياته للحفاظ على النغم الشرقي الأصيل حتى صار نغما مميزا؟

أجاب شقيق الفنان الراحل الكبير:

- إنني أعتقد أن أكبر رصيد تركه لي أخي فريد حب وتقدير العالم العربي والغربي. ويكفيني فخرا أنه بعد عشر سنوات من رحيله ما زالت ألحانه تردد في جميع دول العالم من اليابان شرقا حتى كندا والولايات المتحدة غربا. وأنا أعتبر ذلك أعظم تقدير لأخي.

 

* ماذا فعلتم لتخليد ذكرى فريد وأسمهان والحفاظ على تراثهما؟

- إنني رغم تقدمي في السن (72 عاما) فقد استطعت بالفعل وبعد طول عناء وعذاب من تسجيل تاريخ أسرة الأطرش منذ رحيلنا من جبل الدروز عام 1923 حتى وصولنا إلى أرض مصر وقد قمت بتسجيلها على حوالي 24 شريط كاسيت استعدادا لإنتاجها في فيلم سينمائي ضخم يتضمن مراحل الوصول إلى مصر- حياة أسمهان- حياة فريد.

وسوف يتم تصوير الفيلم في الأماكن التي شهدت حياتهما: دار الهنا، وعمارة فريد الأطرش، وحلوان، والإسكندرية، وجبل الدروز، وسيتخلل هذا الفيلم بعض الألحان التي لم تر النور حتى الآن وتبلغ حوالي أحد عشر لحنا سوف أقوم بأدائها بنفسي، مع العلم بأننا جميعا من أسرة فنية مشهورة بالغناء، وقد كانت والدتي تتمتع بصوت جميل عذب، ولكن التقاليد الأسرية منعتها من الاستمرار في الغناء. وسوف يتم تخصيص أرباح هذا الفيلم لإقامة مركز لعلاج مرضى القلب كما أوصى بذلك فريد.

 

* لماذا تأخر هذا العمل 10 سنوات؟

- حتى يخرج هذا العمل إلى النور بالصورة المطلوبة فقد كان ينقص التمويل المطلوب فأخي رحمه الله كان «كسابا وهابا» ولم يترك لي سوى حب وتقدير جماهير الأمة العربية الذي أعتبره أغلى وسام على صدري، وقد جاءني أحد المستثمرين الأميركيين من أصل مصري، وقدم لي عرضا بتمويل مفتوح غير مقيد بمبلغ معين يتضمن تسجيل قصة حياة أسمهان وفريد على الطبيعة في الأماكن نفسها، وكذا تسجيلها على شرائط فيديو وتسويقها عالميا ويتخللها بعض ألحان فريد الخالدة مثل «الربيع»، و«أول همسة»، و«حبيب العمر».

 

ما نشر غير صحيح

* هل هناك أي أحداث جديدة في حياة فريد وأسمهان سيكشف عنها الفيلم؟

- أنا أعتبر أن كل ما كتب ونشر وأذيع عن حياة فريد وأسمهان غير صحيح، وأنه تم بطريقة اجتهادية بناء على مراجع ومسامع أشخاص غير مؤتمنين على تراث العائلة، ولهذا قررت أن أتدخل وبعد صمت طويل دام ثلاثين عاما، وأن أقوم بتسجيل تاريخ الأسرة وفقا للمستندات والمذكرات الخطية التي أمتلكها حاليا فقصة حياة أسمهان وفريد، هي قصة تاريخية لأسرة عريقة كان لها دور بارز في الحرب العالمية الثانية والاتصالات بالفرنسيين.

* ما هو موقفكم على وجه الخصوص من قصص حياة أسمهان التي تملأ المكتبات والمجلات والتي أذيعت في الإذاعات، هل هي قصص حقيقية؟

- تذكر بأنني خضت تجربة الكتابة عن أسمهان وتسجيل حياتها عام 1960. وقد تم طبع هذا الكتاب بكميات محدودة جدا وأن كل ما تضمنه الكتاب يعتبر بعض الحقيقة وليس كل الحقيقة التي سوف يتضمنها الفيلم.

وأريد هنا أن أنبه وأحذر كل شخص تسول له نفسه للتطاول على شرف العائلات والإقدام على حياة أسمهان وفريد دون الرجوع لي شخصيا. وقد قمت بتكليف المحامي الخاص برفع دعوى تعويض على كل من قام بالكتابة دون استئذان حتى ولو جاءت الطريقة صحيحة.

(يتوقف فؤاد الأطرش عن متابعة الحديث للرد على التليفون الذي لا يكف عن الرنين والمتحدث هذه المرة هم المسؤولون بشرطة السياحة ويقومون بالإبلاغ عن القبض على الخفير المعين لحراسة مدفن فريد وأسمهان بالبساتين لقيامه باستغلال تواجده هناك بتمكين زوار المدفن بدخوله لقراءة الفاتحة نظير مبالغ مالية مرتفعة والمفاجأة أنه يقوم بتحصيل هذه المبالغ بالدولار).

 

قلة حاقدة

* لماذا قال المرحوم فريد في حياته «ستعرفون قيمتي بعد أن أموت»؟

- بلا شك أن شقيقي كان يتمتع بحب ملايين العرب في كل البلاد العربية وكذلك الأوروبية والدليل على ذلك أن ألحانه ما زالت تردد وتوزع عالميا. وأن مبيعات الشرائط (الكاسيت) سجلت أعلى المبيعات ولكن كان هناك قلة من الجمهور حاقدة على تراث فريد واتهمته بعدم التجديد، وأداء أفلام هابطة ليس لها أي معنى. وأنه وضع الموسيقى العربية في قوالب جامدة والرد على الحاقدين في جملة واحدة هي: أين أنتم وأين فريد؟ الفنان لا يموت والألحان تصبح خالدة وكل من قام بتقليد فريد أين هم الآن لقد ذهبوا وما زالت ألحان فريد على قيد الحياة.

«أقدم أغلى هدية» كلمات كتبها فؤاد الأطرش على صورة شقيقه الفنان الكبير الراحل فريد الأطرش

* يشيع البعض أن خلافات حادة كانت تعصف بينك وبين شقيقك المرحوم فريد وهي خلافات أدت إلى القطيعة ونزوحك إلى جبل الدروز فترة من الزمن فما تعليقك على ذلك؟

- بعد وفاة والدتي أصبحت مسؤولا عن فريد، فأنا كنت ولي أمره وكل من تحدث عن وجود خلافات بيني وبين فريد هم أناس غير شرفاء وغير صادقين. فقد كانت علاقتي قوية جدا بفريد ومدير أعماله وشركة أفلامه وكنت مرافقا له في جميع جولاته الوطنية في معظم البلاد العربية والأوروبية. وقد قمت بتنظيم قصيدة رثاء لأخي سوف أتلوها بصوتي في بداية الفيلم السينمائي الذي ذكرت تفصيلاته، ومطلعها:

جعلت الربيع في الدنيا له معنى

وكان يبقى ربيعا لما تكون معنا

يا ما اشتهينا للربيع علشان تسمعنا

واليوم يبكي عليك العود ويحزن عليك الناي

وهناك قصة أحب أن أرويها لأول مرة، فعندما كنت مع فريد في رحلة مرضه في أحد مستشفيات لندن طلب مني مدير المستشفى أن أوقع على شهادة وإقرار بصفتي ولي أمره على إجراء عملية «قسطرة» لفريد قبل إجراء عملية جراحية وأن هذه الموافقة شرط أساسي لإجراء العملية واستفسرت عن عملية «القسطرة» فقال لي الأطباء إنها تتم عن طريق قطع أحد شرياني فريد فرفضت بشدة وبكيت وقلت لهم في حضور أصدقاء عرب ما زالوا على قيد الحياة كيف أوافق على قطع شريان فريد وكيف أواجه جمهوره بعد ذلك لو تدخل قدر الله. ولكن وبعد إلحاح من فريد نفسه وافقت على إجراء العملية ونجحت.

 

* أين عود فريد الشهير؟

- عود فريد موجود حاليا في شقته التي تحولت إلى متحف وقد جاءني أحد المعجبين من الجزائر الشقيق وطلب شراء عود فريد عارضا علي مبلغا كبيرا من المال ولكنني رفضت وقلت للأخ الجزائري إن شراء عود فريد سيجعلك تحتفظ به لنفسك ولكن عود فريد في منزله ملك لملايين العرب.

صورة خاصة لآمال الأطرش (أسمهان) هدية من فؤاد الأطرش لقراء «المجلة»

* ما رأيكم في الأصوات الشابة وهل استطاعت ملء فراغ فريد وعبد الحليم وأم كلثوم؟

- أنا أعتقد أن كلا من فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم نوعيات خاصة ونادرة من الغناء، لا يمكن تعويضها ولكن يجب علينا عدم فقدان الأمل وتشجيع الأصوات الشابة وتنميتها وتبنيها وهناك نصيحة أوجهها لكل صوت شاب وهي إياكم والتقليد لأن التقليد لا يمكن أن يكون كالأصل وأن كل مطرب يجب أن يدرس النوتة وأن هذه المسؤولية تقع على عاتق الملحنين في المقام الأول.

 

فريد 84

* أستاذ فؤاد؛ لو كان فناننا الكبير فريد الأطرش على قيد الحياة وأردنا طرح أسئلة محددة عليه في هذه الأيام الأخيرة من عام 1984 فكيف ستكون أجاباته عليها؟

سؤال مثلا: ما هو الحزب السياسي الذي كان سينضم إليه فريد الأطرش بصفته يتمتع بالجنسية المصرية؟

يرد فؤاد الأطرش بالقول:

- لو كان فريد حيا حتى الآن لقدم طلب عضوية في حزب الوفد الجديد ومن دون تردد وذلك كشكر وعرفان لشخص الزعيم سعد زغلول زعيم الوفد، لدوره الوطني أولا، بالإضافة إلى أنه كان صاحب الفضل الأكبر في حماية أسرة الأطرش التي نزحت من جبل الدروز عام 1923 من بطش رصاص الفرنسيين، وقد سمح لهم بالإقامة في مدينة القنطرة وهم: الأم الأميرة علياء بن المنذر والمرحومة آمال الأطرش والمرحوم فريد الأطرش وأنا.. فإن عائلة الأطرش لا تنسى هذا الموقف البطولي للزعيم سعد زغلول.

 

* هل كان فريد الأطرش عام 1984 سيقوم بإعادة توزيع ألحانه وأغانيه القديمة كما فعل عبد الحليم وغيره من الفنانين؟

- أعتقد أن فريد لو كان على قيد الحياة لرفض هذه الفكرة نهائيا لأن طبيعة فريد أنه مجدد ومبدع ومبتكر موسيقى عربية جديدة نابعة من الأصالة والنغم الشرقي الأصيل ولكن إحياء القديم بتوزيع جديد ما هو إلا إفلاس وعدم ثقة بالحاضر وعدم العطاء والتجديد.

 

* ما هو النادي الرياضي الذي كان سيشجعه فريد عام 1984؟

- لو كان فريد على قيد الحياة لنافس محمد حسن حلمي، وحسن عامر، على رئاسة نادي الزمالك. فقد كان فريد «زملكاويا» أصيلا ويشجع النادي في جميع مبارياته من المدرجات ويسعد بانتصاراته ويحزن لهزائمه وكان فريد يمكث أسبوعا بعد المباراة غير قادر على الغناء والتحدث نتيجة ذهاب صوته في مدرجات نادي الزمالك.

 

* ما هو الصوت الشاب الذي كان بإمكانه القيام بغناء ألحان فريد؟

- أعتقد أن فريد الأطرش عام 1984 لو كان على قيد الحياة لتبنى صوت ميادة الحناوي باعتبارها أقرب الأصوات الشابة القريبة جدا من ألحانه الشرقية الدسمة.

 

* هل كان فريد عام 1984 سيقوم بالتلحين لعبد الحليم حافظ وأم كلثوم؟

- المرحوم فريد خصص لحنا للمطربة الخالدة أم كلثوم ولكن قضاء الله كان أسرع وقد قامت بأداء اللحن المطربة وردة وهي أغنية «كلمة عتاب».. أما عبد الحليم حافظ فقد كان فريد يحتفظ بلحن مخصص له وقام بإعداده بصورة تتلاءم مع صوت عبد الحليم وأنا ما زلت أحتفظ بهذا اللحن ضمن تراث فريد.

صورة خاصة لآمال الأطرش (أسمهان) هدية من فؤاد الأطرش لقراء «المجلة»

* فريد الأطرش عام 1984 هل كان سيعيش في مصر أم في لبنان؟

- لو كان فريد حيا عام 1984 لاختار تونس للإقامة الدائمة له لأنها تتمتع بالهدوء وجمال الطبيعة وهذا ليس معناه أنه قام بتغيير موقفه من مصر فهو طوال حياته يقول «لحم كتافي من خيرك يا مصر».

 

* هل في اعتقادك أن فريد عام 1984 كان في إمكانه الإقدام على أداء عمل تلفزيوني؟

- موقف فريد من الأفلام التلفزيونية واضح وكان يرفض هذه الأعمال لتركيزه على الأعمال السينمائية التي يشاهدها الجميع والتي كانت تعبيرا صادقا عن معاناته وحياته الحقيقية.

 

* ما هو موقف فريد الأطرش عام 1984 من تسجيل حفلاته الغنائية على شرائط فيديو؟

- فريد كان من الحريصين جدا على تسجيل جميع حفلاته ولو كان على قيد الحياة لاشترى سيارة لتسجيل حفلاته بالفيديو وتسويقها لإمتاع جمهوره بألحانه في جميع أنحاء العالم.

 

* ما هو موقف فريد الأطرش 1984 من الحرب الأهلية الدائرة في لبنان وبصفتكم أحد دعائم عائلة الأطرش بجبل الدروز؟

- فريد الأطرش كان رجلا يحب السلام ويكره القتال والحروب ولو كان فريد حيا عام 1984 لذهب إلى طاولة المباحثات وشارك في فض الاشتباك وساهم في منع الحرب الأهلية بأداء بعض الأغاني والألحان التي تدعو للسلام والحب.

 

* ما هي قيمة ضرائب فريد الأطرش عام 1984؟

- لما وصلني خطاب من مصلحة الضرائب تتضمن ضرورة توريد مبلغ 120 ألف جنيه حصيلة الضرائب المتراكمة على دخل فريد من حفلاته قبل وفاته ولو كان فريد على قيد الحياة لدفع اليوم مليون جنيه.

 

* هل تعتقد أن فريد عام 1984 كان في استطاعته عمل الأوبريت التي كان يحلم بها طوال حياته؟

- أعتقد لا.. لأن بعد وفاة أسمهان التي شاركته في بطولة فيلم «انتصار الشباب» وأديا خلاله أوبريت «انتصار الشباب» فإن فريد سوف يجد نفسه عاجزا عن إيجاد الشخصية النسائية الغنائية الملائمة لهذه الأدوار.

font change


مقالات ذات صلة