هجرة الأطباء وغياب المؤسسات الضامنة يخنقان القطاع الصحي

الرعاية الطبية في لبنان مهددة بالانهيار

مستشفى رفيق الحريري الجامعي

هجرة الأطباء وغياب المؤسسات الضامنة يخنقان القطاع الصحي

بيروت: يتذكر معظم العاملين في القطاع الصحي في لبنان، أن بلاد الأرز كانت حتى السنوات الأخيرة «مستشفى الشرق الأوسط»، إلا أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بلبنان منذ عام 2019 أدت إلى تراجع القطاع إلى مستويات باتت تنبئ بإمكانية انهياره كلياً، فالمشاكل التي يُعاني منها القطاع باتت كثيرة ومتنوعة، سواء فيما يتعلّق بفقدان الخبرات البشرية في ظل موجة الهجرة التي طالت الكوادر الطبية من أطباء وممرضين، أو شبه إفلاس للجهات الضامنة، أو الفاتورة الاستشفائية التي باتت محصورة لفئة معينة من المجتمع اللبناني.


أمام هذا الوقع، جاء انفجار مرفأ بيروت في أغسطس (آب) 2020 ليزيد من حدّة الأزمة التي يعيشها هذ القطاع، فقد نجم عنه تضرر 106 منشآت صحية، بينها ستة مستشفيات رئيسية إلى حد كبير أخرجها من الخدمة لفترة من الوقت. وهكذا بات القطاع الصحي في لبنان الذي كان في المرتبة 33 بين 195 دولة في العام 2018 في قطاع الاستشفاء، يواجه تحديات وصعوبات كبيرة.

هجرة الكوادر الطبية
وقد ترافق ذلك مع انتشار جائحة كورونا التي ألقت على هذا القطاع مسؤوليات كبيرة وأدت إلى تفاقم الوضع المتردي أساسًا في لبنان. كما ألحقت أضرارا إضافية بنظام الصحة العامة الضعيف، الذي كان يواجه ارتفاعا حادا في أسعار الأدوية والإمدادات الطبية الأخرى بسبب الأزمة المالية التي نتج عنها رفع شبه كامل للدعم الحكومي.


في هذا الصدد، يرى نقيب الأطباء شرف أبو شرف في حديث لـ«المجلة» أن «القطاع الصحي يمر بأزمة خطيرة سواء على الصعيد الاستشفائي أو التمريضي أو الطبي». وأضاف: «كان يُفترض أن يُشجع النظام الصحي المستشفيات والمستوصفات الحكومية إلا أن ذلك لم يتم كما يجب رغم كل الأمول التي صُرفت، فقد كانت النتيجة أن القطاع الخاص هو الذي انتعش وتمكن من التصدي للمشاكل الصحية التي واجهها لبنان». تابع أبو شرف: «بعد الوصول إلى الانهيار الاقتصادي، لم تعد هناك أموال كافية للمصاريف والمعاشات والمعدات الطبية، فقد هاجر 3 آلاف ممرض وممرضة من أصل 17 ألفا، كما هاجر 3 آلاف طبيب من أصل 15 ألف طبيب، وهم في معظمهم من أصحاب الكفاءات العالية».

نقيب الأطباء شرف أبو شرف

تأثير الانهيار الاقتصادي على القطاع الصحي


كما يفلت إلى أن «مدخول الأطباء الشهري تراجع بشكل كبير، فوفقا لدراسة أعدتها نقابة الأطباء بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية كان هناك 55 في المائة من الأطباء معدل معاشاتهم مليونا ليرة أي ما كان يوازي 1200 دولار أميركي، وبعد الأزمة بات يساوي نحو 62 دولار أميركي». وأكمل: «إضافة إلى أن الأطباء يُعانون، كما باقي المواطنين، من عدم قدرتهم على الوصول إلى أموالهم في المصارف، فضلا عن تراجع قيمتها بشكل كبير. لذا، فإن الانهيار الاقتصادي الذي عاشه لبنان أثر سلبا على هذا القطاع ودفع قسما كبيرا من الأطباء إلى الهجرة».


ويُشير أبو شرف إلى أن «القطاع الصحي يُعاني من غياب المستلزمات الطبية باستثناء المواطنين القادرين على الدفع بالدولار الأميركي نقدا وهي نسبة قليلة من المواطنين، فالجهات الضامنة باتت شبه مفلسة ولم تعد تتمكن من تغطية النفقات الطبية كما السابق، وهذا ما يضطر المستشفيات إلى الطلب من المواطنين بدفع الفرق بالدولار الأميركي نقداً».

غياب المؤسسات الضامنة


رأي أبو شرف لا يختلف كثيرا عن وجهة نظر رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي الذي لفت في حديث لـ«المجلة» إلى أن «وضع القطاع الصحي مأساوي، إذ إن الفروقات التي يتكبدها المواطن لقاء أي عملية استشفائية كبيرة جدا وتفوق قدرته وإمكاناته».

وأضاف: «المؤسسات الضامنة غير قادرة على دفع الأموال اللازمة للمستلزمات الطبية، كما أنها لم يعد بمقدورها الاستمرار في ظل هذه التعريفات، فضلا عن غلاء الأدوية». وتابع: «هذا ما يُفسر هجرة الأطباء والممرضين الناجمة عن الوضع الاقتصادي الصعب».
ويُشير عراجي إلى أن «النوعية والجودة االمتعلقة بالخدمات الطبية التي تقدمها المستشفيات تراجعت، إذ إن الأجور التي يتقاضاها العاملون في هذا القطاع باتت منخفضة جدا بالمقارنة مع الغلاء الحاصل بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار إلى أرقام قياسية». كما لفت إلى أن «الأمر الخطير أن انهيار الواقع الاقتصادي والاجتماعي والصحي قد يؤدي إلى انهيار الأمن».

 

رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي


يرى عراجي أن «ثمة مشكلة ناجمة عن هجرة الكوادر الطبية تتمثل في النقص الكبير في أعداد الممرضين». وأضاف: «نحن نواجه مشكلة كبيرة في القطاع الطبي والاستشفائي». ولكن ما هي الخطوات التي قامت بها لجنة الصحة النيابية لمعالجة هذه المشاكل أو الحد منها؟ يُجيب عراجي أن «اللجنة حاولت مواجهة هذه الأزمة من خلال الكثير من الخطط سواء المتعلقة بفيروس كورونا أو استمرار جزء من دعم الأدوية، وكذلك بما يتعلق بالتنسيق مع المؤسسات الضامنة والمستشفيات، ومعظم القرارات التي يتم اتخاذها يكون لنا دور إيجابي بها».

مواجهة وباء كورونا
أما فيما يتعلّق بمواجهة لبنان لوباء كورونا، فيلفت عراجي إلى أن «لبنان يعيش مرحلة التفشي المجتمعي، وهذا ما حدث في جميع دول العالم، فمتحور أوميكرون سريع الانتشار، وقد بلغت نسبة التلقيح 44 في المائة جرعة واحدة، و37 في المائة جرعتين، و18 في المائة ثلاث جرعات». وأضاف: «هذه النسبة تُعتبر مقبولة فقد بلغت نسبة التلقيح في الولايات المتحدة 70 في المائة وفي فرنسا 75 في المائة، ورغم ذلك فإن متحور أوميكرون تمكن من الانتشار».


وتابع عراجي: «إلا أن هذا التفشي المجتمعي لم يؤد إلى زيادة دخول المرضى إلى أقسام العناية، وهذا ما يُعتبر مؤشرا إيجابيا». كما لفت عراجي إلى أن «85 في المائة من الموجودين في غرف العناية هم من غير الملقحين، كما أن الـ15 في المائة الملقحين يُعانون من نقص مناعة أو مشاكل في القلب أو غيرها من الأمراض. ولكن الخطر يكمن في غياب الكادر التمريضي الذي يسمح بفتح أقسام عناية جديدة».


ومن ناحيته، يرى أبو شرف أنه «لغاية اليوم تمكنا من مقاومة الوباء بقوة، إلا أن المشكلة أن أقساما كثيرة متخصصة بفيروس كورونا قد تم تسكيرها وإعادة فتحها تحتاج إلى كلفة كبيرة غير متوفرة». وأضاف: «كما أن قسما كبيرا من الأطباء والممرضات الذين كانوا يعملون في هذا المجال قد هاجروا، فضلا عن وفاة 48 طبيبا أثناء علاج المرض من الفيروس».
وختم أبو شرف: «في حال زيادة الإصابات بسرعة فسيكون وضع المستشفيات صعبا في ظل غياب الإمكانيات المطلوبة. لذا، نطلب من المواطنين التقيد بالإرشادات وتلقي اللقاح لأنه تبيّن أن الملقحين يُصابون بالفيروس بشكل أقل وتكون المضاعفات محدودة بالمقارنة مع غير الملقحين».


هكذا، يتبيّن أن الأزمة المالية، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار إلى أرقام قياسية، انعكست بدورها على القطاع الصحي الذي كان رائدا ومصدر فخر للبنانيين. وبات اللبناني الذي يُعاني من شتى الأزمات، يجهد يوميا للحصول على دواء معين فُقد من الصيدليات أو يضطر إلى استخدام مدخراته للحصول على الاستشفاء المناسب، وهذا ما يُفسر بدوره المبادرات التي انتشرت في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تقديم المساعدات وتجميع الأموال لمساعدة الكثير من الحالات التي يفتقد أصحابها للأموال الأزمة.

font change