لبنان أمام «استحقاق مفصلي»... فهل ينجو من الفوضى؟

استعدادات مصحوبة بتوجّسات ومخاوف من تطيير الانتخابات

امرأة تقترع خلال الانتخابات النيابية التي أجريت عام 2018

لبنان أمام «استحقاق مفصلي»... فهل ينجو من الفوضى؟

بيروت: الضبابية وحدها هي التي تُسيطر على المشهد اللبناني المكبّل بالأزمات السياسية والافتصادية والاجتماعية، في أشهر ستكون مفصلية على المستويات كافة ببلد يغرق وشعبه في أتون انهيار تاريخي لم يرحم لا البشر ولا الحجر.

وعلى قاعدة «اشتدي يا أزمة..تنفرجي»، يترقب الداخل اللبناني كما الخارج سكة النهوض من ارتطام أنتج هوّة كبيرة تتطلب إعادة هيكلة تنتشل البلد بشعبه من القعر، جراء سياسات «ترقيعية» لم تفلح سوى في مزيد من الانحدار نحو الأسوأ.

على وقع التخبّط غير المسبوق، انطلقت بـ«حذر» عجلة الاستعدادات للانتخابات النيابية المقرر أن تجرى يوم 15 مايو (أيار) المقبل، وسط توقعات بمنافسة «شرسة» مع توسع الغضب الشعبي بسبب الانهيار الاقتصادي والمالي وتفاقم الفقر والبطالة وتلويحه بالمحاسبة داخل صناديق اقتراع يُخشى في أن يتم العمل على «تطييرها» تماهيا مع حسابات «شخصية» للممسكين بزمام الحكم وخوفا من العقاب المنتظر بعد تلويح غالبية اللبنانيين بالتغيير عبر «نسف» المنظومة الحاكمة.

قبل أقل من 4 أشهر من الموعد المنتظر، بدأت ماكينات الانتخابية للأحزاب المهيمنة على الساحة السياسية تهيئة عجلات محركاتها للبدء في تعبيد أرضية انطلاقتها نحو معركة سيلجأون فيها حكما إلى سلاح «يا غيرة الدين كما الحزب» لدغدغة «المشاعر الطائفية» وشد العصب في وجه المنافسين، فيما بدأ «الثوار» برصّ الصفوف استعدادا للمواجهة تحت شعار «المحاسبة والتغيير» في حلبة الانتخابات.

 

بدء تجهيز لوائح وفق المعايير القائمة على مبادئ «الثورة»

 

العهد يحاول «تطيير» الانتخابات..

جزم المحامي والمحلل السياسي جوزف أبو فاضل إلى أن «الانتخابات النيابية المقبلة في حال حصولها، تأتي بعد معركة محتدمة بين العهد ومجموعات مناهضة له حول الدائرة 16. فالعهد يريد الدائرة 16 لإبعاد المغتربين والمنتشرين خارج القيد الانتخابي اللبناني الداخلي وحصر هؤلاء في الخارج ضمن 6 نواب بعيدين ومنفصلين عن البلد لأن ذلك يريح العهد والتيار وحلفائهم».

وشدد على أن «حصول الانتخابات هو مطلب دولي وأوروبي وإقليمي وعربي أكثر منه مطلبا لبنانيا، فهناك الكثير في الداخل اللبناني لا يريدها لكن لا يعلنها، ومنهم لا يريدها ويعلنها مثل العهد والتيار الوطني الحر الذين يحاولون المستحيل لتأجيلها أو لتطييرها أو خلق عقبات تحول دون إجرائها في مايو (أيار) 2022»، مشيرا إلى أن «السبب في ذلك يعود إلى أن نسبة المقترعين في الخارج مرتفعة وتلامس 232 ألف مقترع، والأغلبية الساحقة من هؤلاء وخصوصا المسيحيين، هم ضد السلطة السياسية الحاكمة المتمثلة حاليا في التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل».

وعن مشاركة اللبنانيين وإقبالهم على الاقتراع، اعتبر أبو فاضل أنه «من المتوقع أن تكون النسبة المئوية للمشاركة مرتفعة عن الدورات السابقة، ولكن في حال استمرار تدهور الوضع الاقتصادي سيكون هناك صعوبة للفقراء في المشاركة فيها، وهذا سيكون التحدي الأكبر في العملية الانتخابية».

وأكد أن «الحماس واضح على كل شرائح المجتمع للمشاركة في هذا الاستحقاق، وعلى الشعب اللبناني أن يكون لديه الهمة لتغيير هذه الطبقة الموجودة التي سرقت لبنان».

وعن حظوظ المتنافسين، لفت إلى أن الكتلة الأكبر يُرجّح أنها ستكون للقوات التي تعمل على الأرض بطريقة منظمة لمساعدة بيئتها وتلبية احتياجاتها. وأوضح: «أن الثوار كما المجتمع المدني سيكون لهم حظوظ، وبدأ يُحسب لهم حساب في بعض المناطق، باستثناء المناطق الشيعية».

 

محطة جديدة للثوّار... والتغيير يحسمه قرار الناس

لم يُشكل الخرق السياسي، بعودة ثنائي حزب الله وحركة أمل إلى الحكومة بعد ثلاثة أشهر ونيّف من المقاطعة على خلفية الاعتراض على تحقيقات جريمة مرفأ بيروت، مفاجأة لمكونات ثورة «17 تشرين» التي بدأت النقاشات واللقاءات التحضيرية لمحطة يستكملون فيها طريق النضال للقضاء على ألاعيب أركان المنظومة التي تتفنن في استخدام الأساليب الملتوية للحفاظ على وجودها، ووفق ما أكده العميد المتقاعد جورج نادر باسم «جبهة 17 تشرين» فإن التركيبة الحاكمة تسعى إلى تحسين شروطها بانتظار موعد الانتخابات وتراهن على تطييرها، إلا أن الثوار في كل دائرة بدأوا تجهيز اللوائح وفق المعايير القائمة على مبادئ الثورة، وسيتم جوجلة المرشحين لكل مقعد في اللوائح التي ستكون مكتملة في كل المناطق بمواجهة لوائح السلطة، فالمفاضلة ستُبنى على الإحصائيات لاختيار الأوفر حظا للفوز، والتحالفات ستكون مناطقية مع شخصيات مستقلة تشبه الثورة في خطابها السياسي وبرنامجها الإنمائي.

وتوجه نادر إلى اللبنانيين بالقول: «لقد اختبرتم الطبقة الحاكمة خلال 3 عقود، والآن وصلنا إلى إفلاس اقتصادي ومالي، وبتنا في عزلة دولية وإقليمية سببها سيطرة السلاح على الدولة، فإذا أردتم الاستمرار بالواقع الحالي تعيدون انتخاب من أوصلكم إلى القعر، وإن أردتم التغيير فعليكم اختيار الوجوه المستقلة التي تعبر عن وجعكم ومطالبكم، وغير ذلك لا أمل في التغيير».

 

الرئيس سعد الحريري أثناء زيارته السراي الحكومي عقب وصوله إلى بيروت الخميس لإعلان عن قراره المرتقب حول المشاركة في الانتخابات النيابية

 

«المستقبل» متمسّك بإجراء الانتخابات

يترقب الداخل اللبناني الرسمي والشعبي الموقف المنتظر إعلانه من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بخصوص مشاركته كما «تيار المستقبل» في الانتخابات، ووفق عضو الكتلة النائب محمد الحجار «فإن القرار الحاسم مرتبط بالرئيس الحريري الذي سيُعلن موقف التيار في موضوع الانتخابات وصيغة المشاركة والتمثيل والتحالفات».

وأكد أن «التيار متمسك بإجراء الانتخابات في موعدها وموقف الرئيس الحريري صارم وحازم بهذا الخصوص»، مبديا خشيته «من قيام بعض الأفرقاء السياسيين بتطيير الانتخابات».

ولفت إلى أن «وجهة المشاركة في الانتخابات والتحالفات ستتبلور خلال المرحلة المقبلة بعد عودة الحريري المرتقبة خلال الأيام المقبلة»، مشيرا إلى أن «تحضيرات التيار وماكيناته الانتخابية من الناحية اللوجستية والإدارية تم إنجازها، ويبقى تفعيل الحركة الميدانية بشكل أكبر، فوجود التيار مع الناس ليس ظرفياً».

 

التحالف مع القوى السيادية «أولوية» القوات

يتوجب على اللبنانيين المشاركة في الاقتراع خلال الانتخابات باعتبارها المدخل الأساسي للتغيير، فالصلاة والدعاء لإنقاذ لبنان من محنته لا ينفع وحده، هذا ما أكد عليه عضو «تكتل ​الجمهورية القوية» النائب ​وهبة قاطيشا​ الذي اعتبر أن «مواجهة من أوصل البلد إلى حالة الإفلاس ستكون عبر صناديق الاقتراع حيث تكمن إرادة التغيير».

وإذ أعلن قاطيشا «عن وجود حسابات حذرة بخصوص المرحلة المقبلة، جزم بأن الانتخابات ستحصل لأن الرأي العام اللبناني بأغلبيته الساحقة يريد حصولها، وخصوصا بعد الثورة على الطبقة الحاكمة وضغط القوى الإقليمية»، معتبرا أن «المستفيد من عدم إجراء الانتخابات هي السلطة الحاكمة، حيث إن نيّة التيار الوطني والثنائي الشيعي عدم إجراء الانتخابات، والسؤال: هل هما قادران على عدم إجرائها في ظل الضغط الشعبي والدولي؟».

وشدد على أن «استعدادات حزب القوات للانتخابات لا تتوقف، فالاجتماعات دائمة ودورية، ولكن خلال هذه المرحلة تم تنشيط وتحديث الماكينة الانتخابية لتكون فعالة»، جازما بأن «التحالفات التي يُنتظر أن تتبلور في المستقبل محصورة فقط مع القوى السيادية التي تؤمن بسيادة لبنان، ومستبعدة عن محور الممانعة المتمثلة اليوم في التيار الوطني الحرّ والثنائي الشيعي المنضوية في المحور الإيراني».

وفي موضوع إمكانية التحالف مع الثوار، لفت إلى أنه «في حال استطاعوا توحيد صفوفهم حول مشروع سيادي هناك إمكانية للتحالف معهم».

 

«التقدمي» هواجس من فراغ البلد والمؤسسات الدستورية

حتى الساعة لا تزال استعدادات «الحزب التقدمي الاشتراكي» خجولة لمرحلة الانتخابات، جراء التجاذبات التي حصلت بخصوص قانون الانتخابات، إلا أنه وبعد تخطيها وتحديد الموعد، سيتم الانطلاق بها قريباً، فبحسب عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله ستتضح صورة الترشيحات والتحالفات في المرحلة المقبلة وهي مبدئيا ستندرج ضمن الخط الذي انتهجه الحزب في السابق، بعيدا عن التشنج والشحن الغرائزي، مع الأخذ بعين الاعتبار في برنامج العمل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الناس».

وعلى الرغم من أمله في أن «تجرى الانتخابات في جوّ ديمقراطي»، كشف عبد الله عن وجود «بعض الهواجس من عدم حصول الانتخابات»، إلا أنه «استبعد أن يكون هناك أي طرف في لبنان يحتمل عدم إجراء الانتخابات، خصوصا بعد 17 تشرين والأزمة الاقتصادية الكبيرة والضغط الدولي الحاصل لإجرائها».

وأوضح أن «هناك من يخاف على أكثريته أو لديه مشروع سلطة أو تمديد، ولذلك فإن الهواجس موجودة من سيناريو تعطيل الانتخابات لإفراغ البلد والمؤسسات الدستورية، إذ إنه بعد الانتخابات النيابية هناك انتخابات رئاسية، والمهم في هذا الظرف الإقليمي المتغير والوضع الاقتصادي الداخلي المنهار الإبقاء على المؤسسات الدستورية في البلد».

وشدد على أن «الناس ستحاسب، ولديها الحرية في خيارها الانتخابي، ففي السابق كانت المنافسة محصورة بين فريقي 8 و14 آذار، ولكن اليوم يوجد خيار ثالث وهم مرشحو الثورة بغض النظر عن حجم وجودهم، وبالتالي فإن هذا سيضيف دينامية للاستحقاق كما في حال وصولهم إلى المجلس النيابي».

 

 

 

font change

مقالات ذات صلة