الذكاء الاصطناعي في السعودية: من الاستهلاك إلى التوطين

«SCAI» لاعب ثقيل بتوقيع صندوق الاستثمارات العامة

يعمل الذكاء الاصطناعي في بيئة رقمية بالكامل (رويترز)

الذكاء الاصطناعي في السعودية: من الاستهلاك إلى التوطين

جدة: يتسارع السباق التقني داخل المملكة بأسلوب يأخذ في الاعتبار أن المستقبل «رقمي»حتما وأن توطين التقنيات المعقدة الصاعدة والاستثمار فيها، هو ما يعزز التفوق الرقمي على صعيد إدارة أجهزة الدولة ورسم السياسات العامة المبنية على الأبحاث، وليس انتهاءً عند استفادة أصغر متجر لبيع العصير الطبيعي من التقنيات التي تحسن تجربة المستهلك.

وفي هذا السياق يخرج صندوق الاستثمارات العامة السعودي، أحد أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم، بالشركة السعودية للذكاء الاصطناعي (SCAI) إلى حيز الوجود؛ لتقدم حلولا لقطاعات عديدة مثل الصحة والتعليم والطاقة والإدارة الحكومية والخاصة. وكان قد سبق شركة (SCAI) الناشئة، إطلاق الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) ومركز ذكاء التابع لهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وكذلك مركز الدراسات المتقدمة، في الأعوام القليلة الماضية.

إننا حتما نستخدم الآن الذكاء الاصطناعي في العديد من نواحي حياتنا اليومية، وقد ندرك ذلك وقد لا ندركه. فمثلا هناك أماكن عمل لن يدخل الموظف فيها إلى عمله إلا ببصمة الوجه. ينظر إلى الكاميرا، فينفتح الباب ويسجل موعد الحضور. هذه ببساطة تقنية التعرف على الوجوه، وهي موجودة منذ سنوات في السعودية. فما الجديد الذي تأتي به شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي من تحميل توقع صندوق الاستثمارات العامة؟

 

الذكاء الاصطناعي

لعل أبسط تعريف أنه تقنية لجعل الآلات تتبنى أسلوب البشر في التفكير أولاً، ثم التفكير العقلاني ثانياً، وصولا إلى اكتساب المعرفة والخبرات وتوظيفها بأسلوب عقلاني. ويتم ذلك عبر تسهيل الاتصال المرئي والقدرة على تفاعل الآلة مع البشر بكل سلاسة مثل برنامج «سيري»على هواتف آيفون أو إخطار خاصية البحث على «يوتيوب»بنوع الموسيقى التي تحبونها بمجرد كتابة حرفين أو ثلاثة، أو أن يقدم لك روبوت وجبتك في المطعم، أو أن تركب في سيارة بلا سائق. وقد يصل الأمر بالذكاء الاصطناعي إلى إطلاق صواريخ بشكل ذاتي عند حصول اختراق ما!

يتم كل ذلك عبر تعليم الآلة بتغذيتها بالمعلومات بصفة تحليلية مصنفة، تتراكم معرفيا لتصل إلى مرحلة القدرة على حل المشكلات، مهما كانت بسيطة.

مثلا، يمكن لكاميرات الذكاء الاصطناعي أن تلتقط انفعالات المتسوقين في أحد المتاجر عند رؤيتهم لأسلوب عرض منتج محدد. فقد يكون المنتج مفيدا للمستهلك، لكنه يجهل وجوده بسبب أسلوب عرضه وجاذبيته للمتسوقين في الأروقة. قد لا يلاحظ مدير الرفوف في المتجر أن أسلوبا محددا في عرض المنتج، يروج للسلعة ويسرع بقرار رواد المتجر لشرائها. في حين أن تقنية «التعرف على العواطف»(Emotion Recognition) المعززة بالذكاء الاصطناعي تحلل كل شيء ذاتيا في ظل تغذية المكان بآلاف أو ملايين الصور.

ويعمل الذكاء الاصطناعي في بيئة رقمية بالكامل ويتكامل مع إنترنت الأشياء والأمن السيبراني وتعليم الآلة والروبوتات والتفاعل بفهم كامل مع الآلات والبشر وبانسجام مذهل!

 

ماذا يقولون عن أنفسهم؟

يقول الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للذكاء الاصطناعي، أيمن الراشد، وهو كان قد عمل لعقد ونيف مع شركة مايكروسوفت إن الشركة الناشئة ستوفر حلولا لقطاعات متنوعة مثل الصحة والتعليم والطاقة. ويشرح في لقاءاته الإعلامية أنه مثلا يمكن التنبؤ بالأمراض قبل الإصابة الفعلية بها، مما يمنح الطب بعدا وقائيا أكثر منه علاجياً. كما أن قطاع الطاقة سيكون أحد المستفيدين عبر التحذير المبكر من حصول عطل فني أو التنبؤ بحاجة لصيانة استباقية.

لعل تحليل كلام الراشد يكمن في رفع الكفاءة عبر إيجاد الثغرات والنفاذ إليها قبل تفاقمها مع ما يرافق ذلك من رشاقة وتوفير للوقت والمال والاستغناء عن مهن قديمة، لكن مع فتح فرص وآفاق جديدة لأجيال جديدة وتحويل الطاقات الحالية إلى مواضع أكثر تحدياً.

توفر الشركة تقنيات مستقبلية لها علاقة بالتعرف على الوجوه والأصوات والعواطف والسلوك، إلى جانب المعالجة اللغوية الفورية والتحكم عن بعد والتنبؤ في مختلف المجالات والواقع المعزز عبر شراكات داخلية وخارجية واتفاقات تعاون.

يبقى أن مراقبة تطور الشركة وقدرتها على استقطاب خبرات ودماء وطنية وأجنبية، شابة ومخضرمة، وصولا إلى توطين الذكاء الصناعي في فترات متقاربة، سيساهم بلا شك في جعل السعودية مركز الثقل النوعي في قيادة مستقبل الذكاء الصناعي إقليمياً، والوصول إلى العالمية. ووفقا لمقتضيات التحول الرقمي السعودية الذي بدأ قبل أكثر من عقد ورؤية 2030 التي سرعت كل ما له علاقة بتبني التقنية.

 

النسق السعودي

في السنوات الأخيرة، أصبحت المنظومة السعودية التي تدير الدولة أقل محافظة فيما يتعلق بتبني الأفكار الجديدة من أجل مسارعة الخطى في تحولها الرقمي، لكن لا يلبث الأمر إلا أن يتغير عبر محاولات توطين الصناعة، ومنها الذكاء الاصطناعي، الذي يصل الأرض بالأرض والسماء بالأرض عبر الأقمار الصناعية، أو الروبوتات أو الشاشات التفاعلية وتقنيات الأمن وغيرها.

إن لمحة سريعة على الأسماء الموجودة في مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الوزراء وأبرز القادة في أمن الدولة والأمن الوطني والمستشارين وقيادات الهيئة، جميعها تعطي إشارة إلى أن تبني الذكاء الصناعي يمثل استراتيجية دولة ونهجا مستقبلياً، وليس مجرد تطبيقات لتسهيل الحياة، بل تعداه إلى رؤى سياسية وأمنية واقتصادية ودفاعية وتقنية، يجري توظيفها في عملية التحول نحو رقمنة المملكة بالكامل!

وهكذا تأتي الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي أحدث الإضافات الوليدة لصندوق الاستثمارات العامة في سعيه نحو الابتكار الاستثماري. إنها إضافة نوعية، وتمثل لاعبا ثقيلا فور دخوله إلى السوق بتوقيع صاحبه. كما أنه يفتح شهية المستثمرين للدخول في المجال بشكل أكبر مما هو حاليا من أجل تعميق المنافسة وتحقيق النمو للسوق، وبخاصة في ظل توجه متصاعد بالاعتماد أكثر على المحتوى المحلي. إن توطين أي تقنية في السعودية هو مكسب معرفي كبير وريادة واعتماد على الذات، لا يخص فوائده المملكة لوحدها، بل يعزز التقدم التقني الخليجي والعربي، ويجعل من السعودية مكانا أفضل للعيش!

font change

مقالات ذات صلة