الشرق والغرب.. إعادة تموضع وإعادة بناء الثقة ليس إلا!!

الشرق والغرب.. إعادة تموضع وإعادة بناء الثقة ليس إلا!!

منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945م والقوى المهيمنة على المشهد العالمي تواصل تطوير أنظمتها العسكرية والأمنية والاقتصادية في محاولة منها للسيطرة على العالم بطريقة أو بأخرى، حتى وصل الأمر بها إلى التجهيز والاستعداد للمواجهة في الفضاء من خلال إنشاء محطات فضائية خارج الكوكب مثل ناسا ومحطة الفضاء الصينية وقبلهما مير الروسية.

لا غبار في ذلك في ظل طموح العقل البشري للهيمنة والسيادة وضعف البعد الإنساني والسمو الفطري لدى البشر.

بعد نجاح قوى رأس المال الغربي في تفكيك الاتحاد السوفياتي عام 1991م بعد حرب باردة بين المعسكرين الشرقي والغربي دامت قرابة 46 عاما، لم يثنِ ذلك من عزيمة العقل الروسي من استعادة أمجاد القيصرية الروسية سواء القديمة أو الحديثة، وما نشاهده اليوم من مؤشرات القوة التي تبديها موسكو وتحريكها في مناطق مختلفة على الحدود الأوكرانية، وبيلاروسيا، رغم فترة السكون الممتدة لثلاثة عقود من الزمن، ليس إلا مؤشرا يؤكد هذا الجزم.

أعتقد أن هذا التحرك وما يقابله من تحرك للطرف الآخر ممثلا بحلف الناتو وخلفة الولايات المتحدة الأميركية والغرب، ليس الهدف منه الحرب والتي يدرك الجميع أنها ستكون كارثية على كثير من الدول، وستشمل الكارثة الاقتصاد العالمي برمته، وهذا ما يجعل نشوب الحرب المتوقعة مقارنة بهذه التحشيدات مستبعدة نوعا ما.

التحالفات الأخيرة التي بدأت تظهر على السطح بين كل من موسكو وبكين وطهران أزعجت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها، كونها تؤسس لحلف شرقي جديد مواز لحلف الناتو والغرب، وهذا ما جعل الولايات المتحدة الأميركية تشرع في إعادة النظر في استراتيجياتها السابقة في الكثير من تصرفاتها وحروبها في العالم، ولم يكن قرار بدء سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان إلا تأكيد لشعورها بالخطر القادم من الشرق وبالذات ظهور التنين الصيني بشكل لافت للنظر، إضافة إلى النمو المتزايد للدب الروسي اقتصاديا وعسكرياً، يضاف إلى ذلك الخطوات الحثيثة التي تسير بها إيران في تطوير برنامجها النووي، والذي تعده الولايات المتحدة الأميركية تهديدا استراتيجيا لمصالحها وحلفائها في الشرق الأوسط.

في ضوء ذلك عملت الولايات المتحدة الأميركية على إعادة ترتيب أولوياتها لمواجهة ذلك الخطر الذي بدأ في التشكّل والنمو.

ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذه التحركات المتسارعة ستفضي إلى إعادة تموضع القوى مع تحقيق بعض الأهداف التي تسعى إليها كل من موسكو وبكين على وجه الخصوص.

فبكين لديها أولوياتها في الانطلاق للمعركة الاقتصادية مع العالم (والعسكرية أيضا إن تطلب الأمر ذلك)، فأولويات بكين تتمثل في توحيد الجبهة الداخلية فيها وإنهاء الخطر الذي يثير قلقها وذلك بإخضاع تايوان وإعادتها للحضن الصيني وتقليم أجنحتها الموالية للغرب، وفي ظل التنسيق المشترك لها مع موسكو ستكون هذه هي الفرصة ونقطة القوة الأولى لديها للتحرك بهذا الاتجاه لكسب الوقت أمام مشروعها المستقبلي 2050.

في حين أن التحرك الروسي باتجاه أوكرانيا والتحشيدات الأخيرة جاءت في ظل الثقة التي وصلت إليها روسيا من خلال الطفرة في النمو الاقتصادي والعسكري فيها، والتي وصلت إليها في ظل انشغال أميركا بحروبها المتواصلة في مناطق كثيرة من العالم.

التحرك الروسي يسعى في حده الأدنى إلى زعزعة الثقة بحلف الناتو والغرب لدى الدول المجاورة لروسيا بما فيها دول شرق أوروبا، بالإضافة إلى إيصال رسالة قوية من الروس للجوار وللعالم بأننا هنا وفي طريقنا لاستعادة المجد.

اللافت في هذا الأمر بالتحركات العسكرية الروسية وما يثير قلق الغرب أن القرار الروسي محصور جدا بأشخاص محدودين إن لم يكن هذا القرار في رأس الرئيس فلاديمير بوتين فقط.

ولا ننسى هنا أن نشير إلى أن الشرق الأوسط سيكون له نصيب من هذا الحراك الكبير بين الأقطاب، وأعتقد أن نصيب الشرق الأوسط يتمثل في توجيه ضربة عسكرية لإيران من قبل إسرائيل وربما بالاشتراك مع تحالف عربي سيتم الإعلان عنه في الوقت المناسب، وهذا التوقع ليس بعيدا، خصوصا بعد فشل مفاوضات فيينا وعدم إحراز تقدم فيها، بالإضافة إلى السياسات الإيرانية السيئة التي تمارسها إيران في المنطقة وطموحها بفرض هيمنتها على الشرق الأوسط، جعل الكثير من دول الشرق الأوسط على استعداد تام لدعم أي تحرك دولي لضرب إيران والتخلص من طموح الهيمنة والسيطرة على الجوار، وهذه الضربة الموجهة لإيران ستمثل خطوة في إعادة بناء الثقة لدى دول الشرق الأوسط بالولايات المتحدة الأميركية.

font change