وسط الجمود السياسي... سيف الإسلام القذافي يطلق مبادرة لحل الأزمة

هل ينجح في وقف الصراع المسلح؟

سيف الإسلام القذافي

وسط الجمود السياسي... سيف الإسلام القذافي يطلق مبادرة لحل الأزمة

القاهرة: وسط حالة التجاذب، التي توحي بانسداد في العملية السياسية في ليبيا على وقع إصرار رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح ومجموعة كبيرة من أعضاء مجلس النواب على التمسك بانتهاء دور حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وضرورة تعيين رئيس جديد للحكومة خلفا له، وتمسك الدبيبة، بشرعيته، وأنه لم يأت من قبل البرلمان، إضافة إلى إعلان المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز أن جهودها تنصب حول توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وأنه يجب التمديد لحكومة الدبيبة، وهو ما أثار حفيظة رئيس البرلمان الذي ندد على أثرها في الجلسة الأولى لمجلس النواب الليبي بضرورة التنبيه على سفراء الدول خاصة الولايات المتحدة، وبريطانيا، وستيفاني ويليامز، بعدم التدخل في الشأن الليبي. وسط هذه الأجواء الملبدة، أصدر المرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي مبادرة سياسية لإنقاذ البلاد من حالة الانسداد السياسي، وتهدف المبادرة للخروج من الوضع الذي أوصلته الخلافات بين الأطراف المتصارعة سياسيا وعسكريا بصورة أضرت بالبلاد وشعبها وبددت ثرواته ووحدته الوطنية، وأنه إنقاذا لما تبقى من خريطة الطريق واحتراما لإرادة 2.5 مليون ناخب ليبي فقد اقترح القذافي إرجاء الانتخابات الرئاسية، والمباشرة دون تأخير في إجراء الانتخابات البرلمانية التي ستضمن انتخاب برلمان جديد لتجنيب البلاد احتمالات الحرب، أو الانقسام وتقطع الطريق أمام كل المبررات لمرحلة انتقالية جديدة.

وفتحت مبادرة القذافي الباب للتساؤلات حول مصير العملية السياسية في ليبيا بين ما طرحه القذافي، وما أعلنته ستيفاني ويليامز من العمل على توحيد المؤسسة العسكرية، وما هي آليات المنظمة الدولية لتنفيذ هذا العمل الطموح في ظل تردي الأوضاع الأمنية وانتشار الميليشيات المسلحة، وكثرة السلاح؟ وهل تقع ليبيا فريسة للصراع السياسي، وتخرج من حالة الانسداد السياسي بكل تعقيداتها، إلى حالة الحرب بكل ما تعنيه من دمار وانعدام الأمن؟ وهل يأتي تمسك رئيس البرلمان عقيلة صالح برحيل حكومة الدبيبة من دوافع وطنية وحرصا على مصلحة البلاد؟ أم إنه يأتي من أجل المصالح والمحاصصة؟ وهل جاءت مبادرة القذافي متسقة مع الواقع السياسي في البلاد في ظل تمسك أعضاء البرلمان الحالي بما آلت إليه البلاد، من تفكك وتشرذم من أجل الحفاظ على مكتسبات مادية ونفوذ سياسي؟ أم إنها مبادرة شكلية؟ أم إنها مبادرة تهدف للحصول على الثلث الحاسم الذي يمكن سيف الإسلام بصورة أو بأخرى من المشاركة في صناعة القرار؟ وسط هذه الأجواء المتشابكة بين مصالح الغرب ووكلائهم في ليبيا هل يكون للسلاح الكلمة الأخيرة في تحديد مصير ليبيا والليبيين؟

 

غاية المبادرة

مبادرة سيف الإسلام القذافي هي مبادرة شكلية لأن من يحدد طبيعة الانتخابات في ليبيا سواء كانت برلمانية رئاسية، أو برلمانية فقط، هي أطراف خارجية، وهي التي تسيطر على الوضع الليبي بشكل كامل وذلك حسب الكاتب والمحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل في تصريحات خاصة لـ«المجلة» قال فيها: أعتقد أن الأطراف الخارجية الآن في حالة نزاع حول طبيعة الانتخابات في ليبيا بين إنجلترا، والولايات المتحدة الأميركية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وليبيا قد وقعت فعلا تحت حالة من الصدام بين هذين الطرفين القويين جدا، وأعتقد أن الوضع بالغ الصعوبة، ومسألة تحديد الانتخابات سواء كانت برلمانية رئاسية، أو رئاسية فقط، أو برلمانية فقط، هي مسألة أجنبية بحتة، ولا أعتقد أن سيف الإسلام القذافي إذا قال كلمة سوف يستمع إليه، والأطراف الدولية تعرف تماما أنه يريد أن يستفيد من هذا الأمر، وهو قد تيقن أن الولايات المتحدة ترفض مشاركته بشكل كبير، وبالتالي هو يريد الآن أن يرشح عددا من أنصاره في البرلمان وهو قادر على ذلك للحصول على الثلث الحاسم الذي يمكنه فعلا أن يتحكم بصورة أو بأخرى في صناعة القرار البرلماني، وبالتالي يمكنه أن يحكم من وراء الكواليس طالما أن الولايات المتحدة تمنعه من الحكم من خلال كرسي الرئيس. ولكن هل يمكن للولايات المتحدة أن تمكنه من هذا؟ أو أن توافق أصلا على أن تكون هناك انتخابات برلمانية فقط؟ فكما قلت هذا ما تقرره الأطراف الخارجية للأسف ومع بالغ الحسرة.

كما أنه ليس هناك أي جهود لستيفاني ويليامز «لتوحيد المؤسسة العسكرية، فكل هذا هراء، وعبث، فلا يمكن للمؤسسة العسكرية أن تتوحد من خلال المسار العسكري، أو مسار (5+5) الأكثر عقما، والأكثر فشلا، والذي لم يستطع أن يحقق شيئا حتى الآن، وأعتقد أن هذا المسار أوجدته ستيفاني في خارطتها بإيعاز من الأطراف الغربية، أو الإمبريالية تحديدا، من أجل تعطيل الحل، وهو جمع أمراء الحرب حول مائدة التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق سلام يصل إلى نزع السلاح، ويحدد آلية نزع السلاح وتفكيك الميليشيات وإعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية. لجنة (5+5) هي لجنة عرجاء، فيها (5) أعضاء تابعون للجيش الوطني أو تابعون للمشير خليفة حفتر، هؤلاء لديهم سلسلة قيادة ولديهم نفوذ على الأرض، ويمكنهم فعلا أن يقدموا فيه أي تنازلات أو رؤى أو أفكار، أما الـ(5) الآخرون فهم مقطوعون من شجرة لا وجود لهم في سلسلة قيادة، ولا نفوذ لهم على الأرض أصلا، لأن غرب البلاد برمته عبارة عن دويلات يحكمها أمراء حرب، وهؤلاء ما زالت ترفض ستيفاني ويليامز القيام بدورهم في صناعة السلام في بلادهم كسلام شجعان، وهذا تطلب منها اختراع هذه الخديعة، خديعة (5+5) التي تعد المسار الأكثر عقما، والأكثر فشلا والتي لا أعتقد أنها ستحقق شيئا، حتى لو ظلت ألف عام.

 

اللجنة البرلمانية لمتابعة الانتخابات الليبية كانت قد أعلنت استحالة إجراء الانتخابات في موعدها

 

السعي لزيادة الأسهم في بورصة السياسة الليبية

كما أنه بالنسبة لتمسك عقيلة صالح وأعضاء البرلمان بضرورة تعيين رئيس حكومة جديد بدلا من حكومة الدبيبة، فلا أحد يعرف لماذا هذا الإصرار فتاريخ عقيلة لا يوحي بالثقة، لأن تاريخه هو تاريخ محاصصة، (شيلني وأشيلك) ولا أعتقد أنه يوما كان له قرار في صالح ليبيا بشكل كامل، وهذا حسب التصور الخاص لعز الدين عقيل الذي أكد أنه لا أحد يعرف هل عقيلة صالح يتحدى الآن إنجلترا، والولايات المتحدة الأميركية، بمسألة الإصرار على تغيير الدبيبة لأنه يريد أن يرفع أسهمه، وأن يستفيد أكثر، لأنه ربما مع هذه الضغوط قد تخضع الجهات الدولية، ولا تنحي الدبيبة، ولكن تعقد معه صفقات قد يحصل من خلالها على بعض المكاسب، كأن يحدث تعديل وزاري شامل يعطونه من خلاله ثلاث، أو أربع وزارات يمكنه أن يستفيد منهم، وربما هو يفعل ذلك لزيادة أسهمه في بورصة السلطة الليبية، وربما يكون الرجل قد استفاق، وشعر أنه في خواتيم عمره سواء البيولوجي، أو حتى السياسي وأراد أن يتخذ موقفا حقيقيا من خلال هذه الإجراءات التي قد تفضح المجتمع الدولي وتظهر انفصام الشخصية لديهم، بمعنى أن يقولوا على الهواء مباشرة، وأمام جميع الناس إن الحلول في ليبيا هي حلول ليبية ليبية، وأن الليبيين هم من ينتجون الأفكار، بينما هم من وراء الكواليس يوجهون الإملاءات ويوجهون الأوامر وهذا ما حصل بالفعل مع عقيلة صالح عندما جاءت ستيفاني حيث وجهت له الأوامر بعدم المساس بحكومة الدبيبة، ولذلك هو أصر على تغيير هذه الحكومة ولذلك فقد خطب في أول اجتماع للبرلمان وندد بالتدخلات الأجنبية، ولهذا كان أحد مخرجات البرلمان نقطة تقول بأنه لا بد من تنبيه سفراء الدول الأجنبية، وعلى الأغلب سفراء الدول الكبرى، خاصة سفيري أنجلترا والولايات المتحدة الأميركية، وستيفاني ويليامز، بعدم التدخل في الشؤون الليبية، وربما يكون هذا الرجل قد استفاق ويريد في آخر عمره أن يأخذ قرارا صائبا وسليما، وأن يفضح هذه الأطراف التي تتدخل في ليبيا، فإذا كان هذا هو الصحيح فنحن معه، وإذا كان بالفعل يريد أن يرفع أسهمه في البورصة فسوف نكتشف هذا قريبا وعندها سيكون حسابه عسيرا على الأقل لدى الرأي العام.

وفي ذات الوقت فإن التساؤلات حول إصرار الدبيبة على عدم ترك المنصب وهل يفتتح هذا الباب أمام حكومة موازية أم لا؟ وهل يعيدنا ذلك إلى المربع الأول؟ فإن الإجابة على هذا السؤال يتوقف على طبيعة المؤامرات الأجنبية على ليبيا فإذا كانت هذه المؤامرات الأجنبية على ليبيا ترى أن عودة التوازي الحكومي تحقق مصالحهم فهم بالتأكيد سيمارسون (الحول السياسي) ويسمحون لعقيلة صالح بأن ينتج حكومة أخرى في الشرق، وإذا كانوا يرفضون هذا قطعيا ويتمسكون فعلا بالدبيبة فهم قادرون على اتخاذ موقف عنيف تجاه عقيلة صالح، وعلى أي حال في أولى صور الانتقام نتيجة تحديه لهم ظهرت ستيفاني ويليامز في لقاء مع صحيفة «الغاريان» البريطانية، لتقول إن عقيلة صالح لم تعد له شرعية، أو بمعنى أصح أن البرلمان فقد شرعيته منذ سنوات طويلة، ولكن ستيفاني ومن تمثلهم هم من أعطوا البرلمان الشرعية في اتفاق الصخيرات واعتباره ضمن النظام السياسي الذي تم إنتاجه والذي كان فيه مجلس رئاسي برئاسة فايز السراج، وإنشاء مجلس الدولة والإبقاء على البرلمان فهم من أنتج هذا النظام السياسي، والشرعية التي يتمتع بها عقيلة صالح هي الشرعية الدولية. أيضا بعد اجتماعات برلين، فإن ستيفاني هي من أنتج النظام السياسي الفاشل الذي فشلت الخطة السياسة القائم عليها هذا النظام والذي يتكون من مجلس رئاسي مفصول عن الحكومة، وفيه مجلس الدولة، والبرلمان، والبرلمان الموازي الذي تم خلقه وتم رفعه إلى جنيف وصنع به حكومة الدبيبة.

إذن النظام السياسي القائم إذا سقط منه البرلمان فسوف يسقط مجلس الدولة، والبرلمان الموازي العرفي، وحكومة الدبيبة، وبالتالي فإن البرلمان جزء من هذا النظام السياسي العرفي الدولي الذي تم إعطاؤه الشرعية الدولية، ومن الطبيعي أن يكون البرلمان جزءا منه، فكيف يكون البرلمان غير شرعي؟ هل لأن عقيلة تحدى ستيفاني ويليامز ورفض تلقي أوامرها؟ بأن يتوقف عن السعي للإطاحة بالدبيبة؟ وبالتالي فإن أمر إنتاج حكومة أخرى من عدمه، أو بقاء الدبيبة، أو الانتقام من عقيلة صالح ربما حتى باغتياله، أو بارتكاب أي فعل بحقه أو تهميشه، أو تحريض البرلمان عليه في جلسة تنتج بضغوط إنجليزية أميركية في طرابلس من أجل التصويت على الإطاحة بعقيلة صالح، وقبول مجلس الأمن والدول الغربية بهذه الإطاحة وتحويل عقيلة صالح إلى عضو عادي، فهذا كله ممكن، ولكن في النهاية هذا قرار غربي أجنبي، هذه الدول تستعمر وتحتل ليبيا بشكل مباشر، وتسيطر على القرار السياسي بشكل مباشر وهي التي ستحدد مصير حكومة الدبيبة، وهي التي ستحدد إذا كانت هناك حكومة موازية ستنتج في الشرق أم لا؟
 

وجود مخزون كبير من الاسلحة لدى المرتزقة (أ.ف.ب)

 

المصير الليبي تحكمه القوى الخارجية ووكلاؤها

من الخطأ أن نقول إن الإدارة الليبية فشلت في إنجاز الانتخابات، لأن الإدارة الليبية كانت كلها مع الانتخابات، و2.8 مليون ليبي كانوا مع هذه الانتخابات، والبرلمان قام بما عليه وأنجز القاعدة الدستورية التي كان يمكن للانتخابات أن تقوم عليها، والمفوضية العليا للانتخابات قامت بكل جهدها، والجيش الوطني كان يؤيد بدليل مشاركة المشير حفتر في الانتخابات، وبالنسبة لمجلس الدولة صحيح أن خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، أظهر في البداية عنتريات وتحدث عن عنف، ولكنه ما إن سمع بأن هناك قرارات دولية ستعاقب كل من يعطل الانتخابات حتى خرج وقال بكل وضوح: «صحيح أن الإخوان لن يشتركوا في هذه الانتخابات، ولكنهم لن يعرقلوها أبدا».. المفوضية العليا للانتخابات قامت بكل ما يستوجب من أعمال فنية، حتى الدبيبة شارك في هذه الانتخابات، وبالتالي كل الليبيين كانوا مع الانتخابات سواء السلطة أو الشعب، ولكن من دمر هذه الانتخابات ومن خربها، هو الصراع الأميركي الروسي على سيف الإسلام القذافي، الولايات المتحدة الأميركية ترى أن سيف الإسلام تهديد لمصالحها، وهي لا تريد أن تراه في السباق الانتخابي ولهذا أمرت الولايات المتحدة، وستيفاني ويليامز عماد السايح بإصدار قائمة انتخابية لا تتضمن اسمه، وروسيا أصرت على مشاركة سيف الإسلام أو تدمير ليبيا وإغراق البلاد في الدم، وعندما رأى الطرفان أن لديهما قضايا أخطر في أوكرانيا، وفي سوريا وفيينا حيث يجرى التفاوض مع إيران من أجل برنامجها النووي، وغيرها من القضايا وعندما وجدت روسيا، والولايات المتحدة أن لديهما قضايا أهم من ليبيا بكثير، قررا أن لا يتواجها في ليبيا، ووضعا ليبيا في الثلاجة، لتجميدها إلى حين الانتهاء من مشاكلهما الأخرى ثم يعودون إلى ليبيا ليروا أمر الانتخابات، فهم من دمر الانتخابات (الولايات المتحدة وروسيا، وبريطانيا)، وستيفاني ويليامز ليست مبعوثة أممية على الإطلاق فهي تمارس دورا شكليا وصلت إليه بخديعة من هذا العالم الذي لا يبدو أنه يريد خيرا لليبيا، فقد جاءت بخديعة أنها مستشارة للأمين العام للأمم المتحدة وقامت دولتها بدور كبير في طرد المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا يان كوبيش، وترك البعثة الأممية في فراغ سياسي خطير لكي تحتل هذه المستشارة التي من المفترض أن مهمتها شكلية لا علاقة لها بدور مبعوث الأمم المتحدة كي تستغل الفراغ الذي تركه ترحيل كوبيش وطرده المهين كي تمارس دور المبعوثة الأممية من خلال الدور الشكلي الذي خدعت بلادها به العالم من خلال الضغط على الأمين العام غوتيرش كي يعينها مستشارة أممية، وبالتالي هي ليست مبعوثة للأمم المتحدة الآن، والمفترض أن دورها شكلي ومن المفروض أن تستطلع آراء الأطراف من وراء الكواليس وليس في العلن ثم تنصح بها غوتيرش الذي من المفترض أن يتواصل مع منسق البعثة الأممية في ليبيا رايزيدون زينينغا الذي من المفترض أن يمارس مهام المبعوث الأممي بالوكالة إلى أن يتم تعيين مبعوث أممي جديد فهي لا تقوم بأي جهود لتوحيد المؤسسة العسكرية بل على العكس فهم ساهموا في توتير العلاقات بين الجيش الوطني وبين الجماعات الميليشياوية في طرابلس عندما وجدوا أن ثمة تقاربا، قام جون بولتون، وكذلك الرئيس دونالد ترامب بتحريض الجيش الوطني بالقيام بهجوم على طرابلس لتفكيك الميليشيات بالقوة، وعندما وجدوا أن الجيش الليبي قد اقترب فعلا من تفكيك هذه الجماعات المسلحة قاموا بضربه ورده في ليلة واحدة لأكثر من 500 كيلومتر كي يعمقوا الحقد بين الطرفين وكي يمنعوا كل فرص التقارب بعد حدوث هذه الحرب بينهما، وكي يراهنوا من جديد على هذه الجماعات الميليشياوية التي تساعدهم من خلال تمزيق ليبيا، للسيطرة على القرار السياسي بشكل كامل، وبالتالي ليس هناك أي جهود لستيفاني ويليامز لتوحيد المؤسسة العسكرية، وحتى لو عدنا إلى مسار (5+5) الذي سبق أن أنتجته في خريطة طريقها فهو المسار الأكثر عقما، والأكثر فشلا ولا يمكنه أبدا أن يصل بنا إلى حل. الحل المباشر والمناسب والذي يحاربه الغرب بقوة وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، وستيفاني هو جمع أمراء الحرب حول مائدة التفاوض.. هؤلاء الذين يجب مساعدتهم في الوصول إلى اتفاق سلام ينتهي إلى صناعة آليات حقيقية لنزع السلاح وتفكيك الميليشيات وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والشرطية. ولعلنا رأينا أن روز ماري وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة هي التي قدمت إحاطة في مجلس الأمن في الجلسة الأخيرة حول ليبيا بما يعني أن ستيفاني ويليامز لا علاقة لها بالموضوع، ولعلنا سمعنا المندوب الروسي وهو يقول بكل وضوح إنه لا بد من ملء الفراغ للبعثة الأممية في ليبيا ما يعني أن روسيا وهي إحدى الدول الخمس في مجلس الأمن التي تعين المبعوثين لا تعترف أصلا بستيفاني ويليامز ولا تعترف بدورها الحالي وبالتالي يبقى هذا الدور لا قيمة له.

والكلمة بالنسبة للسلاح دائما ما تحددها الأطراف الأجنبية، فالأطراف الأجنبية هي التي تحرك أمراء الحرب باعتبارهم وكلاءها في ليبيا وهي التي تخطط ما إذا كانت هناك حرب، أم لا يجب أن تكون هناك حرب، كل شيء يخطط له من قبل الإنجليز والأميركان والآن بصدامهم مع روسيا دخلت روسيا لهذا الصراع وأصبحت طرفا مهما فيه، وتركيا تشتغل وكيلا لدى الولايات المتحدة، ولكن ربما يكون تقاربها مع الجيش الوطني قد يدفعها إلى اختيار دور محايد أكثر عقلانية وهذه خطوة مهمة لأنني لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستعثر على دولة أخرى كتركيا يمكنها أن تقوم بدور وكيلها في ليبيا، وبالتالي من المهم تحييد تركيا في هذا الخصوص، ولكن العالم لا يهتم بالحروب الصغيرة داخل الأقاليم الثلاثة التي ليس لها علاقة بحرب إقليم ضد إقليم ولا يعنيه أمر من يسقط فيها من مدنيين، وهم يعتبرون أن هذه الحروب يجب أن تكون كثيرة لأنها فعلا تقوض الاستقرار في البلاد وتزيد الفوضى وهو أشد ما يحتاجونه اليوم مع بالغ الأسف والحسرة.

 

مبادرة تتسق والواقع السياسي

فيما اختلف الكاتب والمحلل السياسي الليبي عثمان بن بركة مع هذه الأطروحات الخاصة بمبادرة القذافي، وقال في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: المبادرة التي قدمها المهندس سيف الإسلام القذافي، هي مبادره سياسية تتعامل مع الواقع السياسي القائم والاختناقات المفتعلة والتي لا تخدم المواطن الليبي البسيط بل تصب في مصلحة من هم على رأس قوائم الفساد السياسي. ولا علاقة لمبادرة سيف الإسلام بما تقوم به المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز، التي لن تنتهي مهمتها على الإطلاق لأنها أحد من يديرون الأزمه وليس حلها.

فيما توافقت رؤية بن بركة، حول المصالح والنفوذ الأجنبي في ليبيا بقوله: لا يوجد حالة انسداد سياسي في ليبيا، بل يوجد فساد سياسي اقتصادي تقوده مجموعات تتقاطع حول المصالح الخاصة بهم وقد يستعملون السلاح لخدمة توجهاتهم الشيطانية. ولعبة المصالح هي التي تحكم، كما يتضح من إصرار عقيله صالح على تعيين رئيس حكومة جديد بدلا من حكومة الدبيبة، حيث دخل صالح لعبة الصراع والمصالح والاتكاء على الخارج، سواء كان عربيا أو أجنبيا، وهناك عدد من النواب من مصلحتهم بقاء الوضع كما هو حتى تستمر مصالحهم الخاصة. والخلاف مع دبيبه ليس خلافا وطنيا بقدر ما هو ترجمة للخلاف الإقليمي والدولي.، والعملية السياسية لن تتعافى إطلاقا ما دام الملف الليبي تلعب به القوى الإقليمية، والدولية. كما أن الإدارة في ليبيا لم تنجح في أي شي غير إذلال الليبيين، ولن تكون هناك انتخابات برلمانية أو رئاسية ما دام هناك خلاف دولي على ليبيا. ومن جهته يحاول المهندس سيف الإسلام القذافي تقديم المبادرة لعلها تجد أصواتا أو عقولا تستوعب. فلا خيار أمامه. ويهدف سيف الإسلام القذافي من المبادره إلى عدم الدخول لحلبة الصراع على السلطة، حتى وإن دخلنا للانتخابات فالسلطة ليست الغاية بل هي مدخل لتصويب الواقع السيئ.

font change

مقالات ذات صلة