استمرار أزمة روسيا وأوكرانيا

بين احتمال إحياء اتفاقيات «مينسك» ولهجة بوتين وتحالفاته المتحدية للغرب

الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي يتحدث في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (ليس في الصورة) بعد اجتماعهما. (الرئاسة الأوكرانية/ وكالة الأنباء الألمانية)

استمرار أزمة روسيا وأوكرانيا

تستمر مفاوضات دبلوماسية حثيثة في ظل بحث قادة حلف الناتو عن حلول غير عسكرية للتوترات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا.. في الثامن من فبراير (شباط) زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موسكو واجتمع مع الرئيس بوتين في لقاء امتد لخمس ساعات. غادر ماكرون الاجتماع معتقداً أنه عقد اتفاقا مع الرئيس بوتين- اتفاقا بعدم تصعيد التوترات مع أوكرانيا. بينما فندت موسكو رؤية ماكرون المتفائلة للوضع، تحقق إنجاز واحد كبير وهو عودة طرح اتفاقيات مينسك على طاولة المفاوضات.

 

أحضرت «صيغة نورماندي» مباحثات وقف إطلاق النار الخاصة بالنزاع في دونباس كلا من فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات. وتعد اتفاقيتا مينسك الأولى والثانية، على الرغم من عدم شعبيتهما في أوكرانيا، أفضل وسيلة سلمية للخروج من النزاع الانفصالي الحالي في إقليم دونباس الانفصالي في أوكرانيا.

 

يحظى الإقليم الانفصالي بدعم عسكري من روسيا منذ حوالي ثمانية أعوام. وكانت اتفاقيات مينسك متوقفة منذ أكثر من عامين حتى الآن وأثبتت عدم فاعليتها في وقف الحرب.

بعد لقائه بماكرون، قال الرئيس بوتين: «فيما يتعلق باتفاقيات مينسك، وما إذا كانت قائمة أو هناك احتمالات لنجاحها؟ أعتقد أنه لا يوجد بديل ببساطة. وأكرر مرة أخرى، أنهم في كييف إما يقولون إنهم سيلتزمون وإما يقولون إن هذا سوف يدمر بلادهم. ذكر الرئيس الحالي مؤخراً أنه لا يعجبه أي بند في اتفاقيات مينسك. أعجبتك أم لم تعجبك، هذا واجبك يا جميل، ويجب الالتزام بها، ولن يفلح الأمر بخلاف ذلك».

قد تبدو اللغة الفظة التي استخدمها بوتين غير مشجعة، ولكنه في صيف عام 2021 كان يرفض التفاوض مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي وحثه على التعامل مباشرة مع زعماء الإقليم الانفصالي دونباس. وقبل شهور قليلة بدا من المستحيل إحياء اتفاقيات مينسك. ولكن الآن توجد فرصة لعودة المباحثات. ومع ذلك، توجد إشكالية في اتفاقية مينسك فيما يتعلق بترجمة ما تحتوي عليه الاتفاقية بالفعل. تعتقد موسكو أن اتفاقيات مينسك يجب أن تجبر الحكومة في كييف على منح الحكم الذاتي إلى حكومة الأمر الواقع في دونباس. ويجب السماح للأخيرة بالمشاركة في عملية صناعة القرار في الحكومة الأوكرانية، والأهم أن تمتلك حق الرفض لقرارات سياسية كبرى بما فيها ما يتعلق بمواقف السياسة الخارجية التي تتخذها أوكرانيا.

تفترض موسكو أنها تستطيع الحفاظ على نفوذها على القادة السياسيين في دونباس، وبالتالي ستتمكن من أن ترفض بشكل غير مباشر أي قرارات قد ترغب أوكرانيا في اتخاذها بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو تشكيل أي تحالفات عسكرية كبرى مع القوى الغربية.

تنظر الحكومة الأوكرانية إلى اتفاقيات مينسك باعتبارها وسيلة لمنح وضع خاص نوعاً ما لإقليم دونباس، وربما حكم شبه ذاتي، ولكن بالتأكيد لن تعطي سلطة نقض قرارات أوكرانيا المتعلقة بالسياسة الخارجية. وحتى على النطاق المحدود، تحظى اتفاقيات مينسك برفض شعبي كبير في أوكرانيا. كما يوجد خلاف آخر كبير حول من هي الأطراف الفعلية التي ستوقع على الاتفاقية ومن سيكون ضامناً لاتفاقية وقف إطلاق النار. ترى موسكو أنها «صانعة سلام»، وسيط مثلها مثل فرنسا أو ألمانيا. وتطالب كييف بأن تعامل موسكو كطرف مُوقِع على اتفاق وقف إطلاق النار وأن تتحمل مسؤولية إنهاء النزاع في دونباس. وبالتالي، على الرغم من أن عودة المباحثات لإحياء اتفاقيات مينسك تحمل بعض المبشرات، فإنه من المستبعد أن تحقق المفاوضات الفعلية أفضل نتائج نظراً لأن الطرفين لا يستطيعان الاتفاق حتى على الفرضية الأساسية للنزاع.

 

تعزيز تحالفات موسكو

في الوقت ذاته، تعمل موسكو على تعميق تحالفاتها. أصبح الرئيس لوكاشينكو، الذي كان في السابق متردداً في تأييد عدوان موسكو على أوكرانيا وتطلعاتها لإرساء وجود عسكري دائم في بيلاروسيا، مسانداً قوياً لخطاب بوتين العدواني بشأن أوكرانيا. في تصريحات صدرت عن لوكاشينكو مؤخراً قال إن أوكرانيا تحشد وجودها العسكري على الحدود مع بيلاروسيا: «إذا واجهت بلادنا عدواناً سيكون هنا مئات الآلاف من الجنود الروس الذين سيدافعون عن هذه الأرض المقدسة إلى جانب آلاف من البيلاروسيين».

منذ أن أوشكت الاحتجاجات المدافعة عن الديمقراطية في بيلاروسيا على الإطاحة بلوكاشينكو في عام 2020، صب القائد الاستبدادي اللوم على الغرب بسبب تنظيم هذه الانتفاضات في بلاده، وبدأ يتودد إلى روسيا بإقامة تعاون عسكري أعمق مما كان يسمح به في السابق. وازداد عمق التعاون العسكري بين الجانبين إلى درجة أن لوكاشينكو اقترح على روسيا استضافة أسلحة عسكرية روسية. وفي الأسبوع الماضي أعلن رئيس الوزراء الروسي ميشوستين أن قوات بيلاروسية سوف تخدم إلى جانب القوات المسلحة الروسية الموجودة في سوريا لأجل «مهام إنسانية». ويرجع تدخل روسيا في سوريا إلى عام 2015، لدعم نظام الأسد في مواجهة الولايات المتحدة التي انسحبت من سوريا بالكامل تقريباً، بينما لا تزال روسيا تحتفظ بوجودها العسكري هناك. سوف تنشر بيلاروسيا ما يصل إلى 200 جندي إلى سوريا في خطوة رمزية إلى حد كبير، ولكن القرار الذي اتخذه الرئيس لوكاشينكو يضع النظام الحالي في بيلاروسيا في مواجهة مع مصالح الغرب.

ومن جانبه كشف الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو حليف آخر مهم لموسكو، أخيراً موقفه بشأن المواجهة المحتملة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا. في الرابع من فبراير (شباط)، أصدرت روسيا والصين بياناً مشتركاً تضمن تناولاً مطولاً لمعنى الديمقراطية ودعا إلى وضع حد للأجندة الغربية التي تروج للديمقراطية حول العالم.

«يعتقد الطرفان أن مناصرة الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يجب أن تُستغل لممارسة الضغط على الدول. ويعارض الجانبان إساءة استخدام القيم الديمقراطية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة بذريعة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأي محاولات للتحريض على الانقسامات والمواجهات في العالم. ويدعو الطرفان المجتمع الدولي لاحترام التنوع الثقافي والحضاري وحقوق شعوب الدول المختلفة في تقرير المصير. ويقفان مستعدين للعمل معاً مع جميع الشركاء المهتمين للترويج للديمقراطية الحقيقية».

وفي البيان، تضامنت روسيا مع سياسة الصين تجاه تايوان: «يعيد الجانب الروسي تأكيد دعمه لمبدأ الصين الواحدة ويؤكد على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، ويعارض أي صورة لاستقلال تايوان».

«يعتقد الطرفان أن دولاً وتحالفات عسكرية وسياسية محددة تسعى إلى الحصول على منافع عسكرية أحادية، بصفة مباشرة وغير مباشرة، للإضرار بأمن آخرين، بما في ذلك من أتباع ممارسات منافسة غير عادلة، وتشديد الخصومة الجيوسياسية وتأجيج العداء والمواجهة، وتقويض نظام الأمن العالمي والاستقرار الاستراتيجي الدولي على نحو خطير. ويعارض الطرفان توسع حلف الناتو ويدعوان الحلف إلى التخلي عن وسائل الحرب الباردة المؤدلجة، واحترام سياسة وأمن ومصالح الدول الأخرى وكذلك تنوع خلفياتها الحضارية والثقافية والتاريخية، واتخاذ مواقف منصفة وموضوعية تجاه التنمية السلمية للدول الأخرى».

ومن جهتها تجهز الولايات المتحدة خطتها لإخراج الأميركيين من أوكرانيا، ودعا الرئيس بايدن جميع المواطنين الأميركيين العاملين في جهات غير حكومية إلى مغادرة الدولة حتى لا يصبحوا عالقين في مواقع تبادل إطلاق النيران. وبالتزامن، تعزز الولايات المتحدة وجودها العسكري في أوروبا، بإرسال ألفي جندي إضافي من الولايات المتحدة إلى بولندا. علاوة على ذلك أعيد تعيين مواقع ألف جندي أميركي من ألمانيا إلى رومانيا بحسب أحدث التقارير.

يعتقد أغلب الخبراء الأميركيين أن روسيا سوف تغزو أوكرانيا قريباً جداً. ويحذر مسؤولو الاستخبارات الأميركيون بانتظام من مخططات روسية متعددة لاستفزاز أوكرانيا للوقوع في نزاع مسلح. ولكن لا تزال البيئة العامة في أوكرانيا ذاتها هادئة على نحو مخيف. وطلب الرئيس زيلينسكي من شركاء أوكرانيا الغربيين مساعدة بلاده على الدفاع عن نفسها، ولكنه كرر بانتظام الحديث عن اعتقاده بأن الحل الدبلوماسي ممكن. في الفترة الأخيرة، بدأ زيلينسكي في استخدام تكتيك التقليل من شأن التهديد القادم من روسيا- تجنباً لإثارة الفزع والخوف في أوكرانيا. ولكن العناوين الكبرى المرتقبة من أوكرانيا قد تحتوي على أي من أمرين: تجديد مباحثات اتفاقيات مينسك بصيغة نورماندي، أو اجتياح روسي واسع.

 

* مايا أوتاراشفيلي: باحثة ونائب مدير برنامج أوراسيا ونائب مدير الأبحاث في معهد أبحاث السياسة الخارجية بفيلادلفيا. تركز أبحاثها على الجغرافيا السياسية وأمن منطقة البحر الأسود والقوقاز والسياسة الخارجية الروسية والنزاعات «المتجمدة» ما بعد الاتحاد السوفياتي.

 

font change

مقالات ذات صلة