خبير في العلاقات الدولية: أنقرة تلتزم بمعاهدة «مونترو».. وإغلاق المضيقين لا يستهدف موسكو

تركيا تحاول الوقوف على «الحياد» بين روسيا وأوكرانيا

خبير في العلاقات الدولية: أنقرة تلتزم بمعاهدة «مونترو».. وإغلاق المضيقين لا يستهدف موسكو

القامشلي: اعتبرت الحكومة التركية أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي بدأت يوم 24 فبراير (شباط)  الماضي، هي «حرب»، وعلى أثر ذلك حظرت عبور السفن من مضيقين تخضع حركة عبور السفن والبواخر الحربية والمدنية والتجارية منهما لسيطرتها بالكامل، وهو أمر كان متوقعا بموجب اتفاقية «مونترو» التي تعد أنقرة طرفا أساسيا فيها منذ موافقتها عليها مع أطرافٍ أخرى في العام 1936. وهي بريطانيا وفرنسا وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا والاتحادان السوفياتي السابق واليوغسلافي.

وجاء قرار تركيا بإغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل المؤديين إلى البحر الأسود بعد إجراء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مكالمة هاتفية مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن بحثا فيه تطورات الأزمة الأوكرانية والمساعي الرامية لوقف إطلاق النار بين موسكو وكييف.

وقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية لاحقا أن بلينكن أعرب عن تقديره لتركيا لتطبيقها اتفاقية «مونترو» وتصريحات وزير الخارجية التركي بشأنها والذي قال في إفادة صحافية عقب اجتماع الحكومة التركية مطلع الأسبوع الحالي إن «اتفاقية مونترو تمنح بلادنا صلاحيات مطلقة في إغلاق المضايق إذا كانت طرفا في الحرب».

وأضاف: «أما إذا لم تكن تركيا طرفا في الحرب، فلديها صلاحية عدم السماح لسفن الدول المتحاربة بالعبور من مضايقها»، موضحا أن «معاهدة مونترو لا تحظر عبور السفن الحربية العائدة إلى قواعدها في البحر الأسود»، لافتا إلى أن «الروس كانوا يتساءلون عما إذا كنا سنطبق الاتفاقية إن لزم الأمر أم لا. وقلنا لهم إننا سنطبق كلّ بنودها حرفياً».

وتعليقا على إغلاق تركيا لمضيقين يربطان البحر الأبيض بالأسود، أجرت «المجلة» حوارا مع المحلل السياسي والمختص بالشؤون الدولية الأكاديمي التركي آيدين سيزر.

 

* لماذا اعتبرت تركيا أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هي «حرب» وليست مجرّد عملية عسكرية أو غزوا؟

- لقد استخدمت أنقرة وصف الحرب حول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، للتعريف أو الإشارة إلى توتّرٍ كبير في المنطقة، وهو أمر تمّ لتحديد موقفها من مسألة إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل. باعتقادي لا تفسير آخر لإطلاق أنقرة وصف الحرب على العملية العسكرية الروسية.

 

*هل بإمكان روسيا أن تعترض على إغلاق هذين المضيقين؟

- روسيا هي طرف في اتفاقية «مونترو» المتعلقة بمضيقي البوسفور والدردنيل، لذلك هي تعلم كل البروتوكولات والإجراءات المتعلّقة بهذه المعاهدة، وهي مجبرة على الموافقة على تطبيق بنودها التي منحت تركيا حق السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل، ولذلك لا يمكن لروسيا أو لأي دولة أخرى الاعتراض على القرار التركي. وبالمناسبة أوكرانيا أيضا باتت طرفا في معاهدة «مونترو» بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ولهذا لا يمكننا اعتبار إغلاق هذين المضيقين بمثابة رسالة تركيّة لروسيا.

 

*هل تقصد بهذا الكلام أن تركيا تلتزم بكامل بنود «مونترو»؟

- تركيا تحاول تطبيق بنود الاتفاقية التي تنظم حركة مرور السفن التجارية في أوقات السلم والحرب. ولدى أنقرة استثناءات بموجب معاهدة «مونترو» فيما يتعلق بمرور السفن الحربية، وعلى سبيل المثال يمكن للسفن الحربية الروسية المتواجدة في البحر الأبيض المتوسط المرور بسهولة عبر البوسفور والدردنيل شريطة أن تكون مسجلة في موانئ البحر الأسود، وذلك بموجب المادة 19 من الاتفاقية والتي تنص على منح تركيا الحق للدول المتحاربة في إعادة سفنها إلى موانئها المطلّة على البحر الأسود.

 

* هل هناك استثناءات أخرى في العبور قد تستفيد منها موسكو؟

- يمكن لأنقرة الموافقة على مرور السفن والبواخر المجهّزة من قبل منظمات إنسانية لتقديم المساعدات الطبية والغذائية وما إلى ذلك، كما توجد استثناءات أخرى منها مثلا إذا ما طالبت إحدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تركيا بإعادة فتح مضيقي البوسفور والدردنيل، فيمكن أن يحصل ذلك إذا ما صوّتت الدول الأعضاء بالأغلبية.

 

*وماذا عن البواخر والسفن التجارية، هل ستتوقف؟

- عندما يتعلق الأمر بالسفن التجارية يكون الأمر مختلفاً. مثلا إذا كانت هناك حرب وتركيا ليست طرفا فيها، فحينها يمكن لكل السفن التجارية من مختلف دول العالم، العبور من البوسفور والدردنيل، ولكن إذا ما كانت تركيا طرفا فيها، فيمكنها منع مرور السفن والبواخر التجارية التابعة للدول التي تحارب ضدها. لكن في الوقت الحالي أنقرة ليست طرفا في النزاع بين موسكو وكييف، ولذلك لن تتوقف عمليات الاستيراد والتصدير.

 

* بالحديث عن النزاع بين موسكو وكييف، أين تقف أنقرة؟

- من وجهة نظري كانت تركيا تقف مع أوكرانيا خاصة في العام الماضي وقبل ذلك أيضاً، فهي تجمعها اتفاقيات تعاون عسكري مع كييف، وكانت تعترض بشدّة وتندد بالتدخلات الخارجية في أوكرانيا وكانت ترى أنها غير مقبولة بحسب القانون الدولي، لكن منذ بدء العملية العسكرية الروسية، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحاول إبقاء بلاده على الحياد.

 

* هل يستطيع إردوغان المحافظة على هذا «الحياد»؟

- باعتقادي أن الرئيس التركي يحاول أن يبقي تركيا بعيدة عن الترددات السلبية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لا سيما من جهة تداعياتها على اقتصاد بلاده لأن الاقتصاد التركي يعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الروسية والاستثمارات الروسية، إضافة لوجود الكثير من الشركات التركية العاملة في روسيا، ولذلك يبدو أن أنقرة لا تريد التصعيد مع موسكو، لأن العواقب الاقتصادية ستكون كبيرة إذا ما تخلت تركيا عن حيادها.

 

* باعتقادك متى يمكن لموسكو أن تعتبر أن إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل يُستخدم كقرارٍ ضدها؟

- على سبيل المثال لنفترض أن الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا، قررتا إرسال سفنهما الحربية باتجاه روسيا وحاولت المرور من مضيق البوسفور إلى البحر الأسود وسمحت أنقرة بذلك. في هذه الحالة يمكن لروسيا أن تعتبر الأمر كما لو أنه بمثابة إعلان حرب عليها، لذلك على تركيا أن لا تسمح بمرور السفن الحربية التابعة لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى البحر الأسود. هذا هو الأمر الوحيد الذي يهم موسكو فيما يتعلق بتنظيم حركة مرور وعبور السفن والبواخر الحربية بين البحرين المتوسط والأسود.

 

font change