ماريوبول تعيد سوريا إلى الأخبار

ماريوبول تعيد سوريا إلى الأخبار

عادت سوريا إلى نشرات الأخبار وعاد ملفها إلى أروقة الاجتماعات بين الدول، عادت لا للتذكير فقط بذكرى انطلاقة الثورة الحادي عشر، ولا للتأكيد على فشل المجتمع الدولي خلال 11 عاما على وضع حد للجريمة المستمرة هناك، بل عادت لأن الملف السوري صار ملفا مرتبطا بالحرب الروسية على أوكرانيا؛ فمشاهد الحرب الروسية على أوكرانيا أعادت للأذهان مشاهد الحرب التي شنها نظام الأسد ومعه روسيا وإيران على سوريا والسوريين، وإن كانت الحرب على السوريين لم تتوقف، إلا أن صور الدمار والقتل الآتية من هناك تحولت إلى «روتين» وخبر في نهاية النشرة إلى أن غاب عنها، وأعاده خبر الحرب في أوكرانيا.

تذكر العالم سوريا وما يعانيه السوريون، تذكرت الولايات المتحدة ضرورة محاسبة نظام الأسد على ما ارتكبه من جرائم، وتذكر الأوروبيون الدور الروسي في سوريا الذي تسبب في تهجير الملايين، وبدوره لم ينسى الرئيس الروسي استخدام دعاية شبيهة لتلك التي استخدمها في سوريا لتبرير حربه، ففي سوريا هو يحارب «الإرهاب» وفي أوكرانيا يحارب «النازيين الجدد».

في أوكرانيا كما في سوريا، تستخدم روسيا القصف الجوي والأسلحة الثقيلة، لا خطوط حمراء فكل الأهداف مشروعة، وهذا ما أعاد التذكير بما حل بحلب وإدلب، وكأن بوتين يريد القول إن ما حصل للسوريين سيحصل للأوكرانيين.

الانقسام انتقل إلى السوريين بطبيعة الحال، فالمعارضون لنظام الأسد أعلنوا تضامنهم مع أوكرانيا ورفعوا علمها إلى جانب علم الاستقلال السوري (علم الثورة)، بينما خرجت أو أخرجت مظاهرات لطلاب الجامعات والمدارس والموظفين في مناطق سيطرة النظام تأييدا للعملية العسكرية الروسية مع أنباء عن بدء تسجيل أسماء متطوعين للقتال هناك مع الجانب الروسي.

كثير من المؤيدين للثورة السورية انتقدوا ازدواجية معايير الغرب الذي سارع بدعم أوكرانيا بالسلاح، متجاهلين فروقات جمة بين الحالتين وإن كانت روسيا هي نفسها، ولكن يبقى الأهم أن البعض لم ينتبه أن خذلان أوكرانيا ليس ببعيد.

صحيح أن العقوبات على موسكو كانت قاسية، ولكنها بالتأكيد غير كافية لوقف حروب بوتين خصوصا في ظل اقتراب التوصل إلى اتفاق نووي والذي أكدت الحكومة الروسية أنها تلقت ضمانات مكتوبة بأنها تستطيع القيام بعملها كطرف في هذا الاتفاق، مشيرة إلى أن «موسكو ستسمح بإعادة إحياء الاتفاق المبرم في 2015».

وإذا ما أردنا رؤية الخذلان بشكل أوضح ما علينا إلا النظر إلى المفاوضات مع إيران الذي وللسخرية تستجديه الإدارة الأميركية فيزداد «دلع» طهران بشروطها وطلباتها، فالولايات المتحدة على استعداد لرفع قادة في الحرس الثوري متهمين بارتكاب جرائم إرهابية، إن لم تكن مستعدة لرفع الحرس الثوري كما هو، عن قوائم العقوبات، بينما ترفض طهران مناقشة صواريخها الباليستية أو مستقبل ميليشياتها المسلحة في المنطقة.

أما الخذلان السوري فله طعم آخر، يذكر العالم اليوم ما ارتكبه نظام الأسد بحق السوريين دون أي خطوة عملية لا لوقف المذبحة السورية ولا لمحاسبة الجناة، بل مع تبسيط للقضية ولبيان جنيف واحد والقرار الدولي 2254 ليصل إلى حد لجنة مشتركة لكتابة دستور جديد، وحتى هذه اللجنة يعطلها الأسد ومعه بوتين حينما يريدون ويفعّلونها حينما يشاءون، ومعارضة مميعة لدرجة أنها تنتظر المزاج الروسي الأسدي لتهرول لحضور اجتماعات هذه اللجنة.

أما العقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا، فقد استيقظت أوروبا لترى أن موسكو ليست وحدها الموجوعة من هذه العقوبات، وتحديدا العقوبات على القطاع النفطي، فباتت أوروبا والعالم أيضا خاضعين لتأثير هذه العقوبات، وقريبا ستبدأ المطالبات بتخفيفها كما رأينا ما حصل لتطبيق قانون قيصر بظل إدارة جو بايدن الديمقراطية، والذريعة دوما «تخفيف معاناة المدنيين».

للديكتاتوريات نفس طويل، معاناة الشعوب ليست من قائمة اهتمامات هذه الانظمة، بينما يتخبط العالم الحر بسياسات تتبدل وفق مزاج الناخب، ولكن هل مزاج الناخب- أيا يكن- هو مع تجاهل معاناة الشعوب الأخرى؟ هل هو مع أن يخضع ودولته لابتزاز دائم من قبل أنظمة ديكتاتورية أو مجموعات إرهابية؟ أم إنه غير معني بما يحصل خارج نطاق دولته؟

أسئلة كثيرة لا بد من طرحها على مستوى الدول وعلاقات بعضها ببعض، أي عالم نريد؟ عالم يرضخ لقوة السلاح؟ عالم يتغاضى عن جرائم ضد الإنسانية باسم تخفيف الإنسانية؟ دول تجتاح دولا جارة اعتراضا على حكوماتها؟ وإلى متى؟ إن لم نخضع جميعا أفرادا ودولا للقانون، فالآتي علينا جميعا مخيف.

font change