الغزو الروسي لأوكرانيا يغيّر مفاهيم الأمن القومي

دور الاستخبارات في دعم صناع القرار خلال الحروب والنزاعات

وكالة الاستخبارات الأميركية

الغزو الروسي لأوكرانيا يغيّر مفاهيم الأمن القومي

بون: لقد غيرت الحرب في أوكرانيا، الكثير من مفاهيم الأمن القومي، خاصة عند دول أوروبا، بالتوازي مع «حرب أوكرانيا» تجري حروب أخرى: تضليل المعلومات، والحرب النفسية، وحرب الاستخبارات والحرب السيبرانية بالتوازي مع ما يجري على الأرض، وهنا تظهر أهمية الاستخبارات في الحروب والأزمات والنزاعات الدولية.

شهد مفهوم الأمن تغيرا كبيرا منذ نهاية الحرب الباردة، هذا الفهم غيّر أيضًا خصائص الاستخبارات. وهذا يعني أن الدول تحتاج إلى تحسين سياساتها بمعلومات استخبارتية جديدة. علاوة على ذلك، ينبغي للسياسات الأمنية الجديدة وتكتيكات الاستخبارات أيضًا أن تتماشى مع التهديدات أو المخاطر الجديدة، بسبب تغيير وتطور المخاطر والتهديدات؛ على سبيل المثال قبل 20 عاما كان العالم يتحدث عن الإرهاب، ولكن الآن المجتمع الدولي يتحدث عن مخاطر التهديدات السيبرانية، واستراتيجيات الحرب الهجينة وما إلى ذلك. بالإضافة إلى ذلك، الصراعات الداخلية أو الحروب دفعت العالم للانتقال إلى أنشطة استخباراتية مختلفة. الصراعات الجديدة أيضا تسببت في مشاكل أمنية مع وسائل التواصل الاجتماعي.

 

الاستخبارات الأوكرانية: روسيا تنقل أسلحة ومرتزقة من سوريا لدعم الحرب علينا

 

وظائف الاستخبارات

أدت الاستخبارات تقليديًا وظائف واسعة النطاق وحاسمة في مجالات الأمن والدبلوماسية وفن الحوكمة، وتوسع دور الاستخبارات في حل النزاعات في السنوات الأخيرة ويشكل الآن عنصرًا أساسيًا في سياسات واستراتيجيات إدارة الصراع. وهذا يعني أن هناك حاجة إلى فهم ومعرفة أعمق لأدوار المخابرات في الديمقراطية وآليات الرقابة البرلمانية والمساءلة والمسؤولية الاجتماعية، فضلاً عن إمكانات الاستخبارات في حل النزاع.

تعمل المخابرات، في العمليات العسكرية، بتقييم المعلومات المتعلقة بقوة وأنشطة ومسارات العمل المحتملة للدول الأجنبية أو الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تكون عادةً، وإن لم يكن دائمًا، أعداء أو معارضين. يستخدم مصطلح المخابرات أيضًا للإشارة إلى جمع هذه المعلومات وتحليلها وتوزيعها والتدخل السري في الشؤون السياسية أو الاقتصادية للبلدان الأخرى، وهو نشاط يُعرف باسم «العمل السري». المخابرات هي عنصر مهم من مكونات القوة الوطنية وعنصر أساسي في صنع القرار فيما يتعلق بالأمن القومي والدفاع والسياسات الخارجية.

 

استخبارات مفتوحة المصدر

خلال الحروب، هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تساعد بها المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر في فهم كيفية اندلاع الصراع في حالة حرب أوكرانيا وهذا ما حصل في الفترة التي سبقت الغزو، على سبيل المثال، أعطت مقاطع الفيديو المنشورة على «TikTok» صورا لتحركات القوات وحشدها على حدود أوكرانيا.

كانت الاستخبارات الغربية، والاستخبارات الأميركية، والأوكرانية، قد وظفت عددا كبيرا من المحققين الرقميين من أجل تتبع الأزمة المتصاعدة في أوكرانيا. لقد استخدم هؤلاء الأشخاص معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر للتحقيق في وتوثيق تحركات القوات الروسية داخل أوكرانيا. بشكل عام، فإن المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر مفيدة أيضا عند مجمع الاستخبارات وتظهر أهمية المعلومات مفتوحة المصدر، بعد المراجعة والتحقق وكذلك التحليل. وسبق أن كشفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن لديهما معلومات استخبارية مفصلة عن خطط بوتين الحربية في أوكرانيا، وصولاً إلى جدول زمني تقريبي حول مهاجمة روسيا لأوكرانيا، ويمكن تفسير الإعلان الأميركي حول توقيتات الهجوم الروسي على أوكرانيا، ضمن مساعي إفساد خطط روسيا العسكرية ونزع عنصر المفاجأة.

 

أهمية تحليل المعلومات عند الاستخبارات

من الناحية النظرية، يأخذ محللو الاستخبارات المعلومات المقدمة من قبل جميع تخصصات الجمع، ويجمعونها مع المعلومات من المصادر المتاحة للجمهور، وينتجون تحليل جميع المصادر للعميل. نظرًا لأن التحليل يحتوي على معلومات تم الحصول عليها بواسطة مصادر استخباراتية، يتم تصنيفها عادة.

إن تحليل المعلومات هو القدرة على اكتشاف وقياس الأنماط في البيانات من أي نوع، بما في ذلك الأرقام والرموز والنص والصوت والصورة. وتشمل التقنيات ذات الصلة أساليب التعدين الإحصائي والبيانات أو أساليب التعلم الآلي مثل التعرف على القواعد والشبكات العصبية الاصطناعية والخوارزميات الوراثية والفهرسة.

 

أنظمة الفهرسة الآلية

البحث: البحث عن معلومات من مصادر متنوعة. على سبيل المثال، برنامج البحث والتطوير الذي يبدأ بالبحث عن معلومات حول المواد الجديدة.

التحقق من صحة المصدر: تقييم موثوقية مصادر المعلومات.

جمع المعلومات: الحصول على معلومات من أشخاص مثل عملية جمع المتطلبات التي تطلب من أصحاب المصلحة في المشروع.

البحث الأصلي: عملية تطوير معرفة جديدة في المناطق التي تكون فيها الأشياء مختلفة.

التجميع: جمع المعلومات من مصادر مختلفة.

وضع رسم خرائط: يمكن استخدامه لتوحيد مصادر المعلومات المتباينة.

التصنيف: تطوير نظام تصنيف .

النمذجة: تطوير بنية للمعلومات. ويمكن استخدام هذا لتطوير التقارير.

الموجز: تطوير ملخصات من معلومات طويلة عن النموذج.

التفسير: تطبيق الفكر العقلاني على المعلومات لتقديم رأي باستخدام تقنيات مثل الاستدلال، والخصم، والتفكير النقدي، والتفكير في الواقع، والتفكير المتقارب، والتفكير المتباين، والتفكير في النظم والتفكير التصميمي.

نظرًا لأن محللي الاستخبارات يتمتعون بسهولة الوصول إلى المعلومات من مجموعة واسعة من المصادر المتاحة للجمهور، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان ينبغي عليهم تقديم تحليل يعتمد حصريًا على هذه المصادر المفتوحة إذا لم تتوفر معلومات استخبارية مهمة حول هذا الموضوع.

 

الاستخبارات العسكرية (الدفاع)

تحتاج القوات المسلحة عادة إلى استخبارات عسكرية، وتحتاج برامجها الفضائية والأرضية إلى استخبارات علمية، وتحتاج مكاتبها الخارجية إلى استخبارات سياسية وسيرة ذاتية، ويحتاج رئيس الوزراء أو رئيسها إلى مزيج من هذه الأنواع وغيرها الكثير. وبالتالي، أصبحت الاستخبارات ضرورة مطلوبة لدعم صانع القرار عند الحكومات. أنفقت حكومة الولايات المتحدة مطلع القرن الحالي حوالي 30 مليار دولار سنويًا على الأنشطة المتعلقة بالاستخبارات، ووظفت ربما 200000 شخص في الولايات المتحدة وعدة آلاف آخرين من المواطنين الأميركيين في الخارج في كل من الصفتين السرية والعلنية. وكانت العمليات الاستخباراتية للاتحاد السوفياتي أيضا ذات أبعاد أكبر قبل تفككه في عام 1991 وتحتفظ جميع الدول الكبرى الأخرى بمجمعات استخباراتية كبيرة.

 

شراكات الفضاء الأميركية مع روسيا

تواجه شراكات الفضاء الأميركية مع روسيا «التحدي الأكبر» مع الغزو الأوكراني، فلطالما كانت الولايات المتحدة وروسيا شريكتين من خلال محطة الفضاء الدولية، لكن غزو أوكرانيا يهدد بإنهاء هذا التعاون الطويل الأمد. يقول جيف مانبر رئيس فوييجر سبيس: «لقد عاش برنامج محطة الفضاء الدولية حياة ساحرة»، و«تغلب على جميع أنواع القضايا السياسية والتقنية»، لكن «نواجه الآن أكبر تحدٍ لنا». ويقول الرئيس جو بايدن في أعقاب أزمة أوكرانيا إن العقوبات المفروضة على روسيا ستؤدي إلى تدهور صناعة الطيران، بما في ذلك برنامج الفضاء.

يذكر أن محطة الفضاء الدولية تنقسم فعليًا إلى قسمين: الجزء المداري للولايات المتحدة والجزء المداري الروسي. تحافظ الولايات المتحدة وروسيا على مختبر الأبحاث باستمرار مع رواد فضاء، حيث تعتمد أدوار كل دولة على الأخرى- بدءًا من أنظمة دعم الحياة إلى الدوافع التي تحافظ على محطة الفضاء الدولية في المدار.

يعيد الغزو الروسي لأوكرانيا رسم الجغرافيا السياسية، ليس فقط عبر الكوكب، ولكن أيضًا في الفضاء. لقد اهتزت أوجه التعاون الدولي بينما تصارع وكالات الفضاء والباحثون مع تداعيات الحرب. من بين أكبر الأسئلة، مصير محطة الفضاء الدولية (ISS)، وهي النواة الاستيطانية التي تدور حاليًا والتي تضم اثنين من رواد الفضاء الروس وأربعة رواد فضاء أميركيين ورائد فضاء أوروبي واحد منذ عام 2000، حيث تمكنت محطة الفضاء الدولية بشكل عام من البقاء بعيدًا عن السياسة المرتبطة بالأرض، لكن الصراع في أوكرانيا يمكن أن يغير ذلك.

 

مدير «سي آي إيه»: بوتين سيحاول سحق الجيش الأوكراني من دون اكتراث بالخسائر في صفوف المدنيين (رويترز)

 

 

طائرات المراقبة دون طيار (درون)

لقد أصبحت طائرات المراقبة دون طيار في حرب أوكرانيا رصيدًا لا يقدر بثمن للجيش الأوكراني الوليد في الحرب. تقوم الطائرات بدون طيار (UAV) بالتحليق فوق الأراضي التي دمرتها المعارك في شرق أوكرانيا، حيث ترصد تحركات العدو، وتحدد مواقع المدفعية بدقة، ونطاق مواقع نقاط التفتيش.

وغذت الحرب، تنشيط صناعة الطائرات دون طيار، محاولة لتعزيز القوات المسلحة الأوكرانية، التي كانت غير مجهزة عند اندلاع الحرب. وتمول المنظمات التطوعية في جميع أنحاء أوكرانيا الأموال للمصممين والتقنيين وغيرهما من المتخصصين في مجال صناعة طائرات «الدرون»، الذين إما يعيدون استخدام طائرات دون طيار قديمة أو يبنون طائرات جديدة. من بين الطائرات دون طيار الأوكرانية الأكثر تقدمًا والمصنوعة بشكل خاص، هي PD-1، الذي يتميز بجناحين يبلغ طولهما 10 أقدام ومسافة طيران بطول 18 ميلًا وإلكترونيات متطورة. وتشمل هذه الكاميرات الحرارية التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء ووصلات الفيديو المشفرة لأغراض المراقبة. هذه لقطات من رحلة تجريبية حديثة لـ PD-1.

 

تهديدات الأمن القومي في زمن العولمة

لم تعد تهديدات الأمن القومي في زمن العولمة على ما يجري على الأرض، بقدر هجمات ونشاطات على الشبكة العنكبوتية، وهذا دفع وكالة الاستخبارات المركزية، والبنتاغون وكذلك في المفوضية الأوروبية، باستحداث وحدات رقمية لردع الهجمات الإلكترونية، لحماية الأمن القومي.

التجسس الإلكتروني هو تنفيذ عمليات هجوم إلكتروني على حسابات إلكترونية إلى أشخاص أو مؤسسات أو حكومات لسرقة المعلومات، أو تعطيل نظم معلوماتها، وهو منحى جديد بدأ يتصاعد في السنوات الأخيرة، ليدفع الحكومات وأجهزة الاستخبارات على إنشاء وحدات رقمية لحماية الأمن الافتراضي. وعلى سبيل المثال أجهزة الاستخبارات الأوروبية، وجدت نفسها متأخرة في موضوع الأمن الافتراضي، كون المحركات (الخوادم)، التي تعمل عليها شبكات الإنترنت في الغالب هي أميركية وغير أوروبية. لذا فهي تسعى لإنشاء شبكة افتراضية من أجل تبادل المعلومات بهدف تقوية العمل الاستخباراتي فيما بينها، ولتعزيز مكافحة الإرهاب. وبجانب ذلك تظهر أهمية المعلومات عند الاستخبارات خلال الحروب، ومنها الاعتماد على المصادر المفتوحة، أبرزها المسح الجوي وطائرات درون التي أصبحت سلاحا فتاكا في الحروب.

إن النجاح في التغلب على تحديات عصر المنافسة الاستراتيجية يتطلب من الحكومات الانخراط في معارك عدة بالتوازي مع المعركة الحقيقية على الأرض، وهنا يكمن دور الاستخبارات وهذا يعني أنه من الضروري لجميع الأطراف المعنية أن تكون على دراية دائمة بمسؤولية الاستخبارات للإبلاغ أي تقديم الدعم وتبقي اتخاذ القرار والتنفيذ متروكاً لصناع القرار.

 

 

font change

مقالات ذات صلة