من يصفع طالبان لتتوقف عن السخرية

من يصفع طالبان لتتوقف عن السخرية

لا نعيش في عالم مثالي بالتأكيد، ولكن في القرن الواحد والعشرين نحسب أن بعض الأمور من البديهيات، نبذ العنصرية، تجريم التمييز على أساس العرق والدين واللون والجنس، احترام الاختلاف، التوعية بالأمراض وسبل الوقاية منها لا السخرية من المريض، حق التعليم للجميع، كلها أمور يظن من يجلس خلف مكتبه بين كتبه أو خلف الشاشة يقرأ روايات وكتب ويشاهد أفلاما عن القيم الغربية والعدالة أن هذه الأمور صارت من الثوابت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن ما بين تنظير الكتب وبريق الشاشة، وما بين حقيقة ما نراه إن اخترنا متابعة الأحداث مباشرة فرق شاسع.

فقد يحدث في القرن الواحد والعشرين أن تتخذ «سلطة وحكومة شرعية» قرارا بحرمان أكثر من نصف المجتمع من التعليم، هذا ما فعلته طالبان في أفغانستان، حيث قررت الحكومة الأفغانية «تأجيل» افتتاح المدارس الثانوية للفتيات بعد ساعات من إعادة فتحها رغم أن استئناف الدروس تم بموجب قرار اتخذ قبل فترة طويلة.

ويحدث أن نساء وفتيات يملكن من الشجاعة والجرأة ما يجعلهن يخرجن للتظاهر في العاصمة الأفغانية كابول احتجاجا على قرار طالبان ويهتفن «افتحوا المدارس»، «عدالة عدالة». قبل أن يفرق المظاهرة عناصر مسلحة من طالبان.

وفي الوقت الذي كانت تلك النساء والفتيات يتظاهرن ضد قرار طالبان، كانت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي ومساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر تجريان محادثات مع وزير خارجية طالبان بالإنابة أمير خان متّقي في الدوحة، وتنقلان له مناشدة دولية للسماح للفتيات الأفغانيات بالعودة إلى المدارس الثانوية.

فهل هذه هي «البرغماتية»؟

في النصف الثاني من العالم، حيث الأضواء والحريات والعدالة والقيم، يحصل أن يعتبر مقدم حفل الأوسكار الفكاهي كريس روك أن السخرية من مريضة بداء الثعلبة أمر مضحك، حيث تناول روك في «دعابته» رأس جيدا بينكت سميث، زوجة ويل سميث، الحليق وهي المصابة بداء الثعلبة الذي يسبب تساقطاً للشعر والذي سبق لها أن كشفت عما تعانيه بسبب إصابتها بهذا المرض منذ سنوات. ويحصل أن تكون ردة فعل زوجها الفنان الحائز على جائزة الأوسكار في المهرجان نفسه، هو اللجوء إلى العنف كرد على نكتة سمجة؛ حيث صعد سميث إلى المسرح وقام بلكم روك.

ولكن بين حفل الأوسكار وبين كابول المسافة كبيرة، فبعد ساعات قليلة من تصرف سميث المستنكر، اضطر إلى تقديم اعتذار علني ليس من روك فقط، ولكن من «الأكاديمية ومنتجي الحفل والحضور وكل من كان يشاهد الحفل حول العالم، أود أن أعتذر لعائلة ويليامز ولعائلة فيلم King Richard»، كما ذكر البيان الذي نشره سميث نفسه على صفحته الرسمية. كذلك أعلنت «الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها»، الجهة القائمة على جوائز الأوسكار، في بيان لها أنّها فتحت تحقيقاً رسمياً في الحادثة، وأدانت تصرف سميث، مشيرة إلى أنها ستدرس «الخطوات الواجب اتخاذها في ضوء أنظمتها وقانون ولاية كاليفورنيا».

اعتذر سميث وفتح التحقيق، وألقت الحادثة الضوء على مرض الثعلبة وبدأت نساء كثيرات يتحدثن عما يسبب لهن هذا المرض من معاناة تصل لحد التفكير في الانتحار، رفض الكثيرون تصرف الممثل الشهير ولكنهم رفضوا أيضا دعابة كريس روك وتعاطفوا مع زوجته جيدا بينكيت، بينما في المقلب الآخر من العالم، أطفئت الكاميرات واضطرت بضع عشرات من الفتيات من فك مظاهرتهن تحت وطأة سلاح طالبان، وبدل أن تحاسب طالبان على فعلتها كما سيحاسب سميث، بتنا نسمع أن العالم «الحر» يناشدها علها تسمح للفتيات بالعودة إلى مقاعد الدراسة.

إنه العالم اللامثالي الذي نعيش فيه، عالم تسوده ثقافة الازدواجية، وما هو حق بديهي للبعض، قد يكون قصة كفاح ونضال ومعاناة للبعض الآخر.

 

font change

مقالات ذات صلة