تهديدات بوتين النووية... مخاطر حقيقية تهدد الأمن الدولي

شبح النووي يخيم على كييف التي تواجه حرب استنزاف روسية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

تهديدات بوتين النووية... مخاطر حقيقية تهدد الأمن الدولي

بون: أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية شهر فبراير (شباط) 2022، في الأسبوع الأول من بدء الحرب مع أوكرانيا، بوضع قوات الردع النووي في «نظام خاص للخدمة القتالية»، ربما في إشارة إلى تجهيز قوات نووية تكتيكية. إن المخاطرة التي قد يأمر بها بوتين باستخدام الأسلحة النووية رداً على تدخل الولايات المتحدة أو الناتو يمكن أن تكون لحد الآن منخفضة، لكنها تبقى قائمة ولا يمكن استبعادها. وتؤكد روسيا من جديد حقها في استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا. ويقول السياسي الكبير ديمتري ميدفيديف إن عقيدة موسكو النووية لا تتطلب من الدولة المعادية استخدام مثل هذه الأسلحة أولاً، في الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

أثار الكرملين مرة أخرى شبح استخدام الأسلحة النووية في الحرب مع أوكرانيا حيث سعت القوات الروسية للسيطرة على مدينة رئيسية في جنوب البلاد. وقال ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي الأسبق ونائب رئيس مجلس الأمن في البلاد، إن موسكو يمكن أن تهاجم عدوًا يستخدم الأسلحة التقليدية فقط بينما قال وزير دفاع فلاديمير بوتين إن الاستعداد النووي يمثل أولوية. وفي أعقاب ذلك، قال زيلينسكي: «تتفاخر روسيا عن عمد بأنها تستطيع تدمير أوكرانيا بالأسلحة النووية، ليس فقط أوكرانيا ولكن يمكن أن تدمر العالم بأسره».

 

بوتين لن يتردد في استخدام السلاح النووي

أعطى الرئيس فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من فبراير 2022 تحذيرا مفاده: «بغض النظر عمن يحاول الوقوف في طريقنا أو أكثر من ذلك يخلق تهديدات لبلدنا وشعبنا، يجب أن يعلموا أن روسيا سترد على الفور، وستكون العواقب كما لم ترها في تاريخك بأكمله».

يتم تفسير هذا على نطاق واسع على أنه تهديد باستخدام الأسلحة النووية، وضع بوتين بعد ثلاثة أيام من الحرب قواته النووية على «استعداد قتالي خاص»، على الرغم من أنه لم يشرح ما يعنيه ذلك من الناحية العملية. لا تزال فرص تصعيد المواجهة التي تؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية في أوروبا منخفضة. ومع ذلك، هل ساء الوضع بشكل كبير؟ فهل ستلقي روسيا حقًا بقنبلة نووية على إحدى دول الناتو؟ هل ستستخدم واحدة ضد أوكرانيا؟

الإجابة الحقيقية على هذه الأسئلة تكمن، بالطبع، في ذهن السيد بوتين، وبدون شك، لدى روسيا عقيدة عسكرية من المفترض أن توجه انتشار قواتها النووية مع بدء الحرب. تشير التقديرات إلى أن روسيا اليوم لديها 1588 رأسًا نوويًا منتشرًا و2889 رأسًا احتياطيًا، وهو رقم مماثل لأميركا، وفقا لتقرير «الأيكونومست» بعنوان «هل ستطلق روسيا بالفعل أسلحة نووية؟» الصادر باللغة الإنجليزية يوم 20 مارس 2022.

أشار ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي والرئيس السابق للبلاد في 26 مارس 2022، إلى العقيدة العسكرية عندما عرض المواقف التي قد تدفع روسيا إلى استخدام هذه الأسلحة. وقال ميدفيديف في مقابلة: إنها تشمل «عملًا عدوانيًا [...] ضد روسيا وحلفائها، مما عرض للخطر وجود الدولة نفسها، حتى دون استخدام الأسلحة النووية».

 

أمر بوتين بوضع القوات النووية الاستراتيجية في حالة تأهب خاصة مما أثار قلقاً دولياً كبيراً

 

خيارات استخدام السلاح النووي

ـ استراتيجية لكسب اليد العليا

ـ إجبار الخصم على التراجع، عند تعرضه إلى «خسارة عسكرية»

ـ سلاح الخيار الأخير «دفاع وجودي»

ـ خطأ نووي

هذه ليست التهديدات النووية الأولى من بوتين، قال جيرهارد مانجوت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إنسبروك والذي يركز على العلاقات الأميركية الروسية، إن هذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها بوتين مثل هذه التهديدات. وقال إنه خلال ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، تم وضع القوات النووية الروسية أيضًا في حالة تأهب قصوى. وفقا لتقرير باللغة الإنجليزية بعنوان بوتين يشير إلى هجوم نووي إذا تدخل الغرب في أوكرانيا لموقع «سي بي سي» في 26 فبراير 2022.

ويقول مايكل أوهانلون، زميل أقدم في معهد بروكينغز للأبحاث ومتخصص في استراتيجية الدفاع الأميركية واستخدام القوة العسكرية، إنه يعتقد أن تهديدات بوتين النووية جزء لا يتجزأ من نظرته وأساليبه ونظرته للعالم. وأضاف: «إنه يرى أوكرانيا أساسية بما يكفي للمصالح الروسية لشن هذه الحرب في المقام الأول، وبالتالي فإن التهديدات النووية ليست مفاجأة».

 

اتفاقية ستارت

تنص المعاهدة على إجراء 18 عملية تفتيش في الموقع سنويًا لفرق التفتيش الأميركية والروسية: تركز عمليات التفتيش من النوع الأول على المواقع التي تحتوي على أنظمة استراتيجية منتشرة وغير منتشرة (تصل إلى 10 في السنة)، وتركز عمليات التفتيش من النوع الثاني على المواقع التي لا تحتوي إلا على نشر الأنظمة الاستراتيجية. تشمل أنشطة التفتيش المسموح بها تأكيد عدد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أو الصواريخ الباليستية قصيرة المدى لكل تفتيش من النوع الأول، وإحصاء الأسلحة النووية الموجودة على متن القاذفات الثقيلة أو المرفقة بها، وإحصاء أعداد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والقذائف العابرة للقارات غير المنتشرة، وتأكيد إجراء تحويلات في نظام الأسلحة أو إزالتها بالطريقة المقترحة، وتأكيد عمليات الحذف في المنشأة.

مدة معاهدة «ستارت»: كانت المدة الأصلية للمعاهدة 10 سنوات (حتى 5 فبراير 2021)، مع خيار للأطراف للموافقة على تمديدها لمدة تصل إلى خمس سنوات إضافية، اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد الروسي على تمديد معاهدة ستارت الجديدة لمدة خمس سنوات لإبقائها سارية المفعول حتى 4 فبراير 2026. وتتضمن المعاهدة بند انسحاب يعتبر معيارًا في اتفاقيات الحد من الأسلحة، وفقا لموقع وزارة الخارجية الأميركية الرسمي بتاريخ 2022.

 

حرب النجوم  (SDI)

هي عبارة عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي (SDI)، التي أطلق عليها اسم «برنامج حرب النجوم»، عبارة عن نظام دفاع صاروخي مقترح يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من هجوم بالأسلحة النووية الاستراتيجية الباليستية (صواريخ باليستية عابرة للقارات وصواريخ باليستية تطلق من الغواصات). تم الإعلان عن هذا المفهوم في 23 مارس 1983 من قبل الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، وهو منتقد صريح لمبدأ التدمير المتبادل المؤكد (MAD)، والذي وصفه بأنه «ميثاق انتحار».

دعا ريغان العلماء والمهندسين الأميركيين إلى تطوير نظام يجعل الأسلحة النووية عفا عليها الزمن. تم إنشاء منظمة مبادرة الدفاع الاستراتيجي (SDIO) في عام 1984 داخل وزارة الدفاع الأميركية للإشراف على التطوير. تمت دراسة مجموعة واسعة من مفاهيم الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك الليزر، وأنظمة الصواريخ الأرضية والفضائية، جنبًا إلى جنب مع أجهزة الاستشعار المختلفة، والقيادة والتحكم، وأنظمة الكمبيوتر عالية الأداء التي من شأنها أن تكون هناك حاجة للسيطرة على نظام يتكون من مئات المراكز القتالية والأقمار الصناعية التي تغطي جميع أنحاء العالم وتشارك في معارك محتملة.

تتمتع الولايات المتحدة بميزة كبيرة في مجال أنظمة الدفاع الصاروخي الشاملة المتقدمة من خلال عقود من البحث والاختبار المكثف؛ تم نقل عدد من هذه المفاهيم والتقنيات والرؤى التي تم الحصول عليها إلى برامج لاحقة، وفقا لمعلومات موسوعية عامة.

 

قوافل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا «أهداف مشروعة» لروسيا

من الواضح أن أوكرانيا قد أظهرت مقاومة أفضل بكثير للقوات الروسية مما توقعه الكثيرون ومع ذلك، للاستمرار في القيام بذلك، ستحتاج أوكرانيا إلى مزيد من المساعدة من الغرب- وهذا يجلب معه خطرًا خطيرًا يتمثل في أن الحرب قد تتصاعد ربما لتشمل الناتو.

وحذرت روسيا مرارا الغرب من إرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، قائلة إن قوافل الأسلحة هذه يمكن اعتبارها الآن «أهدافًا مشروعة» للقوات المسلحة الروسية. وقد وجه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف تحذيرا للغرب قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وقال نائب الوزير، بحسب تصريحات نقلتها وزارة الخارجية الروسية: «لقد حذرنا الولايات المتحدة من أن ضخ أوكرانيا بأسلحة من عدد من الدول التي دبرتها ليس مجرد خطوة خطيرة، بل إجراء يحول القوافل المقابلة إلى أهداف مشروعة»، وفقا إلى تقرير وكالة الأنباء الحكومية (تاس) يوم 12 مارس 2022.

 

جندي أوكراني ومدنيون يخلون مدينة إربين الأوكرانية في 13 مارس 2022 (أ.ف.ب)

 

قراءة مستقبلية

انتقلت الحرب من هجوم مصمم للاستيلاء على العاصمة كييف إلى حرب استنزاف تهدف إلى خنق أوكرانيا. في الشمال، تنتقل روسيا إلى تكتيكات الحصار حول كييف، ويبدو أن الخطر المباشر لهزيمة أوكرانيا قد انتهى. ومع ذلك، فقد تبنت روسيا ما يسمى بـ«تكتيكات غروزني» المتمثلة في شن هجمات عشوائية على مناطق مدنية وتدمير شبه كامل للمدن. أما في الجنوب، فتستخدم روسيا مثل هذه الأساليب ضد مدينة ماريوبول، وقد أوشكت على الانتهاء من تعزيز الجسر البري من شبه جزيرة القرم إلى دونباس. وتتجه روسيا إلى أوديسا محاولة منها لإنشاء جسر بري من شبه جزيرة القرم إلى منطقة ترانسنيستريا في مولدوف. بمجرد تحقيق هذه الأهداف، نقدر أن روسيا من المحتمل أن تستقر في حرب استنزاف، وقطع الإمدادات، ومنع الوصول إلى البحر الأسود، وفي النهاية دفع باتجاه تجويع أوكرانيا.

ما تهدف له روسيا في هذه المرحلة هو إيجاد نظام دولي جديد وتغيير البنية الأمنية في أوروبا، وإعادة إنشاء «الاتحاد السوفياتي» من خلال السيطرة على بيلاروسيا وأوكرانيا، وإذا لم يستطع تحقيق ذلك فريما بعد بضع سنوات سيعيد ذات المحاولة من جديد. بات مرجحا، أن يعمل الناتو والغرب على زيادة دعمها العسكري للقوات المسلحة الأوكرانية وفرض عقوبات قوية ضد روسيا، من أجل إضعاف اقتصادها الحربي.

تمتلك روسيا الآلاف من الأسلحة النووية غير الاستراتيجية، والتي تسبب أضرارًا أقل بكثير من الصواريخ الباليستية عابرة للقارات، فهي تعتبرها وسيلة لمواجهة قوة الناتو في الأسلحة التقليدية المتقدمة.

فما زالت هناك مخاطر نووية حقيقية، الأسلحة النووية ليست مجرد أدوات مجردة تهدف إلى ردع العدوان والحفاظ على الاستقرار مع قيام الدول بتحديث وتوسيع ترسانات أسلحتها النووية، وهذا ما دفع الخبراء إلى تحذير العالم من الأسلحة النووية. وبات بالفعل أن استخدام الأسلحة النووية أمر «غير مستبعد» من قبل القادة السياسيين والعسكريين في حرب أوكرانيا.

إن تهديدات بوتين النووية جزء لا يتجزأ من نظرته وأساليبه، بالفعل هناك مخاطر حقيقية يمكن أن يتخذها الصراع نوويًا. فلا تزال فرص تصعيد المواجهة التي تؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية في أوروبا منخفضة.

لقد فشل الردع النووي مرارًا وتكرارًا، مما دفع العالم إلى حافة الهاوية في مناسبات عديدة، لقد حان الوقت للمطالبة بإزالة الأسلحة النووية وإنشاء ترتيبات أمنية مستقرة تستند إلى نظام أمم متحدة رصين يعمل بشكل صحيح ويلتزم بالقانون الدولي.

font change

مقالات ذات صلة