رمضان الإسكندرية يحمل عبق التاريخ وذكريات لا تُنسى

كانت مقصداً لملوك مصر القدامى في الشهر الفضيل

2- ميدان المساجد

رمضان الإسكندرية يحمل عبق التاريخ وذكريات لا تُنسى

الاسكندرية: شهر رمضان المبارك في مدينة الإسكندرية ليس كأي شهرٍ آخر، فقد تزيّنت المدينة بحلة احتفالية استعداداً لاستقبال الشهر الفضيل، وارتدت ساحة المساجد أو «ميدان المساجد» التراثي- الذي يعتبر من أهم وأشهر المناطق التي يغلفها طابع رمضاني خاص ويتوسطها مسجد أبو العباس المرسي- زينة رمضان فتزينت بالفوانيس والإضاءات المميزة لاستقبال المصلين والزوار، كما نصبت الملاهي المخصصة للأطفال لتقدّم عروضها الترفيهية المعتادة خلال الشهر الفضيل.

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك وأمين عام مؤسسة التراث والثقافة والفنون والمتخصص في التراث الدكتور إسلام عاصم، تحدّث إلى «المجلة» عن رمضان في الإسكندرية وجوانبه التاريخية والتراثية وميدان المساجد، فأشار إلى أن الإسكندرية كانت مركز جذب للأئمة في عصور التاريخ، خاصة من بلاد المغرب العربي، إذ قدموا إليها واستقروا بها وأسسوا المساجد التي أصبحت مركزاً للاحتفالات والشعائر الرمضانية حتي وقتنا الحالي وفي مقدمتها مسجد أبو العباس المرسي.

 

ويقول دكتور عاصم إنّ أبو العباس المرسي الذي قدم إلى الإسكندرية في القرن الـ13 الميلادي ولد في الأندلس في إسبانيا وجاء إلى الإسكندرية وعاش ودفن فيها وفي نفس المكان الذي دفن به بني مسجده وأصبح هذا المكان مزاراً لكل الزوار من المغرب العربي ومن كافة مكان.

ويكمل أن أداء الشعائر الرمضانية والدينية لم ينقطع في تلك المنطقة، وعند بناء المسجد استمرت إقامة الشعائر بجواره حيث يتواجد مسجد الإمام البوصيري، وظلت تقرأ قصيدة البردة التي تعد من القصائد الدينية الشهرية وترتبط بالشعائر الدينية في المناسبات المختلفة.

مسجد أبو العباس المرسي

ويضيف أن تاريخ تأسيس ميدان المساجد يعود إلى عصر الملك فؤاد في العشرينيات من القرن الماضي، إذ فكروا في عمل ميدان المساجد، وكان هناك تخطيط جديد للمدينة كلها ومنها حي الأنفوشي والجمرك اللذان يعدان من أقدم المناطق ويضمان معالم تراثية مميزة، فأخذ في التخطيط الجديد كافة المقامات التي تخص الأئمة وتم نقلها إلى ميدان المساجد.

ويكمل: إن جامع البوصيري يمثل أقدم المساجد في هذا المكان وأقامه محمد سعيد باشا ابن محمد علي في منتصف القرن 19 وجامع المرسي أبو العباس، هذا المسجد الحالي تمت إعادة بنائه في عهد الملك فؤاد وبدأ العمل فيه عام 1927 وانتهي في 1945 وبجواره ياقوت العرش الذي تم تجديده في عهد الرئيس السادات وهناك العديد من المقامات وسيدي نصر الدين، وتعد تلك المنطقة من أكثر المناطق التي تمارس فيها الشعائر الرمضانية والدينية والاحتفال بشهر رمضان الكريم، مشيرا إلى أن من أهم وأكبر المساجد التي تقام فيها الشعائر الرمضانية أيضا مسجد سيدي بشر الذي تم تجديده في أيام الخديوي عباس حلمي الثاني، ومسجد العطارين الذي يعد من أكثر المساجد تميزا أيضا.

روحانيات على شاطئ الإسكندرية

 ويؤكد أن الإسكندرية دائما هي مركز لأهل السنة وأسست بها مساجد أعلامهم وتلاميذهم ومنهم أبو العباس المرسي والبوصيري وياقوت العرش، وقد ظلت كذلك حتى خلال العصر الفاطمي مركزا لأهل السنة وأعلام الصوفية.

 ويقول: «على الرغم من أنّ أحياء الإسكندرية كان يسكنها الأجانب ولكن روح رمضان الاحتفالية لم تفارقها يومها، إذ تنتشر في أحيائها موائد الرحمن».

ويضيف أن معظم القصور والفيلات القديمة في المدينة ومنها قصر المجوهرات- والذي يعد درة أثرية وتاريخية تحتضنها الإسكندرية حتى وقتنا الحالي- والذي تعود ملكيته إلى النبيلة فاطمة حيدرفكانت هناك أماكن مخصصة لاستقبال الفقراء لا يستطيع أحد من خارج القصر أن يراهم ويعرف ماذا يقدم لهم أو ما يحدث بالداخل- ويمثل هذا الرعاية والاهتمام في معاملة كل من يحتاج.

وتحدث عن الحياة الملكية في شهر رمضان الكريم في فصل الصيف فيوضح أن الإسكندرية كانت العاصمة الصيفية وعندما يأتي رمضان في فصل الصيف، كانت تخصص له احتفالات خاصة وطابع مميز وكان يأتي ملوك مصر إلى الإسكندرية ويقام إفطار في قصر رأس التين وقصر المنتزه، مع تلاوة كبار المقرئين لآيات القرآن الكريم، وكان يدعى إلى هذا الإفطار جميع الناس وهناك أيام متعددة يحضرها الشخصيات العامه والسفراء والدبلوماسيون وأهالي الإسكندرية، وكان الملك ينزل ليفطر مع العامة وكان ذلك يمثل مناسبة خاصة حيث ينتظر الجميع الإفطار مع الملك.

أبو العباس المرسي صرح أندلسي في الإسكندرية

وهكذا كانت الإسكندرية مركزاً تاريخياً وحضارياً يتزين في رمضان بملامح مميزة جداً عن أي مكان في العالم العربي والاسلامي، فبها مساجد أعلام الصوفية التي تقام فيها الاحتفالات حتى يومنا هذا ويأتيها الجميع من كل مكان.

وعلى مقربة من مسجد أبو العباس المرسي تتواجد أسواق مخصصة تفوح بملامح ومأكولات رمضانية تراثية، فهناك بائعو الفوانيس على اختلاف أشكالها من الفانوس التقليدي الذي يضاء بالشمع والفوانيس بأشكالها الحديثة التي تمثل ألعابا يلهو بها الأطفال.

كما تنتشر الأطعة والياميش من المشمشية والقرصيا وقمر الدين والبلح باختلاف أنواعه ودول منشئه من العراق ومصر وكل مكان في الوطن العربي بالإضافة إلى الكنافة والقطايف التي تمثل طعاما رمضانيا خاصا.

font change

مقالات ذات صلة