باكستان على حافة الهاوية السياسية... تعثرات حكومية وانقسامات حادة

هل التدخل العسكري سيكون السبيل الوحيد للحفاظ على الدولة؟

مجموعة من أنصار حزب إنصاف الحاكم يرددون شعارات تتهم الولايات المتحدة بالتآمر للإطاحة برئيس الوزراء عمران خان (رويترز)

باكستان على حافة الهاوية السياسية... تعثرات حكومية وانقسامات حادة

باكو: في خطوات متسارعة، دخلت باكستان على خط الأزمة التي يعيشها العالم اليوم مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تلك العملية التي تحمل انعكاسات عدة على مختلف دول العالم، إذ سرعان ما ظهرت أولى هذه الانعكاسات فيما تشهده باكستان اليوم من أزمة سياسية بدأت حلقاتها بمطالبة المعارضة في البرلمان الباكستاني بسحب الثقة من رئيس الوزراء المنتخب منذ عام 2018 (عمران خان). وإذا كان صحيحا أن هذه المطالبة لم تتم بسبب الخطوة الاستباقية التي أقدم عليها رئيس الدولة عارف علوي بحل البرلمان بناء على طلب نائب رئيس البرلمان قاسم خان سوري الذي رأس جلسة البرلمان للنظر في طلب سحب الثقة، إذ رأى أن مشروع طرح الثقة كان نتيجة تآمر من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية العليا وبالتالي رفض هذا الطلب مستندا حسب تفسيره إلى المادة الخامسة من الدستور التي تمنع التصويت على أي مشروع قرار لا تتمتع دوافعه بالمصداقية، إلا أنه من الصحيح كذلك أن قرار حل البرلمان لم ينه الأزمة بقدر ما فتح الباب أمام تفاقمها وتشابك أبعادها وتداخل عواملها وأسبابها بشكل يثير كثيرا من الاستفهامات بشأن البحث في جوهر تلك الأسباب والعوامل، وما مسؤولية الحكومة التي يرأسها عمران خان عنها؟ وماذا عن خيارات هذه الحكومة بعد عدم إتمام عملية سحب الثقة؟ وما دور العامل الخارجي وتحديدا الولايات المتحدة فيما يجرى في باكستان؟ هل صحيح أن واشنطن تسعى إلى إسقاط حكومة خان لخروجها عن الطاعة الأميركية والتقرب من روسيا؟ وما دور القضاء في تلك الأزمة بعد أن أصبح لاعبا رئيسيا؟ وماذا عن موقف المؤسسة العسكرية؟

عارف علوي يبدأ تشكيل الحكومة الباكستانية الانتقالية


وفي خضم الإجابة على كل هذه التساؤلات، يستعرض التقرير الأوضاع الباكستانية وتطوراتها السياسية والأمنية من خلال محورين على النحو الآتي:

أولا: الداخل الباكستاني.. أزمات فرضت تحولات
لم تكن الأزمة الأوكرانية بتداعياتها المتعددة على الأوضاع الداخلية في كثير من الدول، وراء التعثرات التي تواجهها الحكومة الباكستانية التي يتولى رئاستها منذ انتخابه عمران خان، وإنما يمكن القول إن تلك الأزمة كانت بمثابة نقطة المياه التي أفاضت الكأس كما يقال أو هي القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث واجهت باكستان كثيرا من التحديات التي فرضتها التحولات العالمية والإقليمية المتسارعة، خاصة تلك المتعلقة بالانسحاب الأميركي غير المدروس من الجار الأفغاني وتسليم الدولة الأفغانية بعد ما يزيد على عشرين عاما إلى حركة طالبان التي كان إسقاط حكوماتها هو الدافع الأول وراء الحرب الأميركية على أفغانستان عام 2001 أي عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر (أيلول). صحيح أن حكومة طالبان بعد استيلائها على الحكم في أفغانستان حرصت على تأكيد أنها لن تسمح باستغلال أراضيها لتهديد أمن الجوار وخاصة باكستان، إلا أن هذه التصريحات لم تجد لها صدى على أرض الواقع، إذ كشفت الممارسات اليومية عن خروقات مستمرة من جانب جماعة طالبان باكستان التي تتخذ من الأراضي الأفغانية مقرا لها تمارس تهديدها ضد الدولة الباكستانية من خلال استعادة ممارسة أنشطتها وخروقها للحدود الدولية لتي تفصل بين الأراضي الباكستانية والأفغانية البالغ طولها 2600 كيلومتر، وتحديدا خط «دوراند» الحدودي الذي يفصل بين القبائل والعشائر والأسر من الأصل العرقي نفسه (البشتون)، وهو الخط الذي لم تقبل بشرعيته أي حكومة أفغانية منذ حكومة المجاهدين في تسعينات القرن الماضى، إذ يرفض الأفغانيون شرعية الحدود الدولية التي رسمتها من وجهة نظرهم الحكومة الاستعمارية البريطانية في القرن التاسع عشر، في حين تؤكد الحكومة الباكستانية دوما على أن هذا الخط الحدودي إنما هو خط حدودي مقدس، ولا يمكن السماح باختراقه على حد ما جاء على لسان المتحدث باسم الجيش الباكستاني في رده على حادثة محاولة حكومة طالبان إزالة السياج من الحدود الدولية التي شيدها جنود الجيش الباكستاني في السنوات الخمس الماضية، إذ أكد أن «دماء الشهداء وصلت إلى أساس هذا السياج، وسوف يتم إتمامها".

الجيش يعتبر نفسه مسؤولاً عن حماية البلاد وهذا يفسر تدخله المستمر في الحياة السياسية (رويترز)


والحقيقة أن مواقف القوى السياسية الباكستانية من تلك الأزمة كانت متقاربة إلى حد  التطابق في معارضة الخطوة الأميركية التي سلمت فيها الجارة الأفغانية إلى حكومة حركة طالبان لتعيد ترتيب الأوضاع الأفغانية بشكل يُذكّر الجميع بما حدث في منتصف تسعينات القرن المنصرم (1996) حينما تولت الحركة السلطة في أفغانستان. صحيح أن الأوضاع اختلفت والمواقف تباينت ولكن جوهر الفكر المهيمن على الحركة وقيادتها لا يزال موجودا مع اختلاف الآليات وتوقيتاتها، إذ بلا شك تعلمت حركة طالبان الدرس جيدا وتحاول أن لا تكرره، فتمارس أساليب مختلفة وتتبنى توجهات ظاهرها مختلف في حين أن جوهرها كما هو لم يختلف، يدلل على ذلك موقفها الأخير من تعليم البنات من خلال إغلاق مدارس التعليم الثانوى للبنات، فضلا عن إغلاق كافة معاهد الموسيقى وتحظر تعليم فنونها.


ومن ثم، لم تخف الحكومة الباكستانية رد فعلها على الخطوة الأميركية، إذ وجدت في التقارب مع موسكو بديلا يمكن أن يعاونها على تجاوز أزماتها الداخلية عبر الاصطفاف مع الجانبين الروسي والصيني في مواجهة حلف الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة وتسعى إلى فرض وجوده على حدود الدولتين الساعيتين إلى الصعود لقمة النظام العالمي في منافسة صريحة لزحزحة الولايات المتحدة عن تربعها على عرش النظام العالمي كقطب أوحد والتوجه نحو تعددية قطبية تحافظ على مصالح الجميع، وقد تجلى هذا التقارب الباكستاني في تلك الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى موسكو يوم بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضى (2022)، معللا موقفه بأن هذه الزيارة كان مخططا لها قبل وقت طويل من بدء العملية العسكرية.


ولكن لم يجد هذا المبرر قبولا لدى المعارضة الباكستانية في الداخل والتي تبنت موقفا أقرب إلى الموقف الغربي، حيث رأت المعارضة في المواقف التالية لرئيس الوزراء ما يؤكد على انحيازه للجانب الروسي، فقد أعلن رفضه إدانة العملية الروسية، بل أكثر من ذلك شن هجوما على وانتقد علنا الدبلوماسيين الغربيين في إسلام آباد حينما أرسل له رسالة مشتركة تطالبه بالتنديد بعدوان موسكو على كييف، فكان رده في خطاب متلفز أمام التجمعات العامة الكبيرة التي نظمها حزبه الحاكم بقوله: «لماذا ندين روسيا؟ هل نحن عبيدكم حتى نفعل ما تقولون؟»، مؤكدا على تبني حكومته موقفا محايدا من تلك الأزمة كما أشار إلى ذلك وزير خارجيته شاه محمود قريشي، أثناء كلمته في مؤتمر أمني دولي منظم في إسلام آباد، إذ أكد على أن «باكستان تتمسك بموقف مبدئي وحيادي في هذا الشأن... ونعتقد أن الحل الدبلوماسي من خلال الحوار والمفاوضات أمر لا غنى عنه- ويجب متابعته على سبيل الأولوية»، رافضا التشكيك أو الانتقاد للموقف الروسي، وهو ما يُعطي مؤشرا حاسما على التقارب الباكستاني الحكومي مع التوجه الروسي، ذلك التقارب الذي كُشف عن تباينه مع موقف الجيش الباكستاني الذي عبر عنه قائده الجنرال قمر جاويد باجوا في حوار أمني دولي جرى في إسلام آباد، وذلك بقوله: «للأسف، الغزو الروسي لأوكرانيا مؤسف للغاية حيث قتل الآلاف من الناس، وأصبح الملايين لاجئين ودُمر نصف أوكرانيا... وأنه على الرغم من المخاوف الأمنية المشروعة لروسيا، لا يمكن التغاضي عن عدوانها على دولة أصغر»، داعيا إلى «دعم حوار عاجل بين جميع الأطراف لحل النزاع». بل مما يلفت الانتباه في تصريحات قائد الجيش أنها كانت أكثر صراحة في التعبير عن تأييد الموقف الغربي بصفة عامة والأميركي على وجه الخصوص، إذ ذكر أن «بلاده تريد توسيع العلاقات الثنائية... نشترك في تاريخ طويل من العلاقات الممتازة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة التي تظل أكبر سوق تصدير لنا... وبالمثل، فإن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والخليج وجنوب شرق آسيا واليابان عوامل حيوية أيضًا لتنميتنا الوطنية وتقدمنا».


ويتجسد هذا الموقف الذي تبنى قائد الجيش تفسيره في ضوء هدفه في بعث رسالة تحذيرية إلى الهند من خطورة إقدامها على شن حرب مع بلاده، وهو ما أكده بقوله: «لقد أعطى هذا دافعا للدول الأصغر التي لا يزال بإمكانها الدفاع عن أراضيها بقوات أصغر ولكن رشيقة ضد عدوان من جانب دولة أكبر من خلال إجراء تحديث انتقائي في المعدات وتبني أفكار نبيلة».


وبعيدًا عن مدى صحة ما يُقدمه كل طرف من تفسيرات، يمكن القول إن ما يجري في باكستان كان واحدا من انعكاسات الأزمة الأوكرانية التي مثلت نقطة فاصلة في التأثير على الداخل الباكستاني الذي واجه بدوره انقساما بين نخبته الحاكمة بقيادة عمران خان وبين مؤسسته العسكرية التي تعلن دوما بعدها عن السياسة، وإن كانت حقيقة الأمر أنها لن ترفع يدها الخفية عن التأثير في العملية السياسية إذا ما وجدت أن ثمة تهديدا للدولة الباكستانية، إذ إنه من غير المقبول من وجهة نظر الجنرالات العسكريين أن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا استشعروا أن ثمة فوضى سياسية يمكن أن تضر بالبلاد أو إذا تهددت مصالحهم الأساسية.

ثانيًا: باكستان والأزمة السياسية... مستقبل غامض
في خطوة استباقية اتخذها رئيس الدولة عارف علوي، وهو منصب شرفي إلى حد كبير (المقرب من حزب عمران خان وهو حزب حركة إنصاف) بحل البرلمان، فقد أدت هذه الخطوة إلى تعطيل جلسة البرلمان المخصصة لسحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان، وهى خطوة- بلا شك- لم تكن صدفة وإنما كانت مدروسة جيدا من جانب الفريق المؤيد لعمران خان، كما أعلن هو قبيل الجلسة البرلمانية أن لديه خطة لإفشال هذا الحراك الموجه ضده، وذلك بعدما أدرك أن الأمر لم يعد تحت السيطرة داخل الجمعية الوطنية (البرلمان)، بسبب انشقاق عدد من الأحزاب عن الائتلاف الحاكم، كان آخرها حزب الحركة القومية المتحدة التي أعلنت عن أن سبعة نواب عنها سينضمون إلى المعارضة في التصويت المتوقع.


ولذا قدم أنصاره مبررات بشأن قرار الحل كما جاء على لسان قاسم سوري رئيس البرلمان المنتمى لحزب عمران خان بقوله إن «المعارضة أعدت خطة سرا مع قوة أجنبية لإزاحة خان». ولكن لم تلق هذه المبررات قبولا لدى المعارضة التي أصرت على ضرورة إتمام عملية سحب الثقة، ولكن قرار الحل أفشل مطلبهم، لتدخل بهذا القرار الأزمة في مسار جديد بعيدا عن مسارها السياسي، صحيح أن أحزاب المعارضة بقيادة شهباز شريف بادرت باتخاذ خطوات سياسية من قبيل تنظيم اعتصام داخل البرلمان رفضا لقرار الحل، مع الإقدام على اتخاذ إجراءات موازية غير رسمية لسحب الثقة، إلا أنه من الصحيح كذلك أن المعارضة كانت مدركة لرمزية مثل هذه الخطوات وعدم فاعليتها، وهو ما دفعها إلى الانتقال بالأزمة من الساحة السياسية إلى الساحة القضائية من خلال رفع دعوى عدم دستورية قرار الحل أمام المحكمة العليا، وهو ما أدخل القضاء في أزمة حملت في جوهرها صراعا سياسيا داخليا مدعوما خارجيا كما يرى ذلك رئيس الوزراء عمران خان، حيث يتهم المؤسسة العسكرية بأنها تتدخل في العملية السياسية وتريد إزاحته عن السلطة من خلال تشجيع المعارضة ضده لدفعه إما إلى الاستقالة أو التصويت بسحب الثقة أو بإجراء انتخابات مبكرة، وإنها بذلك تتفق في توجهاتها مع الموقف الأميركي الذي يسعى لإسقاط حكومته.


ولذا، تقدم بمذكرة احتجاج رسمية إلى السفارة الأميركية في إسلام آباد اعتراضا على التدخل الأميركي في الشؤون الباكستانية، فقد ذكر رئيس الوزراء خان في مقابلة أجرتها معه قناة "آي أر واي نيوز» في أواخر مارس (آذار) الماضي أنه «واضح الآن أن المؤامرة لها صلات خارجية وقدمنا احتجاجاً للسفارة الأميركية»، معللا ذلك بأن: «حكومته لديها برقية دبلوماسية تظهر دليلاً على أن دولة أجنبية تتآمر بمساعدة مجموعات المعارضة لإسقاط حكومته بسبب سعيها لانتهاج سياسة خارجية مستقلة»، في إشارة إلى زيارته السابق الإشارة إليها إلى موسكو مع بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، وقد قُوبلت هذه الاتهامات برفض من جانب الولايات المتحدة الأميركية إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين أنه «لا صحة لهذه المزاعم».


وبعيدا عن مدى صحة هذه الاتهامات من جانب رئيس الوزراء الباكستاني ورد الفعل الأميركي، تظل الأزمة الباكستانية أمام القضاء مرهونة بأربعة مسارات:
الأول، إعادة تشكيل البرلمان.
الثاني، الدعوة إلى انتخابات جديدة، متفقة في ذلك مع قرار رئيس الدولة بحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة خلال 90 يوما.
الثالث، منع خان من الترشح مرة أخرى إذا تبين أنه تصرف بطريقة غير دستورية.
الرابع، تقرر المحكمة أنها لا تستطيع التدخل في الشؤون البرلمانية.
وإن كانت السوابق القضائية الباكستانية لم تحدد متى وكيف ستصدر المحكمة قرارها في شأن مثل هذه القضايا، إلا أن هذه السوابق تعطي دلالات عن القرار المتوقع إصداره، إذ يُذكر أنه في عام 1988، قدم محمد خان جونيجو التماسا إلى المحكمة بعدما حل الجمعية الوطنية رئيس البلاد حينذاك الجنرال ضياء الحق، الذي وصل إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري قبل سنوات على ذلك. وأقرت المحكمة بأنه تم حل حكومته بشكل غير دستوري، لكنها قضت المضي قدما في الانتخابات بما أنه أعلن عنها. وفي عام 1993، قضت المحكمة بأن الرئيس غلام إسحاق خان حل بشكل غير شرعي أيضا الجمعية الوطنية، بينما كان نواز شريف رئيسا للوزراء حينذاك.


ولذا، فإن السوابق تعطينا أن ما ستشهده باكستان خلال الأيام القليلة الماضية، أنها لن تنتظر فصل المحكمة في هذه الدعوى، وإنما ستتجه إلى اختيار رئيس حكومة لتصريف الأعمال، إذ يظل رئيس الوزراء الحالي عمران خان في منصبه بصفة مؤقتة لمدة أسبوعين آخرين، لحين قيام رئيس الدولة بمطالبة كل من عمران خان وزعيم المعارضة شهباز شريف بترشيح أسماء لاختيار رئيس لحكومة تصريف أعمال تتولى تنظيم الانتخابات، وفي حالة عدم اتفاقهما (خان وشريف) على الاسم في غضون ثلاثة أيام، يعود اختيار المرشح للجنة من ثمانية أعضاء في البرلمان. وما يدلل على احتمالية السير في هذا الاتجاه ما طالب به الرئيس الباكستاني في السادس من أبريل (نيسان) الجاري من لجنة الانتخابات، وتحديد موعد لإجراء انتخابات وطنية جديدة. وهو ما يعني أن حكم المحكمة حينما سيصدر لن يختلف عن سابقيه، إذ من المنتظر أن يقضي هذا الحكم بأن حل الحكومة تم بشكل غير دستوري، مع المضي قدما في الانتخابات بما أنه قد أُعلن عنها، وذلك على غرار ما حدث عام 1988، وهذا السيناريو ما أراده عمران خان ويتفق فيه مع توجهات المعارضة بالعودة إلى صناديق الانتخابات وإن اختلفت دوافع كل منهما، ولكن يظل هذا هو الشكل الذي تعودت عليه باكستان في عدم اكتمال أي رئيس وزراء فترة حكمه كاملة وكأننا إزاء عرف قانوني في الحياة السياسية الباكستانية.


وغني عن القول إن هذا النموذج الباكستاني في إدارة العلاقة بين الحكومة والمعارضة رغم أنه يُكلف البلاد آلاف الروبيات في العملية الانتخابية التي تتكرر قبل استحقاقها الدستوري، فضلا عن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تؤثر على مجريات شؤون حياة المواطنين، إلا أن هذا النموذج يظل في خطورته أقل حدة على تماسك الدولة الباكستانية مقارنة بحالة ما شهدته بعض الدولة العربية حينما دخلت في أتون تظاهرات شعبية قضت على الأخضر واليابس وفككت مؤسسات الدولة تحت شعارات مضللة، دفع ثمنها المواطن في هذه الدول، وهو ما يجعل من الجيش الباكستاني حتى اليوم رمانة الميزان في ضبط العلاقة بين الفرقاء السياسيين رغم إعلانه كما سبق عن عدم تدخله في العملية السياسية، إلا أن الواقع يؤكد أنه لم يغب عن تفاصيلها إذا ما كانت ستؤدي إلى تفكك الدولة وتفشي الفوضى، وهذا ما لم ولن يسمح به الجيش الباكستاني منذ تأسيس الدولة في نهاية أربعينيات القرن المنصرم.


خلاصة القول إن الأزمة التي تعيشها باكستان اليوم اعتمدت في إدارتها على الأدوات السياسية بدءا من دعوة المعارضة لسحب الثقة من رئيس الحكومة مرورا بدعوة رئيس الحكومة للشباب للنزول إلى الشارع والتظاهر تأييدا له، وصولا إلى الخطوة الاستباقية بحل البرلمان قبيل بدء عملية طرح الثقة، إلا أنها في النهاية مع إخفاق كل هذه الأدوات في التوصل إلى حلول مرضية للجميع، كانت الساحة القضائية هي المحطة التالية للبحث في كيفية إيجاد حل لها قبل تعقيدها، بما ينذر بأنه في حالة الإخفاق، ستصبح الأداة العسكرية عبر تدخل المؤسسة العسكرية هي السبيل الوحيد للحفاظ على الدولة الباكستانية على غرار ما كان يجري مسبقا، وحينها ستراوح الأزمة مكانها حينا من الدهر لحين استعادة المسار الديمقراطي إذا رأى القائمون على المؤسسة العسكرية أن الظروف والأوضاع أضحت مهيأة لاستعادة الحياة السياسية بشكلها الطبيعي في ظل تكالب الأزمات وتزايد التحديات التي يدفع ثمنها المواطن الباكستاني في ضوء تداعيات تلك الأزمات والتحديات على مستويات معيشته التي شهدت تراجعا كبيرا خلال الأعوام الثلاثة الماضية منذ تفشي جائحة كوفيد-19 وتداعياتها، ثم تأتي الأزمة الأوكرانية الروسية بتداعيات تزيد العبء مضاعفا على كاهله. ومن ثم، يصبح التساؤل: من المسؤول عما تعانيه الشعوب إذا ما تزايدت الأزمات، وأخفقت القيادات، وتصارعت النخب على الفوز بالسلطة؟

font change