40 % من اللبنانيين لم يحسموا خياراتهم الانتخابية... تصويت «ثأري» أم تجديد للمنظومة؟

حضور لافت للمجتمع المدني في المعركة النيابية

الانتخابات النيابية في لبنان: 718 مرشحاً يتنافسون على 128 مقعداً

40 % من اللبنانيين لم يحسموا خياراتهم الانتخابية... تصويت «ثأري» أم تجديد للمنظومة؟

بيروت: بعد ثلاث سنوات على أسوأ أزمة مالية ومعيشية تمر على لبنان، تستعد البلاد إلى استحقاق نيابي في 15 مايو (أيار) المقبل، تاريخ يحمل في طياته منعطفات كبيرة وتحديات جمة أمام الشعب اللبناني الذي أصبح معنيا أكثر من أي وقت مضى بقلب الطاولة وإحداث تغييرات جذرية في المعترك السياسي من خلال صناديق الاقتراع، وذلك بعد الذل الذي لم يشهد اللبنانيون له مثيلا أمام المصارف ومحطات الوقود ولأفران ومحلات السوبر ماركت...


وعلى الرغم من أن معركة الخامس عشر من مايو يجب أن تكون معركة الأخذ بالثأر ممن حرموا الأطفال من الحليب، وممن حرموا المريض من الدواء والاستشفاء، وممن أفرغوا ثلاجات المنازل من الأطعمة، إلا أنه لا شيء محسوم حتى الساعة.


فقبيل أسابيع قليلة على الانتخابات البرلمانية، رسمت اللوائح المسجلة في 15 دائرة انتخابية خريطة التحالفات والمعركة، التي حافظت على بعض الثوابت إلا أنها في الوقت نفسه أرست الكثير من التحولات، قد تدفع البلاد نحو معبرٍ مفصلي جديد وربما مفاجآت ليست في الحسبان. مع العلم أنه لأول مرة، تخوض قوى المعارضة المنبثقة من «حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019»، الانتخابات بعدد لا بأس به من اللوائح.

40 في المائة لم يحسموا خياراتهم
وبين أصحاب نظرية عودة الطاقم النيابي نفسه، والمتفائلين بإمكانية نجاح المجتمع المدني والمجموعات المستقلة بخرق المشهد السياسي ونزع بعض المقاعد من أهل السلطة، كشفت المؤسسة الدولية للمعلومات أن «40 في المائة من المواطنات والمواطنين اللبنانيين لم يحسموا خياراتهم بعد، بالنسبة للانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في 15 مايو المُقبل»، وهي نسبة لا يجدر الاستهانة بها، لكونها تعكس المزاج الشعبي لدى جزء كبير من المواطنين الذين أحبطهم حال البلاد والعباد، ويئسوا من إمكانية التغيير، أو أنهم لم يجدوا بعد البديل المناسب، ما يعني حسب المؤسسة، أنه لا يمكن التسرع بتوقع النتائج.


الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، أوضح لمجلة «المجلة» أن الـ40 في المائة ممن لم يحسموا قرارهم بعد، هم ليسوا بالضرورة من المقاطعين بل قرروا المشاركة ولكن لم يحددوا خيارهم بعد»، مشيرا إلى أن «هذا الأمر قد يفسح المجال للمال الانتخابي، ما قد يؤثر على عملية الاقتراع، لذا من المبكر حسبان نتيجة الانتخابات»، مشددا على أنه «بشكل عام هذه النسبة كبيرة جدا».  

محمد شمس الدين


أما عن نسبة المقاطعين، فحتى الآن من المبكر حسم نسبتهم، ويمكن أن تكون النسبة كبيرة حاليا وتعود لتنخفض عند موعد الانتخاب، لذا بحسب شمس الدين فالأهم هو نسبة الذين قرروا المشاركة ولكن لم يحددوا خياراتهم.


إلى ذلك، رأى أن «ثمة تبدل في مزاج الرأي العام، فقد تشهد البلاد تغييرات وتحولات كبيرة، ولكن لا يمكن حسم إمكانية عودة الطاقم السياسي نفسه أو حدوث تغييرات كبيرة، لذلك يجب التأني والانتظار قبل وضع الاستنتاجات».


من جهة ثانية، رأى الصحافي والمحلل السياسي أسعد بشارة، في حديث لـ«المجلة»، أن «هذا رقم لافت لأنه إذا اعتبرنا أن 40 في المائة من القوة الناخبة لم تحسم خيارها بعد، يعني أنها لا تتجه إلى التصويت للمنظومة في كل الدوائر، وبالتالي إذا صحّ هذا الرقم نكون متجهين إلى توقع مفاجأة غير محسوبة».

الصحافي والمحلل السياسي أسعد بشارة


وأشار إلى أنه «إذا ما صوتت كتلة بهذا الحجم تصويتا عقابيا من المنظومة أيا كان الصوت الذي ستعطيه بالمقابل، نكون عندئذ على أبواب حصول تغيير حقيقي في الانتخابات بنسبة من 30 إلى 35 في المائة من البرلمان المقبل»، لافتا إلى أن «هذه النسبة إذا حصلت تعطي أملا وتؤهل لتغيير حقيقي مقبل».

103 لوائح انتخابية!
وأمام نسبة الـ40 في المائة ممن لم يحسموا خيارهم بالنسبة للانتخابات، كان اللافت من جهة ثانية ارتفاع عدد اللوائح الانتخابية عن سنة 2018 بـ28 لائحة إضافية، إذ أقفل يوم الاثنين في 4 أبريل (نيسان) 2022 باب تسجيل اللوائح الانتخابية التي ستخوض الانتخابات على 103 لوائح ضمت 718 مرشحاً مقارنة بـ 77 لائحة ضمت 597 مرشحاً في انتخابات العام 2018.


إذن، هذه الأرقام تعكس أنه إلى جانب ارتباك 40 في المائة من الناخبين، ثمة نسبة لا بأس بها من المواطنين قرروا خوض الاستحقاق عبر الترشح والسعي لدخول المعترك السياسي، ولكن هل المرشحون الإضافيون هم من أهل السلطة أو من المجتمع المدني، كيف سيترجم هذا الأمر في صناديق الاقتراع؟

جدول يبين عدد اللوائح التي سجلت في انتخابات العامين 2018-2022 وتوزعها على الدوائر


 يلفت شمس الدين إلى أن «ثمة 56 لائحة للمجتمع المدني من أصل 103، وهو رقم كبير، يعكس تشتتا من شأنه أن ينعكس سلبيا على فرص المجتمع المدني من إحداث خرق».


ويتحفظ شمس الدين عن توقع المشهد الانتخابي، لكنه يشدد على «وجود تحولات كبيرة، في ظل هذا العدد الكبير من المرشحين واللوائح الانتخابية ما يعكس أن ثمة أمرا جديدا قد يطرأ على المعركة الانتخابية، ولكن من الصعب توقعه»، ويسأل: «هل يبقى المشهد السياسي نفسه، أو يشهد تغييرات؟ لا يمكن الحسم وغير ذلك يكون تنجيما».

هل ستحمل هذه الانتخابات تغييرات؟
بشكل عام تخوض قوى التغيير الانتخابات بلوائح موحدة في مختلف الدوائر، رغم أن مجموعات صغيرة فضلت تشكيل لوائح مستقلة، أما على مستوى الأحزاب السياسية فقد شهدت اللوائح تبدلاً بالتحالفات وانسحاب تيار المستقبل من الانتخابات، الذي تحالف مع التيار الوطني الحر في أكثر من دائرة في العام 2018.


فعلى الرغم من أن تيار المستقبل يغيب لأول مرة عن الاستحقاق الانتخابي، كما تغيب عنه قيادات الصف الأول لدى الطائفة السنية، سجّلت الدوائر ذات الغالبية السُنية كثافة ملحوظة بتشكيل اللوائح، فقد بلغت في دائرة الشمال الثانية (تضم طرابلس والمنية والضنية) العدد الأعلى بـ11 لائحة، وهذا من شأنه أن يصعّب إمكانية توقع النتائج في هذه الدوائر.


إلى ذلك، تشتد المعركة في الدوائر التي تحضر فيها القوى السياسية المسيحية، بينما تبدو أكثر انضباطا في الدوائر التي يحضر فيها الثنائي حزب الله، وحركة أمل.


إذ بقيت لوائح الثنائي الشيعي كما هي في الانتخابات السابقة مع تغيير طفيف في بعض الوجوه في النبطية وبنت جبيل في الجنوب، وزحلة في البقاع، وكذلك لوائح التيار الوطني الحر التي بقيت كما كانت في السابق، مع تغيير طفيف في الوجوه شهد استبعاد بعض المرشحين مثل ماريو عون وحكمت ديب وروجيه عازار. فيما لوائح القوات اللبنانية شهدت تبدلاً كبيراً في أسماء مرشحيها بمختلف الدوائر من الشمال إلى بيروت.


وبرأي بشارة، أنه «إلى الآن ليس هناك ما يوحي بأن هناك تغييرا حقيقيا سوف ينتج عن الانتخابات النيابية، للأسف تمت إعادة إرساء المعادلة القديمة في الانتخابات بحيث إن كل بيئة يكاد يتم إقفالها من قبل أمراء الطوائف وأركان المنظومة، طبعا بقيادة ورعاية حزب الله».


وتوقع أن تشهد البيئة المسيحية بعض التغييرات وكذلك السنية، وإلى حد ما في البيئة الدرزية، ولكن في البيئة الشيعية هناك شبه إقفال للدوائر عبر تجديد التحالف بين الثنائي حزب الله وحركة أمل.


وبالنسبة لقوى المجتمع المدني وقوى التغيير، قال بشارة إنها «لم تقدم مشروعا موحدا وتشتتت، هذا ما سيساهم في إضعافها أكثر وأكثر، والأخطر أن هذا سيساهم في زيادة منسوب التشاؤم لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين كانت تريد أن تترجم هذا التغيير في الصناديق»، مضيفا: «لذا لبنان أمام إعادة تجديد للمنظومة باستثناء بعض الدوائر والمناطق التي قد نشهد فيها خروقات».


وعن عزوف تيار المستقبل وتأثيره على المشهد السياسي، قال إنه «أنتج فوضى في بيئة المستقبل وهذه الفوضى لن يستطع أحد تجاوزها، وبالتالي قبل شهر من إجراء الانتخابات الصورة لم تصبح بعد واضحة في الدوائر ذات الأكثرية السنية».


وتابع: «انسحاب المستقبل ودعوته للمقاطعة أثرت كثيرا، علما أن هذه الدعوة ليست قابلة للتطبيق بشكل عملي كلما اقتربنا من موعد الاستحقاق، ولكن بالتأكيد هناك فوضى وضبابية في الصورة»، مشيرا إلى «سعي حزب الله لاقتناص أكبر عدد ممكن من النواب السنّة الـ27 في كل الدوائر».


وعن إمكانية التعويل على انعكاس معاناة الشعب اللبناني من الأزمات الاقتصادية والمعيشية على خياراتهم في صناديق الاقتراع عبر التغلب على الانتماء الطائفي والحزبي والتغيير، قال بشارة إن «هذه الانتخابات هي اختبار كبير للبنانيين، ونكاد نقول إن ما بعدها ليس كما قبلها، من زاوية أن ظهور النتائج عبر إعادة التجديد للمنظومة يعطي جوابا شبه نهائي، بأن هذا هو تصويت اللبنانيين وعلينا أن نقبل الواقع كما هو».


وأضاف: «إذا ما حصل هذا الأمر يكون اللبنانيون أو الأغلبية التي صوتت منهم للمنظومة هي المسؤولة عما أصابها وما سوف يصيبها»، مؤكدا: «لن نغفل أن هذه المنظومة شرسة بشكل كبير، وهي تحاول منذ 2019 حتى اليوم أن تطفئ أي أمل في التغيير أو أي أمل بحصول ثورة وانتفاضة تؤدي إلى تحقيق نتائج، فما حصل منذ ثورة 17 تشرين 2019 هو عملية رفض كبيرة وواضحة ولكنها لم تترجم إلى الآن إلى نتائج عملية، عبر قيادة مشروع تغييري».


وفي جميع الأحوال ستحمل الانتخابات النيابية مفاجآت، إن كان التصويت لصالح التغيير والتجديد من جهة، وإن كان أيضا لصالح المنظومة السياسية من جهة ثانية، لأنه ليس من السهل أن يعاود المواطن انتخاب جلاده مرة جديدة بالرغم مما مرّ وما سوف يمرّ به من أزمات فقر وعوز وجوع.

font change