«حزب الله» بعد أوباما... انتهاء شهر العسل

«حزب الله» بعد أوباما... انتهاء شهر العسل


يتساءل الكثير في لبنان والمنطقة ماذا تحضّر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمواجهة إيران في المنطقة بسبب تصريحات الكثير من المسؤولين الأميركيين المناهضة لإيران و«حزب الله»، وبشكل رئيسي بعد الضربة العسكرية الأميركية في سوريا.
وعلى الرغم من أن الاستراتيجية التي ستتبعها الإدارة الأميركية ما زالت غير واضحة - وذلك إن اتبعت استراتيجية شاملة - لإيران أو للشرق الأوسط بشكلٍ عام وبغض النظر عن النتيجة، هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن شهر العسل الذي تمتعت به إيران خلال عهد أوباما قد انتهى. وبالتالي فإن على إيران، وبالتالي «حزب الله»، الاستيقاظ ومواجهة الواقع الجديد وغير السار.

الولايات المتحدة تبحث عن طرق لمواجهة إيران في المنطقة سواء من خلال شن ضربات أو فرض عقوبات أو بذل جهود دبلوماسية ضد إيران وحلفائها في المنطقة. فيقوم الكونغرس الأميركي مثلاً بالنظر في فرض عقوبات إضافية وشديدة على «حزب الله»، وقد تم بالفعل القبض على قاسم تاج الدين - أحد ممولي «حزب الله» الرئيسيين الذي أُدرِج اسمه في اللائحة السوداء لوزارة الخزانة الأميركية في 2009 - في المغرب وإرساله إلى الولايات المتحدة. هذه التدابير وغيرها قد لا تجبر إيران على الخروج من سوريا ولبنان والعراق واليمن ولكنها تستطيع حصر عملياتها في المنطقة.
وتحاول إيران اليوم تحقيق أقصى قدر من مكاسبها وترجمة تقدمها إلى واقع طويل الأمد في المنطقة وذلك لمعرفتها بأن قواتها وميليشياتها ستواجه المزيد من التحديات في سوريا وربما العراق.
وإحدى السبل التي اتبعتها إيران لإثبات وتأسيس وجودها هي إنشاء منطقة آمنة بحكم الأمر الواقع تحت سيطرة «حزب الله» بين دمشق وحدود لبنان. ولكن قد يكون لبنان المكان الوحيد الذي يمكن لإيران استغلال هذه المكاسب فيه على مستوى أعلى واستخدامها لخلق بيئة مناسبة تسمح لـ«حزب الله» باستكمال سيطرته على جميع مؤسسات الدولة وقراراتها في لبنان. لبنان، أو الرقة الشيعية، ستكون الفناء الخلفي الآمن والدائم للجيش الإيراني.
يعلم «حزب الله» أنه لن يحقق الانتصار الكامل والاستراتيجي في سوريا بالطريقة التي كان يأمل بها عندما دخل سوريا أول مرةٍ، وإيران تدرك تعقيدات العراق واستحالة قدرتها على السيطرة على جميع مؤسسات الدولة كما يفعل «حزب الله» في لبنان.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تزيد من ضرباتها ضد «حزب الله» في سوريا، وآخرها كان شن ضربة على مستودعات الأسلحة التابعة لـ«حزب الله» بالقرب من مطار دمشق.

وعلى الصعيد السياسي، تجري مفاوضات ومحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا، وروسيا وتركيا، وتركيا والسعودية، وروسيا وإسرائيل، حيث يتم اقتراح الصفقات ومناقشتها، وكل ذلك في حين أن إيران تبتعد أكثر فأكثر عن هذه المفاوضات وتعاني المزيد من العزلة. وهم يعرفون أن نتائج هذه المفاوضات الدولية لن تكون لصالح الأسد أو أي من شركاء إيران الآخرين. ستحدث أمور وقريباً ستدقق المنطقة أكثر على إيران. وبالتالي، فإن «حزب الله» لن يضيع الفرصة التي تتيحها الانتخابات البرلمانية المقبلة في لبنان لحماية سلطته على لبنان وضمان سيطرة الحزب على مؤسسات البلد.
وسيحدد القانون الانتخابي، الذي يسبب نقاشاً ساخناً اليوم في لبنان، البرلمان الجديد وبالتالي يمكن للحكومة الجديدة أن تكون إحدى وسائل إنشاء وضمان تلك السيطرة.
ولا يستطيع «حزب الله» تحمل المخاطرة بسيطرته على مؤسسات الدولة في لبنان، ويجب أن تكون إيران هي من يعطي القرار الرئيسي عندما يتعلق الأمر بقرارات لبنان الأمنية والعسكرية. ويعتبر القانون الانتخابي الجديد حيوياً لـ«حزب الله» لأنه سيحدد كل ذلك.

ومنذ انسحاب الجيش السوري من لبنان في 2005، أجريت انتخابات برلمانية في 2005 وأخرى في 2009. وفي المرتين فاز بهذه الانتخابات فريق 14 آذار، وهو المعسكر السياسي المناهض لـ«حزب الله»، وتمكن من تشكيل حكومة. ولكن في كلتا الحالتين، كان على «حزب الله» اللجوء إلى العنف أو التهديد بالعنف لتغيير نتائج الانتخابات البرلمانية الديمقراطية.
في المرة الأولى، شكل «حزب الله» أكبر وأطول اعتصام في وسط بيروت لمدة عام ونصف العام، والذي انتهى فقط مع «أحداث 7 أيار» من عام 2008 واتفاق الدوحة الذي أسفر عن إنشاء «حكومة الوحدة الوطنية».
وأزال هذا الاتفاق حكومة «14 آذار» واستبدلها بحكومة لا تستطيع الحكم. وفي المرة الثانية، أطاح «حزب الله» بحكومة رئيس الوزراء سعد الحريري وهدد بظاهرة «القمصان السود» - التي تظهر إمكانية تكرار «أحداث 7 أيار» - وجعلت حليفها السابق نجيب ميقاتي يشكل حكومة جديدة. وهذه المرة لا يريد «حزب الله» المخاطرة بالخسارة بعد الآن.
إن مرشحي «حزب الله» وحركة أمل سيفوزان بغض النظر عن القانون وذلك ببساطة لأن المجتمع الموال لحزب الله ليس لديه بديل سياسي آخر. ولذلك، مهما كان مستوى عدم الرضا بين انصار نصر الله عالياً فإنهم سيفوزون لا محالة. وما يثير قلق «حزب الله» فعلياً هو حلفاؤه السنة والمسيحيون والدروز. وقد خسر هؤلاء عموماً الانتخابات البرلمانية لعامي 2005 و2009، و«حزب الله» مشغول جداً في المنطقة ولا يمتلك الوقت للقيام بانقلابٍ آخر ضد خصومه في حال فوزهم.
أما على صعيد الخدمات اللوجيستية، فكان من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية بين 21 مايو (أيار) و21 يونيو (حزيران)، بيد أن أزمة قانون الانتخابات الجديد ستؤدي حتماً إلى تأجيلها. والمشكلة هي أن البرلمان مدد ولايته مرتين في 2013 و2014 بسبب المخاوف الأمنية.

وسيكون من الصعب جداً تمديد فترة البرلمان للمرة الثالثة، ولكن الأيام الأخيرة شهدت تقدماً في التوافق بين القادة السياسيين على قانون انتخاب جديد على أساس النسبية الكاملة وفق 15 دائرة مع الصوت التفضيلي على أساس القضاء، ومن المفترض أن يبصر النور في الأيام القليلة المقبلة. وذلك بعدما أقدم الرئيس اللبناني ميشال عون وفي أبريل (نيسان)، على تعليق البرلمان لمدة شهر لعرقلة خطط تمديد ولاية المجلس دون انتخابات للمرة الثالثة بهدف دفع السياسيين إلى الاتفاق على إصلاحات قانون الانتخابات. ولكن ارتفاع أسهم الاتفاق على قانون جديد سيحتم على المسؤولين إقرار تمديد تقني للمجلس النيابي الحالي لمدة لا تقل عن 7 أشهر بحسب تصريح وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق الذي أكّد أن الوزارة تحتاج إلى 6 أو 7 أشهر كحد أدنى للتحضير لإجراء الانتخابات النيابية وفق القانون الجديد.
هذه المرة الانتخابات بالنسبة لـ«حزب الله» أكثر حيوية ووجودية من أي وقت مضى، لذلك فإن «حزب الله» عرقل مرور كل قانون كان من شأنه أن يعرض حلفاءه للخطر وأصرّ على النسبية التي يحتفي بها حلفاؤه اليوم لأنها ستؤمن صحة التمثيل بحسب تصريحاتهم.

يحتاج «حزب الله» أن يكون لبنان مكانه الآمن والاستيعابي للعودة إليه في حال تدهورت الأوضاع في سوريا. كما أن إيران تحتاج إلى لبنان حيث يمكن لها أن تهدد وتشن حرباً منه ضد إسرائيل عندما تجد الوقت مناسباً.
لا ينبغي على لبنان ومؤسسات الدولة والشعب اللبناني أن يكونوا قادرين على الرفض. ولكن، وبالنظر إلى الصورة الأكبر، يرتبط لبنان اليوم جغرافياً بالمناطق الخاضعة لسيطرة «حزب الله» في سوريا. بعد إبرام الصفقات على الزبداني ومضايا الشهر الماضي فإن معظم المناطق الواقعة بين دمشق والحدود اللبنانية لم تصبح فقط تحت سيطرة «حزب الله» بل أيضاً تغيرت ديموغرافياً. أجبر السنة على الخروج من بيوتهم لإعطائها للشيعة. والهيمنة السياسية والديموغرافية في هذه المنطقة وارتباطها المستمر بلبنان تجعل «حزب الله» أقوى في لبنان. أي إذا تحولت الانتخابات لصالح «حزب الله».
هذه لحظة حاسمة وجوهرية جدًا بالنسبة للبنان والقرارات المقبلة بشأن قانون الانتخابات قد تغير المشهد السياسي في لبنان للأسوأ. ولا يبدو أن المجتمع الدولي يهتم بلبنان ولا سيما عندما يتعلق الأمر بهذه المسألة بالذات؛ إذ إن الاهتمام الدولي ينصب على القضايا الأمنية والحفاظ على استقرار لبنان. ولكن بعد أن يفرض «حزب الله» قانونه الذي يرغب فيه، وبالتالي النتائج الانتخابية والبرلمان، سيبدو لبنان مثل مستعمرة إيرانية، وهذا لا يمكن بالضرورة أن يوصف بأنه استقرار.
font change