نجاة مکي: الفن جزء من تكويني النفسي والروحي

لوحاتها مثل نسيج كثيف ومتماسك من الألوان الغنية

نجاة مکي: الفن جزء من تكويني النفسي والروحي

تخرجت نجاة مكي في كلية الفنون الجميلة في القاهرة سنة 1982 وحصلت على درجة الدكتوراه في الفنون الجميلة سنة 2001، وشاركت في المعارض المحلية والعربية والعالمية، وأقامت في مدينة الفنون العالمية في باريس مدة أربعة شهور.

نجاة مكي فنانة اهتمت بالإيقاع اللوني والشكلي وركزت في أعمالها الفنية على النمط التعبيري الرمزي كما كان للزمان والمكان حضور مباشر وقوي في بداية مشوارها الفني، وبمرور الوقت أخذت منحنىً آخر من خلال عناصر التكوين وارتباطها مع بعضها البعض وذلك في تجريد إيقاعي متناغم ، ظهرت لها عدة تجارب منها تجربة الألوان الفسفورية التي بدأتها سنة 1989 في أول معرض احتضنه نادي الوصل في دبي، أما المرأة فلها حضورها المباشر والقوي في أعمالها الفنية، لها تجارب في دراسة بعض الخامات بتقنيات مختلفة ظهرت من خلال أعمالها الفنية، جسدت بعض الأعمال من المكتشفات الآثارية لمناطق في دولة الإمارات العربية المتحدة وذلك من خلال معرض خاص احتضنه متحف الآثار في الشارقة عام 2006.

أقامت في مدينة الفنون العالمية في باريس مدة أربعة شهور بدعم من مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعى سنة 2012، خلال تواجدها نفذت عددا من التجارب والورش الفنية، بالإضافة إلى تجربة أخرى وهي المزاوجة بين الشعر والتشكيل مع شاعر فرنسي، كما حصلت على إقامة فنية لمدة ثلاثة أسابيع في مدينة دسلدوف (ألمانيا) لتنفيد عدة تجارب في الطباعة الحريرية.

تتحدث نجاة عن طفولتها في مسقط رأسها دبي، فتقول:

سأتكلم عن مسيرتي الفنية والتي بدأتها من خلال المحيط الذي ولدت به، حيث كانت البيئة مليئة بالمثيرات البصرية التي كانت دائما أمام عيني. ولدت في بيت جدي في دبي القديمة وترعرت في محيط عائلي. بيتنا كان قريباً من خور دبي والسوق الكبيرة. فتحت عيني على جمال البحر وإيقاع البشر وهم يعبرون في القوارب الصغيرة بين دبي وديرة، بدأت وأنا طفلة في منزلي أشخبط على الجدران وأرسم على الرمل بيدي أشكالاً ودوائر ثم أمسحها. شعرت بقيمة ما أقوم به عندما بدأت في المدرسة من خلال مدرستي التي كانت تهتم برسوماتي كثيرا وجعلتني قدوة لبنات صفي... القرار جاء في المرحلة الإعدادية وإصراري على مواصلة الطريق في الفن من خلال التحاقي بمعهد أو كلية أكاديمية.

وعن علاقتها بالفن تقول:

الفن بالنسبة لي معايشة، فهو جزء من تكويني النفسي والروحي، وعلاقتي مع الآخرين، إذ إن لكل إنسان إيقاعا مميزا وخاصا. فأنا كبقية البشر لي إيقاعي الخاص بي. اتخذت في أعمالي تشكيلات رمزية مختلفة ومتنوعة منها الدائرة بما بها من تضاد حركة- استمرار- سكون. تلك الحلقة الدائرية ليست مجرد مساحة خاوية، إنها تعني قرص الشمس المشع على الكون والحياة. هذا القرص شبيه بعطاء المرأة، من حيث إن عطاءها مستمر وليس له حدود. الدائرة وضعتها هنا ترمز للمرأة، هي الوطن وهي الأم وهي الأخت، ثابتة ومتحركة في نفس الوقت، نستقي منها الحب والحنان والرعاية. استخدام الدائرة تعبير عن تغيير المفاهيم للثقافة البصرية السائدة.

وعندما تتغير عناصر اللوحة فهي تدخل في العمل الذهني الذي يساعد في الوصول بالعمل الفني إلى مراحل متطورة.

تواصل الفنانة المقيمة في دبي حديثها:

وفي المرحلة المتوسطة والثانوية كنت أشارك في المعارض المدرسية على مستوى المنطقة، وبعد تكملة الدراسة التحقت بكلية الفنون الجميلة في القاهرة حيث أمضيت خمس سنوات من عمري في بحث متواصل من التجريب والمحاكاة، وقد تم ترشيحي من قبل إدارة الجمعية في معرض خارجي إلى العاصة دلهي مع الزميل عبد الرحيم سالم، والفنان محمد القصاب، والفنان دكتور عبد الكريم السيد، وكانت هذه أولى الخطوات للمعارض الخارجية وبعد ذلك اشتركت في معارض عديدة خارج دولة الإمارات بعضها تم تنظيمه من قبل الجمعية والبعض الآخر نظم من خلال وزارة الإعلام والثقافة لحكومة أبوظبي. ومن خلال تلك المعارض اكتسبت خبرة فنية من أهمها تعرفت على عدد كبير من الفنانين وعلى أساليبهم الفنية كما تعرقت على الاتجاهات الفنية المتعددة التى طرحت لأعمال فنية متنوعة وكانت هذه المعارض فرصة لتبادل الحوار ومناقشة بعض القضايا الفنية على شكل حوارات متبادلة تسودها حرية الفكر والرأي وكان للفنان حسن شريف دور بارز في طرح الكثير من القضايا الفنية وفتح باب الحوار للمناقشة وذلك من خلال الندوات الفنية والتعريف بالمدارس والأنماط السائدة على الساحة، وفي سنة 1987 أقمت أول معرض لي في نادي الوصل بدبي، ومن خلال هذا المعرض طرحت عدة تجارب ومحاولات وأهمها استخدام المواد الشعبية التراثية في الأعمال الفنية، مثل (الحنة والزعفران والورس لما لهذه المواد من ارتباط بالبيئة من ناحية وبالمرأة، فضلاً عن أنها تعتبر من مواد الزينة والتجميل حاولت توظيفها في عمل فني يحمل مضموناً ثراثياً كما استخدمت قطع الخشب في تركيبات هندسية وفي بعض الأعمال قمت باستخدام بقايا الأقمشة والورق بطريقة الكولاج، وهناك محاولة تعتبر جديدة في تلك الفترة وهي استخدام أشعة الفلورسنت مع الألوان الفسفورية مما دفعني إلى ذلك حب التجريب ولمعرفة مدى إمكانية الخامات في استلهام موضوع فني.. 

وعن وجود المرأة في أعمالها تقول:

من خلال هذه التجارب طرحت موضوعات فنية بعضها جاء واضح الملامح أي إن الموضوع كان أساسياً في العمل الفني، عبارة عن أشكال لعناصر إنسانية وبعضها عبارة عن تكوينات تلقائية وأحيانا أخرى استخدمت طريقة الكولاج في مزج بعض الخامات، هكذا كان المعرض الأول عبارة عن تجارب، وبعد ذلك أصبحت على دراية ومعرفة ببعض الخامات وكيفية توضيفها في العمل الفني، وواصلت التجريب وبين الحين والآخر أتبادل الحوار والمناقشة مع زملائي الفنانين في الجمعية من تلك الحوارات ما يتعلق باللون ودلالاته، وكيفية طرح القضايا بأسلوب فني يفهمه الجمهور. 

وبعد ذلك اشتركت في جماعة أصدقاء الفن لدول الخليج وقد قمنا بمعارض عديدة ومتنوعة ثم اشتركت في جماعة أخرى وهي جماعة الجدار، وهكذا واصلت طريق الفن، وأثناء وجودي في مصر اشتركت مع جماعة صباح الخير يا مصر في عدة معارض وأصبحت عندي رؤية واضحة.

 

وعن العناصر وتفسير الألوان في لوحاتها، تقول:

جسدت في أعمالي الفنية التراث أو بالأصح الموروث الشعبي برؤية أخرى، تتجاوز التعبير التلقائي إلى أبعاد أعمق، أي جعلت من عناصر تكوين العمل الفني رموزا ودلالات يراها المتلقي في اللون وما يشكله من تناغم بصري يثري العمل أو في الخط وما فيه من إيقاع وفي الكتلة، وما بها من أثر إلى جانب ترابط عناصر التكوين بعضها مع البعض الآخر. استخدمت النقطة ووظفتها بشكل زخرفي رمزا لشيلة المرأة المزينة بالسيم أما الخط فقد جعلته في إيقاع متردد تارة وإيقاع هادئ مرة أخرى في هيئة زخرفية تتماشى مع التكوين العام للعمل الفني، وهذه الخطوط اختزلتها لأرمز بها لزخارف التلي التي تزين الملابس النسائية بالإضافة إلى الخامة (الأقمشة)، اخترت بعض قطع الأقمشة ووظفتها بطريقة الكولاج في بعض الأعمال لتضيف بعدا أعمق للعمل ويقرأه المتلقي بسهولة ويدرك معناه، كذلك استخدمت خامة (البراقع) في عمل فني آخر، أما البحر فقد كنت أرى البحر برؤية أخرى أرى معاناة الغواص التي جسدتها من خلال اللون والانتقال به من الفاتح إلى الغامق بتدرجات متناغمة تعطي في نفس الوقت الإحساس بتموجات المياه. واللون الأبيض رمزت به إلى نوارس البحر كما كان استخدامي للألوان الذهبية والفضية بطريقة تزيينية مقصودة لترمز لقطع النقود الذهبية والفضية التي تنثر في المناسبات، كما ظهرت في بعض الأعمال بجانب خطوط المثلثات والمنحنيات والدوائر وهذه ما هي إلا ترانيم لها صوت ولكن العين تدركها كشكل، وفي نفس الوقت هي ليست أشكالا مجردة من الطبيعة ولكنها صيغ رمزية إعلامية اجتماعية، صيغ تدون المناسبات والحياة اليومية والمناسبات الاجتماعية بترانيم لونية إيقاعية تتمازج بخطوطها المتعامدة والمنحنية والمنكسرة لتتكامل معها كل العناصر الفنية في العمل في مجموعة من الأعمال جسدت البيئة البدوية من خلال اللون والخط والنقطة، أحد الأعمال سميته «نغم» شعرت أو تخيلت البدوي وهو راكب على الناقة في صحراء شاسعة وهو يردد بعض الأبيات لتسلية نفسه، وصدى صوته يملأ المكان وأرجل الناقة عندما تنغرس في الرمال ثم ترتفع تصدر لحنا موسيقيا يكمل ذالك الغناء... الزخارف التراثية لها مكانة في بعض الأعمال. وفي مناسبة ذكرى الشاعر الكبير المرحوم (العويس) تم طلب من مؤسسة العويس تجسيد شخصية ذاك الرجل الفاضل قدمت ثلاثة لوحات إحداهن تخيلت العويس بطلا من أبطال الميثولوجيا (بوسيدون) يرتدي عباءة ويقابل البحر وأمامه تتراقص لآلئ البحر وكأنها تخرج لاستقباله، هكذا حاولت أن أوظف التراث في العمل الفني بصورة تتطابق مع رؤية العصر.

وعن خلفية عائلتها الفنية تتحدث قائلة:

غالبية أفراد العائلة ينتمون إلى الفن: والدتي متميزة في الكثير من المهن كالحياكة وتزيين الأماكن والطبخ وتقوم ببعض الرسومات الفطرية، وإخوتي كذلك وأحفادهم الآن من يدرس الفن ومنهم من يدرس التصميم والموسيقى والمسرح شجعني على طريق الفن عائلتي ومدرستي التي غرست في مخيلتي حب الفن والاتجاه إلى الدراسة الأكاديمية، أعمل الآن على عدة أفكار قد تحتاج إلى دراسة.

 

وعن دعم حكومة الإمارات للفنانين، النساء على وجه التحديد، تقول:

الإمارات من الدول التي أولت عمل المرأة أهمية خاصة ووفرت لها الفرص للانخراط في كافة الميادين لتشارك في بناء مجتمعها ووطنها، وقد أثبتت جدارتها في كل الميادين من موظفة إلى مديرة إلى وكيلة وزارة إلى وزيرة وأخيراً درجة وزير مفوض، وقد ظهرت المرأة الإماراتية في المحافل الدولية والعلمية والاقتصادية ومثلت بلدها خير تمثيل وقدمت صورة مشرفة عن الإمارات بما حققته من إنجازات، كانت طبيبة أو مهندسة أو فنانة تشكيلية أو باحثة أو مخرجة أو رياضية، وأعتقد أن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات وراء ما وصلت إليه المرأة من مكانة جاءت من الثقة الغالية التي أولاها لها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والشيخ محمد بن راشد رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة وحكام الإمارات أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، كما جاء الاهتمام بالمرأة وتقديرها من أولويات الأمور فقد خصصت لها الجوائز والحوافز التشجيعية نذكر على سبيل المثال جائزة الأسرة المثالية تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي رئيس مجلس الوزراء، والتي تهتم بدور الأم في تربية الأبناء كما لا ننسى الدور الريادي الذى توليه القيادات النسائية لشيخات الإمارات في دعم المرأة والاهتمام بإبداعاتها وتحفيزها ورصد الجوائز لأعمالها الفنية، وأهم تلك الجوائز جائزة الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات) وتخصيص الجوائز التي تعنى بإبداع المرأة في كافة المجالات وجائزة الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي لإبداعات المرأة الإماراتية والتي حققت نتائج بوصول عدد كبير من فتيات الإمارات إلى مراكز متقدمة في الفن، ورعايتها في الكثير من الملتقيات الفنية والثقافية للمرأة في الإمارات والوطن العربي والإسلامي (ملتقى الفتيات المسلمات) كما جاءت جائزة الشيخة منال بنت محمد بن راشد لإبداعات الشباب والتي أسهمت بدور كبير في دفع الشباب من الجنسين إلى الفوز بهذه الجائزة المتميزة وخلقت منافسة شديدة بين فئة الشباب عامة. وهناك جائزة الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد لإبداعات الطفولة والتي حققت انتشارا واسعا في مجال رسومات الأطفال... كل ذلك جاء لتشجيع المرأة لتكون متميزة مما يؤكد حرص القيادة الحكيمة للدولة على الاهتمام بمجالي الثقافة والأدب وبمكانة المرأة وإبراز دورها الحضاري والحيوي في المجتمع

font change