ملفات «لم الشمل» تؤرق حياة آلاف السوريين في أوروبا

لاجئون سوريون يروون لـ«المجلة» قصص معاناتهم وتجاربهم

مسألة لمّ شمل العائلات تأخذ بالفعل وقتاً طويلاً خاصة بعد تفشي فيروس كورونا

ملفات «لم الشمل» تؤرق حياة آلاف السوريين في أوروبا

القامشلي: مع وصول أكثر من مليون لاجئ سوري إلى الدول الأوروبية في السنوات الماضية، نتيجة الحرب التي تشهدها سوريا منذ العام 2011، تعيش العائلات معاناة جديدة تؤرق الآلاف منهم وترتكز على مسألة لمّ الشمل بين أفراد العائلة الواحدة لاسيما أولئك الذين وصلوا بمفردهم دون عائلاتهم إلى الدول التي اختاروا الهرب إليها والإقامة فيها، فما هي الصعوبات التي يواجهها هؤلاء الناس عند محاولتهم طلب لحاق أفرادٍ من أسرهم بهم؟

تختلف صعوبات طلب لمّ الشمل طبقاً لصلة القرابة بين صاحب الطلب والشخص الذي يود الالتحاق باللاجئ السوري الذي وصل إلى دولةٍ أوروبية، فالزوجة أو الزوج يمكنها الانتقال للإقامة مع شريك حياتها عند حصوله على حق اللجوء في مكان إقامته الأوروبي، لكن هذا الأمر لا يحصل مباشرة بمجرد وصوله إلى دولة اللجوء بل هو مرغم على الانتظار ريثما يحصل على حق اللجوء وتأمين مسكن لأفراد عائلته المقيمة خارج أوروبا قبل أن يباشر بطلب لمّ الشمل بشكل رسمي من السلطات المحلية.

 

دائرة هجرة فرنسية (المجلة)


إجراءات معقّدة وتأخذ الكثير من الوقت

وفي هذا السياق، تحدث ثلاثة شبان سوريين يعيشون في فرنسا عن تجربتهم الصعبة بانتظار زوجاتهم وأولادهم، وأجمعوا على أن «إجراءات لمّ الشمل تبدو معقّدة في هذا البلد، إذ لا يمكن لزوجاتنا وأولادنا اللحاق بنا قبل إتمام أوراق اللجوء الخاصة بنا ومن ثم التقدّم بطلبٍ للحصول على بطاقة الإقامة وهناك حاجة لتأمين سكن مناسب يكفي جميع أفراد الأسرة، وعندها تبدأ المرحلة الثانية من المعاناة حين نباشر في تحضير الأوراق المطلوبة لإتمام إجراءات لمّ الشمل لدى دائرة الهجرة في أماكن سكننا».

وهذا الكلام أكده موظف في دائرة الهجرة بمقاطعة مارسيليا لـ«المجلة»، موضحاً أن القانون الفرنسي لا يعطي الحق للاجئ المتزوج بطلب لمّ الشمل واستقبال أفراد أسرته كلاجئين إلاّ بعد حصوله هو نفسه على صفة اللجوء وحصوله بعدها على بطاقة الإقامة الفرنسية، ويشترط أيضاً توفير مسكنٍ ملائم يكفي كل أفراد عائلته بما فيه زوجته وأولاده.

 

تفشي فيروس كورونا أثّر سلباً على ملفات طلبات اللجوء

واشتكى لاجئ سوري من المدّة الطويلة التي يحتاجها دراسة طلب اللجوء والحصول على قرارٍ نهائي بشأنه ومن ثم الحصول على بطاقة الإقامة، كاشفاً أنه وصل إلى باريس في مطلع العام 2020، لكنه حتى الآن لم يتقدّم بطلب الحصول على بطاقة الإقامة كي يحصل عليها ليباشر بعدها طلب لمّ شمل أسرته المؤلفة من زوجته وطفلين صغيرين.

وأضاف في حديث لـ«المجلة»: «كان من المتوقع أن تكون بطاقة الإقامة بحوزتي مع بداية عام 2021 بحسب المدّة المتوقعة التي تتم فيها دراسة طلبات اللجوء كالمعتاد، إلا أن تفشي فيروس كورونا وإغلاق دوائر الدولة لفترة طويلة من الوقت حال دون ذلك، وحتى الآن لم أتقدّم بطلب للحصول على بطاقة الإقامة».
وتابع أن
«المقابلة التي كان يجب أن أجريها مع دائرة الهجرة في باريس تأخرت لأكثر من عام، فقد أجريت المقابلة في شهر أبريل (نيسان) من عام 2021، ومن ثم حصلت على حق اللجوء في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، لكنني حتى الآن لم أحصل على شهادة ميلاد كي أتمكن بموجبها من التقدّم بطلب الحصول على الإقامة لأباشر بعدها معاملة لمّ شمل أسرتي».

وهذا اللاجئ السوري هو واحدٌ من آلاف اللاجئين السوريين الذين وصلوا فرنسا في السنوات الأخيرة، وينتظرون التحاق أفراد أسرهم بهم بعدما تمكنوا من الوصول إلى الأراضي الفرنسية بتأشيراتٍ خاصة باللاجئين أو عبر البحر بطرقٍ غير شرعية.

وذكر موظف من جمعية «La Cimade» لـ«المجلة» أن «مسألة لمّ شمل العائلات تأخذ بالفعل وقتاً طويلاً خاصة بعد تفشي فيروس كورونا والإغلاق الذي شهدته فرنسا جراء ذلك أكثر من مرة والذي أدى إلى تراكم تلك الملفات».

وشدد الموظف الذي يعمل في الجمعية التي تُعنى بمساعدة اللاجئين والمهاجرين على أن «ملف لمّ الشمل في أفضل الحالات يستغرق نحو عامٍ ونصف إذا ما كان الشخص الحاصل على اللجوء متزوجا قبل حصوله على حق اللجوء».

ولفت إلى أن «اللاجئ في الوقت الحالي ينتظر نحو عامين ونصف حتى يحصل على حق اللجوء ومن ثم الإقامة وبعد ذلك يحتاج لنحو عامٍ ونصف من الإجراءات كي تلتحق به زوجته أو أولاده، وبالتالي مع وصوله إلى فرنسا ينبغي عليه الانتظار لنحو 3 سنوات على الأقل ليقابل عائلته».

وتابع أن «هذه الإجراءات تبدو أسهل مقارنة مع اللاجئ الذي يريد الارتباط بسيدة مقيمة في بلدٍ آخر، وعلى سبيل المثال إذا ما كان لاجئ سوري ينوي الزواج من فتاة سورية مقيمة في بلدها أو في دول الجوار السوري، فحينها تكون الشروط أصعب»، مشدداً على أن «كل لاجئ ينوي الارتباط بسيدة في سوريا أو في دول الجوار، ينبغي عليه في البداية الحصول على وثيقة تؤكد عزوبيته من دائرة اللجوء في باريس ومن ثم عليه السفر لبلدٍ ثالث ليتم فيه الزواج وبعد ذلك يعود إلى فرنسا ليترجم عقد الزواج أصولاً وإرساله إلى دائرة اللجوء ليتم تسجيل زواجه في فرنسا».

وأشار إلى أن «تسجيل الزواج يستغرق نحو عام، وبعد ذلك بإمكان اللاجئ أن يجلب شريكته بموجب طلب لمّ شمل، لكن عليه توفير مسكن يكفي لشخصين وأن يكون لديه عمل يكفي لمعيشته مع زوجته، ومع عدم توافر هذه الشروط، سيتم رفض طلبه».

وقال لاجئ سوري آخر لـ«المجلة»: «لقد تزوّجت في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق وتمكّنت أخيراً من تسجيل زواجي في فرنسا، لكنني لم أتمكن من تلبية الشروط الأخرى المطلوبة كشرط وجود عملٍ يكفي مردوده لشخصين».

وأضاف أن «طلبي رُفِض مرتين لصعوبة حصولي على دخلٍ يكفيني مع زوجتي بحسب المقاييس الفرنسية، وهكذا بقينا معلّقين بين بلدين، أنا هنا وزوجتي في مكانٍ آخر».

ولا تختلف شروط لمّ الشمل بين فرنسا وباقي الدول الأوروبية لكن المدة الزمنية التي تعالج فيها الطلبات تختلف ليس بين دولةٍ وأخرى فقط وإنما من مقاطعة لأخرى.

وقالت سيدة سورية تقيم في العاصمة الأردنية عمّان إن «زوجي يقيم في فرنسا منذ نحو 3 سنوات وإلى الآن لم أتمكن من الالتحاق به وقد تزوجنا قبل سفره بنحو سنة واحدة».

وأضافت لـ«المجلة» أن «زوجي لم يحصل حتى الآن على شهادة ميلاد بعدما حصل على صفة اللجوء، ولهذا علينا أن ننتظر لنحو أكثر من عامٍ آخر قبل أن أتمكن من الالتحاق به».

وتشترط معظم الدول الأوروبية ضرورة وجود سكنٍ ملائم يكفي لكافة أفراد الأسرة، لكنها تتساهل مع مثل هذه الشروط وضرورة وجود عملٍ يوفر الدخل المطلوب لمعيشة العائلة إذا ما كان مقدّم طلب لمّ الشمل قد تزوج قبل وقتٍ طويل من قدومه إلى البلد الأوروبي وحصوله على حق اللجوء فيها، ولكنها تشترط ضرورة وجود عمل ومسكن ملائم لكل لاجئ تزوج بعد وصوله إلى أوروبا.

وبحسب موظفٍ آخر في جمعية «La Cimade» الفرنسية، يمكن للاجئ المتزوج من سيدة مقيمة خارج فرنسا أن يتقدّم بطلبٍ لدى السلطات كي تلتحق به، إلا أن السلطات لا يمكنها أن تتساهل مع طلبه عند عدم وجود دخلٍ كافٍ لمعيشتهما ومسكنٍ ملائم، مشيراً إلى أن هذين الشرطيّن يطبقان في كامل الدول الأوروبية وعلى كل اللاجئين مهما كانت البلدان التي ينحدرون منها.

وذكر الموظف لـ«المجلة» أن لاجئين طلبوا مساعدتهم لتجاوز هذين الشرطين، لكن لا يمكن تخطي هذا الأمر، فالقانون واضح بحسب تعبيره، ولا يمكن تخطيه أو تجاهل بنوده.

وعلى الرغم من أن هذين الشرطين أعاقا لمّ الشمل إلا أن القضية كلها تنتهي بعد حصول اللاجئ على عملٍ يوفر تكلفة المعيشة لشخصين أو لأكثر بحسب عدد أفراد أسرته.

 

من داخل مبنى لدائرة هجرة فرنسية (المجلة)


مخاوف من إتمام الزواج بهدف التأشيرة

وقد تجاوز لاجئون بالفعل هذين الشرطين بعد حصولهم على عمل بدخل مناسب، إلا أن ذلك لم يساعد في معالجة طلبات التحاق زوجاتهم بهم خلال وقتٍ أقصر.

وقالت سيدة سورية تزوجت قبل 3 سنوات في إسطنبول من لاجئ سوري يقيم في ألمانيا إن «زوجي استوفى كافة الشروط المطلوبة منه بعدما تزوجنا، لكن القنصلية الألمانية في إسطنبول لم تحدد بعد موعد مقابلتي».
وأضافت لـ
«المجلة» أن «المواعيد باتت تتأخر كثيراً لدى القنصلية رغم أن الظروف التي رافقت تفشي فيروس كورونا لم تعد موجودة».

وقد تبدو حال هذه السيدة التي تنتظر موعد المقابلة لدى القنصلية الألمانية في تركيا أفضل بكثير من سيداتٍ أخريات تمّ رفض منحهنّ تأشيرات السفر رغم أن أزواجهن استوفوا كامل الشروط المطلوبة.

وقالت سيدة سورية رفضت القنصلية الألمانية منحها تأشيرة سفر للالتحاق بزوجها إن «القنصلية رفضت منحي التأشيرة لأنها لم تجد ما يدل على ارتباطي بزوجي، كصورٍ لحفل الزفاف، ولذلك جاء الرفض بعد شكوك القنصلية بأن الزواج قد تمّ على الورق فقط بهدف الحصول على التأشيرة فقط والانتقال إلى ألمانيا».
وأضافت لـ
«المجلة»: «لقد تقدّمت باعتراضٍ لدى القنصلية وفي الوقت الحالي أنتظر الرد».

 

شروط دخول دول الجوار وعدد الطلبات يتحكم في مدّة إصدار تأشيرات لمّ الشمل

تختلف آلية عمل السفارات والقنصليات الأوروبية في التعامل مع ملفات لمّ الشمل بين دولة وأخرى، كما أن شروط دخول تلك الدول والتي تبدو صعبة في بعض الأحيان ترغم السيدات اللواتي يرغبن في الالتحاق بأزواجهن المقيمين في أوروبا، على الانتظار لوقتٍ أطول.

ويفرض لبنان وتركيا والأردن وإقليم كردستان العراق شروطاً متعددة ومختلفة لدخول أراضيها لإجراء مقابلاتٍ في سفاراتٍ وقنصليات أجنبية.

وتحدّثت «المجلة» لموظفٍ في مكتب سفريات في العاصمة السورية دمشق والذي أكّد أن معظم الذين يريدون الالتحاق بأسرهم في أوروبا يحاولون الحصول على مواعيد في القنصليات الأوروبية في أربيل نظراً لقلّة طلبات لمّ الشمل التي تصل إليها مقارنة بطلباتٍ أكبر تصل للقنصليات الأوروبية في تركيا ولبنان.
وبحسب الموظف فإن الطلبات في القنصليات التي ترد إليها ملفات أقل لا تستغرق وقتاً أطول وهو ما يؤدي لرغبة الكثيرين في البدء بملفات لمّ الشمل عبر القنصليات الأوروبية في أربيل دون غيرها من عواصم دول الجوار السوري.

وعلى الرغم من أن معاملات لمّ الشمل تستغرق وقتاً طويلاً قد يمتد لسنوات، إلا أنها الطريقة الأنسب مقارنة بالسفر بطرقٍ غير شرعية والتي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الموت كما حصل عند غرق مركبٍ صغير قبالة السواحل اللبنانية في طرابلس الشهر الماضي، والذي أدى لفقدان سيدتين سوريتين على الأقل كانتا تنويان الالتحاق بخطيبيهما في أوروبا.

ويعيش في أوروبا أكثر من مليون لاجئ سوري يقطن أكثر من نصفهم في ألمانيا. كما يعيش في السويد أكثر من 114 ألف لاجئ سوري، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة التي تؤكد أيضاً وجود 74 ألف سوري في هولندا و17 ألفا آخرين في الدنمارك، علاوة على 38 ألفاً في اليونان و23 ألفاً في فرنسا و7 آلاف في سويسرا و4 آلاف في بلجيكا ومثلهم في إيطاليا و3 آلاف في رومانيا و2352 في إسبانيا و1729 في أيرلندا و1069 في بولندا و663 في لوكسمبورغ.

 

 

font change


مقالات ذات صلة