مبادرة «لم الشمل» في الجزائر... محاولة لكسر الجمود السياسي

المعارضة تطالب تبون بجملة من الشروط لترميم الثقة

مبادرة «لم الشمل» في الجزائر... محاولة لكسر الجمود السياسي

الجزائر: بعد أشهر من الجمود والصمت في المشهد السياسي الجزائري، منذ آخر انتخابات شهدتها البلاد يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، يعيش الجزائريون منذ أيام على وقع نقاش عام، بشأن مبادرة سياسية، أعلن عنها مؤخراً الرئيس عبد المجيد تبون حملت عنوان «لم الشمل»، ولأن المبادرة لم يُعلن عن محتواها بعدُ، أو الأطراف التي تستهدفها أو تشارك، فقد فتحت المجال واسعاً لنقاش محتدم بين الموالاة التي رحبت دون تعليق، والمعارضة التي وضعت معالم محددة كشروط لنجاحها وقبولها.

 

2- الرئيس تبون شرع في استقبال شخصيات سياسية حزبية ومستقلة

 

الجزائر الجديدة

المعالم الأولى للمبادرة ظهرت من خلال برقية لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية في الثالث مايو (أيار) الجاري، ومن خلال عنوان «تبون رئيس جامع للشمل»، اعتبرت الوكالة الحكومية أن »الرئيس عبد المجيد تبون، الذي انتخبه الجزائريون المتطلعون لحلول جزائر جديدة، هو رئيس جامع للشمل، حيث نجح في توحيد الشباب والمجتمع المدني خلال حملته الانتخابية، ليشكل انتخابه أول تداول ديمقراطي في تاريخ البلاد«، وتضيف الوكالة: «السيد عبد المجيد تبون، هو رئيس يهتم دائما بالنقاش السائد في المجتمع ويده ممدودة للجميع، بشكل دائم، ما عدا الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء، وأولئك الذين أداروا ظهرهم لوطنهم، فهو ليس من دعاة التفرقة بل بالعكس تماماً«، وخاطبت البرقية أولئك الذين يشعرون بما سمته «التهميش«، قائلة إن »الجزائر الجديدة تفتح لهم ذراعيها من أجل صفحة جديدة، فكلمة إقصاء لا وجود لها في قاموس رئيس الجمهورية، الذي يسخر كل حكمته للم شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي«، وختمت الوكالة برقيتها: »الجزائر، بشعبها البطل والموحد بكل تنوعه، بحاجة إلى جميع أبنائها للاحتفال سوياً بالذكرى الستين للاستقلال«.

وفي خضم النقاش الدائر بشأن المبادرة، وفي ظل التساؤلات التي أطلقها البعض بشأن أبعادها ودلالات توقيتها، وهل تعني الجزائريين المغضوب عليهم من طرف السلطة، وبشكل خاص من يقيمون خارج البلاد، أو الذين يقبعون في السجون، ويواجهون أحكاماً غير نهائية من طرف القضاء، بتهم تتعلق بإهانة مؤسسات الدولة، وتهديد النظام العام حسب رؤية السلطة، أو ما يسمى قضية معتقلي الرأي حسب توصيف المعارضة، في ظل هذا النقاش باشرت الرئاسة الجزائرية، بعد يوم واحد عقد لقاءات سياسية مع بعض الشخصيات السياسية الحزبية، حيث استقبل الرئيس تبون بداية كلا من رئيس الجيل الجديد (تقدمي) جيلالي سفيان، ورئيس حركة البناء الوطني (توجه إسلامي) عبد القادر بن قرينة، ثم استمرت اللقاءات لتشمل شخصيات سياسية أخرى منهم الإسلامي عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، وأمين التجمع الوطني الديمقراطي، الطيب زيتوني، من أحزاب الموالاة، إلى جانب استقباله لأمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، إحدى الأذرع الأساسية للنظام أبو الفضل بعجي، في حين اقتصر إلى حد الآن استقبال شخصية سياسية واحدة مستقلة وهو الدبلوماسي الأسبق عبد العزيز رحابي، وهو الاسم الذي رشح مرات عديدة لتولي منصب الوزير الأول، لعدة اعتبارات أهمها أنه كان في السلطة سابقاً واليوم يحظى باحترام كبير من طرف المعارضة، وهو الموقع الذي يؤهله لأداء دور سياسي توافقي بين السلطة والمعارضة.

ورغم أن هذه اللقاءات السياسية جرت بعد الإعلان عن المبادرة لكن الرئاسة لم تشر إن كانت هذه اللقاءات تندرج ضمن «لم الشمل»، التي كشفت عنها برقية وكالة الأنباء الرسمية ثاني أيام عيد الفطر، خاصة وأن المشاورات التي جرت تناولت الوضع العام في البلاد حسب تصريحات بعض الشخصيات السياسية التي شاركت في اللقاء على لسان جيلالي سفيان وعبد القادر بن قرينة.

وخلال زيارته الأخيرة إلى تركيا، وخلال لقاء جمعه مع الجالية الجزائرية الموجودة في تركيا، عاد الرئيس تبون ليكشف بعض تفاصيل المبادرة، حينما أعلن عن لقاء شامل سيعقد مع قادة الأحزاب السياسية في غضون الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع المقبلة، لافتاً إلى أن مبادرة لم الشمل التي أعلن عنها »ضرورية من أجل تكوين جبهة داخلية متماسكة«. وأوضح تبون قائلاً: »اللقاءات الفردية التي أجريتها مؤخراً مع قادة الأحزاب سمحت بمناقشة وتقييم عدة قضايا خاصة في العلاقة بالجبهة الداخلية في ظل التحديات التي تحيط بالبلاد«.

 

مطالب المعارضة

ورغم أن الشارع السياسي الجزائري، ينتظر أن تكون هذه المبادرة فرصة للجزائريين لتجاوز حالة الانسداد القائمة بين السلطة والمعارضة، بسبب غياب الثقة بين الطرفين، حيث تطالب المعارضة بإضفاء أجواء من الثقة قبل الانخراط في أي مسعى سياسي، وأبرز تلك المطالب إطلاق سراح سجناء الرأي، ورفع حالة التضييق على وسائل الإعلام وعلى النشطاء السياسيين، بيد أن تصريحات الرئيس تبون برأي مراقبين تعطي الانطباع أن النقاش الذي سيجمع الجزائريين في ظل مبادرة لم الشمل قد يتجاوز النقاش السياسي، إلى النقاش الاقتصادي لمواجهة التحديات التي تواجهها البلاد بالاستفادة من الأريحية المالية التي تحققت خلال الأشهر الأخيرة بفعل تعافي أسعار النفط في الأسواق الدولية. ورغم ذلك يعتبرون أن مجرد عقد لقاء يجمع السلطة بالمعارضة في حد ذاته مشروع يجب تثمينه باعتباره سبق احتفال الجزائر بستينية الاستقلال في الخامس من يوليو (تموز) القادم، وسيكون أول لقاء يجمع السلطة بالمعارضة منذ آخر لقاء جرى نهاية عام 1994 في ظل ما سمي آنذاك «ندوة الحوار الوطني».

وفي المقابل هناك توقعات بتوجه الرئيس تبون إلى إعلان تغيير حكومي موسع، ولا يستبعد مراقبون أن تتوج المشاورات بإعلان حكومة توافقية، تشارك فيها مختلف الأحزاب السياسية، على عكس حكومة الأغلبية التي يقودها حزب تصدر نتائج الانتخابات التشريعية، لإرساء مصالحة وطنية حقيقية وشاملة.

وتعليقاً على المبادرة وفرص نجاحها، يؤكد الدبلوماسي الأسبق عبد العزيز رحابي، أحد الشخصيات التي استقبلها الرئيس تبون أن »المجتمع أظهر بمكوناته المدنية والسياسية دائماً قدرته على التنازل واستعداده لمواكبة كل جهد يرمي للخروج من الوضع الراهن، لكن السلطة السياسية لطالما حبست نفسها في منطق توازن القوى، وهو ما قاد إلى إضعاف الدولة وكاد أن يتسبب في الانهيار الذي يخشاه الوطنيون، والذي يتوقعه المغامرون داخل السلطة وخارجها«، هذه المخاطر يضيف رحابي »ليست مستبعدة تماماً وهي كفيلة بحد ذاتها لإقرار أية مبادرة للحوار والتشاور بين السلطة التنفيذية والقوى السياسية والاجتماعية مهما كان منبعها«.

لكن برأي رحابي »الأمر الذي يطرح نفسه بإلحاح مرتبط بكيفية وضع تدابير لبناء الثقة من شأنها أن تجعل الرغبة في الوحدة ممكنة وملموسة، مثلما عبر عنه في الخطاب السياسي، وكيفية تجسيدها بشكل ملموس في الحياة السياسية اليومية، لا سيما أن العرض غير المباشر لرئيس الدولة سيحظى بقابلية أكبر للاستماع والفهم بعد شرحه وتفصيل محتواه«.

في هذه المرحلة، وقبل الحكم المسبق على جوهر المبادرة، من الضروري يقول رحابي «استيفاء جملة من الشروط السياسية«، لعل أكثرها استعجالاً برأيه »مرتبط بالممارسة الحرة للسياسة من قبل الأحزاب السياسية والنقابات والحركة الجمعوية والمجتمع المدني ككل«، إذ لا يمكن في تصوره »قبول هذا العرض بشكل صحيح وجاد دون تسوية العقبات التي تعترض ممارسة العمل السياسي الحزبي ورفع القيود المفروضة على ممارسة الحق الدستوري في الحصول على معلومات موضوعية، وحرة، ومسؤولة«.

اليد الممدودة من طرف الرئيس تبون، برأي حديث الناشط السياسي نسيم العربي لـ«المجلة»، يمكن أن »تكون مدخلاً لوضع سياسي جديد، يخلق نوعاً من الثقة بين السلطة والشارع«، لكن بشرط أن »تكون السلطة جادة في مسعاها، بإقرار حزمة إجراءات مسبقة أبرزها توقيف حملات التضييق على النشطاء، والسماح لهم بممارسة حقوقهم الدستورية الكاملة في التعبيرعن آرائهم ومواقفهم، مع توقيف الملاحقات القضائية بحق العشرات منهم مع إطلاق سراح السجناء منهم«.

 

3- عبد العزيز رحابي ربط نجاح المبادرة بشروط 

 

التحديات الاقتصادية أولا

رغم إصرار البعض على إلباس المبادرة لباساً سياسياً- بيد أن بعض الخبراء اعتبروا أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر- يمكن أن تكون هذه المبادرة مدخلاً لمناقشة سبل مواجهتها، على اعتبار أن بعض القضايا والملفات الاقتصادية تتطلب الحصول على إجماع واسع لتطبيقها ونجاحها، وفي هذا الجانب يقول الكاتب والباحث عبد المومن بن حمدة لـ«المجلة» أن »الشرخ الكبير الذي خلفته كورونا في اقتصاديات الدول الكبرى منها والصغرى، ثم الحرب الروسية الأوكرانية مباشرة أرست قناعة لدى الدول أن الوحدة الوطنية، والاكتفاء الذاتي، والقدرة الشرائية المناسبة والوفرة الإنتاجية، كلها قضايا أصبحت ذات أولوية قصوى في جدول أعمال الحكومات، وأصبحت تعيد صناعة منظومتها القانونية، وترصد ميزانيتها على هذا الأساس، فهل مبادرة تبون استشعار لهذا الخطر؟«. يتساءل بن حمدة، ويجيب عن تساؤله بالقول »يبدو أن المبادرة التي يريد الرئيس تبون طرحها يدور فلكها حول التخلي عن سياسة الدعم الاجتماعي، ورفعه بصيغته الحالية التي أثبتت كل المعطيات الحكومية أن قيمتها التي تتجاوز 18 مليار دولار سنوياً لا تذهب لمستحقيها من ذوي الدخل الضعيف والمحدود بل يستفيد منها الأثرياء، لعدة أسباب منها، عدم توفر الحكومة على قاعدة بيانات رقمية مفصلة عن المواطنين، يمكنها من خلاله توجيه الدعم وفق الفئات المستحقة، والسبب الثاني يتعلق باستشراء الفساد في منظومة الحكم السابقة، حيث أسست لفكرة النهب والفساد والثراء غير المشروع تحت غطاء سياسات الدعم الاجتماعي«.

بناء على ما سبق، يعتقد محدث «المجلة» أن »سياق المبادرة يدل على أنها جاءت لتفتح النقاش على أحد الألغام الكبرى التي يتخبط فيها الاقتصاد الجزائري القائم على البعد الاجتماعي منذ عقود، ومحاولة إيجاد مخرج نجدة بالاستفادة من التحسن المالي الذي حققته الخزينة الحكومية بفعل تنامي أسعار المحروقات في الأسواق الدولية، إلى جانب المؤشرات الإيجابية التي حققها ميزان التبادل التجاري بعد التحكم في فاتورة الصادرات والواردات«.

وخلص بن حمدة إلى القول بأن »ليس بمقدور الرئيس ولا الحكومة اتخاذ قرار في ملف التحويلات الاجتماعية دون البحث عن أكبر توافق سياسي ومجتمعي تحضيرا لرفع الدعم وجعله موجها كما جاء في مخطط عمل الحكومة ولم شمل الجميع وإقناعه خاصة في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة بعد الارتفاع الفاحش للأسعار وعدم قدرة الحكومة على التحكم فيها وكذلك الظروف الدولية التي تتعقد يوما بعد يوم، وبعد الأريحية التي تتوقعها الحكومة بارتفاع أسعار النفط وهو التوقيت المناسب في نظر الرئيس لغلق هذا الملف الصعب«.

 

 

 

font change


مقالات ذات صلة