لماذا انتقل الجدل السياسي في الشرق الاوسط الى العالم الافتراضي

لماذا انتقل الجدل السياسي في الشرق الاوسط الى العالم الافتراضي

[escenic_image id="5510840"]

حينما وضع وزير الإعلام السعودي ملفه الخاص على الفيس بوك، قام بزيارته أكثر من  خمسة آلاف صديق.هذا مجرد نموذج واحد يكشف التزايد المطرد في الاتصال عبر الإنترنت في السعودية بعدما نجحت هذه الشبكة العنكبوتية في فرض نفسها ولا يقتصر هذا الأمر علي السعودية وحدها وانما في منطقة الشرق الأوسط كلها.ففي مصر أصبح الفيس بوك لاعباً اساسياً في الساحة السياسية. ويكفي ان جمال مبارك الذي تعتبره المعارضة المصرية احد المرشحين المحتملين للرئاسة مستقبلا لم يكتفي بجولاته الدائمة إلي المحافظات ولجأ إلي الفيس بوك للتواصل مع الشباب من خلال موقعه الذي اطلق عليه اسم "شارك". ونظم عبره حواريين اجاب خلالهما علي عدة اسئلة وهو ما فسره معارضوه بأنه محاولة للوصول إلي أصوات مؤيدة له عبر الشبكة. وخلال الصيف الماضي، وجدت الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الإيرانية آذانا صاغية على الصعيد العالمي من خلال نداءات قصيرة على الشبكة لايتجاوز الواحد منها 140 كلمة.

وكما توضح هذه المشاهد، فإن العالم الافتراضي يقدم فرصًا جديدة للتعبير والاتصال السياسي. وفي كل ربوع المنطقة، تواصل كتائب المدونين التعبير عن نفسها بقوة غير مسبوقة. وأصبح لعامة الناس كلمتهم عبر غرف الدردشة والمنتديات ومواقع الصحف الإلكترونية.

وأسباب انتقال المنتدى السياسي إلى الإنترنت واضحة. ففي اغلب دول الشرق تقريبًا، ثمة قبضة قوية تفرضها الدولة على وسائل الإعلام و الكتب والافلام مما يؤدي إلى تضييق الخناق  على حرية التعبير.  ويقدم فضاء الانترنت منصة للتعبير عن الرأي تتميز بأنها في متناول الجميع ويسهل الوصول إليها كما يغلب عليها طابع غير شخصي بدرجة تفوق نظيراتها في الفضاء الأرضي. لذا فإن الانتقال إلى عالم الإنترنت لايحتاج إلى قدح الأذهان وإنما هو أمر سهل للغاية. إلا أن ثمة سؤالًا مازال علماء السياسة يحاولون الإجابة عنه: ما تأثير هذا السجال السياسي المتحرر من القيود على الممارسة السياسية الواقعية؟ أو بعبارة أخرى: كيف تساهم الإنترنت في تغيير السياسة الفعلية؟

آمال عريضة 

عندما بدات الإنترنت الظهور في الشرق الأوسط في آواخر التسعينيات، علق البعض آمالًا عريضة على إمكانية أن يكون ذلك إيذانًا بميلاد وطن عربي أكثر ديمقراطية. وبالتأكيد فإن الإنترنت وتلك الأداة المرتبطة بها في توأمة سيبرية واحدة والتي تتمثل في الهواتف الجوالة المزودة بخاصية الرسائل القصيرة – قد لعبت أدوارًا حيوية في أوقات اشتداد الأزمات السياسية.

فقد وجدت ثورة الأرز في لبنان عام 2005 وحركة كفاية في مصر والحملة الناجحة بالكويت لمنح المرأة حق التصويت متنفسًا حقيقيًا من خلال ما تتمتع به الإنترنت من قدرات على التعبئة ونشر المعلومات. إلا أن الاحتجاجات الهائلة  التي شهدها الشارع الإيراني الصيف الماضي والمعارضة لنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والتي أطلق عليها اسم " ثورة التويتر" كانت هي الشاهد الحقيقي على القدرة الهائلة للإنترنت على ربط الناس في كل أنحاء العالم. وفي ظل إجبار الصحف الأجنبية على مغادرة إيران وفرض سيطرة الدولة علي التليفزيون والإذاعة المحليين ، فإن الصور والأخبار الخاصة بالقمع العنيف للاحتجاجات كان يتم بثها بالخارج عبر رسائل البريد الإلكتروني ومقاطع الفيديو على موقع "اليوتيوب "ومن خلال النشاط التدويني. إلا أن موقع "تويتر" هو الذي يحسب له إضفاء طابع الآنية على الاحتجاجات من خلال خلق وهم " التواجد داخل الحدث". وبهذا الشكل فقد أوجد مجتمعًا افتراضيًا عالميًا يرتبط وجدانيًا  بالحدت نفسه.

حجم  التأثير

ومع ذلك، بعد حقبة من دخول الإنترنت إلى منطقة الشرق الأوسط، لم تتغير كثيرًا الهياكل السياسية في معظم الدول العربية، مما حدا بالبعض إلى التأكيد علي أن هذه الوسيلة الجديدة كان تأثيرها ضئيلا. ويقول رامي خوري، المحرر المستقل بمجلة بيروت "دايلي ستار"، ومدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشئون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت: "بينما تغير المشهد الإعلامي، وأصبحت وجهات النظر الممنوعة فيما قبل متاحة، فإن القدر الأكبر من المعلومات لم يترجم إلى ممارسة سياسية عملية في الواقع لأن المؤسسات الرسمية السياسية لم تتغير."

ويضيف خوري: "يمكنك الحصول على المعلومات، ولكن لا يمكنك فعل أي شيء بها. فلا يمكنك تغيير الحكومة.... لذلك يعد الأثر النهائي ضئيلًا للغاية."

ويوافق بول سالم, مدير مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت قائلا: "من المغرب حتى اليمن كان للإنترنت تأثير على الطريقة التي يمارس بها الناس ،وخاصة الشباب ، السياسة والتعبئة. وتعتبر الانترنت جزءًا من المشهد الجديد بالتأكيد ". 

ولكن بالنسبة للتأثير على المشهد السياسي ككل ، " فمن الصعب الحكم على ذلك". ويقول حلمي نعمان، وهو باحث في مبادرة الشبكة المفتوحة، وهى شراكة تعاونية بين العديد من الجامعات التي تتولى  متابعة  الإنترنت والرقابة عليها: "أضفى الإنترنت طابعًا ديمقراطيًا على الوصول إلى المعلومات، لكنه لم يضف الديمقراطية على أي نظام".

وهناك أسباب عديدة لذلك. فعلى عكس التليفزيون والصحف، تتطلب الإنترنت جهدًا نشطًا من المستخدمين. ويقول خورى:"عليك أن تذهب وتحصل على المعلومات، ويجب أن يكون متاحًا لك إمكانية الوصول إليها أيضا." و هذا ليس متيسر بشكل كبير.

فاستخدام الإنترنت يقتصر بالفعل على أقل من ربع سكان العالم العربي (نسبة 23.7 ٪ من السكان)، وفقا "لإحصاءات الإنترنت العالمية"، وهي شركة متخصصة في أبحاث السوق تقوم بتجميع البيانات على شبكة الإنترنت. وتوجد معدلات استخدام أقل لدى بعض الدول العربية، مثل مصر بنسبة 15.4 ٪،  ومعدلات أعلى لدى دول أخرى، مثل قطر حيث تصل نسبة استخدام الإنترنت بها الي 52 ٪. بينما في أمريكا الشمالية، يشكل المستخدمون نسبة 74% من السكان وفي إسرائيل نسبة 73 ٪.

وفي سوريا، حيث يستخدم الإنترنت نحو 16 ٪ من السكان، تقول جيليان يورك منسقة مشروع بمبادرة الشبكة المفتوحة: "توجد مناطق مأهولة بالسكان في البلاد لا تتاح لديها خدمة البث العريض." 

غير أن هذا الوضع  يخضع للتغير السريع ، حيث يزداد دخول الناس على الإنترنت. ووجدت شركة إحصاءات الإنترنت العالمية أن المستخدمين في الشرق الأوسط زادوا بنسبة أكثر من 1،300 ٪ بين عامي 2000 و 2009.

سيطرة حكومية

ولكن بنفس سرعة انتشار استخدام الإنترنت، تسعى الحكومات حثيثًا للسيطرة عليها. فوفقًا لمبادرة الشبكة المفتوحة، تعد منطقة الشرق الأوسط "واحدة من أكثر مناطق العالم تعرضًا للرقابة المشددة", مع تزايد الرقابة على الإنترنت، حيث تزيد الحكومات من "نطاق وعمق" عمليات تصفية وحجب مواقع الشبكة.

ويقول آخر تقرير للمبادرة عن الإقليم "يزداد عدد المستخدمين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لشبكة الإنترنت لأغراض الحملات السياسية والنشاط الاجتماعي، غير أن الدول تواصل إدخال إجراءات قانونية وتقنيات وإجراءات رقابية أكثر تقييدًا".

ويبلغ مستخدمو الإنترنت في المملكة العربية السعودية الآن أكثر من ربع سكانها, وهى واحدة من الدول الأكثر تشددًا في حجب المواقع الاباحية . على الطرف الآخر من الطيف، لا تستبعد مصر والعراق ولبنان والجزائر وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة أيًا من المواقع السياسية، وفقًا لمبادرة الشبكة المفتوحة.

ولكن يسود الافتراض بأن بعض هذه الدول تخصص عشرات من رجال الشرطة لرقابة المواقع التي يقرؤها الناس. وتراقب الشرطة أيضا مقاهي الإنترنت، وهي رقابة ربما تكون ضرورية في هذه الأوقات التي تتميز باليقظة  الأمنية ، لكنها ترهب أيضًا المستخدمين المحتملين. كما وضعت الأردن، على سبيل المثال، كاميرات في مقاهي الإنترنت.

وكتب  "نعمان"، أحد أعضاء  المبادرة أن ثمة  مفارقة تتمثل في  أن "الإنترنت أتاحت بدرجات متفاوتة للناشطين السياسيين العرب حرية غير مسبوقة في الوصول للمعلومات، لكنها في الوقت نفسه كشفت الناشطين ومايقومون به من أنشطة  أمام السلطات".

وتحاول الحكومات أيضا السيطرة على الفضاء الإلكتروني كما لو كان جزءا من أراضيها ذات السيادة من خلال توسيع قوانين الصحافة الحالية لتشمل محتويات المواقع. وسرت أقاويل في بعض الدول العربية -- غير موثقة حتى الآن – باشتراط حصول المواقع على تراخيص من الدولة.

وتقول يورك من المبادرة إن المنطقة تموج بالتناقضات. فبينما تحاول "جميع هذه الدول محو أمية الحاسوب." وتعد في بعض الحالات بوضع "جهاز كمبيوتر في كل منزل"، ففي  الوقت نفسه،  "هناك قيود شديدة على الحصول على المعلومات... بل هناك فقر في  المعلومات".

وعرض مركز بيركمان للإنترنت والمجتمع بجامعة هارفارد، وهو أحد شركاء مبادرة الشبكة المفتوحة، بعض الأسباب لعدم تحقق التوقعات السياسية الأولية الخاصة بالإنترنت. وذكر المركز في تقرير لشهر يونيو/حزيران عن المدونات العربية "لا يشكل ظهور الإنترنت والتقنية الرقمية في حد ذاته طريقًا منفردًا نحو التحرر السياسي."

وقال التقرير "أن الأفكار والنقاشات عبر المدونات ليست مفتوحة للجميع على نحو فعال. ولا يتسنى للكثيرين الدخول إلى شبكة الإنترنت، وتمنع العوائق اللغوية أكثرية المستخدمين من الاستفادة من المجموعة الكاملة من الأفكار المتاحة على الإنترنت". "وبالإضافة إلى ذلك، تتطلب المشاركة الفعالة في مجال الأفكار مهارات تقنية ودهاء إعلاميًا، وهى أمور ليست موحدة حتى بين الذين يرتادون شبكة الإنترنت بانتظام. وبالإضافة إلى ذلك، عملت الحكومات على الحد من تأثير هذا المجال العام المنقول رقميًا".

استخدامات متنوعة

ومع ذلك فمن الواضح أن "شبكات المجال العام الناشئة"، كما يطلق عليها مركز بيركمان، و التي تتكون من "أنواع متعددة" من المواقع، تتضمن المدونات والمنتديات وغرف الدردشة، والمواقع التي تتيح إمكانية مشاركة مقاطع الفيديو و الصور، هي التي تؤثر على المواطنين والحكومات في منطقة الشرق الأوسط من خلال عدة طرق مختلفة. فهي من ناحية قد فتحت "عملية الاتصال أمام الجميع بلا استثناء"، كما قال خوري، و أتاحت منبرًا للأصوات التي لم تكن مسموعة من قبل. كما أنها ساعدت من ناحية أخرى على تضخيم بعض الأصوات المهددة و المتوعدة. فالإرهابيون كانوا من أوائل الناس الذين تمكنوا من إثبات قدرة الإنترنت على أن تكون أعلى مكبر صوت صامت تم ابتكاره على الإطلاق. فأول مرة تم فيها الإعلان عن قطع الرءوس وعمليات الخطف التي تحدث في العراق كان على شبكة الإنترنت. كما أصبح بالإمكان مشاهدة شرائط الفيديو التي تستخدمها الجماعات المتطرفة حتى في القرى النائية البعيدة. وتسمح المنتديات على شبكة الإنترنت للجهاديين بالتواصل مع بعضهم البعض، ورفع روحهم المعنوية، ونشر أفكارهم.

وعلى نحو متزايد أيضًا، يتجه الناس إلى الإنترنت من أجل التعليم والحصول على الأخبار. ووفقًا لمركز بيركمان، تعد قناة الجزيرة في مجتمع المدونين أكبر مصدر للأخبار، و يليها موقع قناة الـ"بي بي سي" و موقع العربية . وعندما تعرضت المملكة العربية السعودية في عام 2003 لحملة إرهابية عنيفة، اتجه الكثير من السعوديين إلى الإنترنت لمعرفة المزيد حول ما يحدث في بلدهم.

كما أن شعبية الشبكات الاجتماعية في ازدياد، وخاصة بالنسبة للنساء اللاتي تحد من تنقلهن الأعراف الاجتماعية المحافظة و التكلفة المادية. كما تعد الإنترنت عنصرًا أساسيًا في تشكيل الرأي العام، حيث يتعرف الناس من خلالها على وجهات النظر المختلفة والآراء الجديدة، حيث أصبح بإمكان العرب الآن، على سبيل المثال، قراءة الصحف الإسرائيلية على الإنترنت.

وأخيرا، هناك المدونون. حيث كشف المسح الذي أجراه مركز بيركمان حول المدونات العربية عن وجود أكثر من 35،000 مدونة باللغة العربية. وتحظى مصر بالنصيب الأوفر من هذه المدونات، حيث يوجد بها الآلاف من المدونين السياسيين الذين يشكلون مختلف ألوان الطيف السياسي. وقد تأكد حجم ما يتمتع به أولئك المدونون من تأثير في عام 2006 عندما عرض العديد من المدونين مقطع فيديو يظهر رجلًا يتم انتهاك عرضه علي يد بعض رجال الشرطة. وكانت السرعة التي تم بها عرض مقطع الفيديو على مواقع المدونين، سببا جعل من الصعب تجاهله. حيث حكم على رجال الشرطة الذين ارتكبوا هذا العمل بثلاث سنوات سجنًا في العام التالي مباشرة.

كما ينشط السعوديون أيضا في مجال المدونات العربية. ووفقا لمركز بيركمان، فإن نصف المدونين السعوديين تقريبا - 46 ٪ - هم من النساء. والعديد من هؤلاء النساء المدونات يركزن فيما يكتبنه على حياتهن الشخصية، ولكن بعضهن الآخر يركز على القضايا العامة المختلفة مثل أما  ريم أسعد،وهى محاضرة في التمويل  تقيم في جدة والتي   شنت أخيرًا حملة على الإنترنت لاستبدال البائعين الرجال ببائعات من النساء في المتاجر التي تبيع الملابس الداخلية للنساء فإنها تذكر   في مدونتها التي تحمل خلفية  ذات لون قرنفلي فاتح  ((www.reemasaad.blogspot.com،  ، أن هدفها هو "زيادة وتعزيز الوعي الاجتماعي والاقتصادي في المملكة العربية السعودية"

وقد لاحظ أحمد عمران، الذي يكتب مدونة باللغة الإنجليزية عن المملكة العربية السعودية، أن هناك تغييرًا ملحوظًا يشير إلى التقبل  المتزايد للمدونين من جانب المجتمع والحكومة. فهو يقول إن: "من الأشياء المثيرة للاهتمام، أن المزيد والمزيد من الناس، على مدى العامين الماضيين، قد أصبحوا يستخدمون أسماءهم الحقيقية في المنتديات و المدونات".

و من الصعب معرفة مدى تأثر صانعي القرار بما يرونه على شبكة الإنترنت. ولكن الإنترنت على الأقل قد نجحت في كشف أوجه القصور التي يعانون منها. فعندما فتح جمال مبارك الباب أمام الجمهور لطرح ما يريد من أسئلة، من خلال موقعه على الإنترنت و الذي يحمل اسم "شارك" (www.sharek.eg)، سارع المواطنون بتقديم العديد من الشكاوى بشأن ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفساد في مصر.

كما أجبر الانتشار الواسع النطاق للإنترنت المسئولين على مراجعة تصرفاتهم. حيث قال أحد المسئولين  الإعلاميين العرب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إنه قد أصبح من المعتاد سماع هذه العبارة خلال اجتماعات الموظفين: "لا أستطيع أن أفعل ذلك. فنحن لا نريد أن ينشر أحدهم مقطع فيديو آخر على موقع يوتيوب يسيء إلينا". فيبدو كما يقول المسئول الإعلامي، " أن مقاطع الفيديو الموجودة على موقع يوتيوب قد أصبحت مصدرًا للمعلومات يخشاه المسئولون ".

ولكن الساسة بدأوا يدركون أن هذه الشعبية التي تتمتع بها الإنترنت بمكن أن تكون أيضًا في صالحهم. فعلى سبيل المثال جاءت لقاءات جمال مبارك من خلال شبكة الإنترنت، جزءًا من الجهود التي يبذلها الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لتطويع شبكة الإنترنت لمصلحته و استخدامها للترويج لفكره. كما ظهرت عشرات من المجموعات على موقع الـ"فيس بوك" المؤيدة والمعارضة على حد سواء للقضية الكبرى في مصر هذه الأيام: هل سيتقدم جمال مبارك لخلافة والده كرئيس للبلاد؟

بذور التحول

ويقول بعض الخبراء إنه  بالنظر إلى هذه التجارب المختلفة في التعامل مع الإنترنت، ينبغي أن ينظر إلى تأثير الإنترنت على أنه يشبه البركان الذي يثور ببطء، وهى الثورة التي قد تؤدى في نهاية المطاف إلى إعادة تشكيل السياسة الشرق أوسطية. وحجتهم في ذلك هي أن التأثير الأكبر للإنترنت يكمن في التغيير الذي يحدث في الحياة الحقيقية  للأفراد  نتيجة لما يقومون به من أنشطة  عبر الإنترنت، حيث تؤثر هذه الملايين من التحولات الفردية على المجتمع ككل في نهاية المطاف.

وقد أمضت أستاذة  العلوم السياسية في الأكاديمية البحرية الأمريكية، ديبورا إل ويلر، ما يربو على عقد كامل في عقد مقابلات مع السكان العرب الذين يستخدمون الإنترنت في الغالب في أنشطة غير سياسية. وقد ذكرت ويلر في البحث الذي نشرته في عام 2006: "إن الأنشطة التي يمارسها هؤلاء المواطنون من خلال الإنترنت قد تبدو لا غبار عليها من وجهة نظر الدولة. لكن لو أمعنت الدولة النظر جيدًا ستجد أن هذه الأنشطة قد تحتوي على بذور نمو بطيء لتحولات مهمة من خلال زيادة وعي الجماهير بالقضايا العالمية".

كما ذكرت ويلر في بحثها أنها وجدت أن الأنشطة التي يمارسها البعض من خلال الإنترنت، بدءًا من قراءة الأخبار وانتهاءً بدخول غرف الدردشة، تساعد على جعل "الناس أكثر انفتاحًا في تفكيرهم وأكثر ثقة وأكثر اطّلاعًا و أكثر إحساسًا بالأمان في التعبير عن آرائهم". و أوضحت أيضًا أن زيادة عدد مستخدمي الإنترنت قد تزامن مع" صراحة لم يسبق له مثيل في السياسة العامة "، مما يشير إلى " ارتباط كلا الأمرين ببعضهم البعض".

وخلصت ويلر في النهاية إلى أن" الضغوط الدولية للانضمام إلى اقتصاد المعرفة تعني أن دول المنطقة لم تعد تستطيع تحمل إبقاء شعوبها مكممة ومعصوبة الأعين فيما يتعلق بشبكة الإنترنت.. وكما كان من الصعب في الماضي إحداث تحرر اقتصادي دون وجود ديمقراطية، فبالمثل، من الصعب الحفاظ على الحريات التي تدعم  ابتكار وروح المغامرة  في مجال الأنشطة الرقمية، بينما في نفس الوقت لا يتم استخدام هذه المفاهيم والأدوات نفسها في إعادة هندسة الحياة السياسية والاجتماعية، بدءًا من الأسرة و انتهاء بالمجتمع والدولة".

باختصار، فإننا ربما كنا بصدد تعجل النتائج. و لكننا ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن ما يحدث في الشرق الأوسط ليس سوى بداية ثورة رقمية، وأن هذه الثورة مازال لديها الكثير في جعبتها بالنسبة لنا جميعًا فيما يتعلق بخبرات التعامل مع الإنترنت. وتشير كل هذه التغييرات التي جلبتها الإنترنت إلى المنطقة فيما يتعلق بالوعي الاجتماعي والوصول إلى المعلومات ومشاركة القاعدة الشعبية العريضة، إلى حتمية وجود عالم سياسي جديد في نهاية المطاف.

font change