عشرينات القرن العشرين... معرض تشكيلي لكنوز وروائع الفن المصري

إيهاب اللبان لـ«المجلة»: العشرينات هي المفتاح الذهبي للفن التشكيلي المصري

تمثال «العودة من النهر» من أعمال محمود مختار

عشرينات القرن العشرين... معرض تشكيلي لكنوز وروائع الفن المصري

القاهرة: معرض فريد من نوعه يحتضنه مجمع الفنون في الزمالك (قصر عائشة فهمي)، يضم كنوزاً من روائع الفن التشكيلي المصري التي لا تقدر بثمن، وتتزايد قيمتها الفنية يوماً بعد يوم وتتنافس عليها دور المزادات العالمية مثل كريستيز، وسوذبيز.


«الفن المصري في عشرينات القرن الماضي» يمثل بانوراما للفترة الزمنية ما بين 1920 وحتى 1929، تلك  الحقبة الغنية التي تشكلت فيها ملامح الدعوة للقومية المصرية عبر فضاء اللوحات وتفاصيل وملامح الأعمال النحتية.


يضم المعرض لوحات 20 فنانا وفنانة، منهم رائد فن التصوير المصري المعاصر محمود سعيد والنحات الشهير محمود مختار، وهو مستمر حتى بداية شهر أغسطس (آب) المقبل.

لوحة بورتريه للفنان محمود سعيد بريشته

مرجع للباحثين في حقبة العشرينات
«المجلة» التقت بالفنان التشكيلي إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون في الزمالك المطل على النيل، الذي تحدث عن أهمية المعرض وقيمته، قائلا: «يأتي المعرض ضمن مظاهرة الاحتفال بتلك الحقبة الثرية الغنية بألوان الإبداع في تلك الفترة، والتي نظمتها وزارة الثقافة المصرية بكل قطاعاتها وقد افتتحته الوزيرة الفنانة إيناس عبد الدايم».


ويشير إلى أنّ «المعرض يمثل مرجعاً للباحثين والدارسين لهذه الفترة الذهبية من تاريخ الفن التشكيلي المصري، تم جمعها في مكان واحد ليلقي الضوء على الإشعاع الثقافي والفني الذي تميزت به هذه الحقبة، والتي أجد أنها تمثل مفتاحا ذهبيا للفن التشكيلي المصري الحديث».


وقد تميزت معارض مجمع الفنون بنزعة تثقيفية شاملة تبرز جوانب القوة في تيارات الفن التشكيلي المصري المختلفة بهدف تعريف الأجيال الجديدة بمراحل تطور هذا الفن ونقاط القوة التي تميزه.


ويعتبر المعرض رحلة عبر الزمن لفترة الوهج الفني في بدايات القرن العشرين الحافلة التي شهدت مصر فيها سطوة نجوم الفن في مختلف المجالات، سواء في الفن التشكيلي أو المسرح أو السينما أو الأدب، فتأخذك الأعمال إلى المناخ الثقافي السكندري الذي شكل وجدان محمود سعيد والذي ارتبط بوجود جاليات أجنبية متنوعة، بينما تبرز أعمال محمود مختار براعة في اسلتهام التراث الفرعوني في تفاصيل المنحوتات وتجسيد الفلاحة تعبيرا عن الهوية المصرية، كذلك اختيار راغب عياد موضوعات لوحاته من الريف والأحياء الشعبية والأسواق متحررا من قواعد الفن الأكاديمية التي درسها في إيطاليا. إجمالا، تبرز الأعمال تيار تحرر من القواعد الأكاديمية في الفن التشكيلي ومثالياتها ليخلق كل فنان بصمته الخاصة والإيقاع المميز له سواء في النحت أو التصوير.


يضيف اللبان مستكملاً حديثه عن المعرض: «في عام 1908 حينما تأسست كلية الفنون الجميلة بدأت ملامح ومنهج للفن المصري الحديث بتقنيات مأخوذة عن الفن الأوروبي، حدث تطور وتأسيس فعلي وقاعدة وكيان للفن التشكيلي المصري لكن العشرينات هي الفترة الخصبة التي أعقبت ثورة 1919 وبدأ التيار الليبرالي ورغبة في الانفتاح على العالم يؤسس لمنهج مختلف في إنتاج الثقافة، وحراك فعلي مجتمعي يشكله المثقفون وكل مناحي الثقافة المصرية حدثت فيها موجة من التغيير. والبحث فيما تم إنتاجه في هذه الفترة ساهم فيها فنانون من أصول أرمنية وشامية وتركية، هناك فنانون مشهورون جماهيريا وهناك فنانون آخرون غير معروفين سوى على النطاق الفني الأكاديمي ومنهم علي الأهواني وجورج صباغ وأحمد صبري وشعبان زكي ومحمد حسن».    

لوحة للفنانة إيمي النمر من مقتنيات متحف الفن المصري الحديث


ويلفت إيهاب اللبان: «المعرض يسلط الضوء على القاعدة التي ارتكز عليها الرواد من الفنانين وفتحوا الطريق لأجيال كثيرة بعدهم. محمود سعيد ومحمود مختار وراغب عياد ويوسف كامل وضعوا اللبنة الأولى فيما يسمى الفن المصري الحديث، فقد كانت لديهم مثابرة واجتهاد لشق الطريق، في هذا التوقيت أيضا أنشئت جمعية الفنون الجميلة فكانت فترة نهضة يتماوج فيها الإبداع مع الحس الشعبي بالتحرك بوازع القومية المصرية».

نقطة تمركز الفن التشكيلي
وعن فترة العشرينات يقول اللبان: «هي الفترة الحقيقية التي سمحت بوضع نقطة تمركز للفن التشكيلي بهوية عربية بعد فترة من التأثير الأوروبي الذي أعقب فترة الاستشراق؛ إذ إن لوحات المستشرقين ركزت على طبيعة الحياة البكر وعادات المصريين ونمط حياتهم التي كانت محور بحث للمستشرقين وهي الأعمال الفنية التي سجلت تفاصيل الحياة وباتت مرجعا عن حياة المصريين في مجالات السينما والتلفزيون».  


ويضيف: «تلك الحقبة بكل الحراك الثقافي والاجتماعي خلقت وسطا ثقافيا صلبا يتمدد ويتطور حتى أصبحت لدينا قاعدة فنانين؛ كل له لونه وشخصيته، انطلقت من القاهرة والإسكندرية وتوسعت وتشعبت لتشمل المدن المصرية».


وحول وجود أعمال تنبض بالحيوية والحداثة لفنانات لسن معروفات خارج النطاق الأكاديمي، يقول اللبان: «من أهم الأعمال المعروضة لوحات إيمي النمر وسوزان عدلي، فقد أردنا أن نسلط الضوء على وجود فنانات مؤثرات وفاعلات في المجتمع المصري». مضيفا: «واجبنا أن نبحث بعناية عن مجموعة الأعمال الهامة عبر البحث في كل ما أنتج في هذه الفترة ونقدمها في سياق منهجي قادر على أنه يجذب عين المشاهد ويحرك مشاعره وعقله».


ويوضح مدير مجمع الفنون: «استعنا في تنظيم هذا المعرض بالمتاحف المصرية، ومنها: متحف الفن الحديث ومحمود مختار ومحمد ناجي ومتحف محمود سعيد ومجموعة من مقتنيات بعض الأفراد لنجمع ملامح تلك الحقبة وقد استغرق الإعداد للمعرض عدة أشهر حيث تمت دراسة بانورامية لكل الأعمال التي أنتجت في عشرينات القرن الماضي وتم ترميم بعض الأعمال من قبل فريق عمل ماهر ومتخصص في مجمع الفنون».

من المعرض


ويؤكد اللبان: «سيتم توثيق كل هذه الأعمال بمعلومات وتفاصيل إنتاجها في كتالوج مفصل يضم أيضا شكل وتنسيق العرض الذي نقدمه في مجمع الفنون والذي يضاهي أحدث طرق العرض العالمية بأبسط الإمكانيات».


يكفل المعرض تجربة فريدة من نوعها، إذ يجمع روائع ليس لها مثيل من كنوز الفن التشكيلي المصري ما يضمن جولة ممتعة مع سيناريو عرض فني من الطراز الرفيع، صممه الفنان إيهاب اللبان وتم بعناية شديدة وبدقة أبرزت اللوحات وكأنها تشع بوهج يخطف الأنظار، وكأنها أنتجت حديثا بالرغم من مرور أكثر من100 عام على إنتاجها، فالمعروضات من لوحات زيتية أنيقة تحاور جدران قصر عائشة فهمي أو مجمع الفنون بكل ما يحمله من فخامة، بينما تدور حوارية فنية أخرى بين أعمال النحت والتصوير والرسم.

font change