سيول بين تهديد كوريا الشمالية واندفاع ترمب

عالقة في المنتصف

سيول بين تهديد كوريا الشمالية واندفاع ترمب

[caption id="attachment_55261545" align="aligncenter" width="1337"]مايك بينس ورئيس الوزراء هوانج كيو اهن بعد مؤتمرهما الصحفى المشترك فى 17 ابريل 2017 فى سول بكوريا الجنوبية (غيتي). مايك بينس ورئيس الوزراء هوانج كيو اهن بعد مؤتمرهما الصحفى المشترك فى 17 ابريل 2017 فى سول بكوريا الجنوبية (غيتي). [/caption]

واشنطن - كاثرين إتش إس مون

* تواجه كوريا الجنوبية ضغوطاً من ثلاث جهات: عدوها في الشمال، وحليفتها ذات القوة العظمى، وأكبر شريكة تجارية لها؛ الصين.
* سعى الرئيس الكوري الجنوبي إلى التصدي لاندفاع ترمب كي يمنع الحرب ويترك احتمالية إجراء حوار بين الكوريتين مفتوحة.
* لم تنجح الضغوط الدولية على الصين لفرض عقوبات صارمة ضد كوريا الشمالية في إبطاء تقدم قدرات بيونغ يانغ النووية أو إيقافها.




بعد إرسالها صاروخا صوب اليابان في الأسبوع الماضي، عادت كوريا الشمالية إلى تهديد الولايات المتحدة، مدعية أن آخر استفزازاتها كانت مجرد مقدمة لما تنتظره غوام. من المؤكد أن بيونغ يانغ سعيدة بالاستهزاء بأقوى دولة في العالم بإمكانياتها النووية المتنامية، ولكن الولايات المتحدة قد تكون مخطئة ببساطة إذا افترضت أنها الهدف النهائي لعدوانية كوريا الشمالية.
بالنسبة للولايات المتحدة، تُضعِف كوريا الشمالية المسلحة نووياً أهدافها الأمنية والسياسية التقليدية مثل منع الانتشار النووي، وتُزعزع استقرار منطقة شرق آسيا. ولكن بالنسبة لكوريا الجنوبية، هذا تهديد وجودي. وفي ظل تصاعد التوترات في الفترة الأخيرة، تخشى سيول جرها إلى حرب، أو على الأقل، الوقوع ضحية عمليات عسكرية متبادلة محدودة بين واشنطن وبيونغ يانغ.

تواجه كوريا الجنوبية ضغوطاً من ثلاث جهات: من عدوها في الشمال، وحليفتها ذات القوة العظمى عبر المحيط الهادي، وأكبر شريكة تجارية لها، الصين. بيد أن الرئيس مون جاي-إن، الذي تولى المنصب منذ ثلاثة أشهر فقط، يتعامل مع الضغوط على نحو جيد. في الأسابيع الأولى من رئاسته، تبنى مون خطاباً ألطف تجاه دونالد ترمب المتقلب، حيث وافق تماماً على اقتراح الرئيس الأميركي بتكثيف التعاون بين الحليفتين وفرض عقوبات أكثر صرامة على بيونغ يانغ. وفاجأ هؤلاء الذين افترضوا أنه كزعيم للمعارضة الليبرالية المدافعة عن الاتفاق قد يكون متهاوناً مع كوريا الشمالية. بعد أن أجرت بيونغ يانغ تجربة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في مطلع يوليو (تموز)، أكد مون على ضرورة فعل ما هو «أكبر من مجرد بيان»، ثم اقترح أن تُجري سيول وواشنطن تدريباً على إطلاق الصواريخ، والتي قد تستعد للتخلص من القيادة العليا في كوريا الشمالية في حالة الحرب.
كان مون أيضاً قد أصر، لدى توليه الحكم، على تعليق ومراجعة منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الأميركية المعروفة باسم «نظام ثاد»، والتي كانت قد بدأت بالفعل قبل رئاسته. ومد مون عدة أغصان زيتون لنظيره الكوري الشمالي، تنوعت ما بين مساعدات إنسانية سخية وحوار عسكري للحد من التوترات الحدودية ولم شمل الأسر التي فرقت بينها المنطقة منزوعة السلاح. (رفضت بيونغ يانغ جميع العروض حتى الآن). أهم ما تتسم به بادرات مون هو أنها تتجنب أسلوب الأفضلية والفوقية الذي كانت تبديه الرئيسة السابقة باك غن هي التي تم سحب الثقة عنها والإطاحة بها. تعرضت باك لهجوم من بيونغ يانغ، التي ترجمت سعيها إلى توحيد البلدين على أنه يعني انهيار كوريا الشمالية أو استحواذ كوريا الجنوبية عليها. ووصلت العلاقات بين الكوريتين إلى مستوى متدنٍ جديدٍ في أثناء فترة حكم باك.

في أغسطس (آب)، بدأ مون تشديد خطابه تجاه واشنطن، معلناً أنه لن يسمح مطلقاً بتورط كوريا الجنوبية في حرب أخرى بشبه الجزيرة. وقال بجرأة إن أي إجراء عسكري أميركي ضد كوريا الشمالية سوف يتطلب موافقة كورية جنوبية. ومع أن معظم الزعماء الوطنيين يحتفظون بحق التأكيد على السيادة الوطنية، فإن رؤساء كوريا الجنوبية نادراً ما كانوا يخبرون واشنطن بذلك القدر من الصراحة عما تستطيع أو لا تستطيع فعله. قد يأمل مون في أن يكون أكثر صرامة بشأن التعامل مع كلٍ من كوريا الشمالية والولايات المتحدة لكي يتجنب أن تحاصره أي مبادرة منهما.
يتناقض ذلك مع الإدارة السابقة، التي كانت في الغالب تنتظر واشنطن لكي تأخد موقفاً تجاه كوريا الشمالية. ولكن أصاب «الصبر الاستراتيجي» الذي انتهجه الرئيس السابق باراك أوباما الكوريين الجنوبيين بالإحباط، وجعلهم يتوقون إلى وضع سياسة فعَّالة ضد كوريا الشمالية. من جهة أخرى، أوضح مون أنه سيتبع نهجاً صارماً تجاه بيونغ يانغ مع ترك الباب مفتوحاً للحوار. في 17 أغسطس، أعلن أنه قد يطبق «خطاً أحمر» على إمكانيات كوريا الشمالية النووية، وهي الخطوة التي لم يرغب أي زعيم في العالم في اتخاذها. وفي خطابه، أوضح أن ذلك الحد سيكون «إتمام تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات والقدرة على تسليحه برؤوس نووية». في الوقت ذاته، سعى مون إلى التصدي لاندفاعية ترمب كي يمنع الحرب ويترك احتمالية إجراء حوار بين الكوريتين مفتوحة.
الأمر الذي قد يجعل مون أكثر تأثيرا في منهجه الساعي إلى التوازن بين الانفتاح والصرامة هو تحسين كفاءة الجيش الكوري الجنوبي. في نهاية يوليو، بعد سلسلة من التجارب الصاروخية التي أجرتها بيونغ يانغ، طلبت سيول إجراء محادثات مع واشنطن بشأن زيادة حمولة الصواريخ الكورية الجنوبية. قد يرفع تعزيز قوة صواريخ سيول من قدرتها على تدمير مستودعات تحت الأرض أو مواقع نووية في كوريا الشمالية. تسعى سيول أيضاً إلى إنشاء غواصات نووية لمواجهة التطورات التي أحدثتها كوريا الشمالية في صواريخها الباليستية التي تطلقها غواصات، والتي كانت جزءاً من جهود بيونغ يانغ لتنويع ترسانتها النووية وزيادة مرونتها الاستراتيجية والحد من ضعف أنظمتها الأرضية.

في الفترة الأخيرة، أصدر مون أوامره لوزارة الدفاع بتعزيز التأهب للحرب في حال وقوع اعتداء أو غارة من كوريا الشمالية. تحقق دعوته إلى إصلاح دفاعي شامل هدفين. سوف تعزز موقفه ضد كوريا الشمالية وتضعه أيضاً في موقف أفضل للاستحواذ على قيادة العمليات من الولايات المتحدة إذا اندلعت الحرب. وكلاهما من شأنه أن يزيد سيادة كوريا الجنوبية وسيطرتها على أمنها الخاص.
أكبر تحدٍ يواجهه مون في الوقت الحالي هو التعامل مع دعوات محلية لتسليح كوريا الجنوبية نووياً بإعادة تقديم الأسلحة النووية التكتيكية الأميركية أو إنشاء ترسانتها الخاصة. عادة ما تجد فكرة تطوير أسلحة نووية دعماً من المعارضة المحافظة، إلا أنها بدأت تكتسب تأييدا أوسع. في سبتمبر (أيلول) عام 2016، كشفت دراسة من معهد غالوب أن 58 في المائة من الكوريين الجنوبيين يؤيدون تطوير ترسانة نووية في الداخل، في مقابل 34 في المائة فقط يعارضون الفكرة. ومع أن إدارة مون تعارض بقوة التسلح النووي، فقد كان معارضاً أيضاً لمنظومة «ثاد» ولكنه وافق عليها وسمح بتوزيعها بالكامل.
في ظل قيام كوريا الشمالية بإجراء عدد من التجارب الصاروخية واستعراض معدات نووية، وخطاب ترمب المنادي بـ«أميركا أولا» وعدم ثبات سياسته الخارجية، من المرجح أن يزداد تأييد الكوريين الجنوبيين للتسلح النووي. قد ينتهك ذلك بالطبع الإعلان المشترك لنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية الذي وقعت عليه سيول وبيونغ يانغ في عام 1992، ولكن الأخيرة انتهكت تعهدها بالفعل منذ سنوات. ومع ذلك، من المرجح أن تشعل ترسانة نووية كورية جنوبية سباق تسلح نووي في شرق آسيا ويؤدي إلى تفكك المظلة النووية التي حافظت عليها الولايات المتحدة على مدار أكثر من نصف قرن. وقد يقضي أيضاً على تفوق كوريا الجنوبية الأخلاقي ومبررها السياسي لمطالبة كوريا الشمالية بنزع سلاحها النووي. حتى الآن، يستمر مون في تقوية موقفه. وبعد تهديد كوريا الشمالية بالحرب الأسبوع الماضي، ردت سيول بإرسال ثمانية صواريخ صوب الحدود مع كوريا الشمالية ونشرت صوراً لتجاربها الصاروخية الخاصة.

تمارس المواجهة النووية مع كوريا الشمالية ضغوطاً على اقتصاد كوريا الجنوبية المتعثر. يشعر الشباب خصوصاً باليأس بسبب البطالة وما إذا كان لهم مستقبل. شهد معدل البطالة في كوريا الجنوبية للشباب في سن 15 - 24 عاما أعلى زيادة له بين جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فيما بين ديسمبر (كانون الأول) 2016 وأبريل (نيسان) 2017.
في استفادة من الموقف، تستخدم الصين أدوات اقتصادية لمعاقبة سيول على نشر منظومة «ثاد». ونجحت في دعوة مواطنيها إلى مقاطعة منتجات كوريا الجنوبية التي تنتجها شركات كبرى مثل هيونداي وكيا ومجموعة لوته، التي تستخدم الحكومة الكورية أراضي مملوكة لها في كوريا الجنوبية لاستضافة نظام «ثاد». وأوردت مجموعة تسوق لوته انخفاضاً بنسبة 88 في المائة في أرباحها في الصين خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وتأتي 30 في المائة تقريبا من مبيعات لوته خارج كوريا الجنوبية من الصين. وأفادت تقارير في سبتمبر، أن المقاطعة الانتقامية الصينية أضرت بشدة بشركة هيونداي أيضا. وانخفضت مبيعات الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي بنسبة 41 في المائة مما أضر بتدفق الأموال وتسبب في غلق مؤقت لأربعة مواقع تصنيع. كذلك تم حظر السياحة الصينية إلى كوريا الجنوبية وفُرض منع أحادي الجانب على منتجات ثقافية مربحة، تتنوع ما بين البُوب الكُوري (كي بوب) إلى حفلات الموسيقى الكلاسيكية. وخسرت كوريا الجنوبية ما يقدر بـ4.7 مليار دولار من عائدات السياحة القادمة من الزوار الصينيين بناء على أرقام الإنفاق الخاصة بعام 2016.

لم تنجح الضغوط الدولية على الصين لفرض عقوبات صارمة ضد كوريا الشمالية في إبطاء تقدم قدرات بيونغ يانغ النووية أو إيقافها. بيد أن عقوبات الصين غير الرسمية ضد كوريا الجنوبية تسبب صعوبات اقتصادية حقيقية للمجموعات التجارية العائلية، والمستثمرين الثقافيين، والعمال العاديين على حد سواء، في حين تعد العلاقات الدبلوماسية مع بكين ضرورية لأهداف سيول الجغرافية السياسية والاقتصادية.
على الجانب الآخر من المحيط الهادي، تعتزم إدارة ترمب فرض مطالب تجارية أكثر صرامة على كل من الصين وكوريا الجنوبية مع الضغط على كلتيهما للتعاون في مواجهة التحدي النووي الذي تمثله كوريا الشمالية. يضع ذلك كوريا الجنوبية على طريق صعب: إذ يجب أن تحقق توزاناً بين أولوياتها الأمنية والاقتصادية، مع تحسين العلاقات مع قوتين لا غنى عنهما. وفي هذا الضوء، ليس غريباً أن كوريا الشمالية، مع شعورها بغياب التضامن بين من يستطيعون إيقافها، قررت في الأسابيع الأخيرة اختبار قوة التحالف.

* نشر هذا المقال في «فورين آفيرز».
font change