الوزير السابق زياد بارود: لا يحق لرئيس الجمهورية البقاء في منصبه فور انتهاء ولايته

قال لـ«المجلة»: ينبغي مراجعة اتفاق الطائف وبنوده التي لم تطبق

الوزير السابق زياد بارود.

الوزير السابق زياد بارود: لا يحق لرئيس الجمهورية البقاء في منصبه فور انتهاء ولايته

بيروت:  يكاد وزير الداخلية اللبناني السابق المحامي اللامع زياد بارود، أن يكون الوحيد الذي تتقاطع الأطراف كلها عند تقديره، فهو ليس له عدو في السياسة، وقد نسج شبكة علاقات واسعة مع مختلف الأطياف مبنية على الاحترام المتبادل والتقدير والمصلحة الوطنية.


لم يلوّث زياد بارود يديه بأدران السياسة، وبقي مترفّعاً لا تغرّه المواقع ولا تغويه المناصب...


وهو إلى ذلك موسوعة قانونية، يلجأون إليه عندما يبحثون عن رأي قانوني سديد، في القانون الدستوري كما في القانون الوضعي العام ...
ولزياد بارود صداقات عربية ودولية ترتكز إلى انفتاحه على الآخر في إطار الثوابت والمصلحة الوطنية التي كرّس ذاته من أجلها، فحظي باحترام أهل السياسة والقانون والاقتصاد والمال والأعمال، وأيضا نال ثقة الفئات الشعبية على اختلاف تنوعها واقتناعاتها ...


ولهذا كله، ولاعتبارات عديدة قد لا يتسع لها المجال ليس مصادفة أن اسم زياد بارود يُطرح تلقائياً عند كل استحقاق رئاسي.


كيف ينظر زياد بارود إلى الواقع السياسي بعد تعثر تشكيل الحكومة الجديدة بسبب الخلافات الدائرة على الحصص والحقائب في وقت يخوض فيه لبنان مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومفاوضات غير مباشرة لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وما هي الأضرار التي سيتكبدها البلد المنهك أساساً بسبب الصراعات السياسية الدائرة لأسباب وطموحات شخصية... «المجلة» التقت بارود وكان هذا الحوار:

* في حال عدم تشكيل حكومة جديدة هل بإمكان الحكومة الحالية أن تقوم بمهام رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون؟
- في الواقع، لم يميز النص الدستوري (المادة 62) بين حكومة مكتملة الصلاحيات وحكومة تصريف أعمال في حال خلو سدة الرئاسة، بل اكتفى النص بالقول إن مجلس الوزراء هو الذي يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة. وبين الفراغ في هذا الموقع وتولي صلاحياته من قبل مجلس الوزراء بالوكالة، يتقدم الخيار الأخير ولو في حكومة مستقيلة. لكن ما تجدر الإشارة إليه أن هذه الأخيرة لا تستطيع أن تمارس صلاحيات الرئيس إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، كونها مستقيلة، على ما جاء في المادة 64 من الدستور. والمعنى الضيق لتصريف الأعمال يعني أن تقتصر القرارات على ما هو ملح فعلا، و/أو ضروري للغاية لسلامة البلد وأمنه أو على ما يرتبط بمهل دستورية أو قانونية لا يجوز تخطيها. هذا ما استقر عليه اجتهاد مجلس شورى الدولة منذ 1969. وفي قرار مبدئي آخر عام 1995، أضاف المجلس المذكور شرطا آخر وهو أن لا تنطوي ممارسة الحكومة المستقيلة للصلاحيات (بالمعنى الضيق) على ما يمكن أن يرتّب أعباء جديدة على الدولة.
الفراغ الرئاسي

* هل يحق لرئيس الجمهورية البقاء في منصبه في حال انتهت ولايته مع أن الفراغ الرئاسي حصل في عهدي الرئيس لحود والرئيس سليمان؟
- إطلاقاً، الدستور واضح لهذه الجهة ولا سوابق لبقاء الرئيس بعد انتهاء ولايته، كما أن الرئيس نفسه صرح أكثر من مرة بأنه سيغادر القصر الجمهوري فور انتهاء الولاية. نحن هنا أمام ولاية دستورية ناتجة عن انتخاب ولسنا في معرض استمرارية المرفق العام، لأن هذه النظرية الأخيرة تسري بالنسبة للإدارة وليس على موقع دستوري بهذا الحجم. وفي أي حال، فإن سوابق الفراغ في سدة الرئاسة، في كل مرة لم يتمكن مجلس النواب في انتخاب الرئيس ضمن المهلة، تؤكد على ذلك.

* ما الأضرار التي ستلحق بالبلد في حال استمر الوضع الحالي إن على صعيد مفاوضات الترسيم أو على صعيد المفاوضات مع صندوق النقد؟
- الأضرار قائمة أصلا، ولبنان يعاني اقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا لأكثر من سبب، لكن ما تفضلتم به من سؤال يشير إلى الترابط الكبير بين الواقع المأزوم وأي تحسن في الوضع، من جهة، وبين أي تقدم يتم إحرازه على صعيد ترسيم الحدود البحرية والمفاوضات مع صندوق النقد، لأن إنجاز أي خرق على هذين المستويين لا شك سيؤدي إلى حلحلة إيجابية. والعكس صحيح. ولذلك أرى أن مماحكات الوقت الضائع تزيد الأمور تعقيدا، في حين أن المطلوب موقف لبناني حاسم وجاد ومتضامن إزاء هذين العنوانين خصوصا. الإرباك الحاصل بين الخطين 23 و29 يضعف موقف لبنان التفاوضي غير المباشر، والتباين في الأرقام وفي ترتيب المسؤوليات في الموضوع النقدي والصرفي يجعل صندوق النقد غير قادر على حسم دوره، خصوصا في ظل تعثّر خطة التعافي والخلاف الداخلي حولها وفي ظل عدم إحداث خروقات جدية في موضوع الإصلاحات المطلوبة. كل هذا المشهد يفاقم في أزماتنا ويضع المسؤولين عن التعطيل في دائرة المسؤولية الوطنية والتاريخية وإنما أيضا القانونية، لأن ثمة شعبا بكامله يتعرّض لإبادة اجتماعية- معيشية.

تصريف الأعمال

* ما الإطار القانوني لعمل حكومة تصريف الأعمال؟
- منذ استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، لا تستطيع حكومة تصريف الأعمال أن تمارس صلاحياتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، بحسب المادة 64 من الدستور. وقد فسر مجلس شورى الدولة هذا المعنى الضيق على أنه كل ما هو ملح و/أو يرتبط بمهل دستورية أو قانونية وكل ما لا يلقي أعباء مالية جديدة على الدولة. وقد استند القضاء اللبناني في قراراته مراراً إلى الاجتهاد الإداري الفرنسي مميزا بين الفئات الثلاث التالية المتعلقة بأعمال الحكومة:
• الأعمال العادية بطبيعتها: وهي القرارات اليومية الروتينيّة التي تعدّها المراجع الوزارية المختصة والتي يوقّعها الوزير ببساطة بعد الاطّلاع عليها.
• الأعمال المهمة: وهي القرارات التي لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال اتخاذها إلا في حالات الطوارئ. وتبقى هذه القرارات، في أي حال، خاضعة إلى الرقابة القضائية لمجلس شورى الدولة، فيحدد هذا الأخير الأعمال الممكن اعتبارها «مهمة» كما له سلطة إبطال أي قرار صادر عن حكومة تصريف الأعمال يرى فيه تجاوزًا لحدود «المعنى الضيّق»، ولو في حالات الطوارئ.

• الأنظمة القانونية الرئيسية: وهي التي تعدّل الأحكام القانونية والحقوق المعترف بها قانوناً، وهي لا تندرج على الإطلاق ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال.


في الواقع، ثمّة ميلٌ لتفسير «الأعمال العادية» بالقرارات المطلوبة فقط من أجل استمرارية عمل المرفق العام. ولكن الحالة الطارئة يمكنها أن تبرّر تجاوز حكومة تصريف الأعمال للمعنى الضيق لتصريف الأعمال العادية، في حال ضرورة الالتزام بالمهل الزمنية، أو في حال وجوب اتّخاذ إجراء سريع حرصًا على ضمان أمن وسلامة الدولة. وتبقى بالتالي ممارسة حكومة تصريف الأعمال لبعض الصلاحيات، وإن كانت محدودة بعد استقالتها، من الضرورات الملحّة، إذ من غير المنطقي قبول الفراغ المطلق في السلطة لحين تشكيل حكومة جديدة، لا سيما في مرحلة انعدام الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني. وهذا يعني أنّ حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع المشاركة في سياسات طويلة الأمد تلزم الحكومة اللاحقة ولا يمكنها اتخاذ قرارات سياسية رفيعة المستوى.

القضاء

* كيف تنظر إلى الواقع القضائي في هذه الأيام؟
- قضاة مستقلون وقضاء منهك من التدخلات السياسية في عمله وفي تشكيلاته. لن تستقيم الأمور إلا عندما يصبح القضاء سلطة مستقلة بالكامل. وهذا الأمر يرتبط بإقرار قانون استقلالية السلطة القضائية القابع منذ سنوات في المجلس النيابي، على الرغم من أن الدستور اللبناني يضع القضاء في مصاف المؤسسات الدستورية ويؤكد على مبدأ فصل السلطات. لكن القوانين الناظمة للسلطة القضائية، منذ نشوء الدولة، كانت تنتقص على الدوام من هذا الموقع واستقلاليته، لأن هذه الأخيرة تجعل المحاسبة أمضى وأفعل، ما يجعل الطبقة السياسية عموما غير قابلة بهذه الاستقلالية لأن فيها ربما مقتلها. وأعتقد أن ما حصل في لبنان في العقود الأخيرة، وقد تعاظم في السنوات الأخيرة، يؤكد أن لا أمل في تطوير النظام ومعالجة شوائب الإدارة والسياسة إلا من خلال قضاء مستقل، حيادي، عادل، منفصل كليا عن التأثيرات السياسية، إغراءً وترغيبا أو إقصاءً وترهيبا. هنا حجر الزاوية في البناء المؤسساتي المأمول، وإلا، عبثا نحاول ترميم هذا البناء المتهالك.

* باعتقادك ما الآلية المنطقية لتشكيل الحكومة في لبنان؟
- حاليا، الآلية تفترض توافقا تاما بين رئيسي الجمهورية والحكومة، المحكومين بالتوافق، حيث لا يستطيع أي منهما إلا التشاور مع الآخر، وهو ما يعيق تشكيل حكومات ما بعد الطائف، خصوصا في الفترة الأخيرة حيث المعدل الوسطي للتشكيل هو مائة يوم. الأمثل كان ليكون، ربما، حكومة أكثرية تحكم ومعارضة في المجلس وخارجه، في حين أن «النمط» المعتمد عموما منذ الطائف هو ما يسمى حكومات الوحدة الوطنية، وهذه الأخيرة قد تكون مفيدة أحيانا في الأزمات الداخلية، حيث المطلوب تشاور وتوافق حول طاولة مجلس الوزراء ولكن من علل هذا النوع من الحكومات أنها أولا تستغرق وقتا للتأليف وثانيا تؤدي إلى جعل مجلس الوزراء صورة مصغّرة عن مجلس النواب، فتضيع المساءلة المفترضة في زواريب الحصص والتوافقات الجانبية.

اتفاق الطائف

* ما إيجابيات وسلبيات اتفاق الطائف؟
- إيجابياته وقف الحرب، لا شك، وإيجابياته بعض ما أتى به من إصلاحات. في المقابل، السلبية الأولى هي في عدم تطبيق بعض أحكامه، كإنشاء مجلس الشيوخ أو تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة أو إلغاء الطائفية السياسية. أيضا، تحتاج بعض الثغرات الدستورية إلى معالجة، خصوصا منها ما يتعلق بحسن عمل المؤسسات الدستورية. مثلا: لا مهلة لرئيس الجمهورية للدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة ولا مهلة لهذا الأخير لتشكيل حكومته. سؤالي في معرض الكلام عن «الطائف»: لقد مرّ على الاتفاق أكثر من 32 سنة، لماذا لا نجري تقييما موضوعيا فنرى أين نجح وأين أخفق وما أفضل السبل لتطبيق الإصلاحات التي أتى بها؟ علينا أن نعترف بكل جرأة ومسؤولية بأن نظامنا السياسي مأزوم وبأن الأحكام الدستورية ينبغي أن تكون في خدمة انتظام الحياة السياسية واستقرار البلد. وهذا يحتاج إلى حالة تشاركية وتشاورية يبدو أنها غير واردة في ظل الأزمات الداخلية ورغبة البعض في تعليق لبنان على حبال انتظار مستجدات المنطقة.

* ما الأسباب التي دفعتك لعدم الترشح للانتخابات النيابية مع أن الكل كان ينظر إليك بأنك رأس الحربة للقوى التغييرية؟
- بالنسبة لي، لم يكن المقعد النيابي غاية بذاته يوما. ممارسة السياسة بمعناها النبيل والخدمة العامة لا تقتصر على 128 مقعدا في ساحة النجمة. عام 2022، حاولت مع رفاق وقوى ناشطة أن نقدم لائحة مستقلة بالكامل، لكننا لم نوفق في هذا المسعى بسبب تشتت القوى التي من المفترض أن تكون تشبه بعضها وبسبب القانون الذي لا يساعد في كثير من جوانبه وبسبب المال الانتخابي الوقح الذي يفسد الخيارات والنتائج. لكنني تابعت ودعمت حيث استطعت وأنا مستمر في تقديم أية مساعدة تدخل ضمن اختصاصي لعدد من النواب، من مشارب مختلفة، عندما يسعون إلى إصلاح تشريعي.
دراستان تشريعيتان

* قدمت دراستين تؤكدان على شراكة رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة وليس فقط حق قبول أو رفض الأسماء المعروضة عليه ما الخطوط العريضة لهاتين الدراستين؟
- قبل الطائف والتعديلات الدستورية التي أعقبته، كان رئيس الجمهورية هو من يسمّي رئيس الحكومة بتوقيع منفرد ومن دون أي إجراءات أخرى، أما بعده، فقد أصبح رئيس الجمهورية يسمي رئيس الحكومة استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة بإجرائها وبنتائجها. وعليه، تشكلت كل الحكومات منذ العام 1990 وحتى اليوم بذات الطريقة أي بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة. ونص الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور واضح لجهة أن رئيس الجمهورية هو الذي يصدر وبالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة. وهذا يعني دستوريا أن تشكيل الحكومة هو فعل مشترك بين الرئيسين ولا يستطيع أي منهما أن يتفرد بالتشكيلة الحكومية لأنه عندما يتحدث النص عن الاتفاق فهو يعني قانوناً أن التشكيلة تصدر بالتوافق. وعندما يقول النص الدستوري إن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء المرسوم، فإن «الإصدار» بالمعنى الدستوري هو فعل إيجابي وليس إجراءً شكليا ولا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة هما في حالة الصلاحية المقيدة، بل لكل منهما أن يستنسب في التوقيع أو عدمه، علما أن الدستور يتضمن بعض الحالات التي تكون فيها صلاحية رئيس الجمهورية مقيدة بمهلة أو شكليات معينة، كتسمية رئيس الحكومة بمجرد أن يعبّر النواب عن تفضيلهم في الاستشارات النيابية الملزمة. لكن في موضوع تشكيل الحكومة، لا مهلة ولا صلاحية مقيدة.
أي كلام عن أن هناك انتقاصا من صلاحية الرئاسة الأولى أو الثالثة هو كلام لا يتوافق مع النص الدستوري، حيث لا إقصاء لأحد ولا تقليل من صلاحيات أحد. قلت وأكرر إن المرجعيتين محكومتان بالاتفاق ولا يمكن لأحدهما أن يتفرد. لا يمكن لرئيس الحكومة أن يسلم رئيس الجمهورية تشكيلته ويُطالبه بالتوقيع عليها كما هي، ولا رئيس الجمهورية يستطيع أن يقول لرئيس الحكومة إن كامل تشكيلتك لا تعجبني فبدّلها. لا تتم الأمور بهذه الطريقة. منذ العام 1990 حتى اليوم شُكّلَت كل الحكومات وكم من المرات كان لرئيس الجمهورية هامش لتسمية وزراء وأيضاً رئيس الحكومة وطبعاً كان يتم التشاور مع كل القوى السياسية خصوصاً عندما تكون حكومة وحدة وطنية. طرح التشكيلة سياسي أكثر من كونه دستوريا.

font change