لبنان على المنعطف... إما «حزب الله» أو الأستقرار الاقتصادي

استقالة الحريري تفضح حلفاء إيران

لبنان على المنعطف... إما «حزب الله» أو الأستقرار الاقتصادي

[caption id="attachment_55262533" align="aligncenter" width="1479"]الحريري يطل من شرفة بيت الوسط و يحيي الجماهير الحريري يطل من شرفة بيت الوسط و يحيي الجماهير[/caption]

واشنطن - حنين غدار*


* أمران معرضان للخطر في لبنان: الاقتصاد والانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر عقدها في مايو (أيار) 2018
* استخدم نصر الله لبنان كغرفة لإدارة عملياته العسكرية الإقليمية من سوريا إلى اليمن مرورًا بالعراق والخليج
* لن يكون من السهل أن يحل محل الحريري قائد سني آخر له التمثيل الكبير ذاته داخل المجتمع اللبناني، وفي الوقت نفسه يقدم غطاء ملائماً لـ«حزب الله».




بعد أسبوعين من إعلان استقالته من الرياض، أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يوم الأربعاء تعليق استقالته. وعقب عودته إلى لبنان للاحتفال بيوم الاستقلال، صرح الحريري بأنه تجاوب مع طلب الرئيس ميشال عون بتعليق استقالته لإجراء مزيد من المشاورات حول الأسباب التي دعت إلى ذلك القرار.
لا يعني ذلك أن الأمور سوف تعود إلى ما كانت عليه. قدم الحريري الشروط التي حملها من الرياض، وهو يعطي فرصة الآن لعون لكي يتواصل مع «حزب الله». ولكن الأمر الواضح هو أن مرحلة ما قبل الاستقالة لم تعد قابلة للاستمرار، وأن لبنان دخل عصرًا جديدًا.


دعم إدارة أوباما لـ «حزب الله»




تمتع «حزب الله» بعصر ذهبي في لبنان، بدعم من إدارة أوباما لمدة أعوام. وفي ظل غياب أميركي كامل عن الساحة السياسية في المنطقة، استطاع الحزب تعزيز سيطرته على لبنان عبر مؤسسات الدولة وأحضر حليفه ميشال عون رئيسًا، ثم مرر قانونًا انتخابيًا سوف يضمن له الحصول على 70 في المائة من مقاعد البرلمان اللبناني القادم. كذلك استطاع «حزب الله» إجبار الدولة اللبنانية على العودة إلى التعاون مع النظام السوري، من خلال تنسيق عمليات عسكرية حدودية وإرسال سفير إلى دمشق.
على المستوى الإقليمي، استخدم «حزب الله» لبنان كغرفة عمليات عسكرية لإدارة عملياته العسكرية الإقليمية من سوريا إلى اليمن مرورًا بالعراق والخليج. لم يقف في طريقهم أحد، بل وساعدوا إيران على إقامة الهلال الشيعي، وهو الجسر البري الذي يربط بين طهران وبيروت والبحر المتوسط. ووصل نفوذهم في المنطقة إلى مرحلة أصبحت فيها إيران أحد الأطراف الأساسية لدرجة أن الدول الأوروبية تدرس في الوقت الحالي تغيير علاقاتها مع طهران لما هو أبعد من الاتفاقيات التجارية.


إجبار مؤسسات الدولة اللبنانية للتطبيع مع نظام الأسد




لن تغير استقالة الحريري كل شيء. بالطبع يجب أن يتبعها إجراءات أخرى واستراتيجية للمنطقة يمكن أن تضم كل من تعرضت مصالحهم الإقليمية للخطر بسبب هيمنة إيران. بيد أن بعض الأمور قد تغيرت بالفعل. على سبيل المثال، سوف يكون على «حزب الله» إعادة النظر في العديد من الخطوات المثيرة للجدل، مثل إجبار مؤسسات الدولة اللبنانية على التطبيع مع نظام الأسد. ولكن الأكثر أهمية هو أن «حزب الله» أصبح مفضوحًا الآن. في غياب حكومة الحريري للتغطية على هيمنته، عادت ترسانة «حزب الله» وعملياته الإقليمية إلى طاولة التفاوض على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. واليوم تتحمل الدولة اللبنانية ككل المسؤولية. لم يعد «الإجماع» الذي كان في صميم السياسة في لبنان أثناء العام الماضي ممكنًا.
لا شك في أن استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري هزت «حزب الله». كانت مفاجأة غير متوقعة. ونظرًا لأنه طُلب من الحريري تشكيل حكومة منذ عام تقريبا، كانت الفكرة هي البحث عن وسيلة لبقاء لبنان آمنًا من الاضطراب الإقليمي، وأيضا تحقيق توازن أمام سيطرة «حزب الله» المتنامية على الدولة اللبنانية ومؤسساتها. وعندما بدأ الرئيس ميشال عون فترته رئيسًا للبنان – بناء على هذه الخطة – كانت هناك آمال في أن يتمكن عون والحريري من العمل معًا لإيجاد هذا التوازن. ولكن أخفقت هذه الرؤية على نحو بائس.
على مدار شهور، أدرك اللبنانيون أن سيطرة «حزب الله» على لبنان ازدادت بالفعل، وفيما يبدو لا يوجد من يوقف إيران في سوريا والعراق واليمن. وأوشك الجسر البري الذي يربط طهران ببيروت على الانتهاء مع نهاية معركة البوكمال في دير الزور في سوريا. وأعلنت إيران انتصارها، وتقود روسيا عملية السلام في ظل وجود الأسد رئيسًا لسوريا.
أصبح لبنان منطقة آمنة لإيران، وأصبحت مسألة وقت فقط قبل أن يجر «حزب الله» لبنان إلى حروبه الإقليمية. واليوم لبنان منفتح على المواجهات الإقليمية لأن «حزب الله» قرر ذلك في عام 2012 عندما أرسل مقاتليه إلى سوريا. ولم يبدأ ذلك باستقالة الحريري أو رد فعل السعودية. تظل القضية الرئيسية هي دور «حزب الله» الإقليمي ولا يمكن أن يغير أي «إجماع» آخر هذا الأمر.
هناك أمران معرضان للخطر: الاقتصاد والانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر عقدها في مايو (أيار) 2018.


اقتصاد لبنان في خطر




لا يبدو أن أي قوة إقليمية أو دولية ترغب في بدء حرب مع «حزب الله» في لبنان في هذه المرحلة. قد يؤدي خوض هذه الحرب بسهولة إلى اندلاع حرب مع إيران في المنطقة، وذلك لسببين: الأول هو أن «حزب الله» لم يعد حزبًا لبنانيًا قاصرًا على لبنان. بل تجاوز دوره الإقليمي ليمتد في جميع أنحاء المنطقة، وسمح له ذلك بنشر أسلحته والحصول على أسلحة أخرى أحدث. ثانيًا، ربما تجر حرب إقليمية مع «حزب الله» العديد من الميليشيات الشيعية الأخرى للقتال، بالإضافة إلى فيلق القدس التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني والذي يعد غطاء لتلك الميليشيات. لذلك السبب يمكن أن يتم تطبيق إجراءات أخرى عقابية، مثل الضغوط الاقتصادية.
بالإضافة إلى العقوبات الأميركية القادمة على «حزب الله»، قد تستخدم السعودية ودول خليجية أخرى علاقاتها الاقتصادية مع لبنان لممارسة الضغوط.
تشير التقديرات إلى أن خمسة ملايين لبناني يقيمون في الخارج، وبالتالي تشكل التحويلات حوالي 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان. في عام 2016، أرسل اللبنانيون في الخارج إلى وطنهم حوالي 7.2 مليار دولار، علما بأن ثلثي هذا الدخل يأتي من دول مجلس التعاون الخليجي، مع تحقق أكبر قدر منه في السعودية. وربما يكون سبب القلق المباشر هو التهديد بأن السعودية- بالإضافة إلى الإمارات - قد تطرد مواطنين لبنانيين.
على الصعيد الداخلي، قد تؤثر استقالة الحريري على عدة قرارات مررها مجلس وزرائه في عام 2016، منها قرارات تنظم عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البحر بالإضافة إلى الموازنة الوطنية الجديدة، وهي الأولى في لبنان منذ اثني عشر عامًا. كما يملك الخليج تأثيرًا على التجارة اللبنانية التي تمثل 20 في المائة من إجمالي الصادرات اللبنانية. ولكن الأهم هو أن 80 في المائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان تأتي من الخليج، و40 في المائة منها في قطاع العقارات. في الفترة الأخيرة، شهد لبنان انخفاضًا بنسبة من 10 إلى 20 في المائة في قيمة العقارات. وقد تؤدي عمليات بيع خليجية بأسعار زهيدة إلى مزيد من التبعات الخطيرة على سوق العقارات اللبنانية.

كما تملك السعودية تأثيرًا على القطاع المصرفي اللبناني المهم. تبلغ قيمة الودائع السعودية في البنك المركزي اللبناني حوالي 860 مليون دولار، وهو المبلغ الذي وضع في الأساس للمساعدة على استقرار الليرة اللبنانية عندما تم انتخاب رفيق الحريري رئيسًا للوزراء لأول مرة في عام 1992. في الوقت الحالي بعد أن أعربت السعودية عن رؤيتها لـ«إعلان الحرب» اللبناني، وبعد أن استقال سعد الحريري، تظهر مخاوف من أن الرياض قد تسحب هذه الودائع. وفي حين تبلغ قيمة إجمالي الودائع حوالي 2 في المائة فقط من احتياطي النقد الأجنبي في لبنان، قد يهز سحبها الثقة في البنك المركزي، وذلك إن لم يزعزع استقرار الليرة.
فيما يتعلق بقطاع السياحة، قد تكون التبعات خطيرة أيضًا. قبل مقاطعة السياحة الخليجية الأولى للبنان في عام 2012، ردًا على عمليات «حزب الله» في سوريا لدعم نظام بشار الأسد، كان السياح السعوديون يشكلون ربع العدد الإجمالي لزوار البلاد. وعلى الرغم من بداية عودة السياحة الخليجية بالتدريج على مدار الأعوام، فهي لم تتجاوز 8 في المائة من الإجمالي. ويلحق انخفاض أعداد السياح الخليجيين ضررًا بالغًا بقطاع الفنادق، مع تراجع نسبة الإشغال إلى 40 في المائة مقارنة بمستويات عام 2010، وانخفضت تقييمات الفنادق بين عشية وضحاها إلى 56.6 في المائة من المستويات السابقة. وفي 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، نصحت الرياض المواطنين السعوديين بعدم السفر إلى لبنان؛ وسريعًا ما تبعتها الكويت والبحرين.


انتخابات برلمانية



يواجه لبنان اليوم فراغًا خطيرًا في مؤسساته. وقد علق الحريري استقالته لمدة أسبوعين، سيكون عليه بعدها الاستماع لعون و«حزب الله». وعلى الأرجح لن تتم الاستجابة للشروط التي قدمها للتراجع عن الاستقالة. وبالتالي سوف يستقيل رسميًا وسوف يكون واجبًا على عون قبول استقالته. بعد ذلك سوف تتجه أنظار الجميع صوب الانتخابات البرلمانية المقبلة.
لن يكون من السهل أن يحل محل الحريري قائد سني آخر له التمثيل الكبير ذاته داخل المجتمع السني، وفي نفس الوقت يقدم غطاء ملائمًا لـ«حزب الله». ولكن يرى كثير من اللبنانيين أن قانون المحاصصة الجديد الذي مررته حكومة الحريري يصب في صالح «حزب الله»، حيث يعطي «حزب الله» أغلبية المقاعد في البرلمان بالسماح لحلفائه بالحصول على مزيد من المقاعد. وسوف يحاول «حزب الله» بأقصى قوة إبقاء سيطرته على لبنان وسط تحديات إقليمية ومحلية متزايدة. إن اتخاذ دفعة خطيرة، لا سيما في ظل الانتخابات القادمة، ضروري في المرحلة المقبلة، ويعني ذلك في الأساس دعم مرشحين معارضين لـ«حزب الله» أو الدفع لتغيير قانون الانتخابات.
وعلى أي حال، سوف تكون المرحلة المقبلة في الأزمة اللبنانية شائكة، وسوف تتطلب جهودًا من جميع العناصر الإقليمية والدولية. وتعد ممارسة الضغوط على عون وإبعاد «حزب الله» عن الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى التركيز على دوره الإقليمي، من القضايا التي لا يجب التهاون فيها. ومع انضمام لبنان إلى المواجهة الإقليمية، سوف يتصل أي قرار في الأزمة الراهنة بحل القضايا الإقليمية وتحديدًا في سوريا والعراق واليمن. ويظل المتطلب الأساسي هو: احتواء إيران في المنطقة.

* حنين غدار: زميلة زائرة حاصلة على زمالة فريدمان الافتتاحية في معهد واشنطن.


font change