شاليمار شربتلي لـ «المجلة»: الفن مصدر القوة الناعمة

فنانة سعودية تعرض أعمالها في متحف اللوفر

شاليمار شربتلي لـ «المجلة»: الفن مصدر القوة الناعمة



لندن - ياسمين الجريسي:


* الخطوات التي يجري اتخاذها لتنفيذ رؤية المملكة 2030 ستعود بالنفع على المجتمع. فالجميع ينتظر تنفيذ هذه الخطوات المخطط لها بعناية.
* آمل أن يتم إنشاء أكاديمية للفنون في السعودية وجوائز باسم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده




ولدت شاليمار شربتلي في القاهرة عام 1972 من أم مصرية وأب سعودي، وقد برزت في عالم الفن في عمر ثلاث عشرة سنة عندما تم نشر أعمالها الفنية في مجلة الفنون والثقافة المصرية المرموقة «صباح الخير». وفي سن الخامسة عشر، كانت شاليمار أصغر رسامة في العالم العربي تعرض لوحاتها في معرضٍ فنيٍّ منفرد. وقد احتضنها أهم الرسامين والفنانين والشعراء في مصر من بينهم فاروق جويدة وصلاح طاهر ولويس جريس. ثم شاركت شاليمار في المعارض الفنية في جدة حيث تم عرض لوحاتها إلى جانب الفنانين الإقليميين والدوليين المشهورين مثل عبد الحليم رضوي وعمر النجدي.
أصبحت شاليمار رسامةً يُحتفى بها دولياً. وقد فازت بالعديد من الجوائز وأقامت معارض وعروضاً في عدد من أرقى المعارض الفنية في العالم. وقدمت مفهوماً جديداً إلى عالم الفن تحت اسم «الفن المتحرك»، وهي مبادرة تهدف إلى نقل الفن إلى ما وراء جدران المعارض العريقة. وكجزء من هذه الخطوة، أنشأت شاليمار خط أزياء مستوحى من أعمالها الفنية، وقد رسمت على العديد من السيارات بما في ذلك سيارة تورك للشركة الإيطالية «إيد ديزاين» وبورش التي تم إظهارها في معرضها الأخير في متحف اللوفر في باريس.
حول التجربة الفنية لشاليمار وملامح ومحطات هذه التجربة، كان هذا الحوار الذي أجرته معها «المجلة»، فكان هذا الحوار...

* هل يمكنك إطلاعنا على آخر معرض لك في متحف اللوفر في باريس؟

- كان معرضي الأخير مختلفاً عن معارضي السابقة في متحف اللوفر لأن سيارة البورش التي رسمت عليها بنفسي كانت معروضة عند المدخل الرئيسي للمتحف. وكانت هذه أيضاً المرة الأولى التي يتم فيها عرض سيارة مصممة فنياً في المتحف.
تعاونت مع شركة إيد ديزاين التي تتخذ من إيطاليا مقراً لها للرسم على سيارة تورك. وقد تم عرض السيارة في وقتٍ سابق في «فورميولا 1 موناكو»، وفي القاعة الرئيسية لفندق نيغريسكو في نيس. كما تم عرض الأعمال الفنية التي استوحيتها من تورك والنسخة طبق الأصل المصغرة من السيارة في متحف اللوفر للترويج للسيارة وللفن المتحرك. وكان المدير التنفيذي لمتحف اللوفر حاضراً في افتتاح المعرض. ويتبنى المتحف أعمال أعظم الفنانين في العالم وعرض الأعمال الفنية فيه هو حلم كل فنان. ويسعدني أننا كعرب في الخارج نستطيع أن نكون سفراء لبلداننا ونستطيع توجيه رسالتنا إلى العالم.

* ما الذي ألهمك لبدء استخدام السيارات لعرض فنك؟

- عندما أمشي في الشوارع وأجد نفسي محاطة بالكثير من الألومنيوم أشعر بالانزعاج. وبدأت أشعر بذلك في 2006. فكل ألوان السيارات إما أحمر وإما أبيض وإما أخضر وإما أسود، وكنت اضطر لشراء السيارات بهذه الألوان فقط. ففكرت كيف يمكنني الرسم على سيارتي الخاصة. ووجدت أن هناك مشكلتين قد تواجهان من يريد الرسم على السيارة. المشكلة الأولى هي معرفة نوع الطلاء الذي يجب استخدامه لأنه لا يختلف عن نوع الطلاء الذي يستخدم عند الرسم على القماش. ويجب أن يتطابق الطلاء الذي تستخدمه في هذه الحالة مع المعايير الدولية ويكون متيناً ومرناً معاً.
في 2013، كنت في جدة مع أخي ماجد الذي يملك العديد من توكيلات السيارات وطرحت عليه فكرتي وسألته إن كان بإمكاني تطبيق الفكرة على أرض الواقع. وأجابني بأن الحل الوحيد هو استخدام ألوان الدوكو للطلاء والذي يجف في غضون 3 ثوانٍ فقط ومن ثم وضع السيارة في الفرن.
طلبت من أخي سيارة بورش صغيرة وفكرت لفترةٍ من الوقت كيف يمكنني العمل بهذا الطلاء السميك وسريع الجفاف. وفي أحد الأيام كنت مع صديقتي عبير وطلبت منها أن تذهب معي إلى ورشة العمل. شغلت أغنية «فاتت جنبنا» لعبد الحليم حافظ ووضعت ثقتي في الله وبدأت العمل. بطبيعة الحال، كانت الرائحة كريهة جداً. خضت المعركة مع الألوان التي تحولت في ذهني إلى جنود الجيش.
طلب مني ماجد أن أكون حذره لأنه إذا ارتكبت أي خطأ أثناء التلوين على السيارة فسيتوجب إرسالها ليتم تصليحها، ولكن شكراً لله لم اضطر إلى القيام بذلك. استغرقت بين 10 إلى 15 يوماً لإكمال تصميمي على سيارة «بورش 911 كاريرا» التي كانت أول سيارة فنية يتم عرضها في تاريخ مونديال باريس للسيارات عام 2014 وأصبحت واحدة من أكثر السيارات التي تمت مشاهدتها في العالم.

* هل يمكنك شرح العلاقة بين السيارات وعالم الفن؟

- عندما أرى سيارات ملونة بلونٍ واحد ينتابني شعور بأنني أمشي بين المعادن. وأنا أكره هذا الشعور. السيارات هي لوحات فارغة وكبيرة. فلماذا لا نستغل هذه المساحة عبر تحويلها إلى ثقافة بصرية واستخدامها لنشر الفرح؟ وبالطبع هناك علاقة وثيقة بين السيارات وعالم الفن. إذ يمكن استغلال أي غرض فارغ أو قطعة من الأثاث بنفس الطريقة بدلاً من جعلها محاطة بمساحة بيضاء. والله هو أعظم فنان ولم يخلق العالم بالأسود والأبيض، بل خلقه مليئاً بالألوان الجميلة.

* لقد أوضحت أن «الفن المتحرك» مبادرة تهدف إلى نقل الفن خارج الجدران النخبوية للمعرض. فهل يمكنك توسيع هذه الفكرة؟

- إذا كان أول شيء تراه عندما تفتح عينيك في الصباح جميلاً فذلك يغير شيئاً داخلك بطريقة جميلة. وعلينا جميعاً التمتع بالأشياء الجميلة. وينبغي تطبيق هذا المفهوم على السيارات والأزياء والخزف وحتى المباني، لأن اللون هو الحياة والله عز وجل لوّن العالم بألوان لا يستطيع أي فنان في العالم أن يكررها.

* كيف بدأت مسيرتك الفنية؟

- أمي هي خريجة الفنون الجميلة، وهكذا ولدت وفي داخلي الفن. فتحت عيني داخل معرض فني وأصوات عبد الحليم حافظ وفيروز وخوليو إغلاسياس. وكنت أكره اللعب بالدمى وأقضي وقتي أرسم بدلاً من ذلك. أعتقد أن طريقة نشأتي تختلف عن معظم الأطفال. فمن المهم أن تدعم الأمهات أطفالهن للاستفادة من مواهبهن حتى يتمكنوا من الظهور والازدهار لأن الموهبة تحتاج إلى الرعاية والاهتمام في سنٍّ مبكرة.
بدأت الرسم في سن الثالثة ولا أزال أمتلك الأعمال الفنية التي ابتكرتها عندما كنت في الثالثة والرابعة من عمري. كان أدائي جيداً في المدرسة وحصلت على درجة الماجستير في علم الجريمة في لبنان.
وعندما أصبح عمري 13 عاماً، تواصلت مع الفنان المصري عبد العال، الذي كان في ذلك الوقت يعمل لمجلة «صباح الخير»، وأطلعته على لوحاتي ومحتوى فني. وأنا ممتنة أن الله أعطاني أما حكيمة ومتعلمة وأحاطتني بأشخاص محترمين. ولعب الحظ دوراً في هذه المرحلة من حياتي، إذ رأى رئيس تحرير المجلة عملي وطلب مني إجراء مقابلة عمل. وفي عمر الخامسة عشر، بدأت بابتكار أعمال فنية للغلاف الخلفي للمجلة.
كنت أستخدم قصائد فاروق جويدة في لوحاتي، لذلك تواصلت معه وسألته عن رأيه في أعمالي. ونصحني بعرض لوحاتي الفنية في معرض. ثم عرفني إلى الرسام صلاح طاهر الذي أعجب بأعمالي كثيراً واعتبرها رائعة وقام الاثنان بإنشاء المعرض.

* ماذا يعني لك النجاح؟

- لم أشعر يوماً بالنجاح. فأهم شيء بالنسبة لي أن يكون الشخص إنساناً، ويعمل على إنسانيته وقلبه، ورؤية الناس من حولك يزدادون، وتكون قادراً على تعليم وتوجيه الطلاب ومشاهدتهم ينمون ويصبحون معلمين. من المهم أن نفهم أن النجاح الحقيقي في الحياة هو عندما تترك خلفك انطباعاً حسناً ويتذكرك الناس على أنك شخص جيد، وفنان موهوب، وقلبك طيب ولا يكن الكراهية أبدا لأي شخص. لم أشعر يوماً بالغيرة من فنانٍ أو امرأةٍ أخرى أو حتى على رجل. وطوال الوقت الذي أرسم فيه لا أعرف السبب وراء ذلك. ولا أعرف لماذا وصلت إلى هذا المستوى من النجاح وبالتالي لا أشعر أبداً بأنني ناجحة.
أستيقظ في الصباح وأقرأ «شاليمار شربتلي في متحف اللوفر»، وأفكر بيني وبين نفسي، ما أهمية ذلك؟ أقوم بتقييم نفسي بطريقتين: أولاً، كأم. أنا أم جيدة لابنتي الوحيدة. ومن المهم فعلاً الاستثمار في أطفالك. ثانياً، كابنة. وأتساءل إن كانت أمي راضية عني الآن وإن كان أبي راضياً عني قبل وفاته. ومن المهم أن تعامل الناس وأصدقاءك بطريقة جيدة.

* يبدو أن مصطلح «الفن الشرق أوسطي» يستخدمه الكثيرون كعلامة لظاهرة موحدة. فهل يمكن القول بأن الفنانين الشرق أوسطيين يتشاركون مجموعة من الصفات؟

- الفن ليست له جنسية. عندما يشيرون إلى شاليمار شربتلي، يقولون إنها فنانة سعودية، ولا يقولون إنها تخلق الفن العربي. فالفن يعتمد على قوة الخيال والخيال ليس له جنسية. وأنا لا أتحدث عن الفن التقليدي، بل أتحدث عن الفن في القرن الحادي والعشرين. نحن نبتكر أعمالنا الفنية مثل بقية العالم، وبعد ذلك يتم عرض عملنا في جميع أنحاء العالم، مثل متحف اللوفر، ونفوز بجوائز دولية كبرى. وبالتالي فنحن نقدم فننا للعالم كمصدر للقوة الناعمة لبناء الجسور بين العرب والغرب.
وتمتلك وسائل الإعلام والصحافيون والكتّاب دوراً مماثلاً. وهذا ما يحتاجه العالم الآن لتقليص المسافة بيننا حتى يتمكن الناس من رؤية أن العرب متحضرون وليسوا إرهابيين.

* كتب الكثيرون في السنوات الأخيرة عن المشهد الفني المزدهر في المملكة العربية السعودية. ما هي انطباعاتك حول هذا الاتجاه؟

- دائماً ما كانت المملكة العربية السعودية تقدر وتولي أهمية كبيرة للفن. عندما كنت في السابعة عشر من عمري كنت من أبرز الفنانين السعوديين، وفي 2008 طلب مني رسم لوحة بمساحة 18 متراً لتوضع أمام قصر الضيوف والسفارة الأميركية في جدة. ويعرض كورنيش جدة أعمال فنانين فرنسيين مثل هنري مور ومنحوتات صممها الفنان صلاح عبد الكريم. لدينا فن عظيم ولكن لأن المملكة العربية السعودية ليست مقصداً سياحياً لا يستطيع كل شخص رؤية وتقدير ذلك، وبالتالي هناك تصوير غير دقيق للبلد.
وأظن أن لدى الغرب تصورا غير دقيق عن المملكة العربية السعودية. لم يسبق لي في حياتي أن طلب مني أحدٌ عدم عرض أعمالي بل على العكس، كنت أمثّل المملكة في الخارج مع فنانين سعوديين آخرين، وكانت وزارة الشباب والرياضة تدعمنا بقوة.
وكانت غالبية المعارض الفنية المنفردة التي أقمتها، في المملكة العربية السعودية. وأعتقد أن منح المرأة حق القيادة سيتيح مزيداً من الفرص التي تليق بالسعودية بلدٌ الحرمين الشريفين.

* ماذا ستعني رؤية المملكة 2030 للمجتمع السعودي والمشهد الفني في البلاد؟

- برأيي، الخطوات التي يجري اتخاذها لتنفيذ خطة رؤية المملكة 2030 مهمة جداً وستعود بالنفع على المجتمع. فالجميع ينتظر تنفيذ هذه الخطوات المخطط لها بعناية.
نحن بحاجة إلى المملكة العربية السعودية لإنشاء مؤسسة تحتضن مواهب قوية وتدعمهم في الخارج، على خطى ما فعلته المملكة مع صناعة الإعلام. أصبحت وسائل الإعلام السعودية رائدة في هذا المجال. وصارت جميع القنوات التلفزيونية تطمح إلى أن تكون مثل «MBC» وجميع الصحف تطمح لأن تكون مثل «الشرق الأوسط». ومن الضروري أن يتم تطوير الموسيقى والفن لتجسيد دورهما في القوة الناعمة لأن أوروبا تحترم وتقدر الفن وهذا سيكون الجسر الدبلوماسي الأكثر فعالية الذي يمكننا بناؤه.
وآمل أن يتم إنشاء أكاديمية للفنون في السعودية وجوائز باسم خادم الحرمين الشريفين وولي العهد. وآمل أن يتم تنظيم المزيد من المعارض الفنية في انحاء العالم. وبهذه الطريقة يمكننا استخدام الفن كوسيلة للحوار المتطور مع الغرب.
font change