الاتفاق النووي والهلال الشيعي

الاتفاق النووي والهلال الشيعي

بعد خمسة أشهر على توقف مفاوضات فيينا النووية المباشرة واستمرارها بصيغة غير مباشرة من خلال وسطاء بين طهران وواشنطن، استؤنفت المفاوضات في فيينا، وتحدث الأطراف المشاركون عن تقدم لافت في هذه المفاوضات، فيما نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر سياسية إسرائيلية تأكيدها أن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أن فرص توقيع إيران على مقترح الاتفاق النووي الجديد معها، منخفضة.

 

ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي يعارض المقترح الذي وزعه المنسق الأوروبي إنريكي مورا، لأنه لا يمنح إيران مكاسب وإنجازات كبيرة.

 

وكان مورا قد وزع «نصا نهائيا» للاتفاق بين أطراف المفاوضات، ودعا كلا من طهران وواشنطن إلى قبوله. وبينما أعلن متحدث باسم الخارجية الأميركية، موافقة واشنطن على النص الأوروبي، أعلن مسؤول بالخارجية الإيرانية- رفض ذكر اسمه- أن وفد بلاده قدّم «تحفظاته» على الأفكار الأوروبية، مشيرا إلى أن الأفكار المطروحة تحتاج إلى دراسة في طهران، مؤكدا أن بلاده قدمت ما يكفي من تنازلات لإظهار حسن نيتها ورغبتها في التوصل إلى اتفاق نهائي ولكنها في الوقت نفسه لن تتنازل عن مطالبها.

وفيما نقلت «وول ستريت جورنال» الأميركية تخلي طهران عن مطلب رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب الأميركية، نقلت وكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية، نفي مسؤول إيراني الأمر معتبرا أنه «لا مصداقية لهذه المزاعم الإعلامية».

في هذه الأثناء كثرت المعلومات المتضاربة لا عن مطلب رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب فحسب، بل عن قرب التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران من عدمه، وبينما ضمنت دول الخليج كما إسرائيل الحد الأدنى من مصالحها إن من خلال ضمانات أميركية أو من خلال اتفاقيات تعاون معلنة أو غير معلنة ومفاوضات معلنة أو غير معلنة، بقيت مصالح الدول الواقعة تحت النفوذ الإيراني خارج إطار التفاوض مع غياب من يمثلها في أي محادثات حصلت وتحصل لرسم معالم المنطقة.

ففي الوقت الذي تفاوض فيه إيران الولايات المتحدة والأوروبيين على مصالحها دون أي تنازل عما حققته من مكاسب بأساليب غير قانونية في سوريا ولبنان والعراق وقطاع غزة، وفي وقت تحولت فيه هذه الدول إلى صناديق بريد ترسل من خلالهم إيران رسائلها التفاوضية، رأينا كيف تحولت دماء أطفال غزة إلى ورقة تفاوضية كما مصالح اللبنانيين بترسيم حدودهم البحرية، وفي وقت بدأ العالم يتناسى كيف قتل النظام السوري مئات آلاف السوريين وكيف هجر أكثر من نصف الشعب السوري، فتحولت سوريا، كما العراق ولبنان، إلى مساحات جغرافية خاضعة لسيطرة الجمهورية الإسلامية، وبات أشد خصوم الأسد على استعداد لإعادة العلاقة معه، غاب عن السمع أي صوت وفعل جاد يمثل مصالح من يؤمن بالدولة الوطنية والقضية الحق في هذه البلاد.

لقد عملت إيران خلال السنوات الـ43 الماضية على ترسيخ احتلالها لهذه الدول تدريجيا وبأدوات محلية، مستخدمة مرة سلاح الدين ومرة مظلومية المذهب، ومرات قضية فلسطين، مستفيدة من غياب مشروع وطني حقيقي يواجه زيف ادعاءاتها، ومن فشل من سبقها بالسيطرة آيديولوجيا على الجمهوريات الوليدة، ومن سذاجة منقطعة النظير مع قصر نظر وأنانية من يعارضها، فحققت بغزوها التدريجي مكاسب ما كان يمكن أن تحققه لو أنها غزت بجيشها أيا من هذه الدول كما فعل صدام يوم غزا الكويت في مثل هذه الأيام قبل 32 عاما.

قد تتوصل طهران وواشنطن إلى اتفاق نووي قريبا أو قد يكون الاتفاق مؤجلا لمزيد من البحث حول ما لم يتفقا عليه، ولكن من الواضح أن سيطرة إيران على ما سمي يوما «الهلال الشيعي» ليس على طاولة البحث، وخصوصا أن من يعارضون الهيمنة الإيرانية في هذه الدول مشغولون بأمورهم الثانوية.

فالأولويات الأميركية تغيرت، وكذلك الأولويات العربية الخليجية والإقليمية، ولا يبدو أن أحدا يعارض اليوم أن تبقى هذه الدول تدور في الفلك الإيراني.

font change