ألمانيا مقصد شبكات الجريمة المنظمة في أوروبا.. لماذا؟

جنة غسل الأموال ومرتع آمن للمافيا

الشرطة الألمانية

ألمانيا مقصد شبكات الجريمة المنظمة في أوروبا.. لماذا؟

بون: عادت ألمانيا إلى المراكز العشرة الأولى في القطاع المالي العالمي لترتيب السرية في مؤشر السرية المالية لعام 2022 وصعدت ألمانيا في أحدث إصدار من مؤشر السرية المالية لشبكة العدالة الضريبية لتحتل المركز السابع عام 2022، بعد أن تراجعت إلى المرتبة 14 في عام 2020. ويذكر أن المؤشر السنوي هو تصنيف للدول التي تخفي وتسهل السرية المصرفية، وملكية الشركات والعقارات المجهولة وغسل الأموال والتهرب الضريبي والتهرب من العقوبات.

ويمنح القطاع المالي العالمي كل دولة درجة، وفقًا لمقدار ما يسمح النظام المالي والقانوني لكل دولة للأفراد بإخفاء وغسل الأموال من جميع أنحاء العالم، ويحتسب الدرجات على أساس مقدار السرية المالية المسموح بها من قبل البنوك والحكومة وحجم الخدمات المالية التي تقدمها. المؤشر السنوي لعام 2022 والذي نُشر قبل اجتماع وزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع بشأن العقوبات ضد الأوليغارشية الروسية، دعا الدول إلى «فرض القانون والمساءلة على تريليونات» الثروة الخارجة عن القانون «التي يحتفظ بها الأفراد الأثرياء سرا في الخارج».

الجريمة المنظمة: هي أنشطة إجرامية واسعة النطاق، مثل تهريب البشر، الدعارة أو السرقة بين الدول أو المقامرة غير القانونية، والتي تحدث داخل هيكل يخضع لسيطرة مركزية وفقا لتعريف قاموس التراث الأميركي. أشهر عمليات غسل الأموال في ألمانيا، تنحصر في تجارة العقارات والسيارات والمجوهرات الثمينة.

 

وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر ورئيس المكتب الفيدرالي لمكافحة الجريمة هولغر مونش، أثناء الإعلان عن التقرير السنوي للجرائم بدوافع سياسية مايو 2022

 

الوحدة المركزية لمكافحة الجريمة

الوحدة المركزية لمكافحة جرائم الحرب والجرائم الأخرى بموجب قانون الجرائم ضد القانون الدولي (ZBKV) Bundeskriminalamt  يضم الوحدة المركزية المنشأة حديثًا لمكافحة جرائم الحرب والجرائم الأخرى وفقًا لقانون الجرائم ضد القانون الدولي. ويعمل مكتب المعلومات على جمع المعلومات حول هذه الأنواع من الجرائم ويحللها ويقدمها إلى المدعي العام الاتحادي للتقييم القانوني وتأسيس إجراءات التحقيق. وفقًا للمادة 1 من قانون الجرائم ضد القوانين الدولية، تتمتع وكالات إنفاذ القانون- الملاحقة القضائية الألمانية بولاية قضائية عالمية ومع ذلك، تركز عمليات البحث على الجناة الذين يسعون إلى استخدام ألمانيا «كملاذ آمن».

وتجري الوحدة المركزية لمكافحة الجريمة التحقيقات اللازمة في الداخل والخارج وتتعاون الوحدة بشكل وثيق مع الإنتربول، ومع «وحدات جرائم الحرب» في البلدان الأخرى ومع المحاكم الجنائية الخاصة (مثل المحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية لرواندا) ومع المحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي أُنشئت في لاهاي عام 2002. أما على المستوى الوطني، فتتعاون الوحدة مع إدارات أمن الدولة في مكاتب الشرطة الجنائية بالولاية والشرطة الفيدرالية.

 

المكتب المركزي للتحقيقات في المعاملات المالية

هي وحدة الاستخبارات المالية، ومقرها في مدينة كولونيا، شمال غربي ألمانيا، وهي معنية بمكافحة غسل الأموال وهي جزء من الجمارك وتعنى أيضا بمنع وكشف غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحته. ويعمل المكتب على فحص كل تقرير اشتباه ، وفي حالة تأكيد الشك، يتم إرساله إلى سلطات العدالة الجنائية والجنائية.

الاسم الرسمي لوحدة الاستخبارات المالية  في ألمانيا هو (FIU). ويعمل المكتب المركزي الوطني على استقبال وجمع وتقييم التقاريرعن المعاملات المالية المشبوهة التي يمكن أن تكون مرتبطة بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب وفقا للمادة 89 ج من القانون الجنائي.

أنشأت الحكومة الألمانية المكتب المركزي لتقارير المعاملات المشبوهة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. كان  في البداية، مقر وحدة الاستخبارات المالية كمؤسسة للشرطة في المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، لكن في 26 يونيو (حزيران) 2017 أعيد تنظيمها كإدارة في المديرية الثامنة- مكتب الشرطة الجنائية للجمارك التابع لمديرية الجمارك العامة وبالتالي نقلت مهامها إلى الإدارة الاتحادية للجمارك. الحكومة حولت وحدة الاستخبارات المالية إلى المديرية العاشرة المنفصلة للمديرية العامة للجمارك منذ الأول من مايو (أيار) 2021.

 

معدلات الجريمة في ألمانيا

انخفضت معدلات الجريمة في ألمانيا للعام الخامس على التوالي، حيث انخفض عدد الجرائم التي أبلغت بها الشرطة الألمانية للعام الخامس على التوالي في عام 2021، وفقًا للأرقام الجديدة الصادرة عن وزارة الداخلية الاتحادية. في حين أن جرائم مثل السرقة والسطو في اتجاه تنازلي، أصبحت الأنواع الأخرى من الإجرام أكثر انتشارًا.

وتراجعت الجريمة في ألمانيا بنحو 5 في المائة عام 2021، وفقًا للأرقام الصادرة بشكل مشترك من قبل وزارة الداخلية الفيدرالية والمكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية في برلين، وشهد عام 2021 الإبلاغ عن 5.047.860 جريمة إلى خدمات الطوارئ، أي أقل بنسبة 4.9 في المائة عن عام 2020.

وكشفت دراسة لجامعة «هالة- فتنبيرغ» الألمانية في 21 مايو 2020 عن انتعاش غسل الأموال في ألمانيا. وحسب الدراسة فإن حوالي (100) مليار يورو يتم غسلها سنوياً في ألمانيا، وهو ما يعادل المبيعات السنوية لشركة BMW للسيارات. وكان قد كشف تقرير في 22 أبريل (نيسان) 2016 عن وزارة المالية الألمانية أن ما بين (15- 28) ألف صفقة غير قانونية تمت في سوق الإسكان وتجارة السيارات، وفي سوق الفن، داخل ألمانيا. وأظهر التقرير أن إجمالي حجم الأموال المغسولة في القطاعات المالية وغير المالية الألمانية، قد تجاوز(50)  مليار يورو، وربما بلغ أكثر من (100) مليار يورو في السنة.

تأتي هذه الأموال المبيضة من مصادر غير شرعية كالتهرب الضريبي والإتجار بالبشر وتقوم المافيا بشراء المقتنيات الثمينة والنفسية والعقارات بالأموال القذرة ومن ثم تبيعها مرة أخرى. حيث لا تشترط القوانين الألمانية حداً أعلى للدفع النقدي إلا عندما يتجاوز المبلغ (10000) يورو. عندها فقط يتوجب على المشتري إبراز أوراق هويته الشخصية.

وفي حديث إلى ليزا باوس، السياسية في حزب الخضر في البوندستاغ ، انتقدت فيه الرقابة على البنوك  وقالت إنها ليست صارمة بما فيه الكفاية. الهيئة الاتحادية للرقابة المالية (Bafin) هي المسؤولة عن ذلك. وتذهب فعلا الهيئة الاتحادية للرقابة إلى البنوك والمؤسسات المالية ولكن ما تقوم به هو فقط تقديم الاستمارات وتعبئتها بطرح أسئلة تقليدية: هل لديك مسؤول غسل أموال؟ هل لديك البرنامج المناسب الذي يعمل أيضًا بالتراسل مع وحدة الاستخبارات المالية حتى يتم استيفاء المعيار؟ مشكلة الهيئة أنها لا تنفذ عمليات تفتيش مفاجئة أو تدابير استباقية للتحقق فعليًا من مدى فعالية آليات مكافحة غسل الأموال الرسمية.

 

لماذا ألمانيا مقصد للمافيا

لا تشترط القوانين الألمانية حداً أعلى للدفع النقدي إلا عندما يتجاوز المبلغ 10000 يور، عندها فقط يتوجب على المشتري إبراز أوراق هويته الشخصية، على عكس الوضع في إيطاليا التي لا تسمح بالشراء النقدي عندما يتجاوز المبلغ 1000 يورو. وهذا هو ما يجعل ألمانيا مقصداً للمافيا. وعندما يكون الشراء من دون بطاقات الائتمان أو دون حسابات مصرفية، «يسمح للسلطات بتتبع مصدرها». بينما لا يسمح القانون الفرنسي بالشراء النقدي عندما يتجاوز المبلغ 1000 يورو، ونظيره الإسباني يضع حداً أعلى لذلك بـ2500 يورو. بينما في اليونان الحد الأعلى هو 500 يورو.

 

خلال مداهمات للشرطة الألمانية لمصرف «دويتشه بنك» بسبب شبهات حول غسيل الأموال (رويترز)

 

ألمانيا جنة غسل الأموال

تعتبر ألمانيا جنة غسل الأموال داخل أوروبا، كان من المفترض أن تقوم وحدة خاصة في الجمارك، أو وحدة الاستخبارات المالية، بالعمل على حد أنشطة الجريمة المنظمة في ألمانيا بشكل أفضل ما تقوم به في الوقت الحاضر. وهذا ما دفع مكتب المدعي العام في  مدينة أوسنابروك إلى التحقيق في تقرير نشاط مشبوه من بنك ادخار ساكسونيا السفلى من عام 2018 بسبب شبهات تورط البنك في تحويلات بلغ مجموعها أكثر من مليون يورو إلى أفريقيا، ولهذا أرسل تقريرًا إلى وحدة الاستخبارات المالية.

وما زالت الجريمة المنظمة في ألمانيا تمثل تحديا كبيرا إلى الحكومة الألمانية، بالتوازي مع ملف التطرف والإرهاب. ومن الملاحظ أن الحكومة الألمانية انصب جهدها خلال السنوات الاخيرة، منذ عام 2015 على «قضية» موجات الهجرة غير الشرعية والإرهاب والتطرف. ويمكن القول إن انشغال أجهزة الأمن الألمانية بملف الإرهاب والهجرة، شجع العصابات والجريمة المنظمة أن تنشط أكثر.

ورغم الفروقات بين الجريمة المنظمة وملف الإرهاب والتطرف في ألمانيا ودول أوروبا، فهناك مقاربة وترابط بين السجل الجنائي وسجل الإرهاب ويمكن القول إن هناك تخادما بين أصحاب السجل الإرهابي وسجل الجريمة المنظمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بنقل الأموال وتهريب البشر وتجارة السلاح  والحصول على الوثائق والمستمسكات الرسمية ومنها جوازات السفر. الحكومة الألمانية أدركت ذلك وعملت بعدها على ربط السجلين مع بعض.

وليس من المستبعد أن تكون هناك عوامل أخرى تشجع الجريمة المنظمة في ألمانيا، يمكن تحديدها بأنها «بنيوية» تتعلق بهيكلية مكاتب الجريمة المنظمة ومكتب التحقيقات المالية، التي تحتاج دوما إلى رفع الموارد البشرية والمالية، ناهيك عن أهمية إعادة ارتباط هذه المكاتب وتشغيلها داخل وزارة الداخلية الألمانية، والتعاون والتنسيق مع اليوروبول والإنتربول الدولي.

وبات متوقعا أن تشهد ألمانيا تحديا للحد من تصاعد الجريمة المنظمة، رغم ما تعمل عليه الآن من جهود بتحسين عمل مكاتب مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال، ويعود ذلك إلى حجم الجريمة المنظمة في ألمانيا وتاريخها والتي تمتد إلى عقود.

font change

مقالات ذات صلة