تسويات في انتظار التسوية

تسويات في انتظار التسوية

ثلاثة أحداث شغلت دول المنطقة في الأيام الماضية، الأول إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أنه أجرى «محادثة قصيرة» مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ودعوته لـ«ضرورة تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما»، مشددا على أنه «لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق ذلك». والحدث الثاني هو لقاء الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط مع وفد من حزب الله، ما اعتبره البعض استدارة جديدة للزعيم الدرزي، والثالث كان الرد الإيراني على اقتراح الاتحاد الأوروبي بشأن إحياء الاتفاق النووي وارتفاع منسوب التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق وهو ما عبرت عنه الصحف الإيرانية.

 

قد تبدو الأحداث الثلاثة غير مترابطة للوهلة الأولى، ولكن إذا ما أمعنا النظر قليلا نرى أن الحدثين الأولين يأتيان في السياق المتوقع منذ مدة، وهما نتيجة طبيعية للحدث الثالث أي المفاوضات النووية بين الجمهورية الإسلامية من جهة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، فالمنطقة تقترب أكثر وأكثر من التوصل إلى تسوية، والجميع يريد أن يكون جزءا من هذه التسوية أو أقله يحاول أن لا تتم على حساب مصالحه.

في الحدث الأول، ورغم كل المحاولات التركية الرسمية لامتصاص غضب الشارع السوري الذي انتفض ضد تصريح الوزير التركي، ورغم البيانات والتوضيحات وإعادة صياغة ما قاله جاويش أوغلو، إلا أن أحدا لم ينف لقاءه مع المقداد، كما أن الدعوة لـ«المصالحة»، وهي الكلمة التي وردت بالنص التركي والنص العربي الذي وزع أول مرة قبل أن يتم تعديله، تأتي بالسياق الطبيعي لمسار آستانة وللشراكة التركية الروسية الإيرانية في هذا المسار في سوريا، وهو ما يتعارض مع نص بيان جنيف-1 ومع الانتقال السياسي الذي نصت عليه القرارات الدولية ذات الصلة.

ما يشغل بال التركي هو وجود «عدوه اللدود» أي حزب العمال الكردستاني أو من يتعاون معه على حدوده الجنوبية، وبهذا السياق يصبح بشار الأسد والنظام السوري تفصيلا. وما قيل عن نصائح وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي رجب طيب إردوغان بضرورة التواصل مع النظام السوري لحل الإشكالية الكردية التي تقلق الأتراك، خلال القمة الثلاثية التي عقدت قبل أسابيع في طهران، تعطي الانطباع بأن إردوغان لم يجد مبتغاه عند الجانب الأميركي الذي طالما حاول اللجوء إليه لوضع حد للدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للفرع السوري من حزب العمال الكردستاني في سوريا والمنطوي تحت قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ورغم أن تركيا تحاول تحميل الولايات المتحدة مسؤولية الامر، إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية قد ساهمت إلى حد كبير بفتح الأبواب لدفع مقاتلي حزب العمال التركي للذهاب إلى سوريا للتخلص من الأزمة الأمنية التي كانوا يشكلونها في شرق تركيا، ظنا منها أنها قادرة على تجميعهم في سوريا ومن ثم مقاتلتهم بعيدا عن الجغرافيا التركية، لكن حسابات أنقرة في هذا الشأن لم تكن صحيحة ولا سيما بعد دخول داعش والتعاون الذي أبدته وقامت به «قسد» مع الولايات المتحدة لمقاتلة داعش. هذا المأزق الاستراتيجي يحاول الرئيس التركي الخلاص منه اليوم عبر مد اليد لنظام بشار الأسد على أمل استعادة التفاهمات القديمة التي سبق وأبرمها حافظ الأسد مع تركيا لمكافحة حزب العمال والتي أدت حينها لاعتقال عبد الله أوجلان زعيم الحزب ولإضعاف بنيته العسكرية التي كانت تتخذ من الأراضي السورية ملجأ لها.

أما في الحدث الثاني، وهو اللقاء الذي جمع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط مع وفد من حزب الله، ضم المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا في دارة جنبلاط في بيروت، وإن كان البعض قد اعتبر في اللقاء استدارة جديدة لجنبلاط، إلا أن اللقاء يأتي أيضا في السياق الطبيعي للتموضع الذي قام به جنبلاط بعد أحداث 7 مايو (أيار) 2008 وعبر عنه فعليا بعيد انتخابات 2009، وهو ما أعلنه مرارا بالقول والفعل، ويعرف بسياسة ربط النزاع مع الحزب.

وإن كانت بعض المصادر أكدت أن اللقاء بحث في الشأن السوري وخصوصا المستجدات الأمنية الأخيرة في محافظة السويداء، إلا أنه ورغم الخلاف السياسي المستمر بين الطرفين فإن جنبلاط نفسه لا يترك فرصة إلا ويؤكد على ضرورة الحفاظ على الأمن وخصوصا أمن الجبل، وأن السلم الأهلي هو الأولوية، في انتظار تسوية كبرى، وحدها القادرة على حل معضلة سلاح حزب الله. ومن هذا المنطلق يمكن قراءة خطوة جنبلاط بالتواصل مع الحزب.

وما نقل عن جنبلاط وما قاله علنا في السنوات الـ15 الأخيرة يؤكد أن الرجل لن يقدم على أي مغامرة تهدد السلم الأهلي، وخصوصا أنه يشدد دوما على أن البلاد لم تعد تحتمل أي خضات أمنية أو غير أمنية، وأن الاستقرار يأتي بسلم الأولويات.

ولذلك يصبح لقاء الزعيم الدرزي بمسؤولي حزب الله أمرا غير مستغرب في حدود ربط النزاع الذي لطالما تحدث عنه، وخصوصا أن المفاوضات بين المجتمع الدولي وإيران الأب الروحي لحزب الله تجري على مسمع ومرأى العالم، وليست سرية كما كانت يوم فاجأ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما العالم بمفاوضاته مع إيران.

أما الحدث الثالث، وهو الرد الإيراني على الاقتراح الأوروبي، فقد كشف مصدر دبلوماسي إقليمي مطلع، في تصريحات لشبكة «CNN» الأميركية أن طهران تطالب بأن يتم تعويضها إذا انسحب أي رئيس أميركي قادم من الاتفاق. وقال إن «القضية الرئيسية التي تواجه إحياء الاتفاق هي الضمانات المطلوبة من الجانب الإيراني، والتي تضمن تعويض إيران في حال قررت الإدارات الأميركية في المستقبل الانسحاب مرة أخرى من الصفقة». فيما كان قد سبق لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الإعلان عن موافقة واشنطن شفهيا على مطلبين من مطالب بلاده خلال مفاوضات فيينا، معتبرا أنه يجب تحويل الموافقة الشفهية إلى نص رسمي واضح وملزم. كما أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن «هناك احتمالا بأن توقّع إيران على الاتفاق خلال الأيام المقبلة إذا تم احترام مطالبها».

إذن يبدو وكأن المنطقة كلها تنتظر الموقف الأميركي من الرد الإيراني على الورقة الأوروبية، وفي انتظار اتفاق التسوية بين طهران وواشنطن يبحث كل طرف عن تسوية بحدها الأدنى تجنبه المزيد من الخسائر.

font change