المغرب في فضائه العربي: أخوة.. تضامن.. تكامل

المغرب في فضائه العربي: أخوة.. تضامن.. تكامل

ليس غريبا أن تكرر كل الدساتير المغربية إشارات تؤكد انتماء البلاد تاريخيا وجغرافيا وحضاريا وروحيا لفضاء المغرب العربي الكبير، ومن خلاله إلى رحاب العالم العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، إضافة إلى ما تضمنه تصدير تلك الدساتير من التشديد على التزام الدولة المغربية بكافة مؤسساتها بضرورة العمل على «تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة».

 

فهذا الالتزام وذلك التأكيد يشكلان جزأين أصيلين من هوية الشعب المغربي الذي لم يتردد أبدا كأفراد وجماعات وتنظيمات حزبية ونقابية وهيئات رسمية في الوقوف إلى جانب نضال إخوانه من أجل الحرية والاستقلال في المغرب والمشرق على حد سواء، رغم المحاولات المشبوهة التي بذلت داخليا لفصل البلاد عن محيطها العربي أو تحجيم تواصلها معه، والتي قادتها وما تزال تقودها بدهاء نخب محدودة بعضها يدور في فلك القوى الغربية ومتشبع بثقافتها ولغتها، والبعض الآخر غارق في وحل التعصب العرقي الممقوت.

وقد ترجم المغرب هذا الالتزام منذ استقلاله متبنيا نهجا واقعيا ومعتدلا وبناء لا يزايد فيه على أحد؛ غايته فقط إما البحث عن التعاون المفيد له ولكل الأطراف المتعاملة معه إذا لم تسمح الظروف بتأسيس علاقات تكاملية معها أو القيام بواجب التضامن من خلال تقديم الدعم والعون عند الحاجة وفق ما تمليه أواصر الأخوة العميقة والراسخة الجذور.

في هذا السياق يسجل تاريخ العلاقات البينية والمتعددة الأطراف في الإطار العربي والإسلامي المعاصر للمغرب بمداد الفخر نجاحه على المستوى السياسي في:

* وضع اللبنات الأولى ومنذ مؤتمر طنجة 1958 أي قبل استقلال بعض دول المنطقة لتأسيس إطار وحدوي لدول المغرب العربي تجسد بداية في تأسيس لجنة اقتصادية استشارية، ثم تطور لاحقا ليتبلور بعد مشاورات مستفيضة في اتحاد رأى النور رسميا في 17 فبراير (شباط) 1989 بمراكش، وشكل أملا وما يزال لإمكانية توحيد الشعوب المغاربية رغم نزعات الهيمنة التي جمدت أنشطته.

* استضافة وترؤس أبرز القمم العربية التي شكلت قراراتها منعطفا تاريخيا في منظومة العمل العربي المشترك كقمة الرباط سنة 1974 التي زكت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وقمة الدار البيضاء 1989 التي تميزت بكل من عودة مصر لرحاب جامعة الدول العربية واستعادة مقرها الدائم، وبانطلاق مسلسل إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية من خلال جهود اللجنة الثلاثية السعودية المغربية الجزائرية، التي تكللت باتفاق الطائف، الذي ما يزال يحكم توازنات الساحة السياسية اللبنانية، رغم كل مناورات إعادة النظر في معادلاته.

* إصدار شهادة ميلاد منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي) في أول قمة على هذا المستوى بالرباط سنة 1969 عقب إقدام فلول المستوطنين الإسرائيليين على إحراق المسجد الأقصى بالقدس الشريف، التي عقد لواء رئاسة لجنتها لملك المغرب منذ تأسيسها سنة 1979 وإلى غاية الآن، والمتوجة أنشطتها الميدانية بالدور الذي تلعبه وكالة بيت مال القدس الشريف في دعم صمود المقدسيين في مدينتهم، والحفاظ على هويتها الدينية المتعددة.

* المشاركة الفعلية والفعالة بالجنود والعتاد في المجهود الحربي العربي في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، حيث أبلى أفراد الجيش المغربي البلاء الحسن، خاصة على جبهة الجولان السوري المحتل، مساهمين في تحرير بعض أجزائه.

* تكتيل جهود التيار العربي الواقعي والمعتدل في مسيرة العمل السياسي والدبلوماسي بحثا عن السلام العادل والدائم والشامل في الشرق الأوسط بمشاركة ومباركة دول عربية نافذة. وقد وصلت تلك الجهود إلى ذروتها بتبني قمة فاس مشروع الملك فهد للسلام سنة 1982، الذي بلورته الرياض فيما بعد ليصبح المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت 2002.

ولم تقتصر الجهود العربية للمغرب على الجانب السياسي فقط. فالواقعية التي ميزت السياسة الخارجية المغربية ساعدت الرباط في إدراك صعوبة الوصول ولو إلى الحد الأدنى من الوحدة العربية الشاملة أو الجزئية. ولذلك لوحظ في الحقبة الأخيرة تركيز مساعي المغرب على تفعيل الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بحثا عن تكثيف التعاون وبناء أرض صلبة على أساس الاستفادة المتبادلة في سبيل الوصول إلى التكامل.

في هذا السياق لم يدخر المغرب أي جهد لتيسير التبادل التجاري من خلال إبرام اتفاقات تجارية إما حرة كما هو الشأن مع الإمارات العربية المتحدة أو بشرط الدولة الأكثر رعاية كما حصل مع المملكة العربية السعودية. وقد تجاوزت الجهود المغربية في هذا الصدد البعد الثنائي لترتقي إلى تأسيس إطار جماعي للتبادل الحر جسدته اتفاقية أغادير مع كل من تونس ومصر والأردن، التي ساعدت على رفع قيمة المبادلات التجارية بين هذه الدول، وكذا إجراءات تنقل رؤوس الأموال المستثمرة فيما بينها.

ولا شك في أن تجارب التعامل مع المغرب أثبتت لمعظم الدول العربية مصداقية وشفافية سياسته الخارجية وبعدها عن الحسابات الأنانية الضيقة، الأمر الذي ترجم في رغبة توثيق وتعميق التعاون الشامل معه، ومبادلة خطوات التضامن التي لم يبخل بها قط عن أشقائه بخطوات مماثلة عند الضرورة. وقد بلغت بعض هذه الرغبات أوجها مع الجرأة والصراحة التي عرضت بها جهات عربية أصيلة فكرة ضم المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي.

صحيح أن الفكرة تم تجاوزها لاعتبارات موضوعية أهمها البعد الجغرافي الشاسع، ولكنها عوضت بطرح أساليب جديدة للشراكة والتعاون جرى التداول بشأنها في حضور ملك المغرب لقمة قادة الخليج في أبريل (نيسان) 2016، ومن الواجب اليوم العمل على إحياء روح ذلك الاجتماع. فهل تستيقظ الجهات المكلفة بالمتابعة من سباتها، وتتحرر من بعض أوهامها؟

font change