جيمس بيكر: «اعتدال» تطور مُشجع… و نقف مع أصدقائنا المسلمين لمكافحة الإرهاب

وزير الخارجية الأميركي الأسبق: أتعاطف مع موقف السعودية في اليمن… واتفق على تقديم دعم لوجيستي واستخباراتي للمملكة

جيمس بيكر: «اعتدال» تطور مُشجع… و نقف مع أصدقائنا المسلمين لمكافحة الإرهاب

[caption id="attachment_55259474" align="aligncenter" width="4188"]الملك سلمان بن عبد العزيز يصافح وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر في الرياض عام 2015 (غيتي) الملك سلمان بن عبد العزيز يصافح وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر في الرياض عام 2015 (غيتي)[/caption]

* الصحافة الأميركية أصبحت طرفاً في الخلاف السياسي وهذا ليس مفيداً للديمقراطية
* زيارة ترمب للرياض حققت نجاحاً قوياً… والشراكة ستعزز الأمن والاستقرار في المنطقة
* أرجو أن يحدث تقدم بين العرب والإسرائيليين… ولكن لا تزال أسئلة الماضي قائمة
* الاتفاق النووي أعطى إيران 150 مليار دولار وحرية مواصلة أجندتها في إثارة الفوضى والإرهاب
* لا يوجد حل سهل في سوريا… ويجب إقامة دولة سورية غير قمعية ولامركزية
* يحتاج اللاعبون الإقليميون إلى الجلوس والتفاوض على اتفاق يحكم ما سيحدث بعد هزيمة «داعش»
* التحالف الأميركي السعودي لطرد صدام من الكويت كان إنجازاً غير مسبوق
* الولايات المتحدة منقسمة بالتساوي بين ولايات حمراء وأخرى زرقاء… والوسط يختفي من السياسة الأميركية




هيوستن (تكساس): مصطفى الدسوقي

في لقائه مع «المجلة»، تحدث وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر عن انطباعاته تجاه زيارة ترمب الأخيرة إلى الرياض، مؤكداً على أهمية إعادة إحياء التحالف الأميركي السعودي في مكافحة الإرهاب. وأعرب عن تأييده لالتزام الرئيس ترمب بمواصلة السعي إلى السلام بين العرب والإسرائيليين، كما تطرق إلى مخاوفه في هذا الشأن أيضا. وتحدث عن الحاجة إلى مفاوضات مباشرة من أجل دفع التقدم السياسي والسلام الدائم في الشرق الأوسط، وقدم نقدا موضوعيا للاتفاق النووي الإيراني.

تولى جيمس بيكر الثالث مناصب رفيعة في إدارتي الرئيسين الجمهوريين رونالد ريغان وجورج بوش الأب، واشتهر بصفته «الرجل الذي كان يُشَّغِل واشنطن».
بعد فوز ريغان بالانتخابات، عُين بيكر رئيساً لموظفي البيت الأبيض، وحتى اليوم يعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق «المعيار الذهبي» لهذا المنصب. وتولى بيكر منصب وزير الخزانة في عام 1985. وأدار حملة بوش الاب الانتخابية ببراعة حتى فاز بالرئاسة في عام 1988، وأصبح بعدها وزيراً للخارجية. وفي هذا المنصب، ساعد الولايات المتحدة على الوصول إلى اتفاق مع الاتحاد السوفياتي حول إعادة توحيد ألمانيا في 1990. وفي عامي 1990 – 1991، ساعد على إقامة التحالف الدولي الذي عارض غزو العراق للكويت.

وبعد تركه للعمل في الحكومة، تم تعيينه مبعوثاً دبلوماسياً لأمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان للصحراء الغربية. وفي عام 1993، أسس معهد بيكر للسياسات العامة في جامعة رايس، والذي أصبح أحد أهم المؤسسات البحثية غير الحزبية في مجال السياسات العامة في البلاد.

ومن وحي خبرته كوزير خارجية أسبق ومعرفته الشخصية بريكس تيلرسون، الذي يتولى المنصب في الوقت الراهن، أوضح بيكر في حواره مع «المجلة» سبب اعتقاده بأن تيلرسون سوف يحقق «نجاحا استثنائيا كوزير خارجية». وتناول الأعوام التي قضاها في إدارة بوش الأب، وعرض تقييمه للأسباب التي أدت إلى الاستقطاب الحالي في الولايات المتحدة.

وإلى نص الحوار…

* ما انطباعاتك عن زيارة الرئيس ترمب الأخيرة إلى الشرق الأوسط، والتي بدأت بالسعودية؟

– أعتقد أنها كانت ناجحة جداً. كان المظهر العام ناجحاً بالتأكيد. وأعتقد أن أغلب المضمون كان ناجعا. لقد عكس تحولا كبيرا فيما تؤكد عليه السياسة الأميركية. كانت سياساتها الأخيرة تشير بقدر ما إلى أن حلفاءنا القدامى في المنطقة وإيران يحتاجون إلى البحث عن وسيلة للتشارك في المنطقة. ولكن هذه الجولة كشفت جيدا أن الولايات المتحدة ترغب مرة أخرى في تنفيذ سياسة تجاه أصدقائنا في المنطقة كانت سياستنا التاريخية منذ فترة. وكانت تلك هي السياسة الأميركية عندما كنت وزيرا للخارجية في ظل إدارة الرئيس بوش الأب. كنا حلفاء أقوياء في مواجهة توسع الإرهاب، وكانت المشكلات الأخرى تنبع من إيران. رسخت الزيارة بوضوح أن السياسة والموقف الأميركيين عادا إلى ما كانا عليه من قبل. لذلك أرى أن الزيارة حققت نجاحا قويا بالفعل، وأن مركز مكافحة الإرهاب (اعتدال) خطوة مهمة للغاية. أعتقد أن هدف هذه القمة كان الإشارة إلى طريق شراكة جديدة بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب المعتدلين في المنطقة، بقيادة السعودية. سوف تواجه تلك الشراكة تطرفا وإرهابا وسوف تنشر قيم التسامح والتعايش. وسوف تعزز الأمن والاستقرار والتعاون المطلوب في المنطقة.

* خلال تاريخك المهنى المعروف تم إنجاز محادثات مدريد. الآن بعد أن زار الرئيس السعودية وإسرائيل، يوجد نقاش حول تسوية سلام إقليمي محتملة – قد
تتعلق بطريقة ما بمبادرة السلام العربية لعام 2002 – فهل يمكن أن تحدثنا عن رؤيتك لهذا الاحتمال؟


– بصفتي أمضيت فترة طويلة في السعي لدفع السلام بين العرب والإسرائيليين، أرجو بشدة أن يحدث ذلك التقدم. ولكن علي أن أخبرك أني أشك في أن التوقيت مناسب. من الجيد أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعات مع أهم الأطراف في هذه القضية. ولكن يظل الواقع أنه لا يوجد وكيل مفاوض حقيقي باسم الفلسطينيين. ومع أنه في اجتماعاته مع الرئيس عباس، تعهد الرئيس ترمب وعباس بالعمل معا على اتفاق للسلام، لا يزال الطريق طويلا للغاية. لا تزال أسئلة الماضي القديمة باقية. ماذا عن القدس؟ وماذا عن حدود حل الدولتين؟ وماذا عن حق العودة؟ وهل الإسرائيليون ملتزمون بالفعل بحل الدولتين؟ لذلك فإن الطريق طويل جدا، ولست متأكدا من أن هذا هو الوقت المناسب. ولا أدري ماذا سيحدث لحماس، ومن سيكون على طاولة المفاوضات باسم الفلسطينيين جميعا.

ومع هذا، أعتقد أن ما فعله الملك عبد الله بن عبد العزيز من خلال المبادرة العربية في 2002، هو ما يجب أن يحدث. نريد أن تكون إسرائيل وكل جيرانها العرب ملتزمين بحل الدولتين وأن يظلوا كذلك، بناء على صيغة الأرض مقابل السلام وفق قراري 242 و338.

* قارنت بين طبيعة السياسات تجاه إيران عندما كنت في الإدارة وفي الموقف الحالي. الآن بعد أن أصبحت الميليشيات العميلة لإيران نشطة في الكثير من البلدان العربية. كيف ترى تأثير هذه التحديات الجديدة في التعاون بين السعودية والولايات المتحدة بشأن إيران؟

– كما أشرت، أدى واقع تغيُر الإدارة الأميركية إلى تحول الأمور بالفعل. وهناك اعتراف واضح في هذه الإدارة بأن إيران تلعب دوراً مثيراً للمشكلات في الشرق الأوسط. ومن المهم أن أميركا وحلفاءها التاريخيين، العرب المعتدلين وإسرائيل، سينضمون معا لمواجهة هذا النوع من التصرفات السياسية من جهة إيران. ومع ذلك، في رأيي، لن تتم أي تسوية أو سلام دائم في سوريا أو العراق دون إيران. وأنا أتحدث عن تلك الميليشيات. أعتقد بصراحة أن تعزيز التعاون الأميركي مع بلدان الخليج أمر جيد للغاية. ولكن قبل أن نقول نعم، يجب أن يكون هناك حلف ناتو عربي، يجب أن يكون لدينا في الولايات المتحدة تفاصيل أكبر حول العضوية والرسالة والموارد وما شابه ذلك. وأجد أنه من المهم أن نسعى إلى تسوية في سوريا، ويكون الهدف الأول هو هزيمة «داعش». ولكن لا يوجد حل سهل للمشكلة السورية. لذلك ما نحتاج إليه أولا هو وقف إطلاق النار. وبالطبع في النهاية سنجد طريقا إلى اتفاق يفضي إلى دولة سورية أكثر تمثيلا لكل الفئات وأقل قمعا، وأكثر لامركزية. يمكن أن يكون مصير الأسد محلا لتلك المفاوضات. ولكن أي اتفاق نصل إليه سيتطلب قوات دولية لحفظ السلام. ويجب أن يؤدي عرب الخليج وتركيا دورا أكبر في أي مهمة لحفظ السلام، فلا تستطيع الولايات المتحدة تحمل العبء بمفردها. وبالطبع، توجد توترات كبيرة بين تركيا والولايات المتحدة، وهما حلفيتان في الناتو، نتيجة لإمدادنا للأكراد بالسلاح. وهذا ما قصدته عندما قلت إنه لا توجد حلول سهلة لمشكلة سوريا.

[caption id="attachment_55259464" align="aligncenter" width="3000"]الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان وكبير موظفي البيت الأبيض جيمس بيكر في ليموزين الرئاسة في واشنطن العاصمة عام 1981 (غيتي) الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان وكبير موظفي البيت الأبيض جيمس بيكر في ليموزين الرئاسة في واشنطن العاصمة عام 1981 (غيتي)[/caption]

* يبدو وكأنك تتحدث عن شيء أشبه بسوريا كونفدرالية، مع مانحين إقليميين مختلفين لمناطقها…

– اسمح لي أن أقولها بهذه الطريقة: الجميع ضد «داعش». لذلك لا يهم سواء كنت سوريا أو إيران أو تركيا أو الولايات المتحدة أو السعودية أو الإمارات. أنتم ضد «داعش». يود الجميع القضاء على «داعش». وهكذا كل ما يجب أن يحدث هو أن تجلس جميع الدول التي تسعى إلى حل وتتفاوض على اتفاق سيحكم ما سيحدث بعد هزيمة «داعش»، وما سيحدث للمنطقة هناك، ومن سيكون هناك. وتلك المفاوضات ستكون صعبة فعلا. ولكني لا أعرف طريقا أخرى. عندما أقول إننا نحتاج إلى مواجهة إيران بطريقة أفضل من قبل، لا أعني أن تسمح الولايات المتحدة بالدخول في نزاعات عسكرية مفتوحة. في النهاية، لن يكون ذلك مقبولا شعبيا، وبالتالي لن يمكن تحمُّله في الداخل هنا. وسوف نخسر السياسة. ونحن دولة ديمقراطية، والشعب الأميركي هو الحكم النهائي في سياستنا الخارجية. بمجرد أن تبدأ صناديق الجثامين في الوصول، سنخاطر بخسارة السياسة، كما فعلنا في فيتنام، وكما فعلنا في العراق بعد التدخل عام 2003.

* ما رأيك في الاتفاق النووي الإيراني؟

– رأيي في الاتفاق مع إيران، خطة العمل الشاملة المشتركة، أنه كان يجب ألا نشارك مطلقا في تلك المفاوضات من البداية من دون أن نربط رفع العقوبات بطريقة ما بسلوك إيران مع الإرهاب وأنشطتها في المنطقة. كان خطأ أن ندخل في المفاوضات بصفتها تتعلق بالمسألة النووية فحسب. والآن، لا أعتقد أنه يجب علينا التفكير في الانسحاب من ذلك الاتفاق، لأننا خسرنا حلفاءنا الأوروبيين بالدخول من البداية في مفاوضات حول العقوبات. كانت تلك العقوبات هي التي تجلب إيران إلى الطاولة. لذلك يجب أن نظل في الاتفاق في رأيي، ولكن يجب أن نكون صارمين للغاية في مراقبة التزام إيران به، ونحاول إشراك حلفائنا الأوروبيين في إعادة فرض عقوبات أو تشديدها إذا لم تلتزم إيران.

ولا أرى أننا كان يجب أن نبرم الاتفاق دون أن نوضح أيضاً أنه إذا رفعنا العقوبات يجب أن يرتبط ذلك بالسلوك الإيراني في مناطق أخرى. إذا التزموا بالاتفاق، على الأقل سنعلم أنه لا يزال أمامنا عشرة أعوام في الملف النووي. ولكن قبل ذلك، أعطينا إيران 150 مليار دولار أو أكثر وحرية مواصلة تنفيذ أجندتها بإثارة الفوضى والإرهاب وما إلى ذلك في المنطقة. لذلك يجب أن تسأل نفسك: هل كان الأمر يستحق؟ بالتأكيد من الجيد الحصول على الأعوام العشرة. ولهذا أقول إنه ليس لدينا خيار الانسحاب من الاتفاق اليوم، طالما استمرت إيران في تنفيذه. لأنه إذا قالت أميركا إننا سننسحب ونعيد فرض عقوباتنا، سيكون أمرا هائلا. ولكن العقوبات أحادية الجانب لا تنجح، العقوبات متعددة الأطراف هي التي تنجح. وأشعر أننا خسرنا حلفاءنا الأوروبيين في مسألة العقوبات. وما زلت لا أعتقد أننا يجب أن ننسحب من الاتفاق.

* وقعت مأساة مانشستر بعد أيام قليلة من افتتاح الرئيس مع الملك سلمان معهدا جديدا لمكافحة الإرهاب في الرياض. فكيف تعتقد أن السعودية والأطراف الأخرى في المنطقة تستطيع أن تفعل المزيد في مجال مكافحة الإرهاب عالميا؟

– أعتقد أن مركز «اعتدال» الذي تم الإعلان عنه أثناء زيارة الرياض جيد بالفعل. يجب أن يكون هناك اعتراف من الجميع، لا سيما في الشرق الأوسط، بأننا – وأميركا – نحتاج إلى محاربة الفكر المتطرف الذي يسفر عن تلك الأحداث المروعة. أعتقد أن مركز الرياض الجديد تطور مشجع للغاية، وقد سعدت لرؤية ذلك. لأنك تعرف أنه في النهاية هذا الصراع في الأساس بين الخير والشر داخل الإسلام. ويحاول الناس استغلال الإسلام في أغراض شريرة ومروعة. لذا تقع مسؤولية كبرى على عاتق المسلمين في كل مكان ممن لا يتفقون مع هذه النزعات المفزعة بالعمل الجاد لمكافحتها والقضاء عليها. وذلك بالتحديد المقرر أن يفعله هذا المركز الدولي. أعتقد أنه من المهم أن نواصل في الغرب فعل ما يمكننا للحد من تمويل هذه المجموعات، واستخدام أي تقنيات استخباراتية نملكها. ولكن الأحداث التي لا تزال تقع، وخصوصا في أوروبا، مفجعة وتوضح لنا عدم وجود مساحة للرضا عن النفس، وأننا في الواقع في حرب ضد الإرهاب، ويجب علينا وعلى أصدقائنا المسلمين المعارضين لهذا أن نتخذ الإجراءات اللازمة لمحاربته. إنه أحد الأسباب التي جعلتني أظن كما أخبرتك أننا لا يجب أن ندخل في المفاوضات النووية الإيرانية منذ البداية، قبل أن يحدث تحرك من جانبهم لإيقاف دعم دولتهم للإرهاب.

* الحرب في اليمن لا تحظى باهتمام كبير في النقاش العام الأميركي. وكانت هناك آمال لدى السعودية وحلفائها في الخليج للحصول على مساعدات أكبر من واشنطن في هذا البلد. فهل تتعاطف مع الموقف السعودي هناك؟ وكيف يقرأ الأميركيون الحرب في اليمن من جهة أخرى؟

– بالتأكيد أنا متعاطف مع الموقف السعودي في اليمن، لأن أي دولة ستكون قلقة إذا ما استحوذت جماعة معادية على حكم دولة مجاورة. وهذا حقيقي خاصة إذا كانت هذه الجماعة مدعومة من عدو جغرافي سياسي، كما هو الوضع بالنسبة للحوثيين مع إيران. وأؤيد بالتأكيد تقديم دعم لوجيستي واستخباراتي إلى المملكة. كانت تلك السياسة في ظل إدارة أوباما، وتظل السياسة المتبعة في إدارة ترمب، حسب ما أفهم.

ومرة أخرى، ها هي حالة أخرى يعد فيها التفاوض على تسوية نتيجة مثالية، نظرا لأن الواقع الإنساني في اليمن صعب للغاية. وأنا متعاطف كثيرا مع الموقف السعودي.

وفي هذا الصدد، يمكننا تقديم دعم لوجيستي واستخباراتي وأشياء من هذا القبيل، وأرجو أن نواصل ذلك، لأنه قد يساعد على الوصول إلى حل متفاوض عليه.

* نود أن نعرف رأيك في مواطنك من تكساس، وزير الخارجية ريكس تيلرسون. ما رأيك في عمله؟ وهل تشعر أنه يملك التفويض الذي يحتاج إليه ليكون مؤثراً؟

– كنت مؤيدا لتعيين الوزير تيلرسون بشدة. وقد سألني عنه فريق ترمب، ونائبه ورئيس موظفيه، وآخرون. ونصحت باختياره لأني أعرفه وسأخبرك أني متحيز، لأنه صديق، ولكني أعرف أنه يملك إمكانيات تجعله وزير خارجية ناجحا على نحو استثنائي. وأدعم بشدة توجهه العام في السياسة الخارجية، الذي يؤكد على المصلحة الوطنية. إنها الواقعية، وهي تعود إلى ما قلت عليه سابقا. عندما تبدأ صناديق الجثامين في الوصول إلى الديار، سيكون عليك أن تخاطر بمصلحة وطنية كبيرة أو تخسر سياستك. وفي الحقيقة، دائما ما تسترشد السياسة الخارجية الأميركية بمبادئها وقيمها. ولكن في النهاية، إذا كنت تتحدث عن استخدام جيشك، فستعرض مصلحة وطنية قوية للخطر. أثق أن هذا ثابت في رؤية ريكس تيلرسون. كذلك إذا نظرت إلى بعض قرارات السياسة الخارجية في إدارة ترمب، ستجد كثيرا منها بعيدا عما قاله المرشح ترمب في أثناء الانتخابات. وفي رأيي مثل تلك الخطوة جيدة، في كل الحالات تقريبا. وهذا يشير إلى أنه يتلقى استشارات ممتازة من فريق السياسة الخارجية الذي أرى أنه جيد جدا: تيلرسون وماتيس وماكماستر.

[caption id="attachment_55259470" align="aligncenter" width="3008"]وزير الخزانة الأسبق جيمس بيكر إلى جانب الرئيس الأميركي رونالد ريغان أثناء إعلانه أن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي آلن جرينسبان سيحل محل الرئيس السابق بول أ. فولكر في مؤتمر صحافي (غيتي) وزير الخزانة الأسبق جيمس بيكر إلى جانب الرئيس الأميركي رونالد ريغان أثناء إعلانه أن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي آلن جرينسبان سيحل محل الرئيس السابق بول أ. فولكر في مؤتمر صحافي (غيتي)[/caption]

* أشرت مراراً إلى أهمية الناخبين في الولايات المتحدة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية تحديدا. في ظل الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، كيف يؤثر ذلك على قدرة الرئيس على تنفيذ سياسة خارجية متماسكة؟

– عندما أتحدث ويسألني الناس عن أصعب القضايا التي تواجه البلاد اليوم، أحد الأمور التي أذكرها هي الخلل الوظيفي السياسي. يبدو أننا لم نعد قادرين على الجلوس والاتفاق معا من أجل الإنجاز لصالح الشعب الأميركي. وهذا ليس خطأ الإدارة. وليس بالضرورة خطأ الحزب الذي خرج من السلطة. ولكنك سألتني كيف يمكن أن يؤثر ذلك على الإدارة. إنه يجعلها أكثر صعوبة بكثير، لأنك بالفعل لديك نظام حكم منقسم. وهذا ليس جيدا.

يمكنني أن أحدثك عن بعض أسباب ذلك إذا أردت. لدينا ما يسمى إعادة تخصيص الدوائر الانتخابية. وهي مسألة دستورية. ينبغي علينا كل عشرة أعوام وضع حدود جديدة لدوائر انتخابات الكونغرس. ودولتنا منقسمة بالتساوي بين ولايات حمراء وولايات زرقاء – أي جمهورية وديمقراطية. عندما تكون في ولاية يسيطر عليها الديمقراطيون، سيجذبون كل عشرة أعوام المزيد من المناطق الديمقراطية الآمنة، وكذلك يفعل الجمهوريون في الولايات التي يسيطرون عليها. وتكون النتيجة النهائية اختفاء الوسط في السياسة الأميركية. وهذا ليس صحيا.

تتعلق مشكلة أخرى حالية بأن الممثلين المنتخبين يذهبون إلى واشنطن، يصلون إلى هناك بعد ظهيرة يوم الثلاثاء، ويغادرون بعد ظهيرة يوم الخميس حتى يتمكنوا من العودة لبيوتهم وجمع الأموال وتمهيد الساحة في دائرتهم الأصلية، وهكذا لا يوجد اختلاط بين الحزبين كما كان معتادا. لا يحدث اختلاط مع أشخاص من الأحزاب الأخرى. وهذه أيضاً مسألة دستورية. المشكلة الدستورية الأخرى هي أن الصحافة أصبحت طرفا في الخلاف السياسي، إذ لم يعد هناك مراسلون موضوعيون ينقلون الحقائق. عندما تشاهد إحدى القنوات التلفزيونية تظن أنك تشاهد قناة للحزب الجمهوري، وإذا انتقلت إلى قناة أخرى، ستجد أنك تشاهد قناة للحزب الديمقراطي. وهذا ليس مفيدا للديمقراطية، ولا للحكم. ولكنه أيضاً يمثل مشكلة دستورية. إن حرية الصحافة بالغة الأهمية لديمقراطيتنا. لا يمكن أن تخبر الصحافة بما تكتبه أو متى تكتبه أو كيف تكتبه. كل هذه الأمور تجعل الحُكم أكثر صعوبة. وعندما يكون لديك فوق كل ذلك الإنترنت، حيث يمكن لأي شخص إلقاء أي كلام ليرى إذا كان سيلفت الانتباه، وإذا حدث ستنشره وسائل الإعلام السائدة. اليوم نجد المزيد من التصريحات والكتابة، قبل عملية التحقق من صحة الخبر. كل هذه الأشياء تساهم، من وجهة نظري، في الخلل السياسي. أصبحت التسوية كلمة سيئة. وإذا كنت ممثلا في واشنطن وترغب في الجلوس مع أشخاص من الحزب الآخر للسعي إلى فعل شيء للشعب الأميركي، فقد تجد أمامك منافسا في الانتخابات التمهيدية التالية. هناك مشكلة أخرى أيضاً أشير إليها باستمرار وهي قنبلة الدين المالي الموقوتة. يوجد ديون على الناتج المحلي الإجمالي تقترب من نسبة 100 في المائة. وهذا لا يمكن تحمله. والرئيس ترمب يحاول فعل شيء لحل ذلك، عن طريق الحد من زيادة الإنفاق الفيدرالي. ولك أن تتخيل الطريقة التي يصرخ بها الحزب الآخر اعتراضا، والطريقة التي تصيح بها وسائل الإعلام بأنه يدعو إلى إلقاء كل أرملة ويتيم في هذه البلاد إلى الشارع. وذلك بغض النظر عن حقيقة أن خط الفقر في العالم اليوم وصل إلى أدنى مستوياته.

[caption id="attachment_55259473" align="aligncenter" width="3000"]الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يلقي ملاحظات بعد اجتماع مع قادة الأمن القومي الحاليين والسابقين في غرفة روزفلت في البيت الأبيض عام 2015 (غيتي) الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يلقي ملاحظات بعد اجتماع مع قادة الأمن القومي الحاليين والسابقين في غرفة روزفلت في البيت الأبيض عام 2015 (غيتي)
[/caption]

* منذ سنوات عملك وزيرا للخارجية، ما أكثر الإنجازات المتعلقة بالسياسة الخارجية التي تفتخر بها؟

– أنا فخور للغاية بالرئيس الذي عملت في إدارته، صديقي المقرب جورج بوش الأب، لأنه على الرغم من توليه الرئاسة لفترة واحدة، كان رئيسا مهما على نحو غير عادي، وخصوصا في السياسة الخارجية. عندما تفكر فيما حدث في فترة قصيرة بلغت ثلاثة أعوام ونصف العام كنت فيها وزير خارجيته، ستلاحظ أن الحرب الباردة، التي أمضيت فيها فترة الرشد، انتهت بهدوء وليس بضربة نووية. ولم يكن عليها الانتهاء بتلك الطريقة، وكان من الممكن أن تنتهي بكارثة. لقد أدار الرئيس بوش ببراعة نهاية الحرب الباردة. وعلى الصعيد الدبلوماسي، كانت إعادة توحيد ألمانيا بصفتها عضواً في الناتو إنجازا دبلوماسيا بارزا. كان السوفيات ضد التوحيد، والأميركيون والألمان فقط هم من أيدوه من البداية. إن إعادة توحيد ألمانيا كعضو في الناتو إنجاز آخر لإدارة بوش. وكان التحالف الذي أنشأناه مع أصدقائنا السعوديين وغيرهم، لطرد صدام حسين من الكويت، إنجازا غير مسبوق حرفيا. كانت تلك أول وآخر مرة يصوت فيها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار استخدام القوة ضد دولة عضو بالأمم المتحدة. وقد قضيت أياما كثيرة في الرياض في مقابلات مع الملك فهد وآخرين. وقال رئيسنا منذ البداية: «لن يستمر هذا العدوان ضد الكويت». ولم يستمر بالفعل. انظر كيف عملنا عن قرب مع المملكة في تلك الفترة. منذ البداية سألنا الملك فهد إذا كان يريد بعض القوات الأميركية. وأرسلنا عشرة آلاف جندي أميركي إلى المملكة لمنع العراق من التوغل في شبه الجزيرة العربية. وفي النهاية أصبح لنا 500 ألف جندي أميركي في الخليج، وطردنا صدام حسين دون شروط وفقا لقرار الأمم المتحدة. وعقدنا مؤتمر السلام في مدريد عقب حرب الخليج الأولى، ومرة أخرى تعاونّا عن قرب مع حلفائنا العرب المعتدلين في الخليج وجلس جميع الدول العربية المجاورة لإسرائيل لأول مرة معها على طاولة للتفاوض من أجل السلام. وهو شيء لم يتم من قبل قط. وهو ما أدى أيضاً إلى اتفاقية أوسلو، التي أثمرت بدورها السلام بين إسرائيل والأردن. كان مؤتمراً مهماً لما له من تبعات، على الرغم من أنه لم يؤد إلى سلام شامل بين العرب والإسرائيليين. وهذا ما أعنيه عندما قلت إن جورج بوش الأب كان رئيسا أميركيا مهما على نحو غير عادي، مع أنه تولى الحكم لفترة رئاسية واحدة. ولم أذكر حتى جميع اتفاقيات الحد من الأسلحة التي أبرمناها مع الاتحاد السوفياتي: «ستارت»، و«الأسلحة الكيماوية»، وغيرهما. كانت قدرة الرئيس بوش على إقامة تحالفات قوية وتنسيقها هي السبب في مواجهة كل من تلك التحديات التي ذكرتها. وكانت الفكرة الأساسية أن أميركا هي القائدة. واحتلت الريادة الأميركية في تلك الفترة محور الاهتمام.

* لنتحدث عن معهد بيكر، هل يمكن أن تخبرنا عن بعض الأنشطة التي يركز عليها المعهد في الفترة الحالية، وخصوصا تلك التي قد تهم قراءنا في السعودية؟

– نعتبر هيوستن عاصمة الطاقة في العالم، مع الاعتراف بالطبع بأن السعودية هي عاصمة الطاقة في العالم. ولكن كان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح هنا في هيوستن، في معهد بيكر. أفخر بأننا هنا منذ أقل من 25 عاما، حيث نحتفل بالذكرى 25 على إنشاء المعهد في العام المقبل، ووفقا لجامعة بنسلفانيا، نحتل الترتيب الرابع بين أفضل المؤسسات البحثية ذات الصلة بالكليات في العالم. ونحن أصغر كثيرا من معظم الآخرين. ولدينا منتدى طاقة مصنف الثاني من نوعه في العالم. لذلك نحن نشطون في مجال الطاقة. وفي الوقت الحالي، بدأنا للتو في برنامج جديد سيبحث بطريقة تجمع بين الحزبين في الانتخابات الرئاسية الأميركية. كنت محظوظا بقيادة 5 انتخابات رئاسية أميركية لثلاثة رؤساء جمهوريين مختلفين، ونظن أنه سيكون من الجيد تنفيذ هذا البرنامج، وجدنا أنه لا توجد مؤسسة بحثية أخرى في الولايات المتحدة تنفذ برنامجا يركز بقوة على الانتخابات الرئاسية. لدى كثير من المؤسسات البحثية برامج عن الرئاسة الأميركية، ولكنها لا تركز على الانتخابات الرئاسية. وسوف نشرع فيه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

* بالنسبة لقرائنا الشباب من طلاب الجامعة، ما نوع البرامج المتاحة للطلاب الأجانب الذين قد يرغبون في الاستفادة من الخبرات في معهد بيكر؟


– إذا تم قبولك في جامعة رايس، لدينا درجة الماجستير في الشؤون الدولية بدأناها منذ عامين. وأخمن أن لدينا نحو 40 إلى 50 طالباً. وهذا هو التخصص التعليمي الذي نقدمه هناك. لقد بدأناه منذ عامين فقط بسبب مطالبات به. ونحن في الأساس مؤسسة بحثية. ونمنح زمالات لأشخاص ممن يعملون في أجهزة تنفيذية، في مجالات الخدمة العامة، وغالبا ما يكونون في الحكومة، لكي يأتوا وينفذوا مشروعاً أو أوراقاً بحثية أو الاتصال مع الوسط الأكاديمي. إن فكرة معهد بيكر هي تقريب الفجوة بين العالم التنفيذي وعالم الأفكار. يجلس الأشخاص في المؤسسات البحثية وأساتذة الجامعات في أبراج عاجية ويخرجون ببعض الأفكار الجيدة أحيانا، ولكنهم ليسوا في مواقع تسمح لهم بتنفيذها. ويعلم أفراد العالم التنفيذي كيف يمكن تنفيذ الأفكار، وعندما نقدم منحاً للزمالة ويأتي أشخاص للانضمام إليها يتعاملون مع الأكاديميين. ولكنهم جميعا لديهم أهداف أو أجندات علمية، مثل أوراق بحثية أو ما شابهها.

* ماذا تقرأ هذه الأيام؟

– أستمتع بقراءة سير أشخاص من العالم التنفيذي. قرأت أخيرا قصة حياة توماس جيفرسون التي كتبها جون ميتشام، والتي أنصح بها أي شخص مهتم بتعلم فن ممارسة السلطة. كما كتب ميتشام أيضاً سيرة الرئيس جورج بوش الأب أخيرا بعنوان «القدر والسلطة» وهو أيضاً سيرة شخصية جيدة للغاية. كذلك أيضاً أنصح بقراءة قصة جون هاي، الذي كان سلفا لي في منصب وزير الخارجية وأيضاً السكرتير الشخصي لأبراهام لينكولن.

font change