الرياض وباريس: رؤية محمد بن سلمان لبناء شراكات غير نمطية

قراءة في مخرجات زيارة ولي العهد السعودي إلى فرنسا

الرياض وباريس: رؤية محمد بن سلمان لبناء شراكات غير نمطية

العلاقات السعودية الفرنسية... التفاهم التاريخي يعزز التعاون الراهن



[caption id="attachment_55265170" align="aligncenter" width="2000"]الرئيس الفرنسي يستقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قصر الإليزيه. الرئيس الفرنسي يستقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قصر الإليزيه.[/caption]

باريس – أحمد طاهر:


* زيارات ولي العهد تعطي رسالة للجميع بأن السياسة السعودية ليست سياسة أحلاف وتحالفات.
* ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العشر سنوات الماضية من 6.3 مليار دولار عام 2005 ليصل في عام 2016 إلى نحو 8.3 مليار دولار.
* القطاع التعليمي في فرنسا يستقطب المزيد من الطلاب السعوديين، فثمة ألف وأربعمائة طالب سعودي يتابعون دراستهم حاليا في فرنسا.
* التقارب السعودي الفرنسي نموذج لشمولية العلاقات بين الدول.
* لا يزال الاقتصاد بمفهومه الواسع هو محور تعزيز العلاقات السعودية الفرنسية.
* التوافق في المواقف لا يعني تطابقها كلية، إذ ثمة تباينات فيما بين البلدين حيال بعض القضايا الأخرى
* جولة الأمير محمد بن سلمان لا تهدف فقط إلى تطوير علاقات المملكة القائمة حاليا، وإنما تستهدف إقامة شراكات جديدة مغايرة لنظرة هذه البلدان إلى المملكة.




في لحظات البناء أو إعادة البناء تحتاج الدول إلى تحركات غير نمطية داخليا وخارجيا، إذ تتطلب تلك العمليات رؤى جديدة ومناقشات متعددة وتفاوضات بناءة، تراعي الواقع القائم، مستهدفة تغييره، استجابة لتطورات وتحولات مستجدة. وهذا القول ينطبق جليا على ما يقوم به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سواء في تحركاته الداخلية أو الخارجية، فكافة سياساته التي انتهجها مع رؤية 2030 التي أطلقها ليس فقط لإعادة بناء الاقتصاد السعودي على أسس غير تقليدية من خلال تنويع قاعدته الإنتاجية وزيادة موارده، وإنما لإعادة تموضع المملكة في نهضتها الداخلية وتحركاتها الخارجية، بما ينعكس إيجابا على حياة المواطنين ويؤمن مستقبل أبناءهم، وهو ما عبر عنه الأمير محمد بن سلمان في كلمته في المؤتمر الصحافي الذي عقده في ختام زيارته إلى فرنسا بقوله: «هدف السعودية هو أن تكون نقطة محورية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا وفق رؤية المملكة 2030».

وغني عن القول إن تفهم الأمير محمد بن سلمان لقاعدة حاكمة في إدارة الدولة وشؤونها، والمتمثلة في أن النجاح الداخلي لا يمكن أن يتحقق دون تحركات خارجية داعمة ومعززة لسياسات الداخل، جعله يولي اهتماما كبيرا لإعادة ترتيب دوائر تحركات سياسة دولته الخارجية، إذ كما هو معلوم أن السياسة الخارجية امتداد طبيعي للسياسة الداخلية وتوجهاتها.
ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية الجولة الخارجية الطويلة التي قام بها مؤخرا الأمير محمد بن سلمان التي شملت كلا من مصر وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا المحطة الرابعة، وفي الختام جاءت إسبانيا، أخذا في الحسبان أنها ليست الجولة الخارجية الأولى لولي العهد منذ توليه منصبه، وإنما سبقتها جولات أخرى تنحو ذات الهدف.

ويجدر بنا قبل إلقاء الضوء على المحطة الرابعة في تلك الزيارة والممثلة في زيارته إلى فرنسا وهي موضوع هذا التقرير، أن نؤكد على ملاحظتين مهمتين: الأولى، أن اختيار هذه البلدان ليس مصادفة وإنما يأتي في ضوء رؤية مخططة بحكمة وبدقة تتعلق بالتحولات التي يشهدها النظام العالمي، فكما كانت هناك زيارة من جانب ولي العهد إلى موسكو خلال منتصف العام المنصرم، يستكمل اليوم زيارته إلى الغرب (ممثلا في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث بدأها في لندن عاصمة العالم القديم قبل أن ينتقل إلى عاصمة العالم الجديد) ليعطي رسالة للجميع بأن السياسة السعودية ليست سياسة أحلاف وتحالفات، وإنما هي سياسة حريصة على أن تفتح مسارات في علاقاتها الخارجية بعيدا عن سياسة الأحلاف والاستقطابات فتعزز علاقاتها مع مختلف الأطراف. كما يأتي توقيت الزيارة قبيل اللقاءات المزمع إجراؤها بين الأطراف المعنية بالملف الإيراني بتشعباته المختلفة التي تشمل مصير الاتفاق النووي المبرم صيف عام 2015 وبرامج طهران الصاروخية والباليستية وسياستها الإقليمية، حيث كان من بين أهداف الجولة توضيح مدى المخاطر المترتبة على السياسات الإيرانية المهددة لأمن المنطقة واستقرارها، إذ تأتي هذه الجولة كذلك قبيل اللقاء المزمع عقده بين الرئيسين الأميركي والفرنسي في الولايات المتحدة يومي 25 - 26 أبريل (نيسان) المقبل، وكذلك قبيل قرار الرئيس الأميركي في 12 مايو (أيار) المقبل بشأن بقاء الولايات المتحدة داخل الاتفاق النووي مع طهران أو الخروج منه وهو المرجح. أما الملاحظة الثانية، فهو تنوع مجالات التعاون التي دشنتها تلك الزيارات، إذ عادة ما يتم التركيز على المجالين الاقتصادى والعسكري في معظم تلك الزيارات، إلا أن المدقق لمخرجات هذه الجولة بمحطاتها المختلفة كما حدث على سبيل المثال في الولايات المتحدة، أن اهتم ولي العهد اهتماما خاصا بمجالات أخرى تتعلق بالثقافة والتقنية الجديدة، فتم توقيع اتفاقات مع كل من شركة «أمازون»، وشركة «آي إم سي» السينمائية الأميركية، وشركة «سيكس فلاغز» لبناء مدينة ألعاب ترفيهية، هذا بالإضافة إلى المجالين الاقتصادي والعسكري بطبيعة الحال. وهو الأمر ذاته الذي شهدته زيارته إلى باريس كما سيرد تفصيله.

في ضوء هاتين الملاحظتين، يمكن قراءة زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى باريس من خلال ثلاثة محاور:
 

أولا: العلاقات الفرنسية السعودية... تاريخ ممتد من التقارب المشترك



ليست مصادفة القول إن العلاقات السعودية الفرنسية التي تحتفل بما يزيد على نصف قرن من إرساء قواعدها مع أول زيارة قام بها الملك فيصل إلى باريس عام 1967، إذ مثلت نقطة الانطلاق الرئيسية في علاقات البلدين، حيث حرص قادتهما منذ ذلك التاريخ على دعمها وتعزيزها لتشمل مجالات أرحب بما يحقق مصالحهما المشتركة، وهو ما يمكن أن نجمله في عدة مؤشرات:

1 - دبلوماسية القمة



شهدت الفترة الماضية زيارات متبادلة على مستوى ملوك وأمراء المملكة وكذلك الرؤساء الفرنسيون، ويرصد الجدول التالي أبرز هذه الزيارات:
المسؤول
تاريخ الزيارة
الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله) حينما كان وليا للعهد
1975م - 1395هـ
1981م - 1401هـ
الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان
1977م - 1397 هـ
1980م – 1400هـ
الملك خالد بن عبد العزيز (رحمه الله)
1978م – 1398هـ
1981م - 1401 ه
الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران
1981م - 1401ه
الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله)
1983م - 1404ه
1986م - 1407ه
الملك عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله) حينما كان وليا للعهد
1984م – 1405 ه
1998م - 1419ه

2005م - 1426ه
الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران
1990م - 1411ه
الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك
1996م - 1417ه
2001م - 1422ه

2006م - 1427ه
الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميرا لمنطقة الرياض
1997م - 1417ه
الأمير سلطان بن عبد العزيز (رحمه الله) حينما كان وليا للعهد
1999م - 1420 ه
2006م - 1427ه
الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي
2008م - 1429ه
الملك سلمان بن عبد العزيز، حينما كان وليا للعهد
2014م - 1435ه
الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند
2013م - 1434ه
2015م - 1436 ه
رئيس الوزراء الفرنسي السابق إيمانويل فالس
2015م - 1436 ه
الأمير محمد بن نايف ولي العهد وزير الداخلية السابق
2016م - 1437 ه
الأمير محمد بن سلمان، حين كان وليا لولي العهد ووزيرا للدفاع
2016م - 1437 ه
 
[caption id="attachment_55265171" align="aligncenter" width="4134"]الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يعقدان مؤتمراً صحافياً مشتركاً في قصر الإليزيه في باريس في 10 أبريل (نيسان) 2018. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يعقدان مؤتمراً صحافياً مشتركاً في قصر الإليزيه في باريس في 10 أبريل (نيسان) 2018.
[/caption]

يكشف جدول الزيارات عن مدى كثافة عدد الزيارات الثنائية المتبادلة وانتظامها بين قادة البلدين، وهو ما يعكس أمرين: الأول، متانة الشراكة الاستراتيجية بينهما، إذ تتيح هذه الزيارات الفرصة لتعميق الحوار الجاد رفيع المستوى، كما توفر في الوقت ذاته إطارا موثوقا به لمناقشة القضايا والمسائل ذات الاهتمام المشترك، خاصة إذ أخذنا في الاعتبار أن ثمة زيارات كثيرة قام بها كبار مسؤولي البلدين تستكمل الخطوات التي ترسي قواعدها اللقاءات بين قادتهم. الثاني: حرص البلدين على تنمية علاقاتهما بشكل مستمر، إدراكا من جانبهما بأهمية كل طرف للآخر، إذ إنه في الوقت الذي تحرص فيه فرنسا على استقلالية اتخاذ قراراتها بشأن القضايا الدولية والإقليمية، وما يتطلبه ذلك من تفعيل علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي والتي تحظى فيهما المملكة العربية السعودية بمكانة ودور فاعل، فكان حرصها على تعزيز علاقاتها مع المملكة بشكل مستمر ودائم. على الجانب الآخر، تدرك المملكة مكانة فرنسا ودورها عالميا من خلال عضويتها الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك أدوارها الإقليمية سواء داخل منظومة الاتحاد الأوروبي أو في مناطق أخرى تمس مصالح المملكة وأمنها كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط أو في أفريقيا، ولذا حرصت المملكة على تنمية علاقاتها مع فرنسا بشكل مستمر أيضا، والتي وصلت إلى حد دعوة الرئيس الفرنسي السابق فرنسو هولاند للمشاركة في أعمال قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الرياض في مايو (أيار) 2015 كضيف شرف.
 

2 - التبادل التجاري وتعزيز حجم التدفقات الاستثمارية



وفقا لتقديرات رئيس مجلس الغرف السعودية «أحمد الراجحي» ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العشر سنوات الماضية من 6.3 مليار دولار عام 2005 ليصل في عام 2016 إلى نحو 8.3 مليار دولار، منها 4.9 مليار دولار واردات سعودية من فرنسا، و3.4 مليار دولار صادرات سعودية لفرنسا.
وفيما يتعلق بالاستثمارات، تحظى فرنسا بمكانة مهمة في كافة الخطط الترويجية التي تضعها الهيئة العامة للاستثمار بالمملكة، حيت تأتي فرنسا في المرتبة الثالثة عالميا من حيث رصيد التدفقات الاستثمارية التي استقطبتها المملكة بإجمالي استثمارات تتجاوز 15 مليار دولار موزعة بين 70 - 80 شركة فرنسية تستثمر في المملكة، حيث يبلغ حجم التراخيص الممنوحة حتى الآن 179 ترخيصا لشركات فرنسية تستثمر بشكل مباشر على أراضيها. في المقابل، يوجد نحو 24 شركة سعودية تعمل في فرنسا يصل حجم أعمالها نحو 900 مليون يورو.

ومن الجدير بالذكر أنه في سبيل النهوض بحجم التبادل التجاري وبتدفقات الاستثمارات بين البلدين، كان تأسيس منتدى الأعمال السعودي الفرنسي كأكبر تجمع اقتصادي سعودي فرنسي يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بينهما في مختلف القطاعات (الطاقة بمختلف صورها، النقل، التنمية الحضرية، الصحة، المياه والكهرباء، الصناعات الزراعية، البنية التحتية الصناعية...)، ويضم في عضويته مجموعة من كبار المسؤولين في البلدين، إضافة إلى عدد من المستثمرين ورجال الأعمال وكبار مسؤولي الشركات.

وفي السياق ذاته، تم تأسيس اللجنة السعودية الفرنسية المشتركة عام 1996، والتي واجهت عقبات نحو تفعيلها في ظل موقف الطرفين (السعودي والفرنسي) حيث كان ينحو كل منهما باللائمة على الآخر في كل اجتماعاتهما الدورية غير المنتظمة بشأن عرقلة عمل هذه اللجنة، إذ إنه في الوقت الذي كان ينظر فيه الطرف السعودي إلى أن الطرف الفرنسي بطيء إلى حد كبير في فهم فلسفة الشراكة الاستراتيجية وأبعادها بين البلدين، حيث تحتاج المملكة إلى إدارة المنتجات والخدمات الفرنسية في إطار أوسع يراعي احتياجات السوق السعودية وفي الوقت ذاته يعززه باستثمارات مالية وكفاءات بشرية ومعارف تكنولوجية لإرساء عملية تنموية شاملة على أرض المملكة، إلا أن الطرف الفرنسي كان ينظر إلى المملكة في ظل الإطار القانوني المنظم لسوق المال والأعمال بأنها سوق مهمة لاستيراد المنتجات والخدمات الفرنسية فحسب.

وفي ضوء تلك النظرة المعوقة من الجانبين، كان حرص الأمير محمد بن سلمان في رؤيته 2030 على التخلي تدريجيا عن تلك الطريقة التقليدية في إدارة عمل اللجنة المشتركة، إذ شهد اجتماع اللجنة الذي عقد في باريس عام 2015 برئاسته، وبرئاسة لوران فابيوس رئيس الوزراء الفرنسي السابق توصلهما إلى اتفاقات عدة، أهمها: وضع أسس جديدة وعملية في إدارة العلاقات بين الجانبين، حيث تم خلال هذا الاجتماع إبرام حزمة من الاتفاقات والتعاقدات بين البلدين في الكثير من المجالات التنموية والاقتصادية بمليارات من اليوروات، مع التأكيد على دور فرنسي تشاركي في تنفيذ رؤية 2030. الأمر الذي أسهم في تسريع وتيرة التعاون والشراكة بين البلدين.
 


3 - التعليم والبحث العلمي رافدان لتقارب البلدين



أضحت لفرنسا مكانة في منظومة التعليم السعودي منذ عام 2008 مع توقيع البلدين لعدد من اتفاقات التعاون الجامعي، إذ أصبح القطاع التعليمي في فرنسا يستقطب المزيد من الطلاب السعوديين، فثمة ألف وأربعمائة طالب سعودي يتابعون دراستهم حاليا في فرنسا وذلك ضمن إطار برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والذي يمول ابتعاث مائة وثلاثين ألف طالب إلى الخارج. هذا إلى جانب وجود ثلاث مدارس سعودية تضطلع بتدريس اللغة الفرنسية، واحدة في العاصمة الرياض، وأخرى في جدة، وثالثة في الخُبر. ويصل إجمالي عدد الطلاب في هذه المدارس 3200 طالب. كما توجد ثلاث جامعات تضم أقساما لتدريس اللغة الفرنسية.

وفي السياق ذاته، يتيح برنامج تدريب الأطباء المتخصصين والذي تم بناءً على اتفاق حكومي موقع بين البلدين عام 2011. استقبال بضع مئات من الأطباء للانضمام إلى المراكز الطبية الجامعية الفرنسية وتمثل الطبيبات السعوديات زهاء ثلث هؤلاء الأطباء.
وفي مجال البحوث، تم عام 2016 إبرام اتفاق تعاون علمي بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والمركز الوطني للبحوث العلمية، تم بمقتضاه إقامة برامج تعاون رفيعة المستوى بين المؤسستين.
 

4 - الثقافة والتراث... مرتكز مهم في مسار علاقات البلدين



من غير مبالغة القول إن التقارب السعودي الفرنسي يعد نموذجا لشمولية العلاقات بين الدول. إذ إنه إلى جانب التعاون السياسي والاقتصادي بينهما، كان للمجالات الثقافية والحضارية وجود ملحوظ من خلال تنظيم المعارض والفعاليات الثقافية، وكان من أبرزها:

-     معرض المملكة العربية السعودية بين الأمس واليوم والذي نظم في باريس عام 1986م، وافتتحه الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميرا لمنطقة الرياض.

-     معرض روائع آثار المملكة، والذي نظم في متحف اللوفر واستمر لمدة شهرين في يوليو (تموز) عام 2010، وافتتحه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السابق ونظيره الفرنسي الأسبق بيرنار كوشنير.

-     فعاليات الأيام الثقافية السعودية في مقر منظمة اليونيسكو بالعاصمة باريس، والتي نظمت في 18 أبريل (نيسان) 2012. وتحكي سيرة المملكة منذ توحيدها على يدي الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وما شهدته المملكة من تطورات حتى ذلك التاريخ.

إضافة إلى ذلك يتعاون البلدان في تنظيم كثير من البرامج التدريبية للعاملين في القطاع الأثري في المملكة، حيث بدأت الهيئة العامة للسياسة والتراث الوطني في المملكة منذ عام 2014 بتنظيم برامج تدريبية للعاملين بها بالشراكة مع المعهد الوطني للتراث ومتحف اللوفر في فرنسا. هذا بالإضافة إلى وجود ما يقرب من سبع بعثات أثرية فرنسية على الأراضي السعودية.
 

ثانيا: الأمير محمد بن سلمان وباريس... زيارة خاصة وشراكة جديدة



في زيارة خاصة وعلى مدار ثلاثة أيام وبدعوة رسمية من الرئيس الفرنسي، جاءت الزيارة الثانية للأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، إلى باريس خلال الفترة من 9 - 11 أبريل 2018، التقى خلالها كلا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكبار المسؤولين الفرنسيين، وهدفت إلى بناء شراكة جديدة بين البلدين في مختلف المجالات، وهو ما أكده الدكتور خالد العنقري سفير الرياض في باريس، بأن: «هذه الزيارة تكتسي أهمية خاصة في الوقت الذي تشهد فيه المملكة مرحلة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... وأن الشراكة بين المملكة وفرنسا يمكن أن تلهم وتواكب وتدعم هذه التحولات، وليس فقط لتعميق بل إعادة تأسيس الشراكة الاستراتيجية الفرنسية - السعودية حول مشاريع مشتركة في مجالات مختلفة ومتعددة»، وهو ما أفرزه بالفعل اجتماع مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودية – الفرنسية الذي ترأسه الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون، إذ تكشف القراءة المتأنية لمخرجات الزيارة في مجموعها، ونتائج اجتماع هذا المجلس عن ثلاثة محاور في مسار علاقات البلدين، وهي:
 

1-     الاقتصاد مرتكز رئيسي لتعزيز علاقات البلدين



لا يزال الاقتصاد بمفهومه الواسع هو محور تعزيز العلاقات السعودية الفرنسية، إذ شهد الاجتماع الـ39 لمجلس الأعمال السعودي الفرنسي المشترك الذي جاء متزامنا مع الزيارة، مشاركة نحو 300 شركة فرنسية حرصت كل منها على عرض جهودها في دعم وتعزيز عمل المجلس ومبادراتها لدعم رؤية المملكة 2030، وتمكين الفرص الاستثمارية الصناعية من الإنشاء وحتى العمليات، وهو ما يُعد دليلاً على الأهمية التي توليها فرنسا لتعزيز شراكتها مع المملكة، خاصة في ضوء ما تمتلكه المملكة من مزايا نسبية وتنافسية فريدة، وفي إطار رؤية 2030 الهادفة إلى تحسين بيئة الأعمال وتطوير القطاع الخاص ورفع مستوى إسهاماته في الاقتصاد الوطني وتذليل الصعوبات التي تواجهه، من خلال رصد المبادرات والتحديات.
وفي هذا السياق، تم خلال هذه الزيارة التوقيع على 19 بروتوكول اتفاق بين شركات فرنسية وسعودية بقيمة إجمالية تزيد على 18 مليار دولار. وتتعلق هذه البروتوكولات بقطاعات صناعية مثل البتروكيماويات ومعالجة المياه، كما تشمل السياحة والثقافة والصحة والزراعة. ومن أبرز هذه الاتفاقات: اتفاق بين شركة توتال الفرنسية وأرامكو السعودية بقيمة تقترب من سبعة مليارات دولار من أجل التطوير المشترك لموقع بتروكيماوي في الجبيل بشرق السعودية، حيث تملك المجموعة الفرنسية أضخم مصفاة لها في العالم. ومن بين الشركات الفرنسية المعنية بالاتفاقات أيضا مجموعات «سويز» و«فيوليا» و«شنايدر إلكتريك» و«سافران» و«أورانج» و«جي سي دوكو»، كما أعلن الصندوق الاستثماري الفرنسي السعودي «فايف كابيتال» عن أول استثمارين له مع مجموعة «ويبيديا» للإعلام والتكنولوجيا المتخصصة في الترفيه ومجموعة «سويز».
 

2-     الثقافة حاضرة بقوة في علاقات البلدين



اتساقا مع الرؤية التي يتبناها الأمير محمد بن سلمان في ضرورة فتح محاور عدة في علاقات المملكة الخارجية في إطار رؤية 2030، وكما سبقت الإشارة فيما حققته زيارته إلى الولايات المتحدة من إضافة أبعاد جديدة ثقافية وتقنية، شهدت زيارته إلى فرنسا حضورا ثقافيا مهما، تجلى في كثير من المؤشرات، منها:

-     تنظيم برنامج فعاليات الأيام الثقافية السعودية تحت عنوان «كُلي»، وذلك بهدف تسليط الضوء على المشهد الثقافي والفني في المملكة.

-     الاتفاق على تشكيل أوركسترا وطنية، وإنشاء دار للأوبرا في السعودية بمعاونة فرنسية، مع إفساح المجال أمام المملكة للمشاركة بأفلام قصيرة في مهرجان كان السينمائي.

-     توقيع بروتوكول تعاون في مجال السياحة، هدف إلى تبادل الخبرات في مجال إدارة الوجهات السياحية وتطوير الموارد البشرية العاملة في القطاع السياحي وتطوير المنتجات السياحية، بالإضافة إلى تصنيف الفنادق، والسياحة الثقافية، والبيئة والأعمال والأنشطة البحرية.

-     توقيع اتفاقية تعاون تتعلق بتطوير المواقع التراثية والتاريخية في محافظة العلا والبالغة مساحتها نحو 22500 كيلومتر مربع وتقع على بعد نحو ألف كيلومتر غربي العاصمة الرياض. وتشتهر هذه المنطقة بمواقعها الأثرية مثل مدائن صالح وهي مدينة يبلغ عمرها ألفي سنة وتعود إلى عهد الأنباط ومشيدة في صخور صحراء شمال المملكة وقام علماء آثار فرنسيون بالتنقيب عنها أكثر من 15 عاما. كما يوجد بها أيضا معسكرات رومانية ونقوش صخرية ومواقع تراث إسلامي وبقايا خط الحجاز للسكك الحديدية الذي يعود للعهد العثماني وكان ممتدا من دمشق إلى المدينة في أوائل القرن العشرين. وتشمل الاتفاقية العمل على المشاركة في وضع التصورات المستقبلية لمشروع تطوير ثقافي وتراثي وسياحي طويل الأمد، لحماية وتطوير المواقع التراثية والتاريخية لمحافظة العلا، تحقيقًا للتحول المستدام في المحافظة لتمكين الزوار المحليين والإقليميين والدوليين من التعرف إلى ثراء إرثها الثقافي والتاريخي والطبيعي، وإرث المملكة بشكل عام، وعلى الحضارات العربية والقيم المحلية. وجدير بالذكر أن الهدف من هذا المشروع وغيره من المشروعات السياحية، هو الوصول بحجم الإنفاق السياحي في السعودية - من المواطنين والأجانب أيضا - إلى 46.6 مليار دولار في 2020 مقابل 27.9 مليار دولار في 2015.

-     بروتوكول تعاون في مجال التراث، يهدف إلى تبادل الخبرات في المجال التراثي وإدارة المواقع التاريخية ونقل المعارف والخبرات في مجال تنظيم المعارض وإدارة المتاحف، كما يهدف إلى تطوير الأشغال الحرفية والصناعات التقليدية وتدريب العاملين في مجال التراث وتنظيم الدورات التدريبية المشتركة، وبمقتضاه سيتم إنشاء وكالة للحفريات الأثرية تديرها فرنسا وتمولها السعودية.
وغني عن القول إن هذا الحضور الثقافي لم يكن الأول من نوعه، إذ كما سبقت الإشارة خطا البلدان خطوات مهمة في سبيل تعزيز تقاربهما الثقافي في ضوء ما يحمله كل طرف من ميراث ثقافي مميز هدف كل منهما إلى تعزيز روابطهما المشتركة.

[caption id="attachment_55265172" align="aligncenter" width="2000"]ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان آل سعود والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتفقدان الفنون في متحف اللوفر في باريس، فرنسا في 9 أبريل 2018. ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان آل سعود والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتفقدان الفنون في متحف اللوفر في باريس، فرنسا في 9 أبريل 2018.[/caption]

3-     السياسة... التوافق لا يعني التطابق



عكست المباحثات التي جمعت الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي وكبار المسؤولين مدى حجم التوافق في المواقف بين البلدين حيال كثير من الأزمات التي تشهدها المنطقة، وهو ما أشار إليه صراحة وزير الخارجية عادل الجبير في لقائه مع الصحافيين والإعلاميين على هامش هذه الزيارة، وذلك بقوله: «إن مواقف المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا متوافقة تجاه كثير من القضايا، إضافة إلى التنسيق المشترك في ملف محاربة التطرف والإرهاب، كما يجمع البلدين تعاون وثيق في مختلف المجالات»، وهو ما تجلى بشكل واضح في الموقف من الأزمة اليمنية كما أشار إلى ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن نية بلده الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول اليمن بحلول الصيف القادم لاستعراض ما يجري، وما يجب القيام به، ما سيسمح باتخاذ مبادرات إنسانية جديدة حيال اليمن. الأمر ذاته تكرر فيما يتعلق بالتعاون في القارة الأفريقية وهو ما أشار إليه أيضا الرئيس ماكرون بقوله: «عمل البلدان على أمن البحر الأحمر، وعلى دعم الحرب على الإرهاب في الصومال. وأن السعودية قدمت 100 مليون دولار لدعم القوة الأفريقية المشتركة، وقبلت كذلك دعم البرامج الإنمائية».

ولكن، من الأهمية بمكان الأخذ في الحسبان أن هذا التوافق في المواقف لا يعني تطابقها كلية، إذ ثمة تباينات فيما بينها حيال بعض القضايا الأخرى، وهو ما يتفق وطبيعة السياسة الخارجية للدول، إذ إنه من غير المقبول أن يكون هناك تطابق تام في مواقف الدول وسياساتها حيال ذات القضايا، نظرا لتباين ترتيبات أمنها القومي من ناحية، ومصالحها الوطنية من ناحية أخرى، وهو ما ينطبق على الموقف من البرنامج النووي الإيراني، ففي الوقت الذي يرى فيه الرئيس الفرنسي ماكرون أنه: «يتفق مع السعودية على ضرورة كبح توسع إيران بالمنطقة وبرنامجها للصواريخ الباليستية لكنه لا يزال يعتقد بوجوب الحفاظ على اتفاق إيران النووي»، على الجانب الآخر، يؤكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على أن: «حكومة إيران لا تخدم مصالح شعبها فلم تستثمر الأموال التي استردتها بعد الاتفاق النووي لازدهار الشعب الإيراني أو التنمية، وأنها حصلت بفضل الاتفاق النووي على 150 مليار دولار لم تستخدم دولارا واحدا منها لإطلاق مشروع أو فتح شارع بل عملت على نشر الآيديولوجيا المتطرفة، ودعم الإرهاب... وأنه لا بد من منع إيران من امتلاك السلاح النووي، ولا نريد تكرار اتفاق حدث عام 1938 وتسبب بحرب عالمية ثانية»، في إشارة إلى معاهدة ميونيخ، والتي وقعت عليها كل من ألمانيا النازية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا في 30 سبتمبر (أيلول) 1938، وتمت بمقتضاها الموافقة على أطماع أدولف هتلر التوسعية في أوروبا بعد أن تذرع بحماية الألمان في المناطق الحدودية الفاصلة بين تشيكوسلوفاكيا وألمانيا، الأمر الذي سمح له لاحقا باجتياح هذا البلد ودول أوروبية أخرى، إذ تسببت محاولة استرضاء هتلر من جانب الدول الكبرى بحسب مؤرخين إلى مقتل ملايين الأشخاص، نتيجة إدخال العالم في دوامة حرب عالمية. وهو ما أوضحه تفصيلا وزير الخارجية السعودي في مؤتمره الصحافي بقوله: «الاتفاق النووي الإيراني فيه الكثير من القصور فيما يتعلق بآليات التفتيش التي يجب أن تكون أكثر دقة، بما يضمن منع إيران من امتلاك قوة نووية»، مشيرا إلى: «إن ثمة رؤيتين في منطقة الشرق الأوسط، الأولى رؤية طموحة تسعى لتطوير التعليم والاقتصاد والمجالات التي تخدم الإنسان وتعمل على محاربة التطرف والإرهاب وهذا ما تفعله المملكة، وهناك رؤية الشر التي تعتمد على التدخل في شؤون الدول الأخرى ونشر الكراهية وتزويد الميليشيات الإرهابية بالأسلحة ودعم التطرف والإرهاب وإيواء الإرهابيين وهذا ما يفعله النظام الإيراني والمنتمون إليه». وأن الواقع العملي قد أثبت صحة التوجه السعودي؛ إذ إنه منذ إبرام هذا الاتفاق، لم تتوقف الحكومة الإيرانية عن تدخلاتها المستمرة عبر أذرعها وميليشياتها في المنطقة.

وإذا كان ثمة تباين سعودي فرنسي بشأن قضية الاتفاق النووي الإيراني، فإن ثمة توافقا بينهما بشأن الأزمة السورية، إذ أدانت المملكة الهجوم الكيماوي الذي استهدف «دوما» ودعت المنظمات الدولية لمحاسبة المسؤولين عن الهجوم، وقد عبر عن ذلك الأمير محمد بن سلمان بقوله: «إن المملكة قد تشارك في رد دولي في سوريا إذا استدعى الأمر وطلب منها شركاؤها وحلفاؤها الدوليون ذلك». ويؤكد هذا الموقف على ما سبقت الإشارة إليه من أن التوافق لا يعني التطابق، وإنما يعني تباينا في الحسابات والرؤى وفقا لمصالح كل طرف ومقتضيات أمنه القومي، وهو ما تتفهمه باريس في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، إذ حرص ماكرون على التأكيد على دعم بلاده لموقف المملكة في رفضها التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة، وهو ما عبر عنه صراحة بقوله: «لا نريد تدخلا إيرانيا في الانتخابات التي ستجرى في العراق»، وكذلك في رفضه لمطالبات بعض الجمعيات والمنظمات الفرنسية بوقف عقد صفقات السلاح بين البلدين، إذ أكد بشكل صريح أن «كل مبيعات الأسلحة الفرنسية للسعودية تتم وفقا للقانون الدولي»، وعلى هذا تم التوقيع على اتفاقية حكومية جديدة لإبرام صفقات الأسلحة، وهو ما أشارت إليه وزارة الدفاع الفرنسية بأن: «بدأت فرنسا استراتيجية جديدة لتصدير السلاح للسعودية والذي كانت تتولاه حتى الآن شركة (أو دي إيه إس) التي تتولى حاليا المصالح الدفاعية الفرنسية في السعودية؛ إذ إنه بمقتضى هذه الاتفاقية ستتولى الشركة فقط استكمال العقود القائمة». كما تم توقيع عدد من المذكرات والاتفاقيات للتعاون في المجال الدفاعي بين البلدين لتطوير القوات المسلحة السعودية، ونقل وتوطين التقنية، وتوفير التدريب وخلق فرص وظيفية في البلدين، واستكمال الإجراءات اللازمة لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي لمحاربة التنظيمات الإرهابية.
 

ثالثا: السعودية وفرنسا... إلى أين؟



تكتسب العلاقات السعودية الفرنسية أهمية خاصة في ظل التحولات العالمية والتغيرات الإقليمية المتسارعة والتي تتطلب تبادل الآراء وتنسيق المواقف بين البلدين، سعيا نحو تحقيق الأمن واستعادة الاستقرار والسلام في المنطقة، وذلك في ضوء تاريخية العلاقات بينهما من ناحية، وطبيعة التوجهات الفرنسية ومواقفها حيال بعض قضايا المنطقة والتي تتقارب فيها مع التوجهات السعودية من ناحية أخرى.

ومن ثم، جاءت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باريس لتؤكد على أن هذين الجانبين، إذ يمثلان نقطتي الارتكاز الرئيسية لضبط تفاعلات الحاضر وتخطيط مسارات المستقبل في علاقات البلدين. فبنظرة فاحصة إلى بعض الزيارات السابقة لقادة البلدين نجد أن ثمة زيارتين مثلتا ضلعين مهمين في مثلث علاقاتهما، الأولى، زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله) إلى فرنسا في 21 أبريل 2005 حينما كان وليا للعهد، والذي أكد بيانها الختامي على عمق العلاقات والتفاهم الثنائي بينهما من خلال تجاوزه للتقليدية إلى علاقات استراتيجية، وهو ذات المعنى الذي أكده الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك خلال زيارته للمملكة في عام 2006. إذ وصف في كلمته أمام مجلس الشورى السعودي العلاقات بين البلدين بأنها استثنائية ووثيقة ومتينة.

وعلى هذا، تمثل الزيارة الأخيرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الضلع الثالث والمهم في مثلث هذه العلاقات، حيث كشفت مخرجات الزيارة ونتائجها عن محورية علاقات البلدين وأهمية التشاور المستمر بين قيادتيهما لإيجاد أفضل السبل سواء لتعزيز علاقاتهما المتبادلة أو لحل الأزمات والقضايا التي تعاني منها المنطقة، كما هو منتظر في الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي ماكرون إلى المملكة خلال هذا العام كما جاء في كلمته بـ«قبوله دعوة نقلها ولي العهد السعودي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لزيارة السعودية في وقت لاحق من هذا العام»، إذ يذكر أنه من المتوقع أن يتم خلال هذه الزيارة التوقيع على وثيقة استراتيجية تعزز حجم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين والقائمة على أربعة محاور كما أشار إلى ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون يأتي في مقدمتها مكافحة الإرهاب. أخذا في الحسبان أن تعزيز هذه الشراكة يتطلب بداية العمل على مسارين: الأول، إفساح المزيد من الفرص أمام الشركات الفرنسية للولوج إلى الأراضى السعودية. إذ إنه من المهم أن تدرك هذه الشركات أن ثمة فرصا واعدة لها في السوق السعودية من خلال جاذبية بيئتها الاستثمارية والتي أوجدتها رؤية 2030. الثاني، تفهم القيادة الفرنسية مدى المخاطر المترتبة على السياسات الخاطئة التي تنتهجها بعض الأطراف الدولية والإقليمية في تعاملها مع ملفات وقضايا المنطقة، وفي مقدمة هذه السياسات ما تقوم به طهران من تدخلات مستمرة تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة وأمن دولها من خلال تأسيس أذرع إرهابية لها في بعض دول المنطقة من ناحية، ودعمها بالمال والسلاح لبعض التنظيمات القائمة من ناحية أخرى.

نهاية القول إن جولة الأمير محمد بن سلمان الممتدة لما يقرب من شهر والتي شملت خمس دول؛ واحدة عربية وأربعا غربية، لا يهدف منها فحسب إلى طرح تطوير في علاقات المملكة القائمة حاليا، وإنما يستهدف إقامة شراكات جديدة مغايرة لنظرة هذه البلدان إلى المملكة كدولة نفطية كبرى، حيث يسعى إلى ترسيخ رؤيته للمملكة في مكانتها الجديدة المُعبر عنها في «رؤية 2030»، تلك الرؤية التي تنطلق من تعددية المصادر والثروات والطاقات لبناء المستقبل، وقد نجحت الجولة في توقيع عقود مع شركات أجنبية في مجالات تقليدية وغير تقليدية بهدف جلب استثمارات تساعد في تدعيم الاقتصاد السعودي، وإنعاشه بعيدًا عن تقلبات أسعار النفط، إضافة إلى تقليل نسبة البطالة وزيادة العمق الاستراتيجي للمملكة بوجود استثمارات أجنبية فيها.
font change