هل تنجح في أن تكون سائحاً صديقاً للبيئة؟

بعيداً عن رمي النفايات في مكانها

هل تنجح في أن تكون سائحاً صديقاً للبيئة؟



جدة: معتصم الفلو




* صداقة البيئة أمر محمود، يمكنك أن تمارسه أينما حللت سائحاً حول العالم، وليس في موطنك فقط.
* السياحة رسالة إنسانية وتفاعل نبيل مع البشر والطبيعة والتاريخ والجغرافيا.





صداقة البيئة أمر محمود، يمكنك أن تمارسه أينما حللت سائحاً حول العالم، وليس في موطنك فقط، وحبذا لو أنك معتاد على ممارستها في موطنك. ولا تقتصر صداقة البيئة على الاكتفاء برمي النفايات أو أعقاب السجائر في الأماكن المخصصة لها وتقليل استخدام الأكياس البلاستيكية، وهو سلوك ممتاز، إلا أن الأمر أكبر من ذلك. فقد تقوم بتصرفات أو تطلب أموراً، يكون تراكم آثارها مع عدد أكبر من السياح، عاملاً يزيد من تلوث البيئة. وقد يكون عدم معرفتك بأبعاد تلك التصرفات عاملاً إضافياً لتكرارها. فما هي تلك التصرفات وما أهمية الوعي بأبعادها حتى تكون سائحاً صديقاً للبيئة؟



تنظيف غرفتك دون داع




قد تصل متأخراً ليلاً إلى فندقك أو الشقة التي ستقيم فيها خلال إجازتك أو قد تذهب في مغامرة بحرية أو برية طويلة، وبالتالي تكون غرفتك نظيفة؛ باستثناء استخدامك للمناشف أو معجون الأسنان. فقط علق لافتة «الرجاء عدم الإزعاج» (Don’t Disturb) على باب غرفتك؛ حتى لا ينظفها عمال خدمة الغرف. فما هو السبب؟
التنظيف يستهلك الماء ومواد التنظيف والمبيدات، كما أن غسل المناشف النظيفة أصلاً هو إسراف لا حاجة له. فقط قم بتعليق منشفتك في الشرفة أو على الكرسي، وعندما تعود ستجدها ناشفة نظيفة. ولكن لا تتردد أبداً في طلب تنظيف غرفتك في اليوم التالي أو عندما تتسخ. ومن الجيد معرفة أن بعض سلاسل الفنادق العالمية تمنحك نقاط مكافآت إضافية عن الأيام التي لم تطلب فيها تنظيف غرفتك.
لا تنس أن تأخذ معك الصابون وفرش الأسنان وغيرها من المواد التي تأتي مجاناً مع الغرفة، ليس من قبيل البخل أو التوفير، فتلك الأشياء رخيصة أصلاً، ولكن بإمكانك الاستفادة منها أو إعطاؤها لأشخاص يستفيدون منها (كأطفال القرى النائية أو المتسولين أو غيرهما)، بدلاً من أن يتخلص منها الفندق في صندوق النفايات، فهي تتغير مع كل ضيف جديد.
وإذا كان مكان إقامتك يوفر أكياساً أو سلة نفايات للمواد القابلة للتدوير كالزجاج والورق والبلاستيك والعبوات المعدنية، فحاول قدر الإمكان أن تصادق البيئة ولا تثقل همتك وقدم مساهمتك في التدوير.




الكهرباء ثمينة... لا تتجدد




إذا كان الطقس لطيفاً، فلا داعي لتشغيل مكيفات الهواء، فهي تستهلك طاقة أكثر من أي أجهزة أخرى. اكتف بالأضواء الموجودة في المكان الذي تجلس فيه من شقتك أو غرفتك، وأطفئ ما عداها. من الجيد أن عدداً أكبر من الفنادق يتحول إلى تبني الإضاءة الذكية عبر بطاقة دخول الغرفة أو الإطفاء الذاتي عند عدم الوجود في الغرفة. فبمجرد نزع البطاقة من مكانها، ستنطفئ أضواء الغرفة تلقائياً. ولكن، إذا كنت في فندق قديم أو في قرية بعيدة أو نزل يفتقر إلى الإضاءة الذكية، فمن الأفضل التنبه وعدم استخدام الأنوار عند الخروج للسباحة أو التسوق أو في جولة سياحية. قد يقول قائل إنه دفع أجرة غرفته ولا تهمه الفواتير، لكن المسألة لها بعد بيئي، وليست مسألة فاتورة كهرباء، فتوليد الطاقة يستهلك الوقود الملوث للبيئة، والأرض بيت الجميع.



البضائع المحلية أولى من المستوردة




عدا عن أنه ينشط الاقتصاد المحلي ويخلق المزيد من فرص العمل، وبخاصة في القرى أو الجزر السياحية وحتى المدن، فإن شراء البضائع المحلية يساهم في الحفاظ على البيئة. لماذا؟
يبقى استهلاك البضائع محلية الصنع أخف أثراً على البيئة من البضائع المستوردة التي قطعت مئات أو آلاف الكيلومترات لتصل إلى رفوف المتاجر. ليس من الحكمة شراء تذكارات أو مصنوعات يدوية صينية الصنع عندما تكون في البرازيل أو جنوب أفريقيا. لذلك، ابحث عن المصنوعات المحلية، فهي الأقدر على منحك ذكريات حقيقية بعد انقضاء زيارتك بسنوات.
ينطبق الأمر نفسه على المأكولات والمشروبات المحلية، فكلما اشتريت منها وابتعدت قدر الإمكان عن المستوردة، كان تأثير «البصمة البيئية» التي تخلفها، أقل ضرراً.



هدر الطعام يؤلم البيئة




كل صحن من الأرز أو رغيف خبز يستغرق شهوراً من الإعداد، زراعة وقطفاً ونقلاً وطهواً، حتى يصل إليك ساخناً لذيذاً، وكذلك الأمر ينطبق على كافة أصناف الطعام. أنت تعرف حجم الحصة المثالية للطعام الذي يحتاجه جسمك، فلا تطلب ما يفوق طاقتك من الطعام وتهدر الباقي في صناديق القمامة، وإن كنت لا تهتم بثمن الفاتورة.
وإذا تبقى بعض الطعام، فلا تخجل أن تطلب من النادل أن يغلفه جيداً لتناوله لاحقاً أو تسأل إن كان يمكنه أن يقدم ما تبقى لمن يحتاجه، وبخاصة إذا كان بحالة جيدة. هناك مبادرات قد تجدها في بعض المطاعم التي تجمع بقايا الخبز وتقديمه كعلف للحيوانات أو الأرز لتقديمه للطيور. قد يسهل ذلك عليك أمر التخلص السليم من فائض الطعام.
شارك قطع الشوكولاته أو البسكويت مع حارس أمن الفندق إذا كنت لا تستطيع إكمال العبوة أو احتفظ بها لليوم التالي في الثلاجة. المهم أن تبذل جهدك أن تكون صحونك خالية بعد فراغك من وجبتك وأن تكون الأكياس والعبوات فارغة من محتواها.


النقل العام خير من الخاص




ما لم تكن في عجلة من أمرك أو أنك تخشى فقدان الطريق لعدم معرفتك بالطرق جيداً، يبقى استئجار دراجة هوائية أو نارية أو ركوب الحافلات أو قطار الأنفاق (المترو) أو الترام، أفضل من سيارات الأجرة، ذات التكلفة الأغلى والأثر البيئي الضار بالانبعاثات الخارجة من العادم.
ابحث عن الجولات السياحية الجماعية، سواء كانت في البر أو البحر، إلا إذا كنت في شهر العسل أو لديك مناسبة خاصة أو حفل زفاف، فهي مناسبات تستدعي أكبر قدر من الخصوصية؛ حتى أثناء التنقل!



جلود الحيوانات النادرة ليست للزينة




يحصل في أفريقيا وآسيا وشبه القارة الهندية أن يعرض عليك أحد الباعة أو التجار سراً الحصول على جلود الحيوانات النادرة أو عاج الفيلة أو وحيد القرن مقابل مبالغ باهظة. قد تكون هذه هواية محببة للبعض، لكنها مؤذية للتوازن البيئي وتساهم في ازدهار التجارة غير الشرعية الناتجة عن الصيد الجائر أو ذلك الذي يساهم في تسريع انقراض الحيوانات البرية.
هل الشعور بالتميز كافٍ لتبرير شراء جلد نمر نادر؟ وهل تحلو غرفة الجلوس عندما تعرض فيها أحجار شطرنج مصنوعة من عاج الفيلة؟
لا شك أن ذلك يمنحك التميز عن الآخرين، ولكن من يغفر لك جريمة بيئية كهذه؟ أضف إلى ذلك أن أجهزة الجمارك صارت أكثر وعياً لمسألة التهريب، لكن الفساد موجود والتهريب حاصل. ويبقى الرادع الذاتي تجاه تلك الممارسة غير الشرعية هو الأساس.



الشعاب المرجانية والأسماك تستحق الرفق




إذا كنت من هواة الغوص في أعماق البحار، فالتزم بالقواعد التي يحددها لك مشرف رحلة الغوص، فلا داعي للمشي فوق الشعاب المرجانية أو كسرها لأخذ عينة للذكرى أو الزينة لأن تلك الشعاب تحتاج إلى آلاف بل ملايين السنين حتى تتشكل من جديد.
وهناك رياضات بحرية لا يمكن وصفها إلا على أنها «وحشية» مثل القتال مع أسماك القرش في أعماق المحيطات عبر الأقفاص المعدنية. قد لا يعرف الكثيرون أن جروح أسماك القرش لا تندمل، ولهذا يستمر ألمها طوال الفترة المتبقية من حياتها. وإن سمحت بعض الدول بهذه الرياضة، فليس بالضرورة الذهاب من أجل قتل مخلوقات مسالمة لم تؤذك في حياتك والاستمتاع برؤية دمائها تلون مياه المحيط! دعها وشأنها ومارس الغوص بكل سلمية، فلن تؤذيك إلا في حالات نادرة جداً.
قد لا تتمكن من الالتزام بكل ما ذكر أو أن شأن البيئة لا يهمك أصلاً، لكن ما لا يدرك كله، لا يترك جلّه. السياحة رسالة إنسانية وتفاعل نبيل مع البشر والطبيعة والتاريخ والجغرافيا. صحيح أن الوعي يختلف من شخص لآخر، إلا أن تدريب الذات على الممارسات السليمة والصديقة للبيئة هي التي تصنع الفارق. وكلما كثر أصدقاء البيئة، استدامت بيئتنا لأجيال مقبلة.

font change