الصوماليون يختطفون السفن والدول الغنية والشركات الأجنبية تجني الأرباح

الصوماليون يختطفون السفن والدول الغنية والشركات الأجنبية تجني الأرباح

[caption id="attachment_830" align="aligncenter" width="620" caption=" الصوماليون.. قراصنة القرن الحادي والعشرين "] الصوماليون.. قراصنة القرن الحادي والعشرين [/caption]





في فبراير (شباط) من العام الحالي، رصدت مروحية تابعة للبحرية الدنماركية الملكية يختا خاصا يرفع العلم الأميركي ويحمل اسم «ذا كويست» وهو يبحر على بعد نحو مائتي ميل جنوب شرقي جزيرة «مسيرة»، بعمان. وبعد محاولة رجال البحرية الهولندية الاتصال باليخت، اتضح أن اليخت أصبح تحت سيطرة القراصنة الصوماليين.

وعلى الرغم من التوتر الذي يسود الموقف، لم تكن هناك مخاوف كبرى بشأن سلامة الرهائن، حيث إنه في معظم مثل تلك المواقف، كان القراصنة الصوماليون يتبعون بروتوكولا غير رسمي، وهو الحفاظ على سلامة وتغذية الرهائن والمطالبة بفدية ملايين عدة من الدولارات في مقابل تحريرهم. وبمجرد دفع الفدية، يتم إطلاق سراح الرهائن، ويعتزل الرهائن ويتزوج غالبهم. إلا أنه في تلك المرة لم تسر الأمور على نفس النحو. حيث ذهبت أربع سفن تابعة للبحرية الأميركية وحاملة طائرات إلى اليخت المختطف. وبعد تحقيق الهدف الأول، أجريت اتصالات بالقراصنة وبدأت المفاوضات. وذهب اثنان من القراصنة إلى سفن البحرية الأميركية لاستئناف المفاوضات وظلوا طوال الليلة على متن السفينة. ولكن في الصباح، قام القراصنة على متن اليخت بإطلاق قذيفة صاروخية ضد سفينة البحرية الأميركية التي كانت المفاوضات تجري عليها، وسمع دوي إطلاق نيران داخل كابينة اليخت. فقام رجال البحرية الأميركية بدخول اليخت ليجدوا أن الرهائن كافة قد قتلوا وخسروا حياتهم في النهاية. وتقول إحدى روايات القصة إن زعيم القراصنة الذي ذهب إلى سفينة البحرية الأميركية للتفاوض كان قد اتفق مع رجاله على أن يقتلوا الرهائن في حال عدم عودته. وبالتالي كان القراصنة ينفذون السيناريو المتفق عليه.

وتعد حلقة «ذا كويست» ذات النهاية المأساوية غير المسبوقة هي أحد الفصول الحديثة في المشكلة، التي وفقا للبيانات المتاحة تزداد سوءا سنويا. وعلى الرغم من مشاركة بحرية عدد من دول حلف شمال الأطلسي وبعض الدول الأخرى مثل الصين والهند منذ عام 2008، فإن عدد الهجمات تزايد بمعدلات هائلة. ففي عام 2010، كان هناك نحو 44 هجوما وهو ما يعد رقما متحفظا حيث إن نحو 50 في المائة فقط من الهجمات يتم الإبلاغ عنها للهيئات الدولية. وفي مارس (آذار) من العام الحالي، كانت هناك هجمات على نحو شبه يومي، كما قام القراصنة بتوسيع نطاق عملياتهم باستخدام السفن الكبيرة من الشرق الأقصى إلى جزر المالديف وجنوبا وصولا إلى قناة موزمبيق.

وليس فقط عدد الهجمات هو الذي يتزايد، فقد تزايدت تكلفة عمليات القرصنة الصومالية بنسبة هائلة، وبلغت الفدية التي يتم دفعها سنويا إلى القراصنة نحو 238 مليون دولار. ويقدر خبير بالأمم المتحدة التكلفة الاقتصادية لعمليات القرصنة بـ5 - 7 مليارات دولار سنويا. وفي كينيا المجاورة، تزيد عمليات القرصنة من تكلفة الواردات حتى أنها تصل إلى 23.9 مليون دولار شهريا، وفقا لأحد التقديرات، فيما يشير تقدير آخر إلى أن الزيادة في تكلفة الصادرات لكينيا نظرا لعمليات القرصنة أصبحت تصل إلى 9.8 مليون دولار شهريا.

ومن جهة أخرى، يمكن أن يمثل غياب السلطة - المقصود في هذه الحال هو حكومة فعالة في الداخل وحرس سواحل صومالي يمكنه تمشيط المياه الصومالية بكفاءة - الذي يمثل مشكلة بالنسبة لكثير من الأطراف فرصة للبعض الآخر. وتعد شركات التأمين من أول الأطراف التي حققت فوائد كبيرة نظرا للقرصنة الصومالية حيث إنها الضمان الأخير لأصحاب السفن الذين يكون عليهم ترك سفنهم تعبر المياه التي يهيمن عليها القراصنة.

وتعد شركات الأمن الخاصة آخر المنضمين لقائمة المستفيدين التي تتضمن بالفعل عددا من الأطراف. فوفقا لما ذكرته «نيويورك تايمز»، تشارك شركة يقع مقرها بجنوب أفريقيا «ساركين»، ويقف وراءها إريك برينس مؤسس شركة «بلاك ووتر»، في القتال ضد القرصنة، بالطبع في مقابل ملايين عدة من الدولارات.

وهناك نوعان من الأنشطة غير الشرعية التي تجري في المنطقة الاقتصادية الصومالية منذ بداية التسعينيات. أحدها هو عمليات الصيد غير الشرعية التي تقوم بها السفن الأجنبية بخاصة الأوروبية والآسيوية والتي تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنويا في أنواع مختلفة من الصيد.

بالإضافة إلى التخلص من النفايات بما فيها النفايات السامة، وهي العملية التي تقوم بها الشركات الأجنبية في المياه الصومالية، وهي أحد النشاطات غير الشرعية الأخرى التي تحدث في المنطقة الاقتصادية الصومالية منذ التسعينيات، حيث إنه يمثل حلا أرخص من الطرق التقليدية للتخلص من النفايات. وفي ظل الموجات الهائلة التي ضربت الأراضي الصومالية بعد موجات التسونامي في ديسمبر (كانون الأول) 2004 اندفعت النفايات السامة كافة إلى الشاطئ. وبالإضافة إلى التسبب في عدد خطير من الأمراض بالتزامن مع الأمراض الإشعاعية بين سكان شمال شرقي الصومال، فإن تلك المخلفات السامة والإفراط في الصيد قد عملا على تدمير الحياة البحرية مما دفع الصيادين إلى التحول إلى القرصنة.

وعلى الرغم من أن البعض يعتبر الإفراط في الصيد بالإضافة إلى النفايات السامة من الأسباب الرئيسة وراء مشكلة القرصنة في الصومال، فإنهما إلى حد كبير يمثلان عرضا للمشكلة الأساسية وهي الاضطرابات المزمنة في الصومال، حيث إن السلطات الصومالية لديها قدرة ضئيلة أو ليس لديها قدرة أصلا على وضع حرس سواحل يكفي لضمان ممارسة الصومال لسيادتها على مياهها الإقليمية.

وربما يكون الحل الوحيد الجذري لتلك المشكلة هو علاج مشكلة الاضطرابات الدائمة في الصومال وكإجراء مبدئي تنفيذ عمليات لضرب القراصنة في المواقع التي يتمركزون بها على الأرض. وعلى الرغم من أن السيناريو السابق، في الوقت الذي تبدو فيه فكرة بناء الدولة مقلقة، يعد بعيد المنال ويتنافى مع إرادة المجتمع الدولي، فإن الشيء نفسه ينطبق على الخيار الأخير الذي يتعلق بضرب القراصنة على الأرض وهو الحل الذي تستبعده قوات الدول المشاركة في العمليات البحرية. ومن هذا المنطلق، فإن كلتا السياستين، من إرسال السفن العسكرية إلى حراسة سفن البترول، وإقامة محاكمات دولية لمحاكمة القراصنة الذين عادة ما يطلق سراحهم، هما حلان للتغطية على المشكلة وليس لحلها.

مانويل ألميدا
font change