بول كاغامي لـ«المجلة»: نحن بحاجة إلى تغيير عقلية الأفارقة وكيفية إدارة بلداننا

بول كاغامي لـ«المجلة»: نحن بحاجة إلى تغيير عقلية الأفارقة وكيفية إدارة بلداننا

* كاغامي يشكو ضعف تمويل الدول الأعضاء ... ويؤكد الحاجة إلى «الكفاءة والفخر بأنفسنا وبقدرتنا على بناء أنظمة فعالة».
* 50 % من موارد الاتحاد يوفرها المانحون الأجانب ويتم تمويل97 % من البرامج من الداعمين أنفسهم.
* الهدف من مشروع منطقة التجارة الحرة في أفريقيا هو تمكين القارة من منطقة تجارة حرة ترفعها إلى مستويات مقبولة
* كان من المفترض أن تتعامل المحكمة الجنائية الدولية مع الجرائم في جميع أنحاء العالم، لا أن تتفرغ لأفريقيا فقط.


 

كيغالي (رواندا): يتميز رئيس جمهورية رواندا بول كاغامي، الذي انتخب مطلع العام الجاري، رئيساً جديداً للاتحاد الافريقي، برشاقة نادرة وبابتسامة تعلو محياه وتلازمه دائماً. يجيب بصوت خافت يجبر أذن محاوره على أن تكون منتبهة ومصغية. يشيد الذين عايشوه عن قرب بصراحته التي ترهق الأعراف الدبلوماسية. كيف لا وهو الذي يرجع إليه الفضل في إعادة إعمار بلد مساحته 26.338 كيلومترًا مربعًا (رواندا)، بعد أن عانى الويلات وأنهكته حرب إبادة جماعية قبل 24 عامًا. واليوم يقود منظمة الاتحاد الأفريقي، الذي ينوي تحويله وإصلاحه. التقيناه في كيغالي على هامش ملتقى مو إبراهيم للحوكمة الرشيدة، فكشف لـ«المجلة» عن الإصلاحات الجوهرية أو البرامج التي أعدها لصالح القارة والمنظمة.
وإلى نص الحوار...


[caption id="attachment_55267981" align="alignleft" width="737"]ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ترحب بالرئيس بول كاغامي خلال اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث في قصر باكنغهام 19 أبريل الماضي (غيتي) ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ترحب بالرئيس بول كاغامي خلال اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث في قصر باكنغهام 19 أبريل الماضي (غيتي)[/caption]

 
* ما الذي تتمنى تغييره في أفريقيا؟
 


- نحتاج أولا إلى تغيير عقلية الأفارقة وكيفة إدارة شؤون بلداننا. يتعلق الأمر بثقتنا في أنفسنا، بالكفاءة والفخر في قدرتنا بأننا جاهزون لبناء نظامنا الخاصة لكيفية إدارة الأشياء. ولكن هناك أيضا حاجة للإصلاح ومعرفة الغرض من إنشاء هذه المؤسسات القارية، لأي غرض وكيف تعمل. نحن مطالبون بفحص ما الذي يحدد أن الإصلاحات ستكون مناسبة لمؤسساتنا. الجزء الآخر يتعلق بتمويل أنشطة الاتحاد الأفريقي الذي لا يزال رهينة التمويل الأجنبي وحيث مساهمة الدول الأفريقية فيه ضئيلة، وفي مستوى حرج للغاية.

 
* لماذا تزعجك هذه المسألة؟
 


- نحن بحاجة إلى موارد لتمويل مشاريعنا وأنشطتنا وتحقيق أهدافنا الإنمائية. ولكن في غياب التمويل القاري الكافي، سوف نعتمد دائمًا على مانحين آخرين. وإذا لم تكن أنت مصدر الأموال التي تسمح لك أن تفعل ما تريد القيام به، فإن الاعتماد على التمويل الأجنبي سيولد حتما بعض المشاكل المرتبطة باستقلال القرار؛ فحتى إذا حاولت أن تفعل ما هو صحيح بالنسبة للقارة الأفريقية، فإنك سوف تكون ملزما أيضاً للعمل لصالح الداعم المالي وأن تقوم بأشياء حسب طلبه والتي قد تتعارض مع مهمتنا ومبادئنا الأخلاقية.
في الواقع، يمول الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي معظم الميزانية الفعلية للاتحاد الأفريقي. فأي سيادة لديك إذا كنت تعتمد كثيراً على شخص آخر وأنت لا تستطيع تمويل ميزانيتك الخاصة؟ فالحال أننا ما زلنا رهن دعم المانحين الأجانب لأننا ما زلنا غير قادرين على تمويل ميزانيتنا الخاصة.



 
* هل تقصدون بكلامكم هذا فقط الاتحاد الأوروبي؟



- هذه الرسالة ليست موجهة للاتحاد الأوروبي فحسب، بل للصينيين الذين يرغبون في بناء مقر الاتحاد الأفريقي، والأميركيين، وغيرهم. ولهذا السبب نريد إجراء مناقشات صريحة مع جميع الجهات المانحة.


[caption id="attachment_55267986" align="alignright" width="713"]الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل بول كاغامي قبل اجتماع ثنائي عقد في قصر الإليزيه 23 مايو 2018 – باريس (غيتي) الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل بول كاغامي قبل اجتماع ثنائي عقد في قصر الإليزيه 23 مايو 2018 – باريس (غيتي)[/caption]

 
* لكن كيف يمكن الخروج من معضلة التمويل هذه؟
 


- تأتي 50 في المائة من ميزانية الاتحاد الأفريقي من المانحين الأجانب ويتم تمويل 97 في المائة من برامجها من قبل المتبرعين! حسنا، من المعروف جيدا أن من يدفع له إكراهاته! وهذا يمس من كرامة الأفارقة. ولتمكين الاتحاد الأفريقي من الحصول على الموارد اللازمة لتمويل ميزانيته، اقترحت فرض ضريبة بقيمة 0.2 في المائة من القيمة الإجمالية لواردات كل بلد أفريقي لا غير! وهي بالنسبة لنا ضريبة استرداد شرفنا. ولدينا 40 دولة قابلة لهذا المبدأ بينما بدأت 25 دولة في التطبيق الفعلي لهذا الإجراء. ولقد اعتمدنا طريقة علمية وعملية موثوقة طورتها فرقنا ذات الخبرة لاحتساب هذه المساهمة، والتي أشرف عليها الرئيس السابق للبنك الأفريقي دونالد كابروكا. علاوة على ذلك، نحن نعمل جاهدين لتبديد الشكوك وطمأنة الدول الأعضاء بأن مساهمتهم يتم حسابها بشكل عادل ووفقًا لإجراء حسابي شفاف وتلقائي. ولهذا السبب قمنا بتفويض فريق للقيام بجولة في البلدان الأعضاء، لشرح الآلية وكيف تعمل.

 
 
* هل هناك دول لا تزال ترفض هذا المبدأ؟
 

- من بين 54 بلدًا عضوًا، يوجد حاليًا 25 بلدًا قبل الآلية. لكن المفاوضات لا تزال جارية مع أولئك الذين لم ينضموا بعد.



 
* مشروع آخر تولونه الأهمية وهو مشروع منطقة التجارة الحرة في أفريقيا. إلى أين انتهى الأمر في هذا الشأن؟
 


- هذا المشروع يتقدم بشكل جيد. والهدف هو تمكين أفريقيا من منطقة تجارة حرة يمكنها تسهيل التجارة ورفعها إلى مستويات مقبولة بين البلدان الأفريقية. تم تقديم نصين إلى القادة الأفارقة: الاتفاق على منطقة التجارة الحرة القارية، وبروتوكول حول حرية حركة الأشخاص في القارة. ظلت منطقة التجارة، وهي واحدة من أهم محاور أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063. قيد المناقشة منذ عام 2012. وهي تهدف إلى إنشاء سوق مشتركة تبلغ 1.2 مليار نسمة حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي التراكمي فيها إلى ما يقرب من 2.5 تريليون دولار. يجب الآن التصديق على هذه النصوص لإضفاء طابع رسمي لدخولها حيز التنفيذ. في الوقت الحاضر، وقعت 44 دولة اتفاقية التجارة الحرة القارية، ووقعت 27 دولة بروتوكول حرية حركة الناس في القارة. هذا جزء من الإصلاحات التي أريد القيام بها لتغيير طريقة التفكير وتطوير أنشطة التجارة داخل أفريقيا.

 
* لديك تحفظات حول عمل المحكمة الجنائية الدولية، ما مؤاخذاتكم؟


[caption id="attachment_55267983" align="alignleft" width="719"]المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تستقبل كاغامي لدى وصوله إلى المستشارية للمشاركة في مؤتمر قمة مجموعة العشرين الذي عقد في برلين 12 يونيو 2017 (غيتي) المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تستقبل كاغامي لدى وصوله إلى المستشارية للمشاركة في مؤتمر قمة مجموعة العشرين الذي عقد في برلين 12 يونيو 2017 (غيتي)[/caption]

- في البداية، اعتقدت أن هناك خطأ جينياً في تكوين المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من وجود 7 أو 8 قضاة أفارقة من أصل 19. ولكن تبين فيما بعد أن المشكل ليس في قلة عدد القضاة الأفارقة، بل على أي أساس تأسست هذه المحكمة وكيف سيتم استخدامها لتحقيق العدالة...
أجريت منذ بداية المسار محادثة مع مؤسسي هذه المحكمة، وأعربت عن قلقي من أن هذه المحكمة قد تكون في نهاية المطاف محكمة لمحاكمة الأفارقة وليس لمحاكمة الناس في جميع أنحاء العالم... في الواقع، هذا ما حدث، والمحكمة الجنائية الدولية التي كان من المفترض أن تتعامل مع شؤون العالم كله، انتهى بها المطاف إلى تغطية أفريقيا فقط. من البداية، قلت إن قاعدة تركيب هذه المحكمة غير سليمة وإن كيفية استخدامها تشوبها عدة عيوب. أخبرت العالم بأنها ستكون محكمة لمحاكمة الأفارقة، وليس الناس في جميع أنحاء العالم. ولا أعتقد أنني كنت مخطئا.
هناك الكثير من المجرمين في العالم الذين يجب أن يحاكموا من قبل المحكمة. بعض قادة الدول الأفريقية الذين يحاكمون أمام المحكمة الجنائية الدولية، أيا كانت محاكمتهم، ارتكبت جرائمهم في شراكة مع دول أخرى، ورغم ذلك لا تحاول المحكمة الجنائية الدولية حشرها في هذه القضايا. لذا فإن المشكلة الحقيقية هي كيفية جعل العملية صحيحة. لقد حاولنا جاهدين تصحيح هذا المسار باقتراحنا إنشاء محكمة أفريقية بالفعل حيث يمكن الشروع في القضايا الجنائية أولاً لديها، وحيث يمكن لهذه المحكمة الأفريقية أن تساعدنا في تحديد الحالات التي تستحق المحاكمة وأن تكون هي الخطوة الأولى قبل الانتقال إلى المحكمة الجنائية الدولية.



 
* ما مفهومك للقيادة والحوكمة في أفريقيا؟
 


- تعتبر القيادة امتيازًا وواجباً يُقاس بشكل أفضل من حيث النتائج الملموسة التي يمكن للمواطنين اختبارها في حياتهم اليومية. فهي المعيار الذي يمكّن المواطنين من العيش في حياتهم اليومية بكرامة وبثقة في مؤسساتهم العامة من خلال جودة الخدمات والحياة. لذلك، ينبغي على الزعماء الأفارقة خلال فترة ولايتهم أن يبذلوا قصارى جهدهم للقيام بما هو مناسب لمستقبل مواطنيهم، بغض النظر عن الصعوبات التي يواجهونها. خلال فترة ولايتنا، يجب أن نعمل بجد - قدر الإمكان - للقيام بالأمور الصحيحة لمستقبل شعوبنا، بغض النظر عن الصعوبات والتحديات.

font change