«شاطئ الغرام» يلهم المحبين

«شاطئ الغرام» يلهم المحبين

[caption id="attachment_55268254" align="aligncenter" width="977"]يعيش زوار مرسى مطروح أجمل الذكريات بين صخور "شاطئ الغرام" و"شاطئ كليوباترا". (تصوير: عبد الستار حتيتة). يعيش زوار مرسى مطروح أجمل الذكريات بين صخور "شاطئ الغرام" و"شاطئ كليوباترا". (تصوير: عبد الستار حتيتة).[/caption]

مرسى مطروح (غرب مصر): بدرية سيد




* في الماضي كانت شواطئ مرسى مطروح مقصدا لعلية القوم... لكن الصورة اليوم تغيرت إلى حد كبير.
* يبدأ الموسم الصيفي في مصر مع نهاية امتحانات المرحلة الثانوية أواخر شهر يونيو من كل سنة.
* حتى ارتفاع الأسعار لم يفسد على المصطافين موسم الإجازات الذي انتظروه طويلا. وأصبح الزحام على ارتياد الشواطئ لافتاً للنظر.




رغم ظهور عشرات القرى السياحية، واكتشاف مئات الشواطئ الأخرى الصالحة للسباحة والاستجمام، على البحر المتوسط، بمصر، خلال العقود الأخيرة، فإن «شاطئ الغرام» الذي أخذ اسمه من فيلم سينمائي غنائي يعود إلى 68 سنة مضت، ما زال يلهم المحبين. ويقع هذا الشاطئ ذو الصخور والخلجان الصغيرة الصافية، في مدينة مرسى مطروح، على بعد نحو 500 كيلومتر، شمال غربي القاهرة.
ووصل عدد من وفدوا إلى «شاطئ الغرام» في موسم الصيف الحالي إلى أكثر من خمسة ملايين زائر، وهو أكبر رقم على الإطلاق يدخل إلى المدينة التي كانت يوما ملجأ للمارشال الألماني في الحرب العالمية الثانية بشمال أفريقيا، إرفين روميل. ويقع متحفٌ يضم ملابس وأدوات روميل في الجهة المقابلة لـ«شاطئ الغرام». ويفصل بينهما خليج أزرق يغص بالمصطافين والسباحين والألعاب البحرية.

[caption id="attachment_55268245" align="alignleft" width="480"]أفيش فيلم «شاطئ الغرام» للفنانة الراحلة ليلى مراد والفنان الراحل حسين صدقي من انتاج 1950. أفيش فيلم «شاطئ الغرام» للفنانة الراحلة ليلى مراد والفنان الراحل حسين صدقي من انتاج 1950.[/caption]

وغنت ليلى مراد في فيلم «شاطئ الغرام» عام 1950 عدة أغان على شواطئ مرسى مطروح، إلا أن أشهر أغنية بعنوان «الميه والهوا»، هي تلك التي ظهرت فيها وهي تجلس على صخرة أصبحت تعرف باسمها. وهي «صخرة ليلى مراد». ومثلما يفعل الزمن في كل شيء، تآكلت حواف كثيرة من الصخرة، إلا أن ملحقاتها ما زالت صامدة أمام أمواج البحر وعوامل التعرية. كما أن معالم عدة كانت قد ظهرت في هذا الفيلم، وفي أفلام أخرى قديمة، اختفت الآن، ومنها الشريط الرملي الذي كان يمكن المشي عليه من شاطئ «الليدو» المطل على كورنيش المدينة، إلى «شاطئ الغرام» الذي يقع على الضفة المقابلة.
وحل ممر مائي عميق محل الشريط الرملي، بعد أن قامت السلطات قبل نحو أربعين عاما، بإنشاء ميناء بحري صغير بالمنطقة. وكانت ليلى مراد التي أدت شخصية معلمة حسناء من مرسى مطروح، تدعى «ليلى» في الفيلم، قد تعرفت على شاب ثري يسمى «عادل» قادم في إجازة من القاهرة، وأدى دوره الفنان حسين صدقي. ولم يتبق من فندق «الليدو»، القديم، الذي أقام فيه الثري «عادل» حينذاك، إلا اسم الشاطئ المجاور له؛ «شاطئ الليدو».
وظهرت معالم فندق الليدو في فيلم موسيقي درامي رومانسي آخر، عام 1967. من بطولة الفنان فريد الأطرش، اسمه «الخروج من الجنة»، مع الفنانة هند رستم. وتعني كلمة «lido» في اللغة الإنجليزية، الملهى الأنيق على الشاطئ الرملي. وفي الماضي كان رواد الفندق، سواء في الأفلام أو في الواقع، يمشون على أقدامهم على الشريط الرملي الأبيض الواصل من الليدو إلى الصخور التي من بينها الآن صخرة «ليلى مراد» وصخرة الملكة المقدونية: «كليوباترا»، المجاورة لها من ناحية الشرق.
وخلال موسم الصيف الحالي أصبحت هذه المعالم السياحية تغص بألوف الزوار يوميا. ولا يمكن الوصول إلى الشاطئ أو الصخرة لالتقاط صورة إلا بشق الأنفس من كثرة السائحين القادمين من مختلف المدن المصرية والعربية. ويقع أسفل صخرة «كليوباترا» حمام طبيعي مغلق يتسع لسباحة شخصين، يعرف باسم الملكة نفسها والتي حكمت مصر في عام 51 قبل الميلاد.

[caption id="attachment_55268246" align="aligncenter" width="610"]إقبال كبير على زيارة "هضبة عجيبة" الشهيرة في أقصى غرب مدينة مرسى مطروح. (تصوير: عبد الستار حتيتة). إقبال كبير على زيارة "هضبة عجيبة" الشهيرة في أقصى غرب مدينة مرسى مطروح. (تصوير: عبد الستار حتيتة).[/caption]

ومن أغنيات فيلم ليلى مراد التي ألفها الشاعر صالح جودت، ولحنها أحمد صدقي، أغنية «الميه والهوا»، و«يا مسافر وناسي هواك». وظهرت من فوق صخرتها الشهيرة وغنت لموج مطروح، وهي ترجوه أن يحكي لحبيبها عن لوعة غرامها وأشواقها إليه: «احك له يا موج مطروح عن قلبي اللي بات مجروح».
وللوصول إلى «شاطئ الغرام» أصبح لا بد من ركوب سيارة أو حافلة، حيث تسلك، من داخل المدينة، طريق قرية القصر الساحلي، في اتجاه الغرب. وفي منطقة «الرومان»، أي بعد نحو خمسة كيلومترات، تعبر في اتجاه الشمال الشرقي، حيث تجد حركة بناء واستثمار كبيرة لاستغلال ما تبقى من شواطئ ورمال بيضاء لبناء مشروعات جديدة. وبعد قليل تصل أولا إلى حمام «كليوباترا». ومنه تواصل السير إلى «شاطئ الغرام»، حيث لا بد أن تسدد أولا رسوم دخول تشمل قيمة صف السيارة، قدرها عشرة جنيهات (أكثر قليلا من نصف دولار).

[caption id="attachment_55268247" align="alignleft" width="526"]بائع متجول على شاطئ الغرام وفي الصورة مصطافون عائدون من رحلة بحرية (تصوير: عبد الستار حتيتة) بائع متجول على شاطئ الغرام وفي الصورة مصطافون عائدون من رحلة بحرية (تصوير: عبد الستار حتيتة)[/caption]

وتقول الروايات إن منطقة «كليوباترا» شهدت في الماضي القديم قصة حب بين هذه الملكة والقائد البارز للدولة البطلمية حينذاك، ماركوس أنطونيوس. وبعد أن كانت المنطقة مهجورة، تحولت اليوم إلى مكان مزدحم. وبينما توجد صخرة كليوباترا على الجزء الشمالي من الطريق، تصطف على الجانب الجنوبي من الطريق نفسه المؤدي إلى شاطئ الغرام، عشرات المشروعات الحديثة.
وجرى افتتاح ما لا يقل عن سبعة شواطئ يقترن اسم كل منها باسم «كليوباترا»، مثل «شاطئ كليوباترا الأصلي» و«شاطئ كليوباترا العام»، وغيرها. وظهرت كذلك منتجعات وفنادق فاخرة في المناطق التي تسبق شاطئ الغرام. وإذا ساقتك الظروف للوصول إلى أحد هذه الشواطئ، متأخرا، فسيكون عليك الرضا بنصيبك في الجلوس في الصفوف الخلفية. ويصل إيجار المظلة مع ثلاثة مقاعد ومنضدة صغيرة، إلى نحو 150 جنيها في اليوم.
وفي الماضي كانت شواطئ مرسى مطروح مقصدا لعلية القوم من المقتدرين، فهي بعيدة عن باقي المحافظات المصرية. وأقرب محافظة لها وهي الإسكندرية تبعد عنها بنحو 300 كيلومتر. وكان عدد الشواطئ محدودا. كان هناك شاطئ الليدو، وشاطئ البوسيت، وشاطئ روميل، بالإضافة إلى شاطئي الغرام وكليوباترا. لكن الصورة اليوم تغيرت إلى حد كبير.
فقد اتجه غالبية المقتدرين لقضاء المصيف في القرى السياحية في الساحل الشمالي، والواقعة على طول نحو 100 كيلومتر غرب الإسكندرية. وفتحت مرسى مطروح أحضانها للجميع. وأصبح المشي فيها، في موسم الصيف، ليلا أو نهارا، أمرا شاقا بسبب الزحام على الشواطئ نهارا وعلى المتاجر والمطاعم والمقاهي ليلا.
ومثلما أصبحت توجد محلات للفول والطعمية والكشري، وجدت مطاعم من الماركات العالمية طريقها إلى المدينة. وزاد عدد المناطيد وأدوات الألعاب البحرية، والملاهي المائية، والسينمات، وفنادق الخمس نجوم، والقرى السياحية أيضا. بالإضافة إلى الأسواق الكبرى التي تعمل فقط في موسم الصيف، ومنها المعرض الصيني والمعرض السوري وسوق ليبيا والسوق الدولية، وغيرها من التسميات.

[caption id="attachment_55268248" align="aligncenter" width="685"] زوار مرسى مطروح يحرصون على التقاط الذكريات في موقع تصوير فيلم «شاطئ الغرام» (تصوير: عبد الستار حتيتة) زوار مرسى مطروح يحرصون على التقاط الذكريات في موقع تصوير فيلم «شاطئ الغرام» (تصوير: عبد الستار حتيتة)[/caption]

وفي موسم الصيف الحالي لم يتمكن كثير من المصريين والعرب من إيجاد حجوزات في مرسي مطروح. ووصلت نسبة الإشغال إلى100 في المائة، إلى ما بعد موسم عيد الأضحى نهاية هذا الشهر. وتشهد محال بيع المنتجات المحلية التي تشتهر بها المدينة زحاما كبيرا، ومنها النعناع الجبلي، والزيتون، وزيت الزيتون، والتين، والعنب الصحراوي.
ويبدأ الموسم الصيفي عادة في مصر مع نهاية امتحانات المرحلة الثانوية في أواخر شهر يونيو (حزيران) من كل سنة. ويحرص المصريون البالغ عددهم نحو مائة مليون نسمة، على التوجه إلى السواحل الشمالية في موسم الصيف، لقضاء أسبوع على الأقل على شاطئ البحر. وتنظم النقابات العمالية والمهنية رحلات بالحافلات إلى مناطق مصيفية مختلفة. كما ينتشر بين أسر مصرية أخرى ادخار مبلغ مخصص للمصيف السنوي، حتى لو كانت من ذات الدخل المالي المحدود.
ويستمر حتى بداية العام الدراسي في منتصف سبتمبر (أيلول). ويقول مسؤول محلي في مرسى مطروح إن عدد الزوار غير مسبوق هذا العام، وهو يشير من نافذة مكتبه إلى اختناق شوارع المدينة بالسيارات، وركاب الدراجات المستأجرة، واكتظاظ أرصفتها بالمترجلين.
ويأتي هذا رغم ما يقال عن ارتفاع الأسعار في مصر بعد أكثر من عام على تحرير سعر الدولار الأميركي، والرفع الجزئي للدعم عن المحروقات وغاز الطهي. وأدى الزحام على الشواطئ وعلى المتاجر في المدينة السياحية إلى التعامل مع قضية زيادة الأسعار بنوع من الدهشة. فالمطاعم ممتلئة عن آخرها. والأسواق لا تجد فيها موضعاً لقدم.

[caption id="attachment_55268249" align="alignleft" width="564"]أحد متاجر مرسى مطروح في انتظار عودة المصطافين من شواطئ البحر (تصوير: عبد الستار حتيتة) أحد متاجر مرسى مطروح في انتظار عودة المصطافين من شواطئ البحر (تصوير: عبد الستار حتيتة)[/caption]

ويقول محمد عبد اللطيف، وهو من أصحاب الأعمال الحرة الصغيرة، ولديه أسرة مكونة من 3 أبناء وزوجة، إنه يقوم بالادخار مع أقاربه وجيرانه، من أجل «تحويشة المصيف». وتمكن من حجز شقة في حي السنوسية بما يساوي 25 دولارا في اليوم. ويضيف أنه ينفق مثل هذا المبلغ يوميا على الطعام وارتياد الشواطئ والسهر لمشاهدة ألعاب السيرك.
ومع ذلك يقول إنه لاحظ في هذا العام وجود ارتفاع شديد في كل السلع والخدمات والأكل وقناني المياه. ويضيف: «رغم كل شيء لا يمكن أن يمر العام دون أن نقضي أسبوعا في مرسى مطروح، والتقاط الصور فوق صخرة ليلى مراد وأمام حمام كليوباترا».
ويؤكد رفعت محمد وهو موظف في مؤسسة حكومية، إنه يدخر من أجره طوال السنة من أجل أسبوع المصيف في مرسى مطروح، مع أسرته المكونة من أولاده الأربعة وزوجته وحماته. ويقول إن زوجته تتكفل كل مصيف بعمل «اكتفاء ذاتي» من الطعام، بعيدا عن فواتير المطاعم ونفقات المقاهي. وتقوم الزوجة بطبخ وجبة الغداء لتناولها على شاطئ البحر، وتناول الشاي والعصائر التي تعدها بنفسها بعيدا عن الأسعار السياحية.

[caption id="attachment_55268250" align="alignright" width="497"] موظفان يقومان بقطع تذاكر الدخول إلى «شاطئ الغرام» وصخرة «ليلى مراد» (تصوير: عبد الستار حتيتة) موظفان يقومان بقطع تذاكر الدخول إلى «شاطئ الغرام» وصخرة «ليلى مراد» (تصوير: عبد الستار حتيتة)[/caption]

أما بعض التجار في مرسى مطروح، وكأنهم يخافون من الحسد، بعد كل هذا الزحام في مصيف هذه السنة، فيشكون من الركود وقلة البيع. ويأتي كثير من التجار من مدن أخرى، ويستأجرون محال لاستخدامها في البيع لزوار مرسى مطروح. ويقول أحد تجار الملابس: «ما نراه من زحام شديد على المحلات والأسواق هو للفرجة فقط، وقليلون من يشترون البضائع. أسعار إيجارات المحلات ارتفع ارتفاعا كبيرا جدا مما يضطرنا لرفع سعر البضائع بالضرورة».
لكن حتى موضوع ارتفاع الأسعار لم يفسد على المصطافين موسم الإجازات الذي انتظروه طويلا. وأصبح الزحام على ارتياد الشواطئ لافتا للنظر. ويوجد في مرسى مطروح شواطئ مختلفة، منها «شاطئ عجيبة» الذي يبعد نحو 24 كيلومترا غرب المدينة. والوصول لهذا الشاطئ يكون عن طريق صعود هضبة عالية. وتحتها يوجد كهف عجيبة الساحر وسط مياه البحر الصافية.
وهناك «شاطئ روميل» الذي يعد من أجمل شواطئ مرسى مطروح وأقربها لقلب المدينة. ويمتاز بعدم وجود أمواج فيه نتيجة لوقوعه بين شاطئين. وهو آمن لسباحة الأطفال، ومن لا يجيدون السباحة. وأدخلت على الشاطئ توسعات كثيرة، في الفترة الأخيرة. وانتشرت على جانبيه السهرات الليلية، مع تخصيص الشوارع المحيطة به لركوب الدراجات والخيول.

font change