ازدياد التوترات بين واشنطن وبكين

بدأت تظهر آثار الحرب التجارية بين البلدين في بحر الصين الجنوبي

ازدياد التوترات بين واشنطن وبكين

* تريد الصين تشكيل عالمٍ متعارض مع القيم والمصالح الأميركية. وتسعى الصين إلى عزل الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

* سيتخذ الجانب الصيني جميع التدابير اللازمة لحماية سيادته الوطنية وأمنه القومي.

* ستواصل البحرية الأميركية التحليق والإبحار والعمل أينما يسمح القانون الدولي وبحسب ما تتطلب مصالحنا الوطنية... لن نرضخ للترهيب. ولن نتراجع.

تسببت الحرب التجارية الحالية بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية بأضرار أخرى في العلاقات الثنائية. وفي حين يركز العالم على الجانب الاقتصادي لهذه العلاقة، تتزايد التوترات باطراد في بحر الصين الجنوبي لسنوات. وفي عام 2017، أشارت استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأمن القومي إلى أن «الصين... تريد تشكيل عالمٍ متعارض مع القيم والمصالح الأميركية. وتسعى إلى عزل الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي وتوسيع نطاق نموذجها الاقتصادي الذي تقوده الدولة وإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصلحتها». وتعود المشكلة إلى فترة ما قبل تولي ترامب منصبه لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة.

ونفذت المدمرة «يو إس إس ديكاتور» التابعة للبحرية الأميركية في 30 سبتمبر (أيلول) عملية حرية الملاحة بالقرب من جزر سبراتلي، تحديدًا بشعاب غافين وجونسون الواقعة غرب الفلبين. وتتنازع الصين مع عددٍ من البلدان الأخرى السيادة عليها. وقامت الصين خلال السنوات الأخيرة الماضية بعسكرة العديد من الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي من خلال بناء جزر صناعية ومطارات وقواعد عسكرية وقوات متمركزة، كل ذلك في محاولة للتنمر وترهيب الدول الأصغر والأقل قوة التي تطالب بهذه الجزر.

وكتب قائد القيادة الأميركية في منطقة الهند والمحيط الهادي الأميرال فيليب ديفيدسون في أبريل (نيسان) 2018 قائلاٍ: «باختصار، الصين قادرة الآن على السيطرة على بحر الصين الجنوبي في جميع السيناريوهات، باستثناء الحرب مع الولايات المتحدة».

ولتحدي مزاعم السيادة الصينية لهذه الجزر- وغيرها من الدول التي لديها موطئ قدم في المنطقة- تقوم الولايات المتحدة بإجراء عمليات حرية الملاحة داخل المناطق المطالب بها- عادةً ضمن نطاق 12 ميلًا بحريًا من الصخور أو الشعاب المرجانية أو الجزر. وتقدم وزارة الدفاع الأميركية تقارير سنوية عن عمليات حرية الملاحة التي تقوم بها. ويوفر تقرير عام 2017 المبررات الأميركية لقيامها بهذه العمليات: «تؤكد بعض الدول الساحلية على مطالباتها البحرية المفرطة التي يمكن أن تؤثر على الحقوق والحريات والاستخدامات المشروعة للبحر والمجال الجوي المكفول لجميع الدول بموجب القانون الدولي في حال لم يواجهها أحد». وهذا بالضبط ما تفعله الصين في منطقة بحر الصين الجنوبي ولذلك تنفذ الولايات المتحدة عمليات حرية الملاحة

ويشرح التقرير كذلك ماهية العمليات.
تتحدى [وزارة الدفاع] الادعاءات البحرية المفرطة التي تؤكدها مجموعة واسعة من الدول الساحلية التي تتضمن حلفاء وشركاء ودولا أخرى على مستوى العالم، وذلك من أجل الحفاظ على الحركة العالمية للقوات الأميركية. ويشمل البرنامج كلاً من التأكيدات المزمعة لحرية الملاحة (أي العمليات التي لها غرض أساسي يتمثل في الطعن في المطالبات البحرية المفرطة) والأنشطة الأخرى ذات الصلة بـحرية الملاحة (أي العمليات التي لها غرض رئيسي آخر، ولكن لها تأثير ثانوي على تحدي المطالبات البحرية المفرطة). ويتم التخطيط للأنشطة التي تجريها وزارة الدفاع في إطار برنامج حرية الملاحة لتنفيذها ومراجعتها بشكل قانوني والموافقة عليها بشكل صحيح وإجرائها بكفاءة مهنية.

من المهم الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لا تجري عمليات حرية الملاحة فقط لتحدي الصين، ولكن أيضًا لتحدي أي بلد يفرط في مطالباته البحرية وحتى حلفائها. وقد تم تسليط الضوء على الصين بسبب ادعاءاتها المفرطة وأعمالها العدوانية وخطاباتها في بحار جنوب وشرق الصين.

وفي قضية مشهورة تتعلق بالنزاع حول التحكيم، نجحت الفلبين في الطعن في مطالبات الصين السيادية لما يسمى خط الـ9 قطع (Nine-dashes Line)، الذي تستخدمه كمبرر تاريخي لأفعالها في المنطقة. وذكرت الفلبين أن مطالبات وأفعال الصين تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وأخذت حجتها إلى المحكمة الدائمة للتحكيم. ويشمل خط الـ9 قطع تقريبًا كل بحر الصين الجنوبي ويصل إلى أقصى جنوب فيتنام وبروناي.

الصين تتحدى «يو إس إس ديكاتور»

تسببت عملية حرية الملاحة التي قامت بها الولايات المتحدة عن طريق إرسال مدمرة «يو إس إس ديكاتور» بأكثر ردود الفعل عدوانية من جانب الصين.



وأبحرت ديكاتور، وهي مدمرة صاروخية موجهة، ضمن نطاق 12 ميلًا بحريًا من الشعابين وفي المقابل اقتربت مدمرة لويانغ الصينية لمسافة تقل عن 45 ياردة من مقدمة المدمرة الأميركية. وقال متحدث باسم الأسطول الأميركي في المحيط الهادي: «اقتربت مدمرة لويانغ الصينية من مدمرة  (يو إس إس ديكاتور) في مناورة غير آمنة وغير محترفة في محيط شعاب غافين في بحر الصين الجنوبي». واضطرت المدمرة الأميركية إلى المناورة بسرعة لتجنب الاصطدام.

وردّا على الحادثة، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ: «في يوم 30 سبتمبر (أيلول)، ودون إذن من الحكومة الصينية دخلت المدمرة الأميركية ديكاتور إلى المياه القريبة من الجزر والشعاب المرجانية لجزر نانشا الصينية». وأوضحت هوا أن القوات البحرية الصينية حددت هوية السفينة الأميركية وحذرتها وطردتها، مشددة على أن الصين تتمتع بسيادة لا جدال فيها على جزر نانشا والمياه المحيطة بها وأنها ستتخذ كل الإجراءات الضرورية لحماية سيادتها وأمنها القومي.

ويصر الحزب الشيوعي الصيني على مطالبته بسيادة بحر الصين الجنوبي. وقد تكون هذه الحادثة بداية لنهج جديد لتنفيذ الولايات المتحدة عمليات حرية الملاحة.

في الماضي، عندما كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أكثر استقرارًا، كانت بحرية جيش التحرير الشعبي تتعقب عادةً السفن الأميركية التي تبحر ضمن نطاق المناطق المتنازع عليها وتصدر التحذيرات لمغادرة تلك السفن للمنطقة. ولكنهم لم يتصرفوا قط بهذه الطريقة المتطرفةويظهر ذلك أن العلاقات الثنائية في أسوأ حالاتها في التاريخ الحديث.

وفي الوقت الذي تقول فيه البحرية الأميركية أن هذا الحادث لن يمنعها من الاستمرار في عملياتها لحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، ينطرح سؤال عما إذا كان الحال سيظل كما هو إذا بدأت السفن الصينية تتصرف بهذه الطرق غير الآمنة على نحوٍ متكرر. هل ستخاطر الولايات المتحدة بالاصطدام وتعيش من أجل حرية البحار؟ لا تستطيع بلدان المنطقة إلا أن تأمل ذلك.

مايك بينس يحدد الموقف

بعد مرور أيام على حادثة ديكاتور، ألقى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس خطابًا في معهد هدسون في واشنطن العاصمة حول سياسة الإدارة الصينية. وكان أكثر مسؤول رفيع المستوى يقدم شرحًا مفصلًا حول كيفية رؤية الولايات المتحدة لجمهورية الصين الشعبية. وتضمن الخطاب اتهامات بأن الحزب الشيوعي الصيني يتدخل في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في محاولة منه لتقويض الدعم للرئيس ترامب.

وسلط بنس الضوء على حادثة ديكاتور، وقال إن «سفينة تابعة للبحرية الصينية اقتربت إلى مسافة 45 مترا تقريبا من المدمرة الأميركية أثناء ممارستها عمليات ضمان حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي مما أجبر سفينتنا على المناورة بسرعة لتفادي الاصطدام».

وأضاف: «ستواصل البحرية الأميركية التحليق والإبحار والعمل أينما يسمح القانون الدولي وبحسب ما تتطلب مصالحنا الوطنية... لن نرضخ للترهيب. ولن نتراجع».

وبشكلٍ عام، انتقد في خطابه السياسات الداخلية والخارجية للحزب الشيوعي الصيني ومعاملته لمسلمي الإيغور غربي الصين وحالة المراقبة المتنامية وقمع الفكر الحر والنقد. وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فإن الخطاب لم يكن موجهًا إلى الصينيين بل إلى الأميركيين لأنه ألقي خلال العطلة الصينية الطويلة.

وعلى الرغم من ذلك، ردت وزارة الخارجية الصينية على الخطاب بلكنتها المعتادة. وقالت: «أطلق الخطاب (بنس) اتّهامات غير مبرّرة ضدّ سياسة الصين الداخليّة والخارجيّة وشوّه سمعتها عندما قال إنّها تتدخّل في الشؤون الداخليّة وفي الانتخابات الأميركيّة». وتابعت: «لا يتعلّق الأمر سوى بالحديث على أساس الشائعات وخلط الصواب بالخطأ. ويُعارض الجانب الصيني ذلك بشدّة».

وتشير العلامات إلى مزيدٍ من التدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، إذ لا يريد أي طرف أن يبادر ويتراجع عن موقفه. لذلك توقعوا أن تصبح البيئة في بحر الصين الجنوبي أكثر خطورة مع تصاعد الحرب التجارية. لا يمكننا سوى أن نأمل في عدم انفجار التوترات الحالية بسبب سوء فهم أو حادث آخر.

توماس جي شاتوك: محرر جيوبوليتيكس: مدونة معهد أبحاث السياسة الخارجية وباحث مشارك في معهد أبحاث السياسة الخارجية.
 
font change