انتعاشة سياحية في قلب القاهرة الفاطمية

الأجانب يعودون إلى مصر مع تحسن الأوضاع الأمنية في عموم البلاد

انتعاشة سياحية في قلب القاهرة الفاطمية

* في قلب القاهرة من الممكن أن تشهد علامات الرضا على وجوه باعة الأنتيكات وأصحاب المقاهي الشعبية المنتشرة.
* يتجول السياح في الشوارع المفتوحة، المخصصة للمارة، حيث يفضل البعض اقتناء التحف أو التماثيل الفرعونية المقلدة.

 
القاهرة: بدأت أجواء السياحة الأجنبية تعود إلى مصر، خاصة إلى قلب القاهرة، وذلك بعد سنوات من الانقطاع بسبب الاضطرابات التي شهدتها البلاد عقب ثورة 25 يناير 2011. واستضافت مصر مؤتمر شباب العالم في مدينة شرم الشيخ السياحية، قبل أسبوع، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في وقت قررت فيه بعض شركات السياحة الدولية، العودة إلى السوق المصرية.
وفي قلب القاهرة من الممكن أن تشهد علامات الرضا على وجوه باعة الأنتيكات وأصحاب المقاهي الشعبية المنتشرة في «قاهرة المعز»، أو «القاهرة الفاطمية». ويحفظ العاملون في السياحة تفاصل المباني العتيقة في قلب هذه العاصمة الضخمة. ويقول المسؤولون المصريون إن الأنشطة الشبابية العالمية والمحلية التي شهدتها شرم الشيخ، أعطت زخما للحركة السياحية الأجنبية في عموم البلاد. ومن الممكن أن ترى مؤشرات على ذلك في الأماكن التاريخية في العاصمة المصرية.

 

سائحان يجلسان في مقهى الفيشاويفي خان الخليلي ، الذي اشتهر به نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل. (غيتي)


ويقول محمود علي، الذي يدير مقهى في منطقة القاهرة الفاطمية، والتي تعتمد على السياحة، إن أسماء مثل «القاهرة الفاطمية» أو «قاهرة المعز»، تطلق على المدينة التي أسسها القائد جوهر الصقلي لتكون عاصمة الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وعاصمة دولة الفاطميين، سنة (358 هـ - 969 م). ويحيط بها عدة أسوار منها سور «جوهر الصقلي»، وسور «بدر الدين الجمالي»، وسور «بهاء الدين قراقوش».
ويتجول السياح في الشوارع المفتوحة، المخصصة للمارة، حيث يفضل البعض اقتناء التحف أو التماثيل الفرعونية المقلدة، وغيرها من المشغولات اليدوية. وتقول سائحة بريطانية إنها اشترت، كتذكار، قِدرا مزخرفا من الفخار بما يساوي عشرة دولارات. وفي المساء تبدأ الأجواء تأخذ طابع البهجة مع ظهور الفرق الموسيقية وطرابيش المغنين والعازفين.
وللقاهرة الفاطمية عدة أبواب منها باب الفتوح، وهو قريب من رأس حارة «بين السيارج». وفي الزمن القديم، جرى تجديد سور القاهرة، على يد وزير قديم يدعى بدر الجمالي، فأنشأ وقتذاك بابي النصر والفتوح، وربطهما بسور يوصل بينهما بطرق وسراديب، تمتد على ظهر السور وفي جوفه.

 

سياح يتسوّقون في سوق بمنطقة الحسين في مصر (غيتي)


ويشرح الدليل السياحي المرافق، وهو يقف أمام أحد الأبواب التاريخية، قائلا إن هذا الباب يتكون من برجين مستديرين يتوسطهما المدخل. وفي جانبي البرجين طاقتان كبيرتان تدور حول فتحتيهما حلية مكونة أسطوانات صغيرة. ويعد «باب النصر» أحد أهم الأبواب التي شيدها القائد العسكري الفاطمي جوهر الصقلي، وقد أطلق الوزير، الجمالي، عليه لاحقًا اسم باب المعز. ويقع في الضلع الشمالي لسور القاهرة عند تقاطع شارع بين السيارج من الجهة القبلية بشارع المعز على بعد نحو 20 مترًا إلى شمال وكالة قوصون.
وتنتشر في الساحات وممرات المشاة روائح الطعام المصري والشاي بالنعناع، وعبق الشيشة من كل لون.. ويفضل بعض السياح تدخين معسل الشيشة بالتفاح، أو معسل الشيشة بالعنب. وأمضى عشرات السياح منهم سبعة سياح نرويجيون ليلة بين أنغام الموسيقى وساندويتشات «الكبدة الإسكندراني».
وكان يجب المرور على «بيت السحيمي» الأثري. كان هناك من يريد أن يلتقط صورا وهو يقف أمامه. ويعرف هذا البيت أيضا باسم «بيت الشيخ عبد الوهاب الطبلاوي»، وعرف السحيمي نسبة إلى آخر من سكنه، وهو الشيخ محمد أمين السحيمي، شيخ رواق الأتراك بالجامع الأزهر.

 

        مشغولات ذهبية وفضية وإكسسوارات في سوق الصاغة.


ويتميز «بيت السحيمي» بأنه بيت عربي ذو معمار شرقي، متأثر تخطيطيا بالعمارة العثمانية التي كانت تخصص الطابق الأرضي للرجال، ويسمى السلاملك، والطابق العلوي للنساء، ويسمى الحرملك. والطابق الأرضي من البيت كله مخصص لاستقبال الضيوف من الرجال، وليس فيه أي غرف أو قاعات أخرى.
ومن جوار باب المتولي مرت فرقة موسيقية مكونة من عازفين ومطرب، وهي تشدو بأنغام شرقية بديعة مستحضرة أغاني الحب والوجد والهجران لأم كلثوم. ويعرف هذا الباب باسم باب زويلة أيضا. ويوجد هنا مقهى مخصص أيضا لأداء أغاني أم كلثوم، حيث يحرص السياح على زيارته.
وأطلق اسم «باب المتولي» كناية عن «متولي تحصيل ضريبة الدخول إلى القاهرة». كان هذا في الماضي القديم. ويقع الباب في الضلع الجنوبي لسور القاهرة التاريخي. وسمي «باب زويلة» فيما بعد، نسبة إلى قبيلة من البربر بشمال أفريقيا، انضم جنودها إلى جيش جوهر عند فتح مصر.

 

      فنون من ثقافات مختلفة في ساحة مركز الربع.


ويقول الدليل السياحي إن الباب الأصلي الذي بناه جوهر كان عبارة عن بابين متلاصقين يقعان عند مسجد «ابن البناء» الذي يعرف اليوم باسم «زاوية العقادين»، وذلك بجوار «سبيل العقادين» بشارع المعز. وقد أزيل الباب الأصلي، وبنا بدر الدين الجمالي، بدلا عنهما: «باب زويلة» القائم حاليًا.
ومن بين الأسوار والأبواب التاريخية الشهيرة، تنفتح الحواري العتيقة على «شارع المعز» الذي يعد بمثابة متحف بلا سقف. ويقع هذا الشارع بين عدة أسوار، ويفضي الطريق بعد ذلك إلى الشارع الذي يقع بجواره «مسجد الحسين»، وهو أحد أهم الشوارع التاريخية بالقاهرة، لما يضمه من مواقع أثرية إسلامية هامة بين العهدين الفاطمي والمملوكي.
ويشاهد المارة من هذه الطرقات الكثير من ﺍﻷﺳﺒﻠﺔ (جمع سبيل)، ﻭواجهات ﺍﻟﻘﺼوﺭ العتيقة، بالإضافة إلى ﻭﻛﺎﻟﺘﻴﻦ تجاريتين من العهد الماضي، ﻭﺛﻼﺙ ﺯﻭﺍﻳﺎ، ﻭﺑوﺍﺑﺘﻴﻦ، ﻭﺣﻤﺎﻣﻴﻦ ﻭﻭﻗﻔﺎً ﺃﺛﺮﻳﺎًً. وتبدو ملابس بعض الباعة الجائلين الذين يتحركون جيئة وذهابا بين الأسوار، مشابهة للأزياء التاريخية. ويضع أحد الباعة عمامة خضراء على رأسه، ويعرض على السياح مجموعة من السبح الملونة وقوارير العطور المركبة يدويا.

 

عرض تماثيل الرموز الثقافية والرياضية المصرية ، في بازار في خان الخليلي في 13 أكتوبر 2018. (غيتي)


ويكون الدخول لشارع المعز عن طريق أحد أبوابه من الجهة الشمالية، أو من الجهة الجنوبية. ويبدأ الشارع من حي الحسين ومن منطقة خان الخليلي، وهذه المناطق ارتبطت باسم الروائي المصري الحاصل على جائزة نوبل في الآداب، نجيب محفوظ. ويبيع أحد التجار الطرابيش الحمراء، ويدعو المارة لالتقاط الصور وهم يجربون وضع الطربوش على الرأس. وتمتلئ الأجواء بضحكات الفرح وفلاشات التصوير.
وتوجد بالقرب من هذه المنطقة حارة اليهود التاريخية وسوق الموسكي الشهير، والمخصص لبيع الملابس والأقمشة والإكسسوارات. أما في بداية شارع المعز فتكثر محال المصوغات التي تحتوي على أشكال وألوان من مشغولات الذهب والحلي.
ويقع في شارع المعز الكثير من الأماكن الأثرية الأخرى، مثل البيوت العتيقة والمدارس القديمة والتكايا، والمضايف، ومنها بيت السحيمي، وﻣﻨﺰﻝ ﻭقف مصطفى ﺟﻌﻔﺮ ﺍﻟﺴﻠﺤدار، وﺳﺒﻴﻞ ﻭﻛﺘﺎﺏ عبد ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻛﺘﺨدﺍ، وﻗﺼﺮ ﺍﻷﻣﻴﺮ ﺑﺸﺘﺎﻙ، وﺍﻟﻤدﺭﺳﺔ ﺍﻟكاﻣﻠﻴﺔ، وﻣدﺭﺳﺔ ﻭﺑﻴﻤﺎﺭﺳﺘﺎﻥ ﻭﻗﺒﺔ ﺍﻟﺴﻠطاﻥ ﻗﻼﻭﻭﻥ، وغيرها كثير، إلى درجة أن المرشد السياحي كان يتعجل الانتهاء من مشاهدة هذه الآثار حتى لا تضيع على الفوج السياحي فرصة شرب الشاي بالنعناع في مقهى خان الخليلي.

font change