حكومة لبنان... عُقد داخلية وخارجية

التركيبة الحكومية تخضع لتجاذبات معادية للدستور والأعراف* أصيبت مساعي تشكيل الحكومة في لبنان بانتكاسة جديدة، أعادت عقارب الساعة إلى الوراء. ومع هذه الانتكاسة تبددت أحلام وآمال اللبنانيين. * ظهرت عقدة تبديل الحقائب الوزارية، وبرز معها توتر في العلاقة بين رئ

حكومة لبنان... عُقد داخلية وخارجية

* أصيبت مساعي تشكيل الحكومة في لبنان بانتكاسة جديدة، أعادت عقارب الساعة إلى الوراء. ومع هذه الانتكاسة تبددت أحلام وآمال اللبنانيين.
* ظهرت عقدة تبديل الحقائب الوزارية، وبرز معها توتر في العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون و«حزب الله».
* يبدو أنّ مساعي تأليف الحكومة تجمدت إلى ما بعد عطلتي الميلاد ورأس السنة. الأمر الذي يدخل لبنان مجدداً في دوامة اللعبة الإقليمية.

بيروت:مرة أخرى أصيبت مساعي تشكيل الحكومة في لبنان بانتكاسة جديدة، أعادت عقارب الساعة إلى الوراء. ومع هذه الانتكاسة تبددت أحلام وآمال اللبنانيين «بعيديّة تشكيل الحكومة» عشية عيدي الميلاد ورأس السنة، فلا تكاد تنحلّ عقدة من هنا إلا وتظهر عقدة أخرى. فبعد العقدة المسيحية والدرزية والسنية التي لا تزال حتى هذه اللحظة دون حلّ بعد أن سحب نواب «اللقاء التشاوري» اسم جواد عدرا لتمثيلهم في الحكومة. ظهرت عقدة تبديل الحقائب الوزارية، وبرز معها توتر في العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون و«حزب الله»، تمثّل في سجالات إعلامية عبر وسائل الإعلام التابعة للتيار الوطني الحر و«حزب الله»، وتقاذف الطرفان الاتهامات في العلن وبين جمهور الحزب والتيار الوطني الحرّ عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
 
مسار تشكيل الحكومة
بعد الانتخابات النيابية التي حصلت في السادس من مايو (أيار) الماضي، انطلق مسار تأليف الحكومة بعد أن نال الرئيس سعد الحريري ثقة البرلمان النيابي لتشكيل الحكومة بـ111 نائبا من البرلمان اللبناني، فمنذ تكليف الرئيس الحريري، واجهت مسوّداته الثلاث للتشكيلة الحكومية عراقيل وعُقد واجتهادات، مرة عبر وضع مهلة محددة للرئيس المكلف لتشكيل حكومته، وأخرى عبر الحديث عن معايير للتوزير، هذه الاجتهادات التي ضربت بعرض الحائط الصلاحيات الواضحة والصريحة للرئيس المكلف والتي ينص عليها الدستور اللبناني في المادة 64 منه (البند 2) على أن رئيس مجلس الوزراء (رئيس الحكومة المكلّف) يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها.
بعد تقديم الحريري مسوّدة تشكيلته الحكومية الأولى والتي كان مصيرها الرفض، ظهرت ثلاث عُقد حكومية أساسية، مسيحية ودرزية وسنيّة. فكلما جرى حلّ عقدة ما واقترب موعد تشكيل الحكومة والإعلان عنها ظهرت عُقد جديدة نسفت معها تفاؤل اللبنانيين بولادة حكومة جديدة تنقذ الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي وصلوا إليه.
أولى العُقد سميت بالعقدة الدرزية، استحدث من خلالها التيار الوطني الحر كتلة هجينة من 4 نواب وطالب بتوزير رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان بحجة عدم احتكار التمثيل الدرزي، وبعد أخذ ورد ولقاءات ومساعٍ لإيجاد حلّ يرضي الطرفين، وافق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على التنازل عن حصته (الدرزية) وتم الاتفاق بينه وبين رئيس الجمهورية على تسمية وزير درزي محايد بالتوافق مع أرسلان.
أما العقدة الثانية فكانت «العقدة المسيحية» والتي جاءت نتيجة مطالبة حزب القوات اللبنانية بخمسة وزراء، بينهم وزارة سيادية ووزارة أساسية، وذلك نسبة لارتفاع حجمه التمثيلي النيابي من 8 إلى 15 نائبا في الانتخابات النيابية الأخيرة، إضافة إلى تفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على تقاسم الحصة المسيحية بينهما بحسب «اتفاق معراب». هذا المطلب عارضه بشدة التيار الوطني الحر الذي طالب بأن تكون حصة القوات اللبنانية 3 وزراء، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حدة الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية بعد أن جمعهما «اتفاق معراب» الذي أفضى إلى وصول الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة.
وبعد صولات وجولات من المشاورات واللقاءات حول حصة «القوات اللبنانية» في الحكومة، سقطت العقدة المسيحية فور إعلان القوات قبولها المشاركة في الحكومة بالحصة الرباعية، مذللة بذلك العقبة الرئيسية أمام ولادة التشكيلة الثلاثينية للحكومة.
لم يدم الدخان الأبيض الحكومي الذي ظهر بعد تذليل العقدتين الدرزية والمسيحية طويلاً، فبعد أن كان الرئيس المكلف يستعدّ لتسلّم أسماء الوزراء من القوى السياسية المشاركة في الحكومة، ظهرت عقدة اللحظة الأخيرة «العقدة السنية» بعد أن رفض «حزب الله» تسليم أسماء وزرائه إلى الرئيس المكلف رابطًا ذلك بتسمية وزير سني من فريق 8 آذار. الأمر الذي رفضه الرئيس المكلف سعد الحريري واعتبره بدعة جديدة اخترعها «حزب الله» لعرقلة تشكيل الحكومة، خاصة أن كلا من النواب الستة ممثلون في كتل نيابية مختلفة وشاركوا في الاستشارات النيابية ضمن كتلهم، ثم ابتدعوا فجأة ما يسمّى «اللقاء التشاوري»، مكررًا رفضه تمثيلهم من حصته وإلا لن يشكّل الحكومة «وليفتّشوا عن رئيس حكومة غيري» كما أعلن الحريري.
ومع إصرار اللقاء التشاوري لنواب سنة 8 آذار على أن يتمثلوا بأحد من بينهم، تكثفت الاتصالات واللقاءات قبل عيد الميلاد للتسريع بولادة الحكومة فدخل مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم مكلفًا من رئيس الجمهورية ميشال عون على خط التفاوض لحل «العقدة السنية» مع نواب اللقاء التشاوري.
أفضت تلك المساعي إلى تراجع نواب «اللقاء التشاوري» عن قرارهم بعد موافقة الرئيس عون على أن يعطي المقعد السني لتمثيل نواب «اللقاء التشاوري» من حصته، تسهيلاً لولادة الحكومة التي باتت ضرورة ملحة، على أن يتمثلوا بشخصية من خارجهم، وذلك باقتراح أسماء يختار رئيس الجمهورية من بينها وزيرا.
وافق النواب الستة في اللقاء التشاوري على أن يكون جواد عدرا من يمثلهم في الحكومة، وصدر عن المكتب الإعلامي لفيصل كرامي أحد أعضاء «اللقاء التشاوري» بيان جاء فيه «انّ اللقاء التشاوري اختار عددًا من الأسماء من بينها جواد عدرا، واي اسم يختاره فخامة الرئيس صاحب المبادرة من بين هذه الأسماء سيكون ممثلاً للقاء التشاوري حصرًا في حكومة الوحدة الوطنية».
لكن سرعان ما تبددت أجواء التفاؤل التي أرختها حل القعدة السنية، بعد أن عقد «اللقاء التشاوري» اجتماعًا مطوّلاً أفضى إلى إعلانه سحب اسم جواد عدرا عن تمثيلهم في الحكومة كما جاء في بيانهم الذي تلاه النائب جهاد الصمد وقال: «اللقاء ذهب في الانفتاح والإيجابية حتى النهاية، وبادر إلى الاتصال بالسيد جواد عدرا طالبا منه أن يكون ممثلا للقاء التشاوري حصرا في حال جرى توزيره، ولكن السيد عدرا طلب مهلة ومهلتين وعدة مهل، وبما أن الخطوة أتت من جواد عدرا أنه لا يعتبر نفسه ممثلا حصريا للقاء التشاوري فإن منطق الأمور يقودنا إلى إعلان سحب تسمية جواد عدرا».
وصولاً إلى كل هذه الأسباب والعقد التي أطاحت بثلاث محاولات لولادة الحكومة، تجمدت إلى أجل غير مسمى. ولكن كيف يمكن قراءة التعطيل الحكومي الذي يعيشه لبنان؟
 
فايد: الاعتداء على الدستور أمر مرفوض
يرى الصحافي والمحلل السياسي راشد فايد أن «ما بدأ بالخطأ يستمر بالخطأ، والخطأ كان بالاعتداء على الدستور ومنع انتخاب رئيس جمهورية فور انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، فالقهر الذي مارسه (حزب الله) على القوى السياسية من أجل المجيء بحليفه ميشال عون أدى إلى إغلاق مجلس النواب لمدة سنتين وبالتالي حصول فراغ رئاسي».
ويقول فايد: «الفراغ الرئاسي كان اعتداء على الدستور اللبناني وعلى التقاليد والأعراف الدستورية في لبنان، الآن نراه يتناسل إلى التركيبة الحكومية وهو أمر مرفوض تماماً».
كما لفت إلى أن «التركيبة الحكومية اليوم تخضع لتجاذبات معادية للدستور والأعراف، بدليل أن أحد الأطراف يريد توزيع الحقائب الوزارية بشكل معين ثم ينقلب على هذا القرار في اليوم التالي».
من وجهة نظر فايد: «القول بأن تشكيل الحكومة اللبنانية هو أمر داخلي بحت فيه نوع المبالغة والأفراط في التفاؤل وذلك بسبب المجريات الإقليمية التي تحصل مؤخرًا».
وقال: «إن تشكيل الحكومة أمر له علاقة بالتوازنات الإقليمية، بدليل أنه في يوم 20 ديسمبر (كانون الأول) أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب جيشه من سوريا، علما بأنه كان قد صرّح بقراره هذا يوم 29 مارس من هذا العام، أي قبل 9 أشهر تحدث ترامب عن قراره بالانسحاب من سوريا قريبا ونهاية الوجود الأميركي فيها».
وأضاف: «بعد يومين على قرار ترامب سُحبت الثقة من جواد عدرا كمرشح عن اللقاء التشاوري ما يعني أن هذا الانسحاب الأميركي المفاجئ أعاد حسابات حزب الله وإيران في لبنان، وصدر قرار الاستمرار في تعطيل ولادة الحكومة».
وعن تمثيل سنة 8 آذار في الحكومة، يعتبر فايد أن «لعبة تكوين هذا التكتل السداسي كانت مفضوحة منذ البداية، لأنه تكتل ولد من العدم، وولد في اللحظة الأخيرة لتعطيل ولادة الحكومة»، موضحًا أنه «حين قبل الرئيس المكلف بأن يتمثلوا بوزير ينتدب عنهم جاء الموقف الأميركي من الانسحاب من سوريا ليعيد الأمور إلى بداياتها وبالتالي تم سحب اسم عدرا من قبل اللقاء التشاوري».
وقال: «البحث الآن هو عن حل للكتلة السداسية والحل لعقدة الثلث المعطل لرئيس الجمهورية والحل لعقدة استبدال وزارة الإعلام بوزارة البيئة لمصلحة التيار الوطني الحر. فحزب الله لا يهمه الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي وصل إليه لبنان، وإلا لما كان عطل الحكومة إلى اليوم باختلاقه كتلة اللقاء التشاوري».
كذلك أشار فايد إلى أن «كل هذه الاختراعات والعقبات أمام تشكيل الحكومة، تؤكد أنّ المطلوب إقليميا أن يبقى لبنان بلا حكومة حتى تساوم إيران على فكرة الحكومة بالذات مع الأميركيين أو الأوروبيين إذا استجد أمر جديد في المنطقة».
وأضاف: «لا يمكننا أن ننسى أن إيران معرضة لبدء ظهور نتائج العقوبات الاقتصادية الأميركية عليها بدليل أنه تم تخفيض موازنة الحرس الثوري باعتراف الإيرانيين أنفسهم إلى 50 في المائة على ما كانت عليه، مع العلم أنهم العصب الفاعل في الجمهورية الإسلامية».
انطلاقًا من هذه الأسباب والعقد التي أطاحت بثلاث محاولات لولادة الحكومة، إضافة إلى إصرار رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل على الحصول على الثلث المعطل ووضع الشروط على توزيع الحقائب طائفيًا والإصرار على الحصول على حقائب معينة، ويبدو أنّ مساعي تأليف الحكومة تجمدت إلى ما بعد عطلتي الميلاد ورأس السنة. الأمر الذي يدخل لبنان مجددا في دوامة اللعبة الإقليمية وسط هواجس أمنية تتمثل يوميا بخروقات إسرائيلية للأجواء اللبنانية، واقتصادية ومعيشية صعبة نتيجة عدم تشكيل الحكومة والجمود الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد.
 

font change