حكومة إلكترونية فاعلة في السعودية

الاقتصاد الرقمي... مدفوعاً بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

حكومة إلكترونية فاعلة في السعودية

  • ساهمت التكنولوجيا الرقمية بربط الحياة الاجتماعية والاقتصادية على نحو تفاعلي.
  • تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة هي من محركات النمو الاقتصادي القوية.
  • تسعى الصين لأن تصبح من أقوى اللاعبين ومحركي الاقتصاد الرقمي في العالم.
  • يخدم الاقتصاد الرقمي تطلعات المملكة العربية السعودية الاقتصادية في تحقيق الاستثمار والنمو.
  • يخدم الاقتصاد الرقمي الابتكار والتطوير في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

مفهوم الاقتصاد الرقمي؟
جدة: نعيش اليوم في عصر من التغير التكنولوجي المتسارع والمذهل للعقول! حيث أصبحت التقنيات الرقمية أكثر سرعة وكفاءة، إضافة إلى تقلص كلفتها الاقتصادية، حيث أصبحت في متناول الجميع تقريبا. وقد ساهم التطوير المتسارع وأحدث المنتجات التقنية في أن تكون محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي وساهمت بشكل واضح في حياة الناس وخياراتهم الاستهلاكية. وسوف تغير مفاهيم الاقتصاد الرقمي، الاتجاهات الاقتصادية الكلاسيكية مثل الزراعة والتعدين وغيرهما، ومن المتوقع أن يضع التوجه الرقمي بصمته في جميع قطاعات الاقتصاد. ويعرف الاقتصاد الرقمي بأنه: الاقتصاد المعتمد على الإنترنت لخدمة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وساهمت شركات ريادية في تطوير المفهوم الحديث للاقتصاد الرقمي، مثل شركة «غوغل» العملاقة و«فيسبوك» و«أمازون» التي بنت أساساتها في العالم الرقمي عبر شبكة الإنترنت. ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCED) فإن الاقتصاد الرقمي يستخدم لوصف الأسواق التي ترتكز على التقنيات الرقمية، ويشير هذا المفهوم إلى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدعومة بالاتصالات الحديثة والإنترنت، وتشمل تجارة السلع والخدمات المعلوماتية من خلال التجارة الإلكترونية. 
إن الاقتصاد الرقمي الحقيقي هو اقتصاد تستثمر فيه الشركات والمؤسسات المختلفة في الاعتماد على التطبيقات والاستخدامات الرقمية لتعظيم الإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي. 
إن تعظيم الفوائد غير المباشرة للاقتصاد الرقمي يحتاج إلى قبول من أصحاب المصلحة المتعددين، بما في ذلك الحكومات. وإن الإمكانات الاقتصادية للتكنولوجيات الرقمية هائلة، ولكن هناك تحديات كثيرة لتعظيم فوائدها الإنتاجية. وبالنسبة لصانعي السياسات، يتمثل التحدي في تمكين بيئة يمكن للأعمال التجارية الرقمية أن تزدهر فيها. وهذا يعني إنشاء بنية تحتية ومؤسسات داعمة، والحصول على الأفراد والشركات عبر الإنترنت، وتحفيز ريادة الأعمال الرقمية. ولذلك يتطلب من الحكومات العمل مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة؛ المواطنين وشركات التكنولوجيا والمعلمين وموفري البنية التحتية والشركات.
هذا ولقد ساهم الانخفاض السريع في التكلفة الاقتصادية للحواسب، والتطور السريع لشبكة الإنترنت وتطوير شبكات للتواصل الاجتماعي والمنصات المعنية بالتجارة الإلكترونية، بالتأثير بشكل كبير على التوجه نحو مفهوم جديد للاقتصاد مدفوع بالتطور التقني والرقمي المتسارع. وفي الحقيقة ستؤدي هذه التقنيات الرقمية الناشئة من إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، الحوسبة السحابية، الروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها، حيث ساهمت في خلق فرص اقتصادية كثيرة للشركات والأفراد على حد سواء وتزامن مع ذلك أيضا ظهور تحديات جديدة. ويعتمد الاقتصاد الرقمي على عدد من مكونات منها: وجود بنية تحتية مثل الأجهزة، البرامج، الشبكات، الاتصالات... إلخ، والأعمال الإلكترونية المنظمة عبر شبكة الإنترنت والتجارة الإلكترونية التي تشمل نقل البضائع وتوصيلها للعملاء. وتعمل شبكة الاتصالات الرقمية الحديثة على ربط الأشخاص بالمؤسسات والأجهزة الذكية والمباني الذكية والهواتف الذكية، والواقع المعزز وإنترنت الأشياء في مشاركة تبادل المعلومات والبيانات.
 
تأثير الثورة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات على الاقتصاد...
تساهم تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالا ت الحديثة في تنمية الاقتصاد الرقمي. ومن الفوائد الملموسة للثورة المعلوماتية، نمو الابتكار وريادة الأعمال في الاقتصاد الرقمي. ويعد الاقتصاد الرقمي حافزا قويا ومحركا للنمو، حيث يؤدي ربط المجتمعات ببعضها كقرية كبيرة يتم فيها تقاسم المعلومات والأفكار والسلع بما يساهم في تحقيق التطلعات الاقتصادية. لا شك في أن ثورة تكنولوجيا المعلومات قد عززت جودة الحياة، من تحسين الرعاية الصحية، إلى تسهيل حصول الأطفال على معلومات أفضل ومعرفة المزيد، لإعطاء المستهلكين المزيد من الراحة في تفاعلاتهم مع قطاع الأعمال والحكومة وجعلها أسهل في قياس الجودة البيئية. ولكن في حين أن هذه الفوائد وغيرها مهمة، ربما كانت أهم فوائد ثورة تكنولوجيا المعلومات هو تأثيرها على النمو الاقتصادي. 
لقد اتضح أن انتشار تكنولوجيا المعلومات وأجهزة ومعدات وبرامج وخدمات الاتصالات يشكل محركًا قويًا للنمو، مما أثر على إنتاجية العامل بثلاثة أو خمسة أضعاف رأسمال غير تكنولوجيا المعلومات (مثل المباني والآلات). في الواقع، كانت تقنية المعلومات في الولايات المتحدة مسؤولة عن ثلثي النمو الكلي للعوامل في الإنتاجية بين عامي 1995 و2002 وكل نمو إنتاجية العمل تقريبًا. إلا أن تكنولوجيا المعلومات تحدث فرقًا أيضًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن نفقات تكنولوجيا المعلومات ارتفعت مرتين في الدول النامية من عام 1993 إلى عام 2001 مقارنة بمتوسط ​​منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD) .
على سبيل المثال، كان استخدام تكنولوجيا المعلومات في الصين مسؤولاً عن 38 في المائة من الزيادة في إجمالي نمو إنتاجية العوامل و21 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي.
تكنولوجيا المعلومات تعزز الإنتاجية بطرق متنوعة. فهو يتيح للشركات أتمتة المهام، وتحرير العمال حتى يصلوا إلى قيمة في مهام أخرى. كما أن تكنولوجيا المعلومات لها تأثيرات تكميلية واسعة النطاق، بما في ذلك السماح للشركات بإعادة هندسة العمليات بشكل أساسي، وتتيح للشركات استخدام رأس المال والموارد الطبيعية بكفاءة أكبر. كما أن لتقنية المعلومات عددًا من التأثيرات غير المباشرة، والتي بدورها تحفز إنتاجية أعلى، بما في ذلك تمكين الأسواق الأكبر واتخاذ القرارات التنظيمية على نحو أفضل. وبالإضافة إلى ذلك، تعزز تقنية المعلومات الإنتاج الاقتصادي من خلال تمكين المزيد من الأشخاص من العمل. وصناعة تكنولوجيا المعلومات نفسها تخلق وظائف، في المتوسط ​​تدفع 84 في المائة أكثر من متوسط ​​الوظائف.


 
المثال الهندي والصيني...
تمثل الهند اقتصادا رقميا قويا، وحاليا يوجد في الهند نحو 46 مليون مستخدم للإنترنت، وقد ساهم الاقتصاد الرقمي في الهند في توفير فرص جديدة لنمو السوق والشركات الجديدة والكثير من فرص العمل. ومن المستفاد في النموذج الهندي للاقتصاد الرقمي هو الدعم السياسي لمجالات التكنولوجيا والاتصالات الرقمية. ويطلق على هذا الاقتصاد الجديد «الوقود الرقمي» وتعتبر القيادة السياسية في الهند من ضرورة دعم هذا النوع من الاقتصاد وتحويله إلى عنصر تمكين حيوي للنمو. وتعمل الحكومة الهندية في توصيل المناطق الريفية بالإنترنت والخدمات الإلكترونية وقد ساهم ذلك في نمو الاقتصاد الرقمي في الهند ويشمل ذلك: العمل على التمكين الرقمي للأفراد في كافة الخدمات والتعاملات الشخصية والتجارية، ودعم التقنيات الناشئة، وتجسير الفجوة الرقمية في المهارات حيث تعتبر أمرا بالغ الأهمية لضمان إنشاء اقتصاد رقمي حديث ومتاح للجميع.
وفي الصين ذات الاقتصاد العالمي الرائد، يبدو أن التحول السريع للاقتصاد الرقمي كان نتيجة لكون الصين واحدة من أكبر المستثمرين عالميا للتقنيات الرقمية. فعلى سبيل المثال تعتبر الصين رائدة في أعمال التسويق والتجارة الرقمية والمدفوعات الرقمية، وقد وفرت بيئة أعمال رقمية حديثة جاذبة للابتكار وريادة الأعمال. وتعمل الصين في استراتيجيتها لدعم وتطوير الاقتصاد الرقمي من خلال عمليات الدمج والاستحواذ، والاستثمار الذكي، وتصدير نماذج جاهزة للأعمال والشراكات التكنولوجية. وتسعى الصين للريادة العالمية وأن تصبح المرجع الأول للاقتصاد الرقمي عالميا. ووفقا لإحدى الدراسات المسحية حيث خلصت إلى وجود نحو 695 مليون مستخدم متنقل في الصين (95 في المائة من إجمالي مستخدمي الإنترنت)، مقارنة بـ343 مليونا في الاتحاد الأوروبي (79 في المائة)، و262 مليونا في الولايات المتحدة (91 في المائة). 
ويبلغ عدد مستخدمي الإنترنت الأصليين الرقميين نحو 280 مليونا، أي نفس العدد الإجمالي لمستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة! إن مستخدمي الإنترنت الصينيين يتمتعون بذكاء رقمي ويميلون إلى استخدام الهاتف المحمول كجزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية. هذا ويعتمد واحد من كل خمسة مستخدمين للإنترنت في الصين على الأجهزة المحمولة فقط، مقارنة بنسبة 5 في المائة فقط في الولايات المتحدة. وتبلغ حصة الهاتف المحمول من مبيعات التجارة الإلكترونية نحو 70 في المائة في الصين، مقارنة بنحو 30 في المائة في الولايات المتحدة الأميركية.

استراتيجية وطنية سعودية للاقتصاد الرقمي...
اهتمت رؤية السعودية 2030م بضرورة تسريع تحول المملكة العربية السعودية إلى الاقتصاد الرقمي، لما له من أهمية في التأكيد على مكانة السعودية في الاقتصاد العالمي، وكونها إحدى دول مجموعة العشرين لأقوى الاقتصادات العالمية. هذا وتهتم رؤية السعودية 2030م، ببناء حكومة رقمية واقتصاد رقمي تنافسي وقوي ممكن لازدهار مجتمع يهتم بالأعمال والابتكار. وتعمل الحكومة السعودية حاليا على ترقية البنية التحتية للاتصالات بالتقنيات الحديثة الممكنة لسرعة تبادل الخدمات المعلوماتية والسلع التجارية بكفاءة كبيرة. 
وفي إطار التزامها بتحفيز المناخ الابتكاري وتسريع الوصول إلى الريادة سواء الإقليمية والعالمية في الوقت ذاته، نظمت المملكة العربية السعودية «هاكاثون الحج»، والذي يعد أكبر تحدٍ تقني ورقمي في منطقة الشرق الأوسط. وقد استهدف استقطاب العقول الرائدة في مجال البرمجيات الإلكترونية، لابتكار الحلول التقنية لتسهيل رحلة وتجربة الحج. وختاما سيكون من الجيد أن تهتم المملكة العربية السعودية في السنوات القادمة بتعظيم المكاسب وجذب المزيد من الفرص الاقتصادية القائمة على الأصول الرقمية، واعتبارها جزءا هاما من استراتيجية استدامة الاقتصاد السعودي.

 
font change