ليبيا ما بعد القذافي.. بناء دولة أم تصفية حسابات؟

ليبيا ما بعد القذافي.. بناء دولة أم تصفية حسابات؟

[caption id="attachment_55227204" align="aligncenter" width="620" caption="ليبيا الجديدة.. الى أين تتجه"]ليبيا الجديدة.. الى أين تتجه[/caption]

الواقع أن الأمر لم يعد برمته يجري خلف الكواليس، وإنما سمعنا وشاهدنا تصريحات علنية من أناس معينين يريدون حصة في الحكومة. فهناك أطراف إسلامية تتهم أعضاء في المكتب التنفيذي بالعلمانية، وهي لا تكتفي بالمطالبة بحصة في الحكومة، بل وتهاجم هذا التيار.

وعلى الرغم من سقوط ما كان يسمى (النظام الجماهيري) وقائده في ليبيا وإعلان نجاح الثورة الثالثة في الربيع العربي، ودخول ليبيا في عصر جديد، فإن هناك عقبات وتحديات جساما أمام المجلس الانتقالي الوطني، الذي يشهد صراعا مريرا على السلطة ومواقع القرار بين أعضائه. وقد تنذر هذه الصراعات بشيء لا تحمد عقباه. فما نوع هذه التحديات والأزمات التي تواجه ليبيا ما بعد القذافي؟

لا شك أن هناك تحديات وأزمات كبيرة في الطريق. ستتوقف كيفية مواجهتها ومعالجتها على الحكومة المؤقتة التي ينبغي أن تشكل في أسرع وقت، ومن دون وضع العراقيل الذي يقول المجلس الانتقالي إن أحدها هو أن مناطق في البلاد ليست تحت سيطرته. ويرى أن الحكومة يجب ألا تشكل حتى يتم تحرير كامل المناطق والمدن. إن تشكيل الحكومة معناه الشروع في توفير الخدمات للناس، فإذا لم ينتبه المجلس سريعا إلى ذلك، فإن البلاد لا محالة منساقة إلى عالم الفوضى وعالم السلب والنهب وتشكيل العصابات المسلحة. إن التحديات جسام ولابد من معالجة الأمر وتداركه قبل فوات الأوان.

تلبية الاحتياجات



أول هذه التحديات وبعد 41 عاما من الحكم الاستبدادي، يجب إصلاح النظام السياسي. لقد كان مؤتمر الشعب العام الليبي، الذي تأسس من أجل تطبيق نظرية الديمقراطية المباشرة التي وضعها القذافي، مجرد أداة في يد القذافي، يختار من خلاله الوزراء والمسؤولين الذين يريدهم ويرتاح لهم. وهو لم يكن أداة فاعلة في يوم من الأيام.

أما السلطة القضائية، التي كان يعينها مؤتمر الشعب العام وتديرها وزارة العدل، فكانت تفتقد إلى الشرعية. وبإيجاز فإنه لا يوجد سوى القليل من المؤسسات السياسية القائمة في ليبيا التي يمكن الاحتفاظ بها، وسيكون قليل منها فقط مفيدا في هذه الفترة المؤقتة. أيا كان الشكل أو الصورة التي سيخرج بها إصلاح النظام السياسي، فلا بد أن يأتي من الليبيين، وأن يتشكل وفقا لاحتياجاتهم واهتماماتهم.

[caption id="attachment_55227205" align="alignleft" width="242" caption="معمر القذافي.. النهاية"]معمر القذافي.. النهاية[/caption]

لقد تبين طوال معظم فترة الصراع، أن هناك مشكلة في القيادة، فلم يكن واضحا أين تكمن السلطة والنفوذ في المجلس الانتقالي، وهي نقطة زادها وضوحا مقتل القائد العسكري للثوار عبد الفتاح يونس في يوليو (تموز) الماضي، الذي قتل قتلا شنيعا.

إن ما يتوقعه الليبيون ويريدونه فعلا، هو انهاء الفوضى التي كانت البلاد ترسف فيها منذ 34 عاما. نظام اقتصادي وسياسي مفروض بالقوة على شعب بأكمله، وهم أولا يطمحون إلى أن تكون هناك سياسات اقتصادية تخلق فرص عمل محترمة ومستوى معيشة في المتناول، وسياسات اجتماعية تلبي احتياجاتهم في الصحة والتعليم، ومؤسسات إدارية فعالة. ونظرا لأن تلك العوامل الرئيسية هي التي أثارت الانتفاضة، فمن الحكمة أن تعالجها الحكومة المؤقتة التي ينبغي تشكيلها في أقرب وقت.

من جانب آخر تتطلب تلبية هذه الاحتياجات مزيجا من القيادة المنضبطة والصبر والإصرار على إدارة المصالح وتحقيق الإجماع. ولكن في البداية، يجب أن تقدم التجمعات والدوائر السياسية المتعددة في ليبيا ممثلين وقادة في مستوى هذه التحديات.

وعلى الرغم من التحديات الهائلة، ففي ليبيا الموارد اللازمة، لقيام دولة عصرية. فهي أولا، لديها تراث ثقافي كبير ومثقفون في الداخل والخارج. ولا تفتقد ليبيا إلى المهارات الفنية أو الكفاءات، بل فيها ما يكفي لتحقيق دولة الرفاه. كما أن ليبيا أيضا ثرية، وستستمر في ضخ النفط. إن فرص الاستقرار سانحة في هذا البلد وإمكانيات تحقيق مجتمع الرفاه كبيرة أيضا. وسيتأكد هذا إذا تمكنت الحكومة الجديدة من تعزيز الوحدة الاجتماعية.

الخطوة التالية



يقال إن الأكثر إزعاجا هو أن أربعة عقود من الحكم الاستبدادي الفردي أقصت الليبيين عن ممارسة العمل السياسي. وحرمتهم من حق تقرير مصيرهم. وهشمت النسيج الاجتماعي، وكرست لثقافة سياسية من المحاباة والمحسوبية. فليبيا لا تملك تراثا ديمقراطيا تعتمد عليه في المضي قدما، أو مؤسسات سياسية قادرة على التأقلم مع أهداف العملية الانتقالية. لذلك يجب أن تنشأ تلك المؤسسات ويشرع في إقامتها.

لكن ما ينبغي أن يقال في هذا الصدد هو أننا أمام مشكلة كبيرة، ألا وهي أنه بعد الإطاحة بالحكومة السابقة، فإن الثوار يتولون مهمة تنصيب حكومة جديدة تحمل تفويضا شعبيا. ولكن هذا التفويض ليس تفويضا شرعيا. بل هو أمر واقع.
ففي المجتمعات الديمقراطية، يتحقق هذا من خلال انتخابات وطنية، يشارك فيها المواطنون. ولكن هذه الإجراءات التي تؤدي إلى الانتخابات تستغرق وقتا، لإعداد البنى التحتية اللازمة لها. فيجب أن تؤسس الأحزاب، وأن تسهل عملية إطلاق الحملات الانتخابية التنافسية. ولكن لا يمكن إجراء انتخابات موثوق بها في إطار الوضع الدستوري الحالي في ليبيا، إذ تتطلب العملية صياغة دستور جديد، بما فيه من قانون وضوابط للانتخابات، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهذا هو ما يؤهل البلاد للسلام والاستقرار.

إن الليبيين العاديين، الذين أشعلت محنتهم ومتاعبهم الثورة، ينتظرون بفارغ الصبر وفي هذه الفترة الانتقالية، أن تشكل حكومة حتى ولو كانت مؤقتة، وحتى وإن كان قادتها غير منتخبين لأنهم يريدون أولا وقبل كل شيء إعادة الحياة إلى طبيعتها وتوفير الحد الأدنى من الخدمات. وفي الوقت ذاته، يجب أن تتناول الحكومة المؤقتة احتياجات السكان المتضريين، وأن تنزع سلاح المقاتلين وتقيم قيادة موحدة، وتصلح البنية التحتية، وتعيد بناء الأحياء، والمدن التي تضررت، وأن تعيد الاقتصاد إلى العمل مجددا.
لقد أعطت حرب العراق درسا للغرب بأن الإطاحة بالحكومة ما هي إلا مجرد بداية، وأن الأكثر أهمية وصعوبة هو التخطيط للخطوة التالية.

على أي حال، ماذا سيحدث مع القذافي الأب سيكون من أهم الأسئلة في المرحلة الانتقالية. في العموم، ستكون تصفية الحساب مع الماضي، الماضي القصير جدا المتمثل في زمن الثوار والماضي الطويل الذي كان القذافي يسوم فيه شعبه سوء العذاب.

نص وثيقة تنازل الملك محمد إدريس السنوسي


[caption id="attachment_55227208" align="alignleft" width="215" caption="الملك ادريس"]الملك ادريس[/caption]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله وصحبه أجمعين
أما بعد
يا إخواني الأعزاء رئيس وأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أقدم لكم هذا الخطاب قائلا:
منذ أن قلدتني هذه الأمة الكريمة الليبية ثقتها الغالية بتبوئي هذا المقام الذي شغلته بعد إعلان استقلال بلادنا العزيزة ليبيا.
قمت بما قدر الله لي مما أراه واجب عليّ نحو بلادي وأهلها وقد لا يخلو عمل كل إنسان من التقصير، وعندما شعرت بالضعف قدمت استقالتي قبل الآن ببعض سنوات، فرددتموها وطوعا لإرادتكم سحبتها، وإني الآن نسبة لتقدم سني وضعف جسدي أراني مضطرا أن أقول ثانية إني عاجز عن حمل هه الأمانة الثقيلة، ولا يخفى أنني بليت في سبيلها خمسة وخمسين سنة قبل الاستقلال وبعده، قد أوهنت جلدي مداولة الشؤون وكما قال الشاعر:
سأمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
وقد مارست هذه القضية وعمري سبعة وعشرين سنة والآن في الثانية والثمانين ولله الحمد أتركها في حالة هي أحسن مما باشرت في بلائي بها، فأسلمها الآن لوليّ العهد السيد الحسن الرضا المهدي السنوسي، البالغ من العمر ثلاثين وأربعين سنة هجرية، الذي يعتبر من اليوم (الملك الحسن رضا المهدي السنوسي الأول) على أن يقوم بعبئها الثقيل أمام الله وأمام أهل هذه البلاد الكريمة على نهج الشرعية الإسلامية والدستور الليبي بالعدل والإنصاف فاعتمدوه مثلي ما دام على طاعة الله ورسوله والاستقامة، وبعد اعتماده من مجلس الأمة يحلف اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة قبل أن يباشر سلطاته.
وإني إن شاء الله عقدت العزم الأكيد على اجتناب السياسة بتاتا والله على ما أقوله وكيل.
والذي أختتم به قولي، بأن أوصي الجميع من أبناء وطني بتقوى الله في السر والعلن، وإنكم جميعا في أرغد عيش وأنعم النعم من الله تبارك وتعالى.
فاحذورا من أن يصدق عليكم قوله تعالى:
"ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانو يصنعون."

فالله الله مما يغضب الله.
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ولا تفرقوا.
قال صلى الله عليه وسلم:
لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد ادريس المهدي السنوسي
اليونان في 21 جماد الأولى 1389 هجري الموافق 4 أغسطس 1969

توماس ألبرتس
font change