تحديات مبادرة الرياض لتأسيس منظمة للتعاون والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط

تُعنى بقضايا وسياسات دول البحر الأحمر وخليج عدن... وتشمل السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن

الملك سلمان بن عبد العزيز خلال اجتماعه بوزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

تحديات مبادرة الرياض لتأسيس منظمة للتعاون والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط

  • خادم الحرمين الشريفين استقبل وزراء خارجية مصر وجيبوتي والصومال والسودان، ونائب وزير الخارجية اليمني، والأمين العام لوزارة الخارجية الأردنية، لبحث إنشاء كيان للدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
  •  تأتي سياسات المملكة العربية السعودية في إطار «إدارة التحول» لتأكيد مهام القائد أو المبادر الإقليمي سواء على الصعيد العسكري أو السياسي.
  • المبادرة السعودية مثلت في جوهرها استجابة مبتكرة لتحدٍ متصاعد يتعلق بأمن البحر الأحمر، عبر صيغة أمنية تضمن حداً أدنى من مأسسة العلاقات المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية التي ترتبط بكثافة الحركة الدولية تجاه المنطقة. 
  • مصر أكدت حرصها على التنسيق مع المملكة وقياداتها من أجل تعزيز التعاون والتكامُل الاقتصادي بين الدول المطلة على البحر الأحمر في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. 
     
  •  ثمة تحول حقيقي يحدث عبر إجراءات ومبادرات تُجهض السياسات التي تستهدف المساس بالأمن القومي العربي.
  • نبيل العربي: آفة المرحلة الراهنة في العلاقات الدولية ليست الحروب التقليدية بين الدول، بل حروب داخل الدول تتحول إلى حروب بالوكالة أو تفشي ظاهرة الاعتداءات الإرهابية التي تتسع رحاها. 

أنقرة: شهدت الفترة الخالية، على مستويات عدة، مناقشات سياسية عديدة وأطروحات أكاديمية مختلفة بشأن جدوى منظمات الأمن الجماعي وقدرتها على الاضطلاع بأدوار تستجيب للتحديات الأمنية والتهديدات المتصاعدة المرتبطة بسياسات العديد من الدول. السجالات السياسية والأكاديمية جاءت، في غالب الأحيان، خارج إطار الشرق الأوسط، في ظل الأسئلة المحورية المتعلقة بمستقبل حلف الناتو، وتباين السياسات الأميركية–الأوروبية حيال العديد من القضايا، وسعي عدد من الدول الأوروبية إلى تعزيز التعاون الأوروبي المشترك بمعزل عن الشريك الأطلسي، هذا إضافة إلى ما يطرحه نمو قدرات منظمة شنغهاي للتعاون والأمن من تساؤلات بشأن القدرة على تأطير تحالف دولي جديد يتجاوز أطر التعاون الاقتصادية والسياسية نحو تأكيد تماسك هياكل التعاون الأمني المؤسسي الذي تسعى إلى تحقيقه المنظمة.
يأتي هذا في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط أطروحات متعددة لإعادة تشكيل وصوغ أنماط التفاعلات الإقليمية عبر صيغ مبتكرة لتأسيس مبادرات لا تسعى إلى تشكيل منظمة أمنية إقليمية بقدر ما تستهدف تحقيق الأدوار المنوطة بهذه المنظمات، وربما تبدو أدوار المملكة العربية السعودية واضحة في هذا الإطار، سواء تعلق ذلك بتسوية النزاعات العربية أو الأفريقية، كما يرتبط ذلك بسياسات المملكة بالتنسيق مع دول عربية أخرى لمواجهة التهديدات الإيرانية والتركية، وذلك في ظل موجة تهديدات غير مسبوقة يجابهها الأمن القومي العربي. وقد جاءت واحدة من التحركات السعودية في هذا الإطار عبر سعي لإيجاد صيغ تضبط التفاعلات الأمنية في البحر الأحمر، وذلك في إطار استراتيجية عامة تستهدف ايجاد ترتيبات تحفظ استقرار وأمن الشرق الأوسط (MENA).
 
مبادرة المملكة لترتيبات الأمن الإقليمي
 
تشير الخبرة التاريخية من تفاعلات الشرق الأوسط وتشابكاته إلى صعوبة تأسيس نظام أمن جماعي لضمان وحماية السلم والأمن الإقليمي. فقد بات الشرق الأوسط أشبه بالقطاعات المنفصلة، التي تشهد أنماطا من التفاعلات المنعزلة من حيث الأدوات والأطراف عن قطاعات ونطاقات جغرافية وبحرية أخرى، وذلك لأسباب تتعلق بتعقد القضايا الأمنية وتزايد الحضور الدولي في الإقليم على مستويات عسكرية وسياسية، وانشغال الدول العربية بالقضايا الساخنة المتاخمة للحدود أو بداخلها لا البعيدة عما تعتبره مجالها الحيوي المباشر، ولا يغيب عن ذلك أثر تزايد مظاهر التباين العربي والإقليمي حيال العديد من القضايا والتطورات الأمنية والتفاعلات السياسية. وقد تطلب ذلك إعادة توجيه نطاق المبادرات الأمنية وصوغ محاورها على نحو يستجيب إلى التطورات الطارئة.
وقد أعلنت السعودية منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في هذا السياق، اتفاقا لتأسيس كيان أمني مؤسسي يعنى بقضايا وسياسات دول البحر الأحمر وخليج عدن، ويشمل دول السعودية، ومصر، والسودان، وجيبوتي، واليمن، والصومال، والأردن. وتأسست المبادرة على مجهودات سابقة للمملكة كانت احتضنتها مصر في ديسمبر 2017. وعقد وزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الاجتماع التشاوري الأول بمدينة الرياض في ديسمبر الماضي. وقد استهدف الجهد السعودي عبر خطوات تدريجية تعزيز سبل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وتجسيد المصالح المشتركة وتحقيق الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ولا تنفصل أهمية ذلك عن ضرورات الحفاظ على أمن الممر المائي للملاحة والتجارة الدولية، بحسبان ذلك يأتي في إطار المسؤولية التي تقع على عاتق المملكة لتوفير الأمن لهذا الممر الذي يمثل جسرا للتواصل بين الحضارات والثقافات.
واستهدف الاتفاق على تأسيس المنظمة الأمنية الجديدة التنسيق والتعاون المشترك وتحقيق المصالح المتبادلة ودراسة السبل الكفيلة بتحقيق ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية والأمنية. وكان خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، قد استقبل كلا من وزير الخارجية بجمهورية مصر العربية سامح شكري، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بجمهورية جيبوتي محمود علي يوسف، ووزير الخارجية والتعاون الدولي بجمهورية الصومال أحمد عيسى عوض، ووزير الخارجية بجمهورية السودان الديرديري محمد الدخيري، ونائب وزير الخارجية بالجمهورية اليمنية السفير محمد بن عبد الله الحضرمي، والأمين العام لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين بالمملكة الأردنية الهاشمية السفير زيد مفلح اللوزي، لبحث إنشاء كيان للدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
وأكد الجانب المصري من جانبه، في هذا الإطار، على الحرص على الحركة بالتنسيق مع المملكة وقياداتها من أجل تعزيز التعاون والتكامُل الاقتصادي بين الدول المطلة على البحر الأحمر في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. المبادرة السعودية مثلت في جوهرها استجابة مبتكرة لتحدٍ متصاعد يتعلق بأمن البحر الأحمر، عبر صيغة أمنية تضمن حداً أدنى من مأسسة العلاقات المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية التي ترتبط بكثافة الحركة الدولية تجاه هذه المنطقة وسعي عدد من الدول الإقليمية إلى توسيع نطاق نفوذها السياسي والعسكري في هذه المجال الحيوي، على نحو قد يفضي إلى ارتدادات سلبية على المصالح العربية والإقليمية.

 

الوزير عادل الجبير يتوسط وزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.


 
تحديات تأسيس منظمة للأمن الإقليمي
 
إن بحث قضايا الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط لم يكن قاصرا على دوله، وإنما حظي باهتمام دولي بحكم كثافة التفاعلات الدولية على ساحة الإقليم المضطربة، وفي ظل تفاقم الصراعات الداخلية والإقليمية التي تعاني منها العديد من دول المنطقة، هذا إضافة إلى ما تثيره التحديات الأمنية الناتجة عن انتشار الجماعات الجهادية من تهديدات غير تقليدية للأمن الإقليمي والعالمي. وقد دفع ذلك، في أحيان عديدة قوى دولية مختلفة إلى طرح صيغ تعاون تقوم على تمثيل كل القوى الإقليمية في منظمة إقليمية أو مبادرة جماعية شاملة، وهي سياسات لم تنقطع وأطروحات تواصلت عبر صيغ وأشكال مختلفة واستهدف بعضها، سيما بعد مبادرة إسطنبول التي أطلقها حلف الناتو عام 2004، لأن تغدو مسوغًا للتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية.
وثمة اتجاه في الأدبيات يرى أن واحدة من المهام الرئيسية لمنظمات الأمن الإقليمي، في هذا الإطار، تتمثل في تأطير الخلافات وقضايا الصراع وتجسير هوة التباين وإداراته على نحو يعيد ضبط مستويات التفاعلات المختلفة على مسرح عمليات الإقليم ويحجم من احتمالات تحول الخلافات البينية، دولية كانت أو إقليمية، إلى صدامات مباشرة سياسية أو عسكرية، سيما في ظل انتفاء الحدود الفاصلة بين الأمنين الإقليمي والدولي، وذلك على نحو يُظهر فاعلية المؤسسات الوسيطة التي تضطلع بأدوار أمنية محورية بين مستويات الأمن المحلي والأمن الدولي. بيد أن ثمة خصوصية للشرق الأوسط تجعل من الصعوبة بمكان تحقق ذلك بسبب تعدد مصادر التهديد التي ترتبط ببعض الدول المنوط بها أن تغدو هي، وفق هذه الصيغ، فاعلة في أي إطار منظمة أمنية يناط بها حفظ الأمن الإقليمي.
هذا إضافة إلى أن طبيعة السياسات الغربية في الإقليم تجعل من فكرة إقامة مؤسسة أمنية إقليمية ليست مدفوعة بتأييد دولي، فعلى سبيل المثال لروسيا وحدها نحو 20 ألف جندي على ساحة الصراع في سوريا، وعلى الرغم من اتجاه واشنطن إلى سحب قواتها من سوريا فإن هذا الانسحاب سيكون إلى العراق وليس إلى خارج المنطقة. هذا إضافة إلى استمرار التحالف الأميركي مع قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، والتي يقدر قوامها بنحو 30 ألف مقاتل، هذا في وقت تتصاعد فيه وتيرة تأسيس القواعد العسكرية لدول غربية في ساحات الصراع العربية، سيما في سوريا، بما يوضح أن القوى الفاعلة على مسرح عمليات الإقليم، لا تعول على منظمات إقليمية بقدر تعويلها على مبادراتها الذاتية لتحقيق مصالحها.
إن تصاعد الحضور الدولي على ساحة الشرق الأوسط، على نحو لم يشهده الإقليم منذ انتهاء الحرب الباردة، يجعل التفاعلات الدولية على ساحة الإقليم مكثفة وتعكس أجندات متباينة وروابط مختلفة مع قوى عديدة تعتبر أن تواجد هذه القوى الدولية جزء رئيسي من معدلاتها الأمنية، بما يجعل محاولة تأسيس منظمة أمنية لا يلقى استجابات منسجمة لتباين السياسات فيما يخص التعاطي مع معضلة الأمن الإقليمي.
ولا ينفصل ذلك عن كون بعض القوى الدولية الكبرى مثل روسيا وألمانيا وفرنسا باتت تنظر إلى ما يحدث على مسرح عمليات الإقليم انطلاقا من «اقتراب الفرصة» ذلك أن تصاعد التوترات الإقليمية ساهم في عودة بعض هذه الدول إلى تبني «القوة الخشنة» لإعادة التمركز في المنطقة، وذلك لرسم حدود مناطق نفوذها. والمشهد في هذا الإطار يبدو معقدا، رغم تحسن العلاقات بين العديد من الدول العربية وروسيا على سبيل المثال، غير أن الأخيرة لا تزال تحتفظ بعلاقات جيدة وداعمة لطهران، والتي تشكل بدورها أحد أبرز مصادر التهديد بالنسبة لجوارها الجغرافي.

إلى جانب ذلك، تبرز عدد من المحددات الحاكمة التي تفرض مزيدًا من الصعوبات التي تحول دون القدرة على تشكيل أي منظمة يناط بها حفظ الأمن والسلم الإقليميين، يأتي في مقدمة هذه المحددات أن سمة التحالفات في الشرق الأوسط تتعلق بكونها «تحالفات جزئية»، جراء تعقد قضايا الإقليم وتشابك ملفاته، وتعدد أوجه الخلاف بين مختلف القوى الإقليمية والدولية الرئيسية والفاعلة على ساحته. فقد بات يسود الإقليم ما يطلق عليه في الأدبيات السياسية «تحالفات مرنة»، فهي رغم وجودها وتعدد مظاهرها لا تشكل أساسًا يمكن البناء عليه لوضع تصور نهائي حول شكل العلاقات بين الأطراف الدولية والإقليمية الرئيسية. فعلى الرغم من كون تركيا، على سبيل المثال، عضوًا في حلف الناتو ولديها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، غير أنها من جانب آخر تشهد علاقاتها مع أغلب القوى الغربية، توترات متصاعدة بسبب سياساتها الإقليمية، وهى تبدو في هذا الإطار أقرب إلى التحالف الروسي-الإيراني منه إلى التحالف الغربي في سوريا.
لا ينفصل ذلك أيضا عن تناقض السياسات الإقليمية وتصاعد حدة الاستقطاب على أسس هوياتية وعرقية مختلفة، فإيران هي الأخرى تدعم التيارات المتطرفة في المنطقة انطلاقا من حسابات طائفية، كما أنها تدعم جماعات الحوثي الإرهابية في اليمن من أجل تهديد أمن واستقرار اليمن، وبالتبعية العديد من الدول الخليجية المجاورة، هذا في وقت تنسج فيه تركيا بالتنسيق مع قطر أنماطا متلونة من التحالفات مع وكلاء إقليميين تطغى عليهم الصبغة الدينية المتشددة لكي تضمن أدواراً رئيسية على مسرح عمليات العديد من ساحات التوتر والصراع العربي، سيما في العراق وسوريا وليبيا.
وعلى الرغم من تشابك العلاقات بين الدولتين والعديد من الدول العربية، فإن هذه العلاقات لا ترقى إلى أن تشكل تحالفا مؤسسيا. كما أن الدولتين تمثلان، وفق النمط الإدراكي للعديد من الأنظمة العربية، مصدرا للتهديد لا أطرافا مساندة في مجابهته، فلا ينظر لهما، في غالب الأحيان، كعامل مساعد على تحقيق الأمن الإقليمي، بقدر ما تمثلان، وفق مدركات الأمن لدى العديد من الدول، تهديدا للأمن الإقليمي.

 

نبيل العربي


 
إشكاليات إدارة التباين الإقليمي
 
يقول نبيل العربي، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، في مقال خطه تحت عنوان «فشل نظام الأمن الجماعى الدولي» إن آفة المرحلة الراهنة في العلاقات الدولية ليست الحروب التقليدية بين الدول، بل حروب داخل الدول تتحول إلى حروب بالوكالةــ كما نشاهد في سورياــ أو تفشي ظاهرة الاعتداءات الإرهابية التي تتسع رحاها. ولا بد من وضع حد لها عن طريق إقدام مجلس الأمن على اتخاذ التدابير الجماعية المناسبة للقضاء على هذه الظاهرة. لا بد من مواجهة الحقيقة والإقرار بأن مجلس الأمن لا يستطيع الإقدام على مباشرة هذه المسؤوليات في ضوء الإطار القانوني الذي يحدده مسار عمله. لذلك لا بد من السعي جديا إلى تغيير «قواعد اللعب في المجلس».
وبينما يعكس حديث العربي الرؤية السائدة حول تقييم المنظمات الدولية المعنية بالسلم والأمن الدوليين، فإن التباين أعمق وأكبر بين مختلف القوى الإقليمية على ساحة الشرق الأوسط وكذلك القوى الدولية الرئيسية على مسرح عمليات الإقليم، بما يوجد وضعًا إقليميا غير قابل لإنتاج منظومة أمنية تستطيع مواجهة التهديدات الإقليمية. يتأسس ذلك، على جانب آخر، إلى طبيعة الصراع بالوكالة الذي تشهده أكثر من ساحة عمليات تتفاقم فيها النزاعات وتتزاحم فيها الأطراف التي يصعب إدارة العلاقات فيما بينها في ظل تناقض الأجندات والسياسات واختلاف التوجهات حيال العديد من القضايا والملفات.
ويبدو ذلك واضحا في أنماط تحركات السياسات الإيرانية، التي لا تتوقف التهديدات التي تنطلق منها عند حد البرنامج النووي أو الصاروخي وما يمثلانها من تهديد للأمن الإقليمي والدولي، وإنما يرتبط ذلك أيضا بتوظيف صيغ التعاون المطروحة سياسيا لتبنيها إعلاميا ليس إلا للتغطية على استراتيجيات دعم أذرعها من الجماعات المسلحة من دون الدول والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار وتهديد الأمن والاستقرار الإقليمي.
ولعل هذه التحديات شكلت إلى جانب محركات رئيسية تتعلق بأنماط المسؤولية السياسية التي تضطلع بها بعض القوى العربية الدافع إلى اتخاذ مبادرات لحماية الأمن والاستقرار العربي عبر صيغ وسيطة تقوم على تأسيس تحالفات وظيفية تستهدف تعويض غياب القدرة على تشكيل منظمة أمنية إقليمية تجمع كل الأطراف والقوى الرئيسية على ساحة الإقليم. تتجلي في هذا الإطار جهود السعودية على أكثر من مستوى، ربما يبرز منها أيضا التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب والذي أعلنت المملكة العربية السعودية عن تأسيسه في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2015، والذي شهد أول اجتماع لمجلس وزراء دفاع التحالف بالرياض في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، تحت شعار «متحالفون ضد الإرهاب».
إن هذا التحالف يختلف عن التحالفات المماثلة لمواجهة ذلك التحدي من حيث الاستراتيجية الشاملة التي يتبناها والتي تتجاوز الجوانب العسكرية إلى الجوانب الفكرية، والإعلامية، والتمويلية، فضلا عن كونه يعد أول آلية إقليمية حاسمة لمواجهة تلك الظاهرة بما يعني أنه لا وجود لصراع الأدوار أو المصالح ضمن ذلك التحالف، بالإضافة إلى كون هذا التحالف ذات آلية لتحقيق التوازن في التفاعلات الإقليمية بل والشرق أوسطية عموما، ناهيك عن أن تأسيس تحالف بهذا الحجم يعني اتخاذ الدول العربية والإسلامية زمام المبادرة كونها أكثر الدول تضررا من آفة الإرهاب وداعميه من الدول في المنطقة.
 
الشرق الأوسط وإشكالية «الدولة القائد»
 
عانى الشرق الأوسط تاريخيا من صراع الأدوار بين القوى الإقليمية التي استشعر كل منها في مراحل تاريخية مختلفة بالأحقية والقدرة على قيادة الإقليم لتحقيق مشروعه السياسي، وبدا الصراع في غالب الأحيان بين القوى العربية، هذا إلى أن ساهم الانقسام والتوترات التي عانت منها بعض البلدان العربية في تعظيم الأدوار الإقليمية لدول مثل تركيا وإيران. وقد بدأت هذه الدول تتمرد على المقولات التي تشير إلى أنه ما من دولة في الشرق الأوسط تستطيع بمفردها القيام بدور «القوة الإقليمية المهيمنة» على غرار ما تقوم به الهند في جنوب آسيا، والبرازيل في أميركا اللاتينية، أو جنوب أفريقيا في جنوب القارة السمراء، أو نيجيريا في غربها. وبدا واضحا أن ثمة مرحلة جديدة تسعى فيها الدولتان لأن تضطلعا بأدوار القائد الإقليمي على ساحة المنطقة العربية.
وقد طرحت بعض الأدبيات صيغا مختلفة بعضها يصور أن كلا من المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وإيران تشكل قوى إقليمية يحتمل قيادتها للإقليم نحو مشاريع سياسية مختلفة، وأقرت هذه الأدبيات بأن ثمة فجوات واضحة في القوة بين دول الشرق الأوسط. بيد أنها أوضحت أن أيا من القوى الإقليمية غير العربية لا تمتلك تفوّقا إلى الحد الذي يجعلها تتغلب على قدرات باقي القوى مجتمعة، وبالتالي رأت أنه لا بد لمفهوم القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط أن يكون مفهوما ديناميكيا وليس استاتيكيا.
تأسس ذلك على أن الشرق الأوسط تميز بغياب المؤسسات الإقليمية الفاعلة مثل «آسيان» في آسيا، و«ميركسور» في أميركا اللاتينية، ولم تضطلع الجامعة العربية بأدوار فاعلة في منع الحروب أو تسوية النزاعات التي عرفتها المنطقة، أما «منظمة التعاون الإسلامي» فلا يمكن اعتبارها منظمة إقليمية شرق أوسطية، لأنها تضم دولا إسلامية في شرق آسيا، مثل ماليزيا وأندونيسيا، وأخرى في غرب القارة الأفريقية، مثل السنغال.
بيد أن محصلة ذلك أفضت إلى تأكيد أن ثمة فراغا ناتجا عن غياب منظمة أمنية معنية بإدارة الصراعات المتخمة بها ساحة الإقليم، ولهذا تأتي سياسات المملكة العربية السعودية في إطار «إدارة التحول» لتأكيد مهام القائد أو المبادر الإقليمي سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، ولعل مأسسة المصالح العربية، عبر كيان أمني مؤسسي للدول المطلة على البحر الأحمر، إنما يمثل رسالة واضحة للأطراف المعنية بأن ثمة تحولا حقيقيًا يحدث عبر إجراءات ومبادرات تُجهض السياسات التي تستهدف المساس بالأمن القومي العربي.

font change