ميليشيا «فاطميون»... هل حان وقت «حزب الله الأفغاني»؟

التقارب «الإيراني - الطالباني» يثير مخاوف حول التدخل في الانتخابات الأفغانية

ميليشيا «فاطميون»... هل حان وقت «حزب الله الأفغاني»؟

* تحركات استباقية لمواجهة «قمة وارسو» واستغلال انسحاب أميركي محتمل من أفغانستان
* ظريف: يجب أن يكون لـ«طالبان» دور في مستقبل أفغانستان والعملية السياسية

القاهرة: أثارت اللقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولين إيرانيين وقيادات حركة طالبان الأفغانية قلق المحللين والباحثين حول تدخل طهران في الانتخابات الأفغانية، واحتمالات إبرام صفقة بين الجانبين تقضي بعودة ميليشيا «فاطميون» الإيرانية إلى الأراضي الأفغانية، فيما ربط مراقبون التقارب «الإيراني - الطالباني» بما وصفوها بـ«التحركات الاستباقية» التي تقوم بها طهران لمواجهة «قمة وارسو» التي ستعقد في بولندا يومي 13 و14 فبراير (شباط) الحالي، وقال خبراء في الشأن الإيراني إن طهران تسعى إلى الوجود بقوة على الأراضي الأفغانية استعدادا للانسحاب المحتمل للقوات الأميركية.
وعقب استقبال مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى وفدا من حركة طالبان في 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قام مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية عباس عراقجي بزيارة إلى كابل، وهي خطوة روج لها مسؤولون إيرانيون على أنها تأتي ضمن جهود تقوم بها طهران لدعم العملية السياسية في أفغانستان، غير أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أكد في تصريحات صحافية في 10 يناير (كانون الثاني) الماضي على «ضرورة أن يكون هناك دور لـ(طالبان) في مستقبل أفغانستان والعملية السياسية».
 فسر خبراء حرص المسؤولين الإيرانيين في الفترة الأخيرة على الإعلان عن اللقاءات المتعددة مع قيادات حركة طالبان التي كانت خصماً لطهران خلال فترة حكمها أفغانستان في تسعينات القرن الماضي، بأنه «يأتي ضمن استراتيجية إيرانية للإيحاء للرأي العام بأن طهران تسعى لدعم العملية السياسية في أفغانستان، كي تتمكن من تمهيد الطريق لإعادة ميليشيا (فاطميون) وتعزيز وجودها في الأراضي الأفغانية في ظل انسحاب محتمل للقوات الأميركية».
وربط باحثون في الشأن الإيراني التقارب بين طهران وطالبان بكثير من الملفات الساخنة والتطورات التي تشهدها المنطقة، فبجانب سعي طهران إلى إعادة ميليشيا «فاطميون» كي تتمكن من تعزيز وجودها في الأراضي الأفغانية استعدادا للانسحاب الأميركي المحتمل، تسعى أيضا إلى التأثير على الانتخابات الأفغانية المتوقع عقدها في يوليو (تموز) المقبل، إضافة إلى سعي طهران إلى مواجهة «قمة وارسو» وما قد ينتج عنها من قرارات تسعى لمواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة، خصوصا مع انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
 

دكتور  محمد عباس ناجي


يقول الدكتور محمد عباس ناجي، خبير الشؤون الإيرانية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، لـ«المجلة»: «إيران تسعى من خلال تقاربها مع حركة طالبان إلى تحقيق كثير من الأهداف، أبرزها عودة ميليشيا (فاطميون) إلى الأراضي الأفغانية، كي يمكن لطهران أن تعزز وجودها بالمنطقة تحسبا للانسحاب المحتمل للقوات الأميركية، وهو تكتيك يمكنها من التحول لرقم مؤثر في العملية السياسية الأفغانية والانتخابات، وتسعى إيران إلى الضغط على الحكومة الأفغانية من خلال تقاربها مع طالبان، فمن المعروف أن علاقة طهران مع الحكومة الأفغانية تشهد توترات كثيرة وتشوبها أجواء عدم الثقة».
ويشير ناجي إلى أن «التغير التكتيكي في العلاقة بين إيران وطالبان يرتبط في جانب منه بسعي طهران إلى الضغط على الولايات المتحدة الأميركية في كثير من الملفات، خصوصا (قمة وارسو) وما قد تتخذه من قرارات للحد من النفوذ الإيراني بالمنطقة».
وحذر تقرير لـ«مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» بالإمارات العربية المتحدة، من مخاطر عودة ميليشيا «فاطميون» إلى الأراضي الأفغانية، ونقل أعمالها من سوريا والعراق، خصوصا بعد تغير توازنات القوى العسكرية داخل سوريا لصالح النظام، الذي بات يسيطر، حسب تقديرات كثيرة، على نحو ثُلثي الأراضي السورية.
وقال التقرير الذي حصلت «المجلة» على نسخة منه: «يبدو أن ثمة تصورات كثيرة طرحت حول مستقبل الميليشيات الإيرانية المسلحة عكستها تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين وقادة تلك الميليشيات في الفترة الماضية، منها انتقال قسم من هذه الميليشيات إلى مناطق أخرى تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها فيها أو عودتها إلى دولها الأصلية مثل أفغانستان وباكستان».
وأضاف التقرير: «وهنا، فإن إيران ربما تسعى، عبر رفع مستوى التنسيق السياسي والأمني مع طالبان، إلى تأمين عودة كوادر وعناصر من ميليشيا (فاطميون) إلى أفغانستان، مع ضمان عدم دخولها في صراع مسلح مع طالبان، وقد تدّعي إيران في هذا السياق أن عودة هذه العناصر تكتسب أهمية خاصة في ضوء إمكانية انخراطها في مواجهات مع تنظيم (داعش) في المناطق التي يوجد فيها داخل أفغانستان، وهي ادعاءات لا (تتناسب) مع المعطيات الموجودة على الأرض التي تشير إلى أن إيران هي إحدى القوى الرئيسية الداعمة للإرهاب، وأن الممارسات التي قامت بها في سوريا والعراق وغيرهما كانت السبب الرئيسي الذي ساعد التنظيمات الإرهابية على الانتشار في هذه الدول».


 
* الانسحاب الأميركي من أفغانستان... هل يتكرر سيناريو العراق؟
 
وربط التقرير بين التحركات الإيرانية على الجبهة الأفغانية والانسحاب الأميركي المحتمل، لافتا إلى أن «إيران قد ترى أن الولايات المتحدة الأميركية ربما تقدم على اتخاذ خطوة مفاجئة بالانسحاب من أفغانستان، على غرار القرار الذي تبنته في سوريا وبدأت في تحويله إلى إجراءات عملية خلال الفترة الماضية. وبالطبع، فإنه مثلما تحاول طهران في الوقت الحالي ملء الفراغ الذي سوف ينتج عن الانسحاب الأميركي من سوريا، فإنها ترى أن الاستعداد مسبقاً لهذا السيناريو في أفغانستان يمكن أن يساعدها على تعزيز نفوذها داخل الأخيرة حتى قبل أن تتخذ واشنطن خطوة في هذا الإطار».
ويرى مراقبون أن الدور الجديد الذي تحاول إيران ممارسته في أفغانستان يواجه عقبات لا تبدو سهلة؛ إذ إنه لا يحظى بقبول من جانب الأطراف المعنية بالتطورات السياسية والأمنية في أفغانستان، وهو ما انعكس في الانتقادات القوية التي وجهتها كابل إلى طهران، حيث دعا حسين مرتضوي، نائب الناطق باسم الرئاسة الأفغانية، في 11 يناير (كانون الثاني) الماضي، طهران إلى الاهتمام بمشكلاتها السياسية الداخلية التي أدت إلى أزمة لسنوات، مضيفا في تصريحات صحافية: «أليس من الأفضل لطهران الاستماع إلى خصومها السياسيين بدلا من طالبان».
وتسعى إيران إلى اتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة «قمة وارسو» التي ستنعقد في بولندا يومي 13 و14 فبراير الحالي، وكان لافتا أنه عقب إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في 12 يناير الماضي، عن عقد قمة دولية في وارسو، ستركز، حسب تصريحاته، على «الاستقرار والسلام والحرية والأمن في الشرق الأوسط، على نحو يتضمن عنصرا مهما؛ وهو ضمان ألا تمارس إيران نفوذا مزعزعا للاستقرار»، بدأت الأخيرة في التحرك، على المستويين الإقليمي والدولي، لمواجهة ما قد ينتج عن القمة من قرارات.
ويقول خبراء في الشأن الإيراني إن طهران تحركت بقوة لتطوير علاقتها مع بعض الدول استعدادا لمواجهة ما قد ينتج عن قمة وارسو، وذكر تقرير «مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» بالإمارات العربية المتحدة، أن «التوجه نحو الشرق قد لا يعبر عن سياسة جديدة تتبناها إيران للتعامل مع الضغوط الدولية والإقليمية التي تتعرض لها بسبب تدخلاتها المستمرة في أزمات المنطقة. إلا إن الجديد في هذا السياق، هو تركيزها على دول بعينها، ترى أن تحسين علاقاتها معها يتوافق مع مصالحها ويقلص في الوقت نفسه من احتمالات تحولها إلى ما يمكن تسميتها (نقطة انطلاق) لتهديدها أو فرض ضغوط عليها، ويأتي على رأس هذه الدول كل من أذربيجان وباكستان».
ويقول الدكتور محمد عباس ناجي، الخبير في الشأن الإيراني، إن «تحرك إيران لتقوية علاقاتها مع كل من أذربيجان وباكستان جزء من استراتيجية طهران لمواجهة (قمة وارسو) والضغط على الولايات المتحدة الأميركية من خلال تعزيز النفوذ الإيراني في مناطق الأزمات».
 

font change